Skip to main content
أزيحوا هؤلاء النسوة التعيسات عن الطريق! لنانسي مالكييل

لا تتعلم الشعوب فقط من صفحات الكتب أو من الملفات. إنها تتعلم بالدرجة الأولى من الدروس المستفادة من تجاربها وخبراتها المستمدة من واقع الأحوال وخلاصة التجارب الحياتية. هذا هو الدرس المستفاد بدوره، من واقع الكتاب الذي نطل على محتوياته ومضامينه فيما يلي من سطور.

الكتاب صادر مؤخراً عن إحدى الجامعات المهمة في الولايات المتحدة، جامعة «برنستون»، ويحمل عنواناً مبدئياً طريفاً «أزيحوا هؤلاء النسوة التعيسات عن الطريق (!).. الكفاح من أجل التعليم المختلط».

والمقصود بداهة هو العمل على مدار سنوات من أجل إتاحة المجال أمام الفتيات للالتحاق بسلك التعليم الجامعي أسوة بالفتيان. وإذا كان الأمر قد صار بديهياً في زماننا الراهن فلم يكن الأمر نفسه بديهياً منذ عقود من فترات مضت، بل منذ عقود قليلة من سنوات القرن العشرين.

ومن هنا تستقي هذه النوعية من الدراسات أهميتها.. خاصة وقد عكفت على بحث وإصدار هذه الدراسة أستاذة أكاديمية راسخة القدم في علم التاريخ، فضلاً عن سنوات خدمتها الطويلة في جامعة «برنستون» ذاتها، وهو ما تجلى في اهتماماتها بعنصر الكفاح - السلمي بالطبع - من أجل الحقوق المدنية للفئات المحرومة - المهّمشة في أميركا.

وأيضاً من أجل إتاحة سبل المساواة العادلة وإمكانات تكافؤ الفرص لصالح الفتيان والنساء في الولايات المتحدة، وذلك على نحو ما تعرضه صفحات وفصول الكتاب.

وربما يعجب الباحث حين يعرف أن كبرى الجامعات في أميركا ظلت عازفة عن قبول عضوات «الجنس الناعم»، للالتحاق بالدراسة في كلياتها: وعلى سبيل المثال، ظلت جامعة «ييل».

وهي عضو في تصنيف المؤسسات الجامعية المرموقة بالولايات المتحدة (IVY League)، تقصر القبول في كلياتها على الطلاب الذكور وحتى حلول السنة الأخيرة من عقد الستينيات من القرن الماضي، (قارن مثلاً جامعة في جمهورية مصر العربية هي جامعة «فؤاد»- جامعة «القاهرة».. التحقت بها الفتيات منذ عقد الثلاثينيات من القرن المنصرم).

ويبين الكتاب نوعية وآثار المواقف المعادية للمرأة من جانب أهم ثلاث جامعات في أميركا وهي: هارفارد، ييل، برنستون. وهو ما استرعى اهتمامات المحللين الذين أشادوا بالكتاب من حيث كونه دراسة اجتماعية - تاريخية حافلة بالعبر والدروس المستفادة من تجارب تربوية، بل وسياسية لم تكن بعيدة إلى زمن موغل في القدم بقدر انتمائها إلى حداثة زمن الربع الأخير من القرن العشرين.

وتوضح المؤلفة كيف كان رؤساء وعمداء ومديرو تلك الجامعات الأميركية ومن في حكمهم، يعلنون باستمرار أن مهمة أو رسالة مؤسساتهم الأكاديمية إنما تتمثل في إعداد وتخريج قادة الأمة وموجهيها وزعمائها. وكان التصور ضمناً في هذا الصدد مقصوراً على الشباب من الذكور فقط لا غير.

ثم إن الذي يلفت انتباهنا، نحن قراء العالم الثالث، يتمثل كما توضح المؤلفة أيضاً، في أن المسؤولين في تلك الجامعات الأميركية المرموقة كانوا يجنحون إلى تركيز اهتماماتهم الأكاديمية وجهودهم العالمية على فئة بعينها من فئات مجتمعهم الأميركي:

إنها الفئة التي حملت، ولا تزال تحمل، المصطلح التالي: «الواسْب (WASP)» وهو المصطلح الاختصاري الذي تفيد رموزه من واقع كل حرف في الإنجليزية بما يلي: الأبيض + أنغلو- ساكسون + بروتستانت. والمعنى بداهة، أن ثمة تحيزاً بطعم العنصرية كما يمكن أن نقول، لصالح قبول وتعليم وتخريج الشباب ممن ينتمون إلى القطاع الذي يعدونه خلاصة أو صفوة الشعب الأميركي، وهو قطاع البيض من حيث لون البشرة.

والذين ينحدرون من أصول أنغلو سكسونية (غرب - أوروبية) ويتبعون مذهب المسيحية البروتستانتية. ناهيك عن إضافة المواقف التي ظلت تستبعد قبول المرأة في إطار التعليم الجامعي المختلط على نحو ما أسلفنا.

وتمضي مؤلفة كتابنا لتشرح عبر الصفحات كيف أن القرارات الحاسمة في تسيير وتفعيل تلك المؤسسات الأكاديمية المرموقة في أميركا، ظلت لأمد طويل مقصورة على الرجال ما بين رؤساء جامعات إلى عمداء إلى متنفّذين ومديرين ربما باستثناء سيدة ذاع اسمها في الماضي.

وهي: ماري أنغراهام بنتنغ- عميدة كلية «رادكليف» التي تولت رئاستها في عام 1960، وظلت تناضل إلى أن جرى قبول الفتيات للدراسة في جامعة «هارفارد» ومثيلاتها. ويورد الكتاب عبارات وردت على لسان العميدة المذكورة في تصريح لها إلى مجلة «تايم» التي اختارتها لصورة الغلاف في عام 1960، منها:

-.. الكبار يسألون الفتيان عما عساهم فعله حين يكبرون. لكنهم يسألون الفتيات من أين جئن بهذا الفستان الجميل. نحن لا نكاد نعير اهتمامنا بما يمكن أن تقوم به بناتنا إزاء ما يحصّلنه في مجال التعليم.

على الضفة الأخرى من مسار هذا البحث، تؤكد المؤلفة أن ثمة جامعات في أميركا نفسها باتت تجتذب أعداداً متزايدة من الطلاب الذكور الذين لم تعد تستهويهم، منذ سنوات الستينيات من القرن الـ20. تلك الجامعات التي كانت ترفض قبول الفتيات: كان هناك مثلاً جامعة «شيكاغو» التي تقول المؤلفة إنها حرصت على قبول الفتيات بعد إنشائها في عام 1892.

وهنا تلفت مؤلفة الكتاب إلى أن تحوّل الجامعات المرموقة إياها إلى الترحيب بالتحاق البنات لم يكن راجعاً - في تصوّرها - إلى الإيمان بحقوق المرأة، بقدر ما كان الدافع هو الحفاظ على اجتذاب الشباب المتفوق والواعد والقادر مادياً للالتحاق بالجامعات التي عمدت إلى تطبيق سياسة التعليم المختلط الذي يوائم بين الجنسين.

ومن هنا، تحرص المؤلفة على تبيان مسيرة العمل الدؤوب من أجل تحقيق هذا التكافؤ، وخاصة في فرص التنشئة الأكاديمية ومن ثم في مواقع العمل والترقي الاجتماعي بعد التخرج.. ولم تكن مسيرة جاهزة ولا ميسورة في كل حال.

الكتاب: أزيحوا هؤلاء النسوة التعيسات عن الطريق (!).. الكفاح من أجل التعليم المختلط

05 Jun, 2017 12:01:24 PM
0

لمشاركة الخبر