رامي أبوشهاب: الوظيفة النقدية لدى الناقد العربي ما تزال ملتبسة
يأتي كتاب «الرّسيس والمخاتلة: خطاب ما بعد الكولونيالية في النقد العربي المعاصر» للناقد والشاعر الأردني د. رامي أبو شهاب، والفائز بجائزة الشيخ زايد العام قبل الماضي نتيجة حالة من القلق، والوعي بالمشهد النقدي العربي المعاصر، ومحاولة التّصدي لقضية، واتجاه نقدي يتطلب الذهاب بعيداً بالبحث، والقراءة والتأمل بهدف الخروج بتصور نقدي يمكن أن يفيد منه النقد العربي؛ ومن هنا فقد كان القلق والسعي للخروج بما هو حقيقي بعيداً عن الاستهلاك النقدي، والتكرار، والإيغال بالمصطلحات التقنية، واللغة التجريدية، والتمحور حول اللاقضية، واللاموضوع هاجساً لتحقيق الهدف المتوخى، والخروج بقيم نقدية، وتصورات يمكن الإفادة منها.
أبو شهاب صدر له «بناء الشخصية الرمزية في الرواية العربية في الأردن»، و»في الممر الأخير – سردية الشتات الفلسطيني؛ منظور ما بعد كولونيالي»، بالإضافة إلى مجموعة شعرية بعنوان «عدت يا سادتي بعد موت قصير»، وكذلك عدد من الدراسات والبحوث والمقالات التي نشرت في عدد من المجلات العلمية والثقافية، بالإضافة إلى مشاركته في عدد الندوات والمؤتمرات، وتتحدد دائرة الباحث بالعناية بالأدب والمناهج النقدية، ونظرية الخطاب، والدراسات الكولونيالية، والثقافية بشكل عام.
وأبو شهاب حاصل على ماجستير الأدب والنقد الحديث بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف من الجامعة الهاشمية بالأردن، وكذلك الدكتوراه بالأدب والنقد الحديث بتقدير امتياز من معهد البحوث والدراسات العربية.
ويرى د. أبو شهاب أن أهمية كتابه تأتي من أنه انشغل بالاستعمار، وتداعياته على الثقافة العربية من منطلق عمق التجربة ومرارتها، وعلى الرغم من بروز تيار نقدي إلا إن النقد العربي لم يتمثله كما ينبغي، ولم يسع لتطويره باتجاهات تتسق والخصوصية العربية، وكثافة التجربة الاستعمارية التي مازالت تصوغ واقعنا، ومستقبلنا. فكثير من آدابنا تشكلت في سياق الحقبة الاستعمارية، ومع أن الاستعمار قد تلاشى عن الجغرافيات العربية ظاهرياً، ولكن ذلك لم يخلُ من تداعيات وأنماط جديدة من الاستعمار المخاتل، ناهيك عن وجود الاستيطان الكولونيالي في فلسطين.
وحول رؤيته للحركة النقدية العربية في لحظتها الراهنة مشكلاتها وأبرز الحلول يقول: «النقد العربي شاسع، وممتد، ومتباين الاتجاهات والمدارس، وهو كذلك يصدر عن جغرافيات متعددة، فالنقد في المغرب العربي له لغة خاصة به، أو لنقل مقاربة. وهنالك النقد في المشرق العربي، والخليج، وهنالك كذلك النقاد العرب في الغرب، ومع أن السياق الذي يجعهم واحد، أي الثقافة العربية إلا إن هنالك منظورات، وتصورات، كونها تصدر عن حالة فهم خاصة لتيارات النقد التي نتأثر بها، وهي في معظمها غربية كالبنيوية، وما بعد البنيوية، والسيميائية، ونظرية التلقي، والتاريخانية الجديدة، والنقد الثقافي... الخ.
غير أن الإشكالية تكمن في ذلك البتر، والاقتلاع عن السياقات التي أنشأت تلك التيارات. فالنقد بوصفه فعلاً تأثرياً بالفلسفات والأزمات التي عبرت الغرب، ومع دعوتي للمثاقفة والاستفادة، ولكن المبالغة باستلهام الفضاءات، ولي عنق النقد كي يستجيب للقيم النقدية المستجلبة، يبدو ضرباً من التيه الذي تسبب بتغريب النقد عن سياقاته الأصلية، والمتلقي. فالعناية المفرطة بالقيم الإبستمولوجية، تطوح بقدرة النقد على أن يكون فعلاً لفهم النص بما ينطوي عليه من رؤية للعالم، كوننا قد بتنا نرتهن للسياقات التي نشأ فيها».
وأضاف د. أبو شهاب «إن مشكلة النقد العربي تكمن بعدم اتضاح الوظيفة النقدية التي ما تزال ملتبسة إلى الآن. فالمنصات النقدية مسكونة، أو عالقة بثنائية الإيديولوجية والأنساق المجردة، بينما نتناسى بأن النقد هو أفق ورؤية لفهم العالم من خلال النص، إنها عملية تعيد تشكيل فهمنا للعالم بواسطة النص، بكل ما يحتمله من قيم جمالية، ومحمولات فكرية، وشذوذية، بل وحمقه، وجنونه، ولكن بشرط أن يتصل بسياقنا».
وأوضح إن «من أبرز مشاكل النقد العربي صعوبة تبلور منهج نقدي مؤثر، إلا إذا استثنينا البنيوية، إذ لا توجد تقاليد لاتجاهات نقدية يمكن أن تصمد، وأن تبقى قائمة ضمن فلسفة التجاور، فتيارات النقد الماركسي والنفسي والوجودي والنقد الجديد، والأسطوري، لم تعد مؤثرة، على الرغم من أن هذه التيارات ما زالت مستمرة، وتشهد تحولات تتصل بتبدلات العصر، ولكنها في النقد العربي تلاشى حضورها بغياب روادها، فنحن لا نعترف بمشروع متكامل، فالأشياء تبقى عالقة ومبتورة، ناهيك عن إشكاليات تتصل بالمصطلح، ومستويات اللغة النقدية التي باتت عبارة عن أنساق من الزاد اللغوي المراوغ لكون الرؤية، والوعي بالأسس المنهجية مبتور، أو مشوش، وهذا نتيجة عدم النضج الكافي لتقديم مقاربة نقدية جلية.
وهذا ربما يتصل بفوضى الكتابة عامة، وإشكالية الترجمة، وبروز الكتابة الرقمية، فيكفي أن تمتلك جهاز حاسوب متصل بالشبكة الرقمية لتتحول إلى أديب أو ناقد، أو ربما يكفي أن تعرف عدداً من المصطلحات، وأن تنحت كلمات جديدة، وأن تغرق القارئ بعاصفة من المصطلحات الفاقدة لأي ترابط منهجي، أو منطقي.
أعتقد أنه لدينا مشكلة بالعملية النقدية التي باتت مأزومة، وفارغة وهلامية نظراً لعدم وجود رؤية واضحة، ولذلك أقول إنني ما زلت باحثاً في النقد، فالناقد من يمتلك مشروعاً نقدياً متكاملاً، وهذا لا يتحقق إلا بسنوات طويلة من العمل والكتابة التي تفضي إلى تحول وتأثير حضاري».
وردا على تساؤل بشأن جمعه بين الشعر والنقد أشار د. أبو شهاب إلى أن النص الإبداعي هو النص الأقدر على البقاء والديمومة والخلود، وقال «الكتابة النقدية أزاحت لذة الشعر لفترة من الزمن، خاصة في ظل انشغالي بكتاب الرسيس والمخاتلة، ومع ذلك فإنني لم أتوقف عن الكتابة، ولكن مفهومي عن الشعر ووظيفته باتا في طور المراجعة، وعلى الرغم من كل ذلك فإن إثم الشعر ما زال قائماً، فثمة مجموعة شعرية شبه مكتملة، وهي تنشغل بالإنسان الفلسطيني، وما يتصل به من أزمة التشظي الهوياتي، إلا إنها تحتاج إلى المزيد من العمل كونها خرجت مرة واحدة، وبسياق متصل، فهي أشبه بتقيؤ لغوي، اعتمل بداخلي لفترة من الزمن، ولعل هذا التشكيل المفاجئ، والحاد يدعوني للتمهل، وإعادة النظر بهذا العمل، ومناسبة نشره، مع الإشارة إلى أنه قدر صدر لي مجموعة شعرية بعنوان «عدت يا سادتي بعد موت قصير»، وهي مجموعة من قصائد النثر التي بدت حاملة لفضاءات متداخلة بين أقانيم الأنا، والمرأة، والوطن وشيء من الوجودية، وهي كذلك مسكونة بوعي الآخر، وإشكالية الشرق، فالتأمل بعنوان المجموعة يشي بأنه مستوحى من مفتتح العبارة التي ابتدأ بها الطيب صالح روايته «موسم الهجرة إلى الشمال» وأعني «عدت يا سادتي بعد غيبة طويلة،» وأعتقد أنها تمتلك شيئاً خاصاً من ناحية تشكيلي الشعري، ورؤيتي لمفهوم الشعر ووظيفته، ومع ذلك فهنالك رغبة لاسترجاع بعض النصوص، وإعادة صوغها، ولكنها في تلك الفترة بدت لي منسجمة مع رؤيتي للعالم بيد أن العالم يتغير بأسرع مما نتوقع».