«ذئب الله» لجهاد أبو حشيش..
يُجمع المهتمون بكتابة الرواية و الكتابة عموما، أنّ العنوان هو العتبة الأولى للنص فمنه يبدأ القارئ التعرف على ما بين يديه من رواية أو قصة أو شعر أو غير ذلك..وللكُتّاب في ذلك باع طويل حيث تعددت العناوين و تنوعت الأساليب و التقنيات التي استخدموها فظهرت براعتهم في اختيار عناوين جذابة و جديدة. لذلك فهم دائما يُجِدّون في العثور على عنوان مغاير ومختلف قادر على أن يحرك سواكن القارئ و يدفعه للغوص في محتوى الكتاب.
من هذا الباب لفتت انتباهي رواية ذئب الله للروائي و الشاعر جهاد أبو حشيش، لتطرق في داخلي أكثر من باب و تثير أكثر من سؤال و تقض مضجع أفكار و قناعات خلناها مسلمة، لنكتشف أن الحقيقة لا يرويها راو واحد و أن المشهد لا يكتمل إلا إذا جمعنا فيه جميع الصور تماما كلوحة فسيفسائية لا تتضح إلا بتجميع كل القطع الصغيرة .
تُحيلنا المأثورات العربية بما في ذلك الحكايا التي زخرت بها المخيلة إلى أنّ الذئب حيوان خاص لدى العرب و قد كان له حضوره في أدبهم شعرا و نثرا قديما وحديثا، ليكون رمزا للقوة و الشجاعة والمغامرة..و لئن اعتقد البعض أن حضور الذئب خاصا بالعرب وحدهم فإن تعدد العناوين التي احتفت بالذئب في مختلف اللغات و الثقافات كثيرة تجعلنا لا نتردد في القول إن للذئب دلالات ورموز إنسانية كثيرة.
ومن العناوين العربية التي حضر فيها الذئب نذكر رواية طعم الذئب للكاتب الكويتي عبد الله البصيص ورواية عندما تشيخ الذئاب للكاتب جمال ناجي ورواية عودة الذئب للكاتبة سامية أحمد..أما عالميا فنذكر رواية رمز الذئب للكاتب الصيني يانغ رونغو التي ترجمت بعد عام فقط من صدورها الى 26 لغة عالمية ورواية ذئب البحر بقلم الروائي الأمريكي جاك لندن..
وتأتي رواية ذئب الله الصادرة عن دار فضاءات و دار ابن رشد لتضيف دلالة أخرى وعمق طرح جديد لقضايا يتجاوز عمرها الخمسين عاما. فمن هو ذئب الله؟
تبدأ الحكاية من قصة وكأنها مشهد من مسلسل بدوي رمضاني اعتاد عليه المشاهد العربي فحضورعصرية المرأة القوية التي تمسك زمام الأمور بين يديها، يُطمئن القارئ في البداية بأنه في إطار قصة معتادة لكن هناك شئ ما سيحدث ..
هو الثأر من القاتل بالانتقام من ضحية بريئة، فلم تكن ام عواد الوحيدة لكن معها كانت البداية حيث زُفَت مكرهة لتنقذ القبيلة من ويلات حروب ستسيل فيها دماء كثيرة، لكن تضحياتها لم تقف عند هذا الحد بل امتدت لتكون أكثر قساوة و ألما إذ حرمتها عصرية من ابنها عواد وأذاقتها طعم الحرمان الذي كانت قد عاشته هي الأخرى..ثم تعددت الضحايا و إن بأشكال مختلفة ، فهل الذئب الضحية الأولى لكل من قتل فيه شعور الانتماء و الوفاء؟
وبطلقة نارية مبهمة الملامح من الابن لأمه سالت الدماء فتحركت الأحداث و انقلبت رأسا على عقب إذ يفاجئ القارئ بإطار مكاني جديد وواقع آخر و شخصيات اخرى..لكن رغم هذا التغير لا يشعر بالملل و بالضجر او بالفوضى فالكاتب يتنقل بسلاسة من راو الى اخر كما تتنقل نحلة من مكان إلى آخر بحثا عن رحيق الازهار، فهو يؤمن ان الحقيقة لا يمتلكها راو واحد و إنما علينا الاستماع الى اكثر من شخص لنرى المشهد كاملا .
تتفرع الأحداث و تزداد تشابكا لتحاكي تقاطعات الواقع العربي المختنق وتتناول بذكاء كبير أحداثا تاريخية هامة، و إن لم نخض فيها مخافة اندلاع الحرائق من جديد فإنها مازالت حية فينا، نطيل نومها خوفا من استيقاظها حيث يفاجئ جهاد ابو حشيش القارئ بما وراء الستار، فهناك شئ ما يتجاوز القضية و الوطن إنه منطق البيع و الشراء، وهناك دوما من يتوسل به ليكون السيد صاحب الثروة حتى و إن سحق ابنائه حيث لا انتماء له لا للارض و لا للقضية.
وهنا يسلط الضوء على تجارة السلاح وواقع السجون و علاقتها بما يُدار خارجها إضافة إلى تناوله زوايا عديدة منها الحب و الجنس و تراكمات الصبا و شعور الحرمان و الرغبة و الانتقام و الانتهازية و النضال و المصلحة وصولا للارهاب والعمل السري وكيفية استقطاب الناس و تشكل التيارات المتشددة.
و لم يغفل جهاد أبو حشيش في روايته أيضا أن يتطرق لوجود المرأة سواء كانت في القبيلة أو في المدينة فهي ذات وجوه كثيرة فمنها القوية كعصرية ومنها الضعيفة المستسلمة كأم عواد و عائشة.. أما منال و تاليا فكل واحدة منهما تعكس وجها من وجوه الجشع و الاستنزاف.. فها هي منال ترضى بعواد زوجا و بتعنيفه لها مقابل طقم من الذهب..
(المساحات التي تحتلها في الحياة عليك أن تثبت بجدارة أنها ملكك، القوة و المال وحدهما من يمنحانك شرعية وجودك)
ذئب الله رواية، تستحق أكثر من قراءة، لا يمكن أن تتركها إلا عندما تنهي قراءتها لكنك لا يمكنك أن تنتهي منها، ستحرك فيك أسئلة و شجونا كثيرة لتفهم ما حولك./.