Skip to main content
الشاعران الشهاوي ونجمي يتأملان ثيمة الموت والعلاقة بين المرأة والرجل

استضاف منتدى عبد الحميد شومان الثقافي، مساء أول أمس، الشاعرين المصري أحمد الشهاوي والمغربي حسن نجمي، في أمسية شعرية، قدمهما وزير الثقافة الأسبق الشاعر جريس سماوي، وسط حضور لافت من المثقفين والمهتمين.
الشاعر سماوي في تقديمه قال مرحبا بالشاعرين في الأردن وفي مؤسسة عبد الحميد شومان، مشيرا إلى أنهما شاعران اجترح كل واحد منهما طريقا خاصة به في الشعر، وتميز بها. لافتا النطر أنه من خلال قراءة مختصرة في السيرتين الذاتيتين للشاعرين، إلى الخبرات الكبيرة التي يتمتعان بها، خصوصا أنهما عملا في حقل الصحافة والإعلام، ما أكسبهما دراية عالية بالكتابة المتنوعة، فضلا عن أنهما حازا العديد من الجوائز والتكريمات، وترجمت أعمالهما إلى العديد من اللغات الأخرى.
إلى ذلك استهل الأمسية الشاعر الشهاوي صاحب «لسان النار»، حيث قرأ مجموعة من قصائده الجديدة عمل من خلالها استشكاف العلاقة اللانهائية بين الرجل والمرأة وكذلك صورة الرجل الوحيد الذي يحاول أن يرى نفسه في مرايا النساء الكثيرات، لكن الجدل الذي تحاول القصائد إقامته والتعبير عنه، ليس خاصا بالحسيات، وإنما يتعداها نحو الأسئلة الوجودية الكبرى، خصوصا حول الكينونة والوجود والمعنى. ويستقصي الشهاوي حالات الرجل في الفقد وحالاته في الفقد والبعد، محاولا أن يرسم صور الحياة العديدة التي من الممكن أن تتشكل من خلال هاتين الحالتين.
قصائد الشهاوي التي قرأ منها نماذج خلال الأمسية، هي قصائد «قصدية»، وبعيدة عن حالة التداعي غير الواعية، فهو يكتب ليجلب معنى معينا، ويرسم صورة مؤطرة، مستعينا على ذلك بالعديد من الاستدخالات والتضمينات والإشارات إلى نصوص تراثية، أو مصطلحات ومفردات بعينها، لكي لا يقول كل المعنى، بل يكتفي بالإشارة إليه، مثل المقطع الذي يقول فيه: «ما أنت الآن سوى ملك لقش الطيور التي هجرتك/ وملكك كان على ذهب زائف/ وآية عرشك منحولة/ وكتابك لم يكن باليمين/ ولم تشبه البوم في الشؤم/ ولا الغربان في سود الطوالع».
في قصائده كان الشهاوي يحاول بناء متوالية من الصور، وهي صور تأتي كما لو أنها قطع فسيفسائية في لوحة كبيرة، هي مجمل «القصيدة – الفكرة»، التي يحاول رسمها وتأطيرها في نهاية المطاف، لنقرأ هذا المقطع الذي يقول فيه:»على الرف/ أحلام وأدها الليل/ ورسائل منسية/ وراديو قديم/ وعقد إيجار لبستان ظلٍّ/ وحبر بارد في دواة/ لم تنم ليلة في يدي/ وصورة شمسية لجنيّة ساعدت أمي في الخبيز».
من جهته الشاعر حسن نجمي، بدأ قراءاته بالتأكيد على أنه «في حضرة الشعر يحضر الارتباك»، لافتا إلى أنه ارتباك شعري يستشعر ثقل المسؤولية؛ مسؤولية الكلمة والجمال، مشيرا في كلمته قبل القراءة  أن الأردن بالنسبة إليه ليس مجرد مكان يزوره، فقد امتدت علاقته به منذ فترة طويلة. وقال «في الصفوف الإعدادية كان هناك عدد من المعلمين الأردنيين حضروا في بعثة، وتوزعوا بين المدن المغربية، وقد قيض لي أن أتعلم الحرف واللغة على أيدي بعضهم».
وأكد نجمي حين قال: أنه حسم خياراته الجمالية الشعرية لمصلحة «قصيدة النثر»، دون غيرها، حيث قرأ نصوصا غلبت عليها سمات ثلاث؛ هي انكسار النبرة، الشجن، وثيمة الموت الطاغية، والقصائد هي: «ضريح أنّا أخماتوفا»، «موت شاعر»، «النائمة»، «الموت»، «ابقَ قليلا أكثر»، «الهروب»، «وجه إله هندي»، قصائد تستقصي ثيمة الموت الغامضة، بما هو حالة غياب قسرية لا يمكن تفسيرها، وينبلج منها سؤال الوجود الأهم؛ الغاية من حياة محكومة بنهاية حتمية من دون إرادة في القدوم أو في الذهاب!
ومعظم قصائد نجمي يحتفي بالموت، فالموت  ليس دائما تعبيرا عن نهاية تشكل انطفاء، أو خاتمة للمسيرة، بل من الممكن أن يكون بوابة لوجود آخر مختلف.
يقول في واحدة من قصائده:»الآلهة الصغيرة وحدها تعرف –/ لماذا بقينا هنا، إلى الآن، نحرس الضريح/ حتى في الليل لا نفترق عنك/ قالت كتب ستنهض التترية من أبد نومها –/ وستمضين معنا، بقلب أخضر، عائدة إلى بلاط الحياة/ لهذا نحن هنا، نصلي قصيدتنا من أجلك».
والمطلع على تجربة الشاعر نجمي يلاحظ كم انشغاله بالتفاصيل، محاولا جمع أكبر قدر منها في نصه، كما في قصيدة «وجه إله هندي»، فهو يضع فيها حتى تاريخ اللقاء ومكانه «كما كلمتني في بهو الفندق في كازبلانكا – 1999»، وكأنما بهذا السلوك يحاول «تكسير»، الموسيقا تماما، إذ لا يكتفي بأن ينتهج قصيدة النثر التي تنحاز إلى نثرية عالية، بل أيضا يعمد إلى خلخلة البنية الداخلية للمفردة، وتجريدها من أي موسيقا في داخلها.
من قصيدته «ذكرى بعيدة» حيث يقول:»أذكر ونحن معا أعلى تلال الرمل/ وأنا أداعبك/ (كان الرمل شاهق الحمرة والصيف سكران)،وفجأتني: لمَ لا على سرير؟/ (حدقت كي أتأكد من وضوح الكحل)/ تركت اندهاشي عند كأس القهوة وركوة الأعراب/ وجريت خلف شعاع عينيك».
وكان قد عاين كل من الشاعر الشهاوي ونجمي، قبل قراءة شعرهما، الإمكانيات الكبيرة التي يمكن للقصيدة الحديثة أن تختزنها، من حيث خفوت نبرتها وضديتها تجاه المنبرية، وانحيازها إلى جوانية الشاعر وهواجسه الداخلية عن الكون والوجود، إضافة إلى انحيازها الكلي إلى الإنسان بأفراحه الصغيرة وانكساراتها الكبيرة. وقبل كل ذلك، كانت قصائد عن سردية الحزن، ومحاولات الإنسان عبور الأسئلة الكبرى نحو أمان حتى لو كان مزيفا.

26 Apr, 2017 09:44:55 AM
0

لمشاركة الخبر