Skip to main content
مدرسة روسية «تصطاد» طلابا تعدت إمكانياتهم حدود جدران صفوفهم

إعداد النخب الفكرية يجب أن يحدث قبل المرحلة الجامعية. تشهد بداية فصل الربيع من كل عام مسابقات علمية بين المدارس الروسية، حين تنطلق سلسلة المسابقات المعروفة باسم «الأولمبياد العلمي» على مستوى المقاطعات والأقاليم في الاتحاد الروسي.

وبينما تجد المؤسسات التعليمية للصغار في هذا الأولمبياد فرصة للتأكيد على مستواها التعليمي، وفرصة للتلاميذ كي يظهروا مهاراتهم على مستويات تتجاوز حدود جدران صفوفهم التعليمية، وجد معهد الأبحاث العليمة التابع لجامعة نوفوسيبيرسك الحكومية في الأمر فرصة ذهبية لإطلاق موسم «الصيد على العباقرة» في سن مبكرة، تمهيدا لضمهم إلى صفوف مدرسة خاصة في المعهد، وإتاحة المجال أمامهم كي يظهروا مهاراتهم العلمية ومعرفتهم في الواقع العملي.


وكما جرت العادة في كل عام، تختار جامعة نوفوسيبيرسك عددا من خيرة أساتذتها الجامعيين للعضوية في لجنة «صيد العباقرة»، ويتم إرسالهم لحضور المسابقات العلمية بين المدارس، لا سيما في المواد العلمية مثل الرياضيات والفيزياء والكيمياء. والهدف من ذلك اختيار التلاميذ الذين يظهرون معرفة ومهارات علمية مميزة خلال المسابقة، لدعوتهم إلى الدراسة في مدرسة خاصة للعباقرة، والعمل في مركز البحوث العلمية التابع للجامعة. ومعروف أن الأعمال العلمية لخريجي هذا المعهد ساهمت نوعا ما باكتشاف «بوزون هيغز» (جُسيم أولي يُعتقد أنه المسؤول عن اكتساب المادة لكتلتها)، وغيره من اكتشافات في مجال العلوم والآثار التاريخية.


وتعود فكرة الاهتمام في سن مبكرة بالعباقرة الصغار إلى الأكاديمي السوفياتي ميخائيل لافرينتيف، مؤسس المدينة الأكاديمية في نوفوسيبيرسك، الذي رأى منذ ستينات القرن الماضي، أن تهيئة وإعداد النخب العلمية الفكرية يجب أن يجري قبل المرحلة الجامعية، وأن يبدأ العمل مع التلاميذ العباقرة وهم على مقاعد الدراسة في المدارس، على أن يقوم بتدريسهم في السنوات المدرسية الأخيرة بروفسور جامعي، وليس أستاذ مدرسة عاديا.


واقترح أيضا أن يعيش التلاميذ، الأطفال العباقرة، مع بعضهم، لدفعهم للتنافس، وتحقيق أفضل النتائج. وانطلاقا من تلك الأفكار تأسست عام 1963 أول مدرسة تخصصية في العالم، هي المدرسة الداخلية للفيزياء والكيمياء في نوفوسيبيرسك، التي ما زالت تعمل حتى يومنا الحالي.

ولا يقضي التلاميذ حياتهم في تلك المدرسة ملاصقين للكتب داخل المخابر العلمية، كما قد يتخيل البعض، بل يعيشون حياة كاملة مثل التي يعيشها أي تلميذ من أقرانهم، وربما أفضل من ذلك، إذ تنظم إدارة المدرسة فعاليات ونشاطات متنوعة، منها على سبيل المثال اختيار ملكة جمال المدرسة، ومسابقات رياضية، وجولات خارجية، وكثير غيرها، بما يضمن منح التلاميذ في سن المراهقة حقهم في أن يعيشوا حياتهم على أكمل وجه، الأمر الذي سيساعدهم في التركيز على نشاطهم البحثي - العلمي.


بدوره، يقول إيغور ليابونوف، عالم رياضيات من جامعة نوفوسيبيرسك، إن «عملية العثور على طفل مميز يتمتع بموهبة علمية طبيعية، عمل يشبه إلى حد بعيد العثور على خليفة (دالاي لاما)، وعليك أن تتمتع بقدرة على رؤية الطفل العبقري». أما البروفسور نيكولاي يافورسكي، مدير مركز البحوث العلمية في جامعة نوفوسيبيرسك، فيقول إن «جداول العلامات والأوراق التي ترى عليها سؤال وجواب، ليست كافية للكشف عن الموهبة العلمية المميزة لدى هذا الطفل أو ذاك، والأمر يتطلب تواصلا مباشرا. وعندما تنظر إلى عيني التلميذ فإنك ترى أحاسيسه وانفعالاته، وتتمكن من تقييم طاقاته، لتحديد ما إذا كان الطفل عبقريا بالفطرة أم لا»، لافتا إلى أن «الطفل الذي يتمتع بموهبة مميزة خاصة ليس بالضرورة أن يكون من الفائزين في المسابقات المدرسية. وفي أغلب الأحيان لا يكون هؤلاء الأطفال بين الفائزين في المسابقات».


وخلال ما يزيد على خمسة عقود من الزمن خرجت المدرسة آلاف الطلاب العباقرة الذين شغل كثيرون منهم مكانة مميزة في أوساط النخب العلمية والفكرية والاقتصادية في البلاد، بما في ذلك تخرج فيها 4 آلاف عالم، وأكثر من 500 خريج يحملون شهادة «دكتوراه في العلوم» في مختلف المجالات العلمية، يلعب عدد كبير من هؤلاء دورا فاعلا في تطوير العلوم في روسيا، ويشغلون الصف الأول في مؤسسات البحوث العلمية، فضلا عن آخرين يديرون أضخم شركات القطاع الإنتاجي التقني في روسيا، والمصارف الكبرى، وغيرها من مؤسسات تؤثر بشكل أو بآخر على التطور التقني والعلمي في البلاد.

 

الشرق الاوسط.

05 Jul, 2017 11:09:46 AM
0

لمشاركة الخبر