Skip to main content
عندما يكون الكتاب خطرا على من يقرأه

هل للقراءة مخاطر؟ سؤال مفاجئ قد يجد طريقه للطرح، لكن المفاجأة الأكبر أن خبراء اعتبروا أنه في بعض الحالات تظهر مخاطر بالفعل للقراءة، وهي الحالة التي يتوحد فيها القارئ مع المؤلف في إحدى شخصياته، فيتقمص ملامح من هذه الشخصيات في حياته العادية، وقد يتغير مسار حياة إنسان بالفعل بسبب توحده مع شخصية توحد معها، ثم يكتشف بعد فوات الأوان أنه تقمص الشخصية الخطأ.


كما أن هناك جانب آخر من الخطر المتعلق بالقراءة غير الصحيحة، وهو أن الجيل الجديد من الشباب لم يعد يقرأ الكتب، ولم يعد في وسعه أن يصبر الوقت الكافي من أجل تصفح كتاب مطبوع مثلا، خاصة أن شباب الجيل الجديد منغمس حتى أذنيه في تصفح مواقع الإنترنت، وما يتصل بها من شبكات التواصل الاجتماعي، وهو ما يطرح فكرة أن هناك خطر من القراءات غير المكتملة أو المجتزأة، لكن مع ذلك فلا يمكن تجاهل أن القراءة لم تعد هذه الهواية المحببة لكثير من الناس بمن فيهم الشباب كما كان في الماضي.


أكثر من هذا أن الشاعر الفلسطيني خيري منصور، يقول: إن القراءة الجيدة والحثيثة من جانب بعض الكتاب لها مخاطر عظيمة على شخصية القارئ، لأنها ببساطة ومن وجهة نظر خيري منصور "تضعف من شخصية القارئ"، مشيرا إلى اختلاف عادات القراء من شخص لآخر، لكن في كل الأحوال، فإن القراءة تضيف لخبرات وحياة كل من يقرأ خبرات أخرى، وكأنه يعيش نفس حياتهم ويضيف لعمره نفس أعمارهم وزيادة، بشرط ألا يتوحد مع ما يقرأه وتذوب شخصيات بين الشخصيات التي يقرأ لها أو التي يقرأ حولها.


لكن يشير منصور بذلك إلى ما قاله المفكر المصري الراحل عباس محمود العقاد عندما سأل لماذا نقرأ؟ فقال: "أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة في هذه الدنيا، وحياة واحدة لا تكفيني.. والقراءة دون غيرها هي التي  تعطيني أكثر من حياة واحدة في مدى عمر الإنسان الواحد".

قراءة مجتزأة
ويؤيد وجهة النظر السابقة الروائي الفلسطيني رشاد أبو شاور، فيقول: إن الإنسان في مجتمعنا العربي أصبح لا يقرأ بصورة جيدة تفيد في عمله أو يقرأ من قبيل المعرفة الثقافية، والسبب يرجع إلى تفضيل الثقافة السهلة من وسائل الإعلام على الكتاب، كذلك لهاث الناس وراء لقمة العيش ورغيف الخبز والطموحات المادية.
وأرى أن المؤسسات الثقافية لابد وأن تسعى لدعم الدوريات والكتب، وتساعد على نشر الكلمة المطبوعة والدعاية لها بصورة جيدة. إن الكتاب - في رأيي - يجب أن يساوي رغيف الخبز في قيمته، فكلاهما يعطي الحياة وكلاهما غذاء.


أما الروائي الأردني جمال ناجي، فيقول: إن جمهور الكتاب لم تستهوه وسائل الإعلام التي استقطبت جمهورا في الأصل لا يقرأ، الكتاب سيظل هو أصل الثقافة، والكتاب أهم وسيلة للمعرفة، فهو يستفزك ويصنع بينه وبينك علاقة جدلية، مؤكدا أن الفضائيات لا تصنع هذه العلاقة، بل ترغمك وسائل الإعلام المرئية والمسموعة على تقبل ما تعطيه لك دون مناقشة وتمنعك من التفكير، أما الكتاب فأنت تعيد قراءته ومناقشته وترجع لفقراته، ومثقف الكتاب هو المثقف الحقيقي، وجمهور الكتاب لن يتخلى عنه.  


ويتساءل: من الذين يقاطعون القراءة؟ في أكثر الأحيان هم خريجو كليات الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية، وهم أول من كنا نتوقعهم على قائمة القارئين، فكيف بسواهم من خريجي كليات العلوم العملية كالهندسة والطب والعلوم، وكيف بغير هؤلاء وأولئك من الشهادات المتوسطة، وهذه كارثة تكرس التخلف وتعيد المتعلمين جميعا إلى الأمية، في تخصصاتهم من جهة، وفي المعرفة العامة من جهة أخرى، وتصيب المجتمع بأسره بالقصور والردة الفكرية سياسيا ودينيا واجتماعيا، الردة التي تعاني مجتمعاتنا العربية منها الآن بصورة لم تحدث من قبل، في مجتمع لا تتساوى فيه الدخول والموارد المادية مع الأسعار والنفقات الجارية شهرياً، بل كل يوم، مجتمع يعيش بالكاد يوما بيوم ويشقى في طلب لقمة العيش، فلا تكون لدى معظم الناس القارئين قدرة، أدنى قدرة على شراء السلع الأساسية تصبح الثقافة عندهم كماليات، لا نبدلها في ميزانية تعاني العجز الدائم، فلا توجد فرصة للقراءة المجانية، وتتضاعف هذه الكارثة الكبرى والسبب الأول هو التخلف، هل بقي ما يمكن أن نعلل به لماذا لا يقرأ الناس؟. 


ومن وجهة نظر أخرى، يقول المترجم وكاتب الأطفال، محمود قاسم: الناس لا تقرأ، لكنها تقرأ الأدب، إذا كانت القراءة لمنظور الساحة الثقافية هي الأدب فإنه توجد حالة انحسار واضحة، لأن الأدب لم يعد له نفس الأولوية لدى القراء التي كانت في الماضي، لكن تقرأ وإذا راقبت الناس في القطار باعتبارهم يمكثون بالقطار مسافة طويلة فإنهم يقرأون لكن يقرأون  الكتب الدينية، والصفحات الرياضية. الناس تقرأ حسب اهتمامهم في المقام الأول، وإذا قلنا إن انصراف الناس عن الكتب الأدبية والثقافية يرجع إلى ارتفاع أسعار الكتب، فإن كتب السياسة والدين والرياضة غالية، لكن الناس يقبلون على شرائها وقراءتها. 

24 Apr, 2017 11:38:55 PM
0

لمشاركة الخبر