التنظير الحداثوي تجاه العقل الفقهي وموقف الإمامية منه
فإنّ موضوع الحداثة قديمٌ جديدٌ، لا تبرح فترة من الزمن إلّا وتجد فيها بزوغ فكرٍ مجدّدٍ يسعى لبعث الروح والحركة فيما تقادم من فكرٍ سابق، سَكَنَ عنده الناس وجمدوا عليه حتى صار جزءًا من حياتهم الرتيبة؛ ذلك لأنّ الحياة في تطورٍ والإنسان في تكاملٍ، مجبول على التغيير للأحسن.
ليس هناك محذور من التحديث إذا ما صُبّ في صلاح الإنسانية، ولكن المحذور إذا ما أخرج مدّعو التحديث الناسَ من يقينٍ وأدخلوهم في شكٍّ من دون أن يقدّموا لهم البديل المقنع، وهو ما تجده في طروحات منكري الدين منهم. وهؤلاء لا يسعى البحث الحديث معهم، لأنهم ينطلقون من مبادئ وأسس مغايرة تمامًا لمبادئ وأسس المؤمنين بالدين، فالجدل معهم لا يجدي نفعًا ولا يزيد طالبه إلّا بعدًا.
ومن هنا، فإنّ هذا البحث عُقِدَ بهدف الجدل مع مَن لا زال متمسكًا بدينه وملتزمًا بما فيه من نصوص يبتغي تطوير فهمها لتتناسب والعصر الذي يعيشه. وقد ركّز الجدل مع طروحات الحداثويين المنتمين إلى الفكر الإمامي أكثر من غيرهم، لما لهذه الظاهرة من جِدَة في هذا الفكر الذي طالما اعتقد أصحابه بحقانية معارفه عن غيرها من معارف الفكر الإسلامي، لكونها مستمدة من أسس وثوابت أُثِرَت عن المعصوم .
وقد تمّ عقده في ثلاثة فصولٍ، ومُهِّد له بفصل تعريفي للحداثة والحداثويين بمبحثين، ليقف القارئ الكريم على معنى الحداثة ومن أين ومتى بدأت، وإلامَ تسعى وتهدف.