Skip to main content
رواية «جست شاتنغ» ليحيى عبابنة.. لغة مكثفة تنحاز للخيال الإبداعي

تلفت عتبات النص المشيرة إلى وسائل التواصل الاجتماعي انتباه القارئ بدءًا بالعنوان «جست شاتنغ» حيث يُشكل العنوان عتبة النصِّ الأولى التي ربَّما تجذب القارئ بما يقدِّمه من إيحاءات، وهو ما يمكن أن يساعد على تأويل النص، إذ هو في واجهته، فهو على هذا أول لقاء بين المبدع والمتلقي قبل الدخول في النص نفسه.

وبالنظر إلى عنوان «جست شاتنغ» يمكن الإشارة إلى أمور تتعلّق بوظيفة العنوان عامة، وهي أنَّ العنوان كشف الغمام عن مدلولات النص، ووفقًا للعلاقات الأفقية الدلالية بين العنوان والنص، فإن العنوان تصاحب مع محتويات الرواية.

فمبدع النص (عبابنة) لم يتخلَّ (نصيًّا) عن أثر العنوان ودوره المفتاحي، ولم يسلمه إلى جسد النص نفسه، فنطق العنوان بفكّ شيفرات النص، وفكّ مُعميات النص الذي وُفق الكاتب في انتقائه، فاستخدم فيه اللغة الإنجليزية وهي لغة سائدة في فضاء التواصل الاجتماعي.

ثم مرورًا بالغلاف الذي يكسو الرواية بألوانه المُشعّة الأصفر والأزرق والبرتقالي، كما احتوى الغلاف صورة واقعية تظهر فيها يد رجل يلعب على (اللاب توب) وأمامه على الطاولة بعض المكسرات والتسالي، هذه الصورة كان قد التقطها الكاتب خلال وجوده في أحد مقاهي إربد.

أما العتبة الأخيرة من عتبات النص فهي «إيحاء» كان قد تصدّر الرواية عوضا عن الإهداء، حيث قال عبابنة فيه: «من السهل على الإنسان المتعب أن يحكي ويحكي فقط، وما هذه السطور حكي ليس إلا، وهذه الثرثرة ليست حقيقية، يهديها أحدهم (أبو أحمد مثلًا) إلى الأرواح البرئية التي ملّت من الشاتنغ بين زعماء الأمة العربية وزعماء الغرب والعالم الحرّ الذين أصروا على أننا أمة شاتنغ.

وقبل الحديث عن لغة الرواية تحديدا أود أن أشير إلى أن مؤلف الرواية كما ذكرنا سابقا هو يحيى عبابنة، وهو أكاديمي مختص باللغة والنحو، فقد جمع اللغة والنحو والأدب، وهذا أمر ليس بسهل، وقد سُئل عن ذلك يومًا، فقال: «الأديب يعيش في داخلي وإن كان يضايقه اللغوي أحيانا»، وبالحديث عن لغة الرواية فعلى الرغم من وضوحها وبساطتها إلا أنها لغة مُكثفة سيكولوجيًا ودلاليًّا فهي لغة عالية المستوى بكل المقاييس؛ حيث استطاع عبابنة أن يُسخّر اللغة لتوظيف الخيال الإبداعي، وصقل الموهبة الإبداعية فاستخدم الفصحى والعامية، الحقيقة والمجاز.

وتتجلى البنى السردية في «جست شاتنغ» من أكثر من ناحية، أولها: المكان، تميز المكان في الرواية بواقعيته؛ حيث ذكر أسماء أماكن موجودة في الأردن، منها: البتراء والعقبة ووادي موسى عمان، كما وصف الكاتب المواقع الجغرافية وصفًا دقيقًا أثناء رحلته، هذا عدا عن ذكره لأماكن عربية وأجنبية أيضًا.

ثانيها: الحوار، لا شك أن الحوار عنصر مهم لمعرفة ملامح الشخصية المقابلة، وكيف يُكسب الموقف قوة الحجة والإقناع.

راوح عبابنة في استخدام العامية والفصيحة في حواراته مما أضفى الشفافية والمصداقية على النص الأدبي، ومثال ذلك: « -لماذا لم تعودي تبتسمين كما في حديقة الحيوانات في رحلتنا إلى أوروبا؟ -أبتسم؟ على الهم الذي يسيطر عليّ، كل لحظة بتبهدلني وأنا ساكتة، شو ها الكتبة التي كتبها الله عليّ؟!»

يمكن ملاحظة أن السؤال كان بالفصحى في حين كان الجواب مُغرقا بالعامية.

ثالثها: الشخوص، استخدم الكاتب أسماء حقيقية في المنتخبات الرياضية العربية، قائلًا: «اسمع، لو انضم زين الدين زيدانوبن زيما والأخضربلومي وعامر شفيع والدعيع وحسن شحاتة للمنتخب الجزائري، لن تجد له غالبا بإذن الله» ص31، وهذا من شأنه تعزيز ثقة المتلقي بواقعية جانب من الرواية وإنها ليست كلها محض خيالات.

وعلى ما تظهره الرواية من حديث عن المباريات ووسائل التواصل الاجتماعي إلا أنها تحمل في جانب من جوانبها الحس العروبي والإسلامي والكرامة الإنسانية، ويظهر هذا في غير موضع من الرواية منها: «تمنيت لو أنني أستطيع أن أوصل لها سلاح النضال العربي الذي يقرّب المسافات، صورته على الأقل لتقتنع بعدالة ما نحن بصدده من قضايا، أعني قضايا فلسطين وغزة والسودان والصومال والعراق وعربستان وأنطاكية وسبتة ومليلة وأفغانستان وجنوب تايلند وجنوب الفلبين والشيشان والبوسنة وجنوب لبنان والجولان وجزر الخليج المحتلة وأوسيثيا الجنوبية (لا أعرف شيئًا عن الشمالية حتى الآن)، وبعض الدول الإسلامية المحتلة منذ أزمان ودهور، على الرغم من أن هذه القضايا لا تبدو كبيرة قياسًا إلى السلاح الفعال الذي يمكننا أن نرد فيه كرامتنا المهدورة بين كرامات الأمم التي ترفض هدر الكرامة، ولكنها أبت أن تشاتيني بعد أن عرفت عرقي العربي الأصيل» ص54.

وكذلك فإن الرواية تحمل حس الانتماء للوطن فيقول: «كتبت له: عزيزي لويكا! أنا من الأردن، وإذا لم تكن الأردن تروق لك، أو إذا كنت تحب أبا ذيل، فإنني لست أبا ذيل، ولا أنا من أبناء عمومتك الإسرائليين في تل أبيب، أنا أردني من (جوردن)...»ص55 

ويشير عبابنة في روايته في غير موضع إلى انتشار آفة التعصب للثنائيات: (كالوحدات والفيصلي) و(برشلونة وريال مدريد) و(فلسطيني وأردني) و(حمساوي وفتحاوي)، منها: «اضطررت أمام إصرارهم أن أداعب سالم الخالدي على الماسنجر، فكبست قليلًا، ولما انتبه لمشاتاتي، ردّ عليّ بتثاقل في بداية الأمر، والحقيقة أنني غضبت منه لأنني اكتشفت اكتشافا خطيرا، فقد تبين لي بعد مباراة الليلة بين البرشا الكتالوني ورويال مدريد الأندلسي أنه مندس في صفوف البرشاوية الكتالونية، فقلت له: لقد انكشفت على حقيقتك، فأنت لست كتالونيا، بل أنت مندس بيننا، إذ اتضحت لعبتك، إذ إن البرشا هو فيصلي إسبانيا، وأما الرويال، فهو الوحدات، وهذا يؤصل قناعاتك الذيلية... ص48

«كرهت ما قاله عن هذا الموضوع، فالأخ (لويكا) يوشك أن يتحول إلى حمساوي وليس حتى إلى فتحاوي...»ص69

ولعل هذه دعوة كريمة من عبابنة لإقصاء هذه الآفة بعيدًا عن مجتمعاتنا العربية.

22 Jun, 2017 11:39:45 AM
0

لمشاركة الخبر