Skip to main content

صنع الله الذين أتقن كل شيء ....

حين تشاهد خسوف القمر او كسوف الشمس او ايه ظاهرة كونية قد تنبأ الفلكيون المختصون بها قبل حدوثها بوقت طويل ، فيحددوا متى تبدا ومتى تنتهى بدقة متناهيه ، فيعتريك العجب حين تقع هذه الظاهره وتعاين مدى دقة هذا التنبؤ وتنبهر بهذا العلم الذي وصل اليه هؤلاء المختصون.

في الخامس عشر من حزيران عام 2011 حدث خسوف كلي للقمر وقد شاهده الملايين من البشر ، وقد كانت مشاهده رائعه لهذا الخسوف ،فقد كان القمر بدرا ، وكانت فترة الخسوف قد بدأت وقت صلاة العشاء حيث ان الجميع كبارا وصغارا لم يؤوا بعد الى النوم فكانت فرصة مثالية لمشاهدة هذه الايه من ايات الله الكونيه .

لقد تعجب الناس من مدى دقة التنبؤ الذي تحدث عنه الفلكيون قبل فترة طويله ، حيث ذكروا في وسائل الاعلام المختلفة ان الخسوف سيبدا في التاريخ المذكور انفا في الساعة التاسعة وعشرون دقيقة ليلا،وفعلا فقد نظرت ونظر معي الجميع الى اجهزة ضبط الوقت التي كانت تشير الى نفس التوقيت المذكور بدقة متناهيه .

انني هنا لست بصدد مناقشة حرفية وكفاءة المختصون واتقانهم في عملهم وان كان هذا مهما ،ولكن اود ان اشير الى ان كثير من الناس قد غفل عن عظيم خلق الله جل جلاله ، الم يتفكروا كيف ان الله سبحانه وتعالى المدبر لهذا الكون الهائل في الحجم والذي يحتوي بلاين البلاين من الكواكب والنجوم تسيير في مساراتها بدقة متناهيه بحيث ان اكثر اهل الارض اتقانا لصنع الساعات يضبطون ساعاتهم وفق هذا النظام الالهي الذي لايتغير ولا يتبدل تاخيرا او تقديما ولو لجزء من الثانيه!!!

حين يُضرب المثلُ في مدى دقة الساعات التي تقيس الوقت، فلن يغيب عن بال احد منا الساعات السويسريه والتي نتعجب لمدى اتقان السويسريون صنع هذه الساعات الدقيقة التي يتنافس على اقتنائها علية القوم وشيوخهم، ثم بعد ذلك ننسى او نتناسى ان هذه الساعات تضبط لتكون بهذه الدقه وفق النظام الزمني الذي ابدعه الله وصنعه فاتقن صنعه (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ۚ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)​) سورة النمل88.

{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)}ل عمران: 190 ، 191 ).

يقول القرطبي في تفسير لاولي الالباب: لآيات لأولي الألباب الذين يستعملون عقولهم في تأمل الدلائل !!!!!

وماذا اعظم من ان تتأمل دقة النظام الزمني الذي وضعه الله لتسير به هذه المجرات والنجوم والكواكب منذ ان خلقها الله والى ان يرث الله الارض ومن عليها في مسارات ثابته وسرعات محدده وازمان منضبطه لاتحيد عنها قيد انمله في كون فسيح يعجز ادق واحدث اضخم التلسكوبات في الوصول الى اطرافه الدنيا .

الا تعجب ايها الانسان وتسبح الخالق حين تعلم ان وقت شروق الشمس في كل يوم يختلف عن اي يوم اخر في السنه ، وان وقت شروقها يتكرر في اليوم نفسه من كل عام مذ ان خلق الله الكون دون زيادة او نقصان ولو بجزءبالمليون من الثانيه!!!

الا تعجب ايها الانسان انت الذي اعطاك الله العقل للتتدبر وتفكر في هذا الكون الفسيح المليئ بالمجرات والنجوم والكواكب التي تسير وفق نظام محكم غآية في الدقة ، فيخشع قلبك لهذا الخالق العظيم ،وتعمل جوارحك في طاعته واتباع اوامره واجتناب نواهيه؟؟.

اما آن لنا ان نقدر الله حق قدره  

(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)) الزمر 67  ، فنحمده ونسبحهه ونذكره في الليل والنهار ، في السر والعلن ، فخالقنا حق له ان نقدره ونعظمه ونشكره ، فهو حق ان يعبد وحق ان يشكر وحق ان يمجد !!!!

إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم

خشية الله في الغيب هي المنجيه من النار والطريق الموصل باذن الله الى الجنه، فمخافة الله في السر هي الدليل القاطع على الايمان الحق ، كيف لا وانت بذلك تعظم الله وتخشى عقابه وترجو رحمته دون رياء او نفاق.

تصور انك تجلس وحدك في بيتك المغلق وانت تفعل معصية- لاسمح الله- كشرب الخمر او تصفح المواقع الاباحية على الشبكة العنكبوتية او غير ذلك من المعاصي وادُخل عليك رضيع فهل يختلف سلوكك؟!.

من المؤكد انه لن يختلف هذا السلوك وستبقى مواصلا لهذا الفعل لانك تعلم ان هذا الرضيع لايفقه شيئا مما تفعل ولايعلم ما يدور حوله فتمضي بما تقوم به دون وجلٍ ولا خجل ،ثم هب ان الذي ادُخل عليك صبي في عمر العشرة سنيين، طبعا سيختلف سلوكك قليلا وستحاول ان تبعد نظره عنك وستجد تقاسيم وجهك ولون وجنتيك قد شابهما بعض التغيير ،وقد تستمر بما انت فاعل ولكن بشئ من الاضطراب والانزعاج او ان تتوقف عن فعلتك اذا شعرت او شككت ان الصبي يفقه ما تفعل ويعلم ما يدور حوله ، والآن تخيل ان الذي دخل عليك احد والديك ، فكيف يكون سلوكك حينئذ؟؟!، حتما سيكون موقفا صادما تضطرب له جوانحك ويتصبب جبينك عرقا وتحمر وجنتاك خجلا وحياءا وتحاول اخفاء ما تسطيع اخفاءه واختلاق الاعذار والتبرير ان كان قد شاهد شيئا مما كنت تفعل...

الان لتقف برهة وتتفكر قبل ان تقدم على اي معصية تفعلها في الخفاء ـ وجلُ المعاصي نفعلها في الخفاء ان لم يكن كلها ـ ثم تطرح على نفسك سؤالا واحدا: هل انا مؤمن بالله الواحد الاحد الفرد الصمد البصير السميع الذي لايخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء ام انني لا اؤمن بذلك واكفر به؟؟!!! فاذا كنت لا تؤمن بالله الواحد الاحد الذي يعلم السر واخفى ، فافعل ما تشاء لانه ليس بعد الكفر ذنب ، وان كنت تؤمن فلِما تجعل الله اهون الناظرين اليك وكأن الذي عندك رضيع لا يعلم من الدنيا شئ!!! اليس الله الذي خلقك وخلق والديك وخلق الكون كله احرى بك ان تخشاه وتخجل منه!!

الا ينبغى لنا ان نستحيي من فعل المنكرات في حضرة الخالق جل في علاه ونجعل خشيته في قلوبنا فلا نعصاه!!

اننا اذا تملكنا الخوف من عقوبة الله ، وملأ الحياءُ قلوبنا فلا نعصيه سرا وعلانية ، وكانت قلوبنا مليئة بخشية الله وطاعته في الغيب والعلن ، فتلك والله هي النجاة .

ان المعاصي التي ترتكبها جوارحنا ماهي الا وليدة ضعف الايمان في قلوبنا، فقبل ان نحاول كف الجوارح عن فعل المعاصي ينبغي علينا اولا ان نطهر قلوبنا فنملأها بتقوى الله وطاعته وتعظيم حبه واجلاله،فاذا ما طهرت القلوب وامتلأت خشية وخوفا واجلالا لله فستتوقف الجوارح عن فعل المعاصي والمنكرات ، عندئذ تصبح الطريق سالكة الى الجنة باذن الله ورحمته.

ان الذي يحاول كف الجوارح عن المعاصي دون ان يكون ذلك نابعا من خشية الله في قلبه كمن يعالج اعراض المرض الذي الم به دون ان يعالج اسباب المرض، فتطول فترة المعالجة بما تحمله من مشقة ومكابده وهدر للوقت والجهد وقد لاتفيد هذه المعالجه – وعلى الاغلب كذلك- عندها يعود للبحث عن سبب المرض وعلاجه الناجع، واي مرض اعظم من مرض خلو القلب من خشية الله في الغيب!!! ، وعلاجه هو ان تغرس في قلبك خشية الله كأنك تراه، فان لم تكن تراه فانه يراك.

عنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ قَالَ: لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ، قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا. وعَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي؟ قَالَ: أُوصِيكَ أَنْ تَسْتَحِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا تَسْتَحِي رَجُلًا صَالِـحًا مِنْ قَوْمِكَ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي ذَرٍّ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ. قال سحنون (وهو الإمام أبو سعيد عبد السلام بن سعيد القيرواني): إياك أن تكون عدوا لإبليس في العلانية صديقا له في السر، وهناك قول يُنْسَبُ لابن القيم رحمه الله : أجمع العارفون على أن ذنوب الخلوات هي أصل الانتكاسات ، وعبادات الخفاء هي أعظم أسباب الثبات. وقال ابن كثير رحمه الله (تفسير ابن كثير 6 219 ): وقد ذُكر عن الإمام أحمد رحمه الله أنه كان ينشد هذين البيتين ، إما له ، أو لغيره:

إذَا مَا خَلَوتَ الدهْرَ يَومًا فَلا تَقُل ... خَلَوتُ وَلكن قُل عَليّ رَقيب

وَلا تَحْسَبَـن الله يَغْفُــل ساعــةً ... وَلا أن مَا يَخْفى عَلَيْه يَغيب.

 

محمد محمود عطالله المبيضين

07 Jun, 2017 03:11:47 AM
0

لمشاركة الخبر