Skip to main content

حماة العقل: تعرف على عمال صيانة الدماغ

تتولى فرقة خلايا جوالة تنظيم التفاعلات داخل الدماغ، لتمنحنا عقولنا الثرية المرنة. تعرَّف معنا على الخلايا الدبقية الصغيرة.

قد لا تعي ذلك لكن دماغك يأوي جيشًا من الغزاة. فعبر امتطاء الأوعية الدموية والأنسجة العصبية أثناء الأشهر الأولى من حياتك في الرحم تمكنت تلك الكائنات عديمة الشكل من احتلال جميع أجزاء دماغك؛ حيث تحولت إلى شكل غريب ذي مجسات، قبل أن تقبع ساكنة مترقبة مثل العناكب في قلب شبكاتها.

يبدو الأمر خطيرًا، لكن تلك الخلايا متغيرة الشكل — والمعروفة باسم الخلايا الدبقية الصغيرة — لا تستدعي الفزع بل هي على الأحرى حليف لا يلقى التقدير اللازم. فبينما تسرق الخلايا العصبية — التي تومض بالنشاط الكهربي — الأضواء باعتبارها صانعة الأفكار فإننا ندرك الآن أن الخلايا الدبقية الصغيرة لا تقل أهمية للعقل النامي والمرن.

نظرًا لبراعة الخلايا الدبقية الصغيرة في أداء المهام المتعددة، فهي تضطلع بعدة أدوار مختلفة؛ إذ تلعب من جهة دور عمال الطوارئ الذين يحتشدون حول الإصابات ويزيلون آثارها كي يتيحوا بدء عملية الالتئام، ومن جهة أخرى تلعب أثناء أوقات الراحة دورَيْ البستاني والراعي فتشرف على نمو الخلايا العصبية الجديدة وتزرع وصلات عصبية جديدة، فضلًا عن تشذيب المناطق التي تنذر بالنمو المفرط. وعلاوة على ذلك تسهل تلك الخلايا عملية التعلم عبر تهيئة المجال لنمو الذكريات.

وبهذه الطريقة تساعدنا الخلايا الدبقية الصغيرة عبر مَنْحنا القدرة على التأقلم مع خبرات الحياة. مع ذلك، قد ينتج عن جهدها نتائج عكسية، ويعتقد علماء الأعصاب حاليًّا أن تلك الخلايا ستتيح مزيدًا من المعرفة حول الحالات المرضية العصبية مثل مرض ألزهايمر والتوحد.

شوهدت تلك الخلايا المتقلبة لأول مرة في حقبة الأربعينيات من القرن التاسع عشر، عندما لاحظ أخصائي علم الأمراض رودولف فيرشو وجود الخلايا الدبقية الصغيرة بالقرب من مواقع الإصابات الدماغية. ومع تزايد فهمنا للعناصر الأساسية المكونة للدماغ، فقد اعتبرت تلك الخلايا فيما بعد جزءًا من «العنصر الثالث» الغامض داخل الدماغ. أما العنصران الأول والثاني فهما الخلية العصبية والخلية النجمية؛ إذ ساد الاعتقاد بكون الخلايا النجمية تملأ الفراغات حول الخلايا العصبية وتمنحها المغذيات، لكن يبدو حاليًّا أنها تلعب كذلك دورًا في مهام أخرى؛ مثل التحكم في تدفق الدم عبر الدماغ (انظر الشكل).

عناصر الدماغ الثلاثة

بينما كان علماء الأعصاب يفحصون الدماغ بمزيد من التفصيل في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، حددوا ثلاثة عناصر أساسية مميزة: الخلايا العصبية، والخلايا النجمية، و«عنصر ثالث» أكثر غموضًا.

لكن العنصر الثالث ظل لغزًا حتى قدم بيو ديل ريو هورتيجا أبحاثه الريادية في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي. كانت فكرته العبقرية تقتضي العثور على صبغيات تتيح له تلوين الخلايا كي يستطيع رؤية كل خلية بمزيد من الوضوح تحت الميكروسكوب. وأثبت أن علماء الأعصاب قد خلطوا في السابق بين الخلايا الدبقية الصغيرة ونوع آخر من الخلايا يشوش على صورة نشاطها، ثم استخدم الميكروسكوب الخاص به لمراقبة دورة حياة الخلايا الدبقية التي تبدل خلالها شكلها، بما فيها مرحلة نزوحها المبكر وبعدها حالة الخمول العنكبوتية.

وفقًا لملاحظات ريو هورتيجا، لا تبدأ تلك الخلايا في التحرك مجددًا إلا في مواجهة المرض متحولة إلى شكل من أشكال الأميبا لتزحف ناحية موقع الإصابة. وما إن تصل إلى هناك حتى تتخلص من التلف مفترسة الميكروبات والخلايا العصبية الميتة كي تسمح ببدء عملية الالتئام.

أثبتت أبحاث هورتيجا اضطلاع الخلايا الدبقية الصغيرة بدور عمال الطوارئ داخل الدماغ، إلا أنها ساهمت أيضًا في فكرة أنها تكون خاملة معظم الوقت في ظل أية ظروف أخرى؛ مما أدى إلى إغفال وظائفها الأخرى لباقي القرن. ويوضح أكسل نيمرجان — عالم الفيزياء الحيوية في معهد سولك للدراسات البيولوجية بمدينة لاهويا، كاليفورنيا — ذلك قائلًا: «في حالة وجود خلل ما سوف تستجيب (هذه الخلايا) له، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما دورها في الدماغ السليم؟ هل تكتفي بالتسكع فحسب دون هدف؟»

على نحوٍ ما كان التأخر في معرفة ذلك يرجع إلى الجانب التكنولوجي، فوفقًا لبين باريس عالم البيولوجيا العصبية بجامعة ستانفورد في ولاية كاليفورنيا: «نحن نعلم بوجود الخلايا الدبقية الصغيرة منذ ما يزيد عن ١٠٠ عام، لكننا واجهنا صعوبة بالغة في دراستها؛ لأننا لم نمتلك الأدوات المناسبة.» إلا أن التقنيات الميكروسكوبية المحسنة في القرن الحادي والعشرين مهدت الطريق للتوصل لإدراك جديد.

جاءت الانطلاقة منذ ١٠ سنوات مضت، عندما كان نيمرجان يعد رسالة الدكتوراه في معهد ماكس بلانك للأبحاث الطبية بمدينة هايدلبرج، ألمانيا. ففي ذلك الوقت كان فريقه مهتمًّا أكثر بتلك الخلايا الدماغية الأخرى الغامضة، وهي الخلايا النجمية، والتي كانوا يأملون تمييزها وتحديدها باستخدام صبغة كيميائية. لكنهم كانوا يخشون التصاق الصبغة كذلك بالخلايا الدبقية الصغيرة مما يؤدي إلى إرباك نتائجهم. لذا أجروا تجربة تكميلية حقنوا خلالها الصبغة في فئران عُدلت وراثيًّا بحيث تتوهج خلاياها الدبقية بضوء أخضر عبر بروتين مشع، ثم استخدموا تقنية التصوير المتباطئ المتطورة لمراقبة أدمغة الفئران أثناء عملها.

أثبتت أفلام التصوير أن الصبغة التي استخدموها تلتصق بالخلايا النجمية فقط، كما كان مقصودًا. لكن على الرغم من أن الصبغة لم تمس الخلايا الدبقية المتوهجة، فإن تلك الخلايا هي ما جذبت حقًّا اهتمام نيمرجان. فعوضًا عن البقاء في حالة خمول كانت الخلايا تعج بالنشاط وتمد مجساتها التي تشبه مجسات العنكبوت — التي تدعى لوامس — لتتلمس الخلايا والمشابك العصبية والأوعية الدموية المجاورة. يعلق نيمرجان على ذلك قائلًا: «إنها لا تكتفي بالجلوس والترقب، بل تتجول بنشاط داخل بيئتها.»

عرض نيمرجان مقاطع الفيديو على زميله فرانك كيرشهوف الذي يعمل لدى جامعة سارلاند بألمانيا الذي قال: «أدركت على الفور أننا ننظر إلى أمر مذهل؛ إذ كانت الخلايا لا تتوقف عن الحركة.» وقد كتبا معًا بحثًا علميًّا يعتبر الآن علامة بارزة في هذا المجال (مجلة ساينس، المجلد ٣٠٨، صفحة ١٣١٤).

ما الذي كانت الخلايا الدبقية الصغيرة تفعله؟ أظهرت نتائج كيرشهوف ونيمرجان أنها تشارك على ما يبدو في نوع من أنشطة المراقبة؛ إذ تمركزت كل خلية في منطقة يبلغ عرضها ٨٠ ميكرومترًا، بينما قامت لوامسها بعمل دوريات في البيئة المحيطة طوال ساعتين إلى أربع ساعات. تشير أحد الاحتمالات إلى قيامها بفحوصات صحية دورية على الخلايا العصبية المحيطة لاكتشاف الأمراض، لكن سرعان ما بدأت تظهر أدلة تدَّعي أنها كانت تبحث عن شيء مختلف تمامًا، وذلك من خلال أبحاث بيث ستيفنز، التي كانت وقتها تجري دراسات ما بعد الدكتوراه في معمل باريس بستانفورد.

من جديد كان اكتشاف هذه النتيجة أمرًا مفاجئًا؛ إذ كانت ستيفنز تدرس النشاط الجيني للمشبك العصبي في هذا الوقت، وكان يحيرها جينًا يحمل شفرة البروتينات المكملة، وهي عبارة عن مجموعة من الجزيئات ترتبط عادةً بالجهاز المناعي. كان معروفًا أن تلك البروتينات تسري مع الدم وتساعد الأجسام المضادة والخلايا المناعية الأخرى في التخلص من أية مسببات للمرض، لكن ما الذي تفعله في مشبك عصبي داخل دماغ سليم؟ ومع تعمق ستيفنز في البحث وجدت أن تلك البروتينات المكملة كانت تقوم بدور مؤشر الموت بالنسبة للمشبك العصبي، فتجذب الخلايا الدبقية الصغيرة القريبة التي تتولى نزع الوصلة العصبية وابتلاعها.

تشذيب الدماغ

وضع هذا الاكتشاف الخلايا الدبقية الصغيرة في قلب عملية التشذيب المشبكي بالدماغ؛ إذ تكوِّن أدمغتنا أثناء نموها وصلات مشبكية على نحو عشوائي إلى حدٍّ ما. فيما بعد — لا سيما أثناء مرحلة المراهقة — يشذب الدماغ الدوائر العصبية وينقحها كي تصبح أكثر كفاءة في معالجة المعلومات. ومن ثم اتضح أن الخلايا الدبقية الصغيرة ليست خلايا خاملة متفرجة على الإطلاق، بل إنها تشكل الدماغ وترشده خلال واحدة من أكبر فترات النشاط التي يشهدها.

قد يتسبب هذا التشذيب كذلك في إحداث تحولات أكثر اعتدالًا تساعدنا في التأقلم مع المواقف الجديدة. وقد قدمت الباحثة ماري-إيف ترمبلي — التي تعمل حاليًّا بجامعة لافال في مقاطعة كيبيك بكندا — صورة من أفضل الصور التي تعرض هذه العملية أثناء حدوثها؛ إذ رَبَّت مجموعة من الفئران في الظلام لبضعة أيام ثم عرَّضتها للضوء، وفي نفس الوقت فحصت النشاط في قشرتها البصرية باستخدام ميكروسكوب إلكتروني وتقنية تدعى تصوير الكائن الحي بفوتونين.

كما كان متوقَّعًا، وجدت ترمبلي أن كثيرًا من الخلايا العصبية كانت تعيد مد وصلاتها في ظل الظروف المتغيرة، لا سيما في التركيبات الشوكية المتغصنة التي تشكل جانبًا من المشبك العصبي. فعندما نشأت الفئران في الظلام بدا أن هذه الشوكات انكمشت لكن عند سطوع الضوء انتصبت وزاد حجمها.

المهم في الأمر أن ترمبلي اكتشفت أن الخلايا الدبقية الصغيرة تغير سلوكها تغييرًا جذريًّا كرد فعل لتلك التغيرات؛ إذ دفعها الحرمان من الضوء إلى الارتباط الوثيق بالشوكات المنكمشة. تعلق ترمبلي على هذا قائلةً: «لم تكتفِ لوامس الخلايا الدبقية بلمس تلك المشابك العصبية فحسب، بل قامت في الواقع بابتلاعها.» وخلافًا لذلك كان للتعرض للضوء تأثير معاكس؛ إذ انكمشت الخلايا الدبقية بعيدًا عن المشبك العصبي مع نموه وانتصابه (دورية بي إل أو إس بيولوجي، المجلد ٨،e1000527). على وجه العموم بدا أن الخلايا الدبقية الصغيرة كانت تراقب مناطقها عن كثب لاصطياد الوصلات الضعيفة غير المستخدمة وتشذيبها كي يستطيع الدماغ تحسين وصلاته والحفاظ على موارده.

لكن الأسلوب الذي اتبعته الخلايا الدبقية الصغيرة بالضبط لتمييز الوصلات الصالحة للإزالة ما زال محل جدل. تقترح أبحاث ستيفنز حول البروتينات المكملة الاحتمال التالي: ربما تَستخدِم الخلايا العصبية ذاتها بروتينات لتمييز المشابك العصبية التي لا تستطيع القيام بمهامها كما ينبغي، استعدادًا لمجيء الخلايا الدبقية الصغيرة وقيامها بالتخلص منها. لكن ربما تتضمن العملية آليات أخرى كذلك، فعلى سبيل المثال يبدو أن الخلايا العصبية النشطة تظهر تمتعها بالصحة عبر إنتاج مادة تدعى فراكتالين، قد تنبه الخلايا الدبقية إلى ترك المشابك العصبية كما هي.

أيًّا كانت الآلية المتبعة فقد أصبح من الواضح الآن أن الخلايا الدبقية الصغيرة منهمكة في الاعتناء بغابات المشابك العصبية المنتشرة عبر الدماغ. تقول ترمبلي: «لقد درستُ حيوانات في مرحلة النمو والبلوغ والنضج المبكر والشيخوخة، ولاحظتُ نفس الظاهرة في كل مكان.»

كلما كثف علماء الأعصاب أبحاثهم اكتشفوا أن نطاق عمل الخلايا الدبقية الصغيرة يتجاوز مهام التشذيب بمراحل، فهي مسئولة عن كثير من الأنشطة الأخرى التي قد تساهم كل منها في قدرة الدماغ على التكيف. على سبيل المثال، بالإضافة إلى تشذيب المشابك العصبية، ترعى الخلايا الدبقية تطور هذه المشابك عبر فرز المغذيات المعروفة باسم عوامل النمو، والتي تدعم نمو الوصلات العصبية الجديدة. وما إن يتكون المشبك العصبي قد تتولى مهمة مراقبة المستقبلات التي تساعد على نقل الرسائل بين أية خليتين عصبيتين وتعديلها. تلك التعديلات — التي تسمى التكيفية المشبكية — تحسن التواصل بين الشبكات العصبية ويعتقد كونها آلية محورية من آليات التعلم. وقد وجدت ترمبلي بالفعل علامات على زيادة نشاط الخلايا الدبقية الصغيرة في شق الحصين، وهو مركز الذاكرة بالدماغ.

وعلاوة على ذلك قد تراقب الخلايا الدبقية الصغيرة المراحل الأولية في تطور الدماغ للتأكد من عدم إفراطه في إنماء الخلايا العصبية. ففي أوائل هذا العام، أظهر باحثون في جامعة كاليفورنيا بديفيز أن الخلايا الدبقية تتحكم بحجم القشرة المخية عبر تنظيم أعداد الخلايا الجذعية العصبية التي تنتج الخلايا العصبية غير الناضجة في الدماغ النامي. وعند فحص أدمغة الفئران وقرود المكَّاك، وجد الباحثون أن الخلايا الدبقية ترتكز في المناطق التي تنقسم فيها الخلايا العصبية المؤسسة كي تنتج خلايا عصبية شابة. فقد أدى تنشيط الخلايا الدبقية إلى خفض عدد تلك الخلايا إلى حد كبير، بينما أدى تثبيط نشاطها أو إزالتها إلى ازدهارها (دورية جورنال أوف نيروساينس، المجلد ٣٣، صفحة ٤٢١٦).

تدفع هذه القائمة المتنامية من المهام بعض علماء الأعصاب إلى التساؤل عما يحدث عند إصابة تلك الخلايا الهامة بخلل وظيفي، وعما إذا كان في إمكان ذلك مساعدتنا على فهم بعض الاضطرابات الدماغية. إن دور الخلايا الدبقية الصغيرة في التشذيب المشبكي يورطها، مثلًا، في الأمراض التنكسية العصبية مثل ألزهايمر. ففي مراحل ألزهايمر المبكرة، تبدأ الخلايا في الاختفاء تدريجيًّا في منطقة شق الحصين، ثم ينتشر هذا التدهور عبر الدماغ ويصحبه فقدان واسع النطاق للمشابك العصبية.

يتضمن مرض ألزهايمر ترسب العديد من البروتينات المتحولة داخل الخلايا الدماغية وحولها، ويسود الاعتقاد أن الرواسب الخاصة بأحد تلك البروتينات — يدعى أميلويد بيتا — ذات تأثير سام على الخلايا العصبية. تشير إحدى الفِكَرِ الشائعة إلى احتمال فقدان الخلايا الدبقية الصغيرة تدريجيًّا لقدرتها على التخلص من رواسب أميلويد بيتا.

لكن دورها المكتشَف حديثًّا في التشذيب المشبكي يشير إلى احتمال تورطها على نحو آخر: فربما تحمست الخلايا الدبقية الصغيرة أكثر مما ينبغي واقتلعت كمًّا أكبر من اللازم من المشابك العصبية وفقًا لباريس. فعلى سبيل المثال قد يُنتِج الدماغ عددًا أكثر من اللازم من تلك البروتينات المكملة، فيتسبب دون قصد في وسم مناطق كبيرة من المشابك العصبية بغرض تدميرها. على نحو مماثل، وجد باريس أن البروتينات المكملة تتجمع بالفعل على ما يبدو عند المشابك العصبية مع تقدمنا في العمر، بينما اكتشفت الدراسات الجينية أن تحولًا في جين يشترك في عملية التحديد قد يتسبب في زيادة خطر الإصابة بالمرض لدى بعض الأشخاص.

على الرغم من ذلك، يظل التوصل إلى حكم قاطع حول علاقة هذه الخلايا بمرض ألزهايمر أمرًا بعيد المنال، وهو ما يعبر عنه عالم الفيسيولوجيا العصبية أليكسي فيركراتسكي بجامعة مانشستر بالمملكة المتحدة، الذي يرغب في مشاهدة دليل مباشر على وجود الخلايا الدبقية الصغيرة مفرطة النشاط كي يقتنع بعلاقتها بالمرض. لكن إذا اكتشف العلماء كونها متورطة فسيرفع ذلك من احتمالات التوصل إلى علاجات جديدة؛ إذ طوَّر باريس — على سبيل المثال — عقَّارًا يستهدف البروتينات المكملة، ومن ثم قد يكون بوسعه منع الخلايا الدبقية الصغيرة من ابتلاع المشابك العصبية على نحو ضار.

علاوة على ذلك فإن دور الخلايا الدبقية الصغيرة في التشذيب المشبكي يورطها في مرض التوحد، الذي يرتبط بتوصيلات كهربائية خاطئة بين الدوائر العصبية أثناء نمو الدماغ. ومما يثير الاهتمام سلوك الخلايا الدبقية الذي يبدو بالفعل مختلفًا لدى المصابين بالتوحد؛ إذ تقبع بالقرب من الخلايا العصبية التي تجاورها وعلى الأرجح تلتف «مجاسها» حولها، لكن الأمر يحتاج إلى المزيد من البحث لفهم ما إذا كان هذا التفاعل يساهم في أعراض التوحد. وبالمثل تشير بعض الأدلة الواعدة إلى كون الخلايا الدبقية الصغيرة أكثر نشاطًا لدى المصابين بالاكتئاب، مما قد يؤدي إلى تغير عملية إرسال الإشارات الكيميائية في مناطق الدماغ التي يعتقد أنها تنظم حالتنا المزاجية.

يتضح الآن أن معرفة المزيد حول السمات البيولوجية للخلايا الدبقية الصغيرة قد يساعدنا على اكتساب فهم أفضل للعقول السليمة والمريضة على حدٍّ سواء. ومن بين أشد الأسئلة إلحاحًا ها هنا هو كيف تتفاعل الخلايا الدبقية الصغيرة مع الخلايا العصبية والخلايا النجمية، ومن ثم يعمل كل من باريس وستيفنز وترمبلي من أجل تحديد الإشارات التي تستخدمها الخلايا الدبقية الصغيرة للتواصل.

إن الكشف عن كون الخلايا الدبقية الصغيرة «الساكنة» أبعد ما تكون عن الخمول يطرح كذلك إمكانية وجود تلك الخلايا التي تبدل شكلها في هيئات أكثر بكثير مما ندرك. يقول فيركراتسكي: «إن تنشيط الخلايا الدبقية الصغيرة لا يتبع قانون تنفيذ الكل أو لا شيء، بل هو بالأحرى مقياس متصل ينتج الكثير من الأنماط الشكلية المختلفة التي ما زلنا لا نعرف عنها شيئًا»، وهو ما قد يؤثر على علم الأعصاب بأكمله. ثم يضيف قائلًا: «من الواضح أنه ينبغي لنا إعادة تعريف منهجنا في دراسة الدماغ. فنحن بحاجة إلى التوقف عن تقسيمه إلى خلايا عصبية ودبق عصبي؛ لأننا نتعامل مع نسيج يحتوي على أنواع كثيرة من الخلايا ذات المهام المختلفة التي تعمل معًا.»

يوافق باريس على كون الخلايا الدبقية الصغيرة تخفي ألغازًا أكثر، فيقول: «ترى ما تأثيرها على الخلايا العصبية فيما يتعلق بالنشاط المشبكي؟» قطعًا قد تلعب هذه الخلايا كذلك دورًا مباشرًا في التواصل الكهربائي الذي يخلق الأفكار ذاتها. فعلى حد قول باريس: «نحن ما زلنا لا نرى سوى قمة الجبل الجليدي.»

28 Mar, 2017 02:48:09 PM
0

لمشاركة الخبر