خرجت عن القطيع
تركز هذه الخواطر على الذات؛ في محاولتها لإعادة اكتشاف ذاتها، وعلى العالم لاكتشافه بمقاربته الذاتية، فقد سألت نفسها عدة أسئلة لإيضاحها لذاتها: - لماذا الحفر في الذات وفي التكوين والنشأة؟ هل هو حنين غير واعٍ للطفولة؟ أم أنه محاولة للدخول إلى عمق الكائن
الإنساني؟ وهل تمثل هذه العودة إلى دفاتر الماضـي القريب أو البعيد، استجابةً لشعور دفين بإفلاس الحاضـر؟ - ولماذا الكتابة عن «الأنا» «الآن وهنا»؟ أهي محاولة غير واعية لتبريرها أو لإعادة إنتاجها بطريقة جديدة ولتثبيت مركزيتها؟ - هل هي محاولة لاكتشاف «الأنا» الدياليكتيكية التي تواجه العالم الموضوعي، وإماطة اللثام عن الصـراع الذي عاشته الأنا في مواجهة مع موضوعها؟ - فهل يمكن التراجع إلى الخلف خطوة، لشحذ الهمة تحضـيراً للقفز إلى الأمام خطوات جديدة؟ - أيُجدي الحفر في عمق الوعي واللاوعي نفعاً، لإدراك الحاضـر ولاستطلاع المستقبل المجهول؟ - لماذا لا يفعل العكس؛ أي الانطلاق من العالم الموضوعي لاكتشاف الأنا الذاتي وكل «الأنوات» المحيطة؟ - وهل هذه «الأنا» فردية أم جماعية؟ وهل أعبر هنا عن «أنا» أنانية، أم عن تكوين اجتماعي طبقي أو نخبوي...؟ - وهل هذه «الأنا» مركزية في التكوين الاجتماعي، أم هي نبتة برية، نمَت وكبرت على أطراف الحقل وعلى هامش الواقع؟ - وهل أملك/ نملك، وعياً بالعالم يؤهلنا لتفسـيره، ومن ثَم تفسـير ذاتنا/ ذواتنا؟ - هل سـيقودنا هذا الحديث عن «الذات» إلى المستقبل؟ وهل سـيعطينا دافعاً للبحث عن خلاص جماعي وإنساني؟ ماذا عن العالم؟ وماذا عن الكون الذي يقع خارج الذات؟ ما زلت أعتقد أن وجود الكون مستقل عن وجودي الفيزيائي، إلا أنني أؤمّن له وجوداً ذكيّاً ومدركاً، فوجودي (كإنسان) يجعل وجوده مدركاً، فهو لم يستطع إدراك ذاته وحده؛ لذا كان الإنسان ذا أهمية خاصة. فإذا وُجِد على هذه البقعة من الكون «أناس» 7 مليارات منهم تقريباً، فربما كانوا الوحيدين في هذه المجرات الواسعة؛ لذا لوجودهم ولكُرتهم الأرضـية الصغيرة أهمية خاصة؛ لأنها وفّرت لهم الحياة، وهم وفروا بواسطتها الإدراك لهذا الكون الشاسع. ما يهم الكون أن يكون مدركاً أم لا من قِبل الإنسان؛ فهو ليس بعاقل ليفهم أهمية الإدراك والذكاء، إلا إذا كانت قوانينه المادية تسمح بتوفر الحياة ومن ثَم تطور مادته في لحظة معينة، وفي زمان ما، وفي مكان ما، أنتج هذه الطفرة الإنسانية الذكية، التي تعود إلى مادتها الأولية لتفهمها. فإذا كنا نحن إبداعاً كونيّاً، فنحن إذاً، بهشاشتنا وصغرنا وضعفنا أهم إبداعاته على الإطلاق. وهذا ما لم نكتشفه سابقاً، وربما نغض الطرف عنه الآن أيضاً، فإحدى مشكلاتنا الرئيسة أننا ننشغل بذواتنا (الصغيرة) وصعوباتنا وعالمنا الضـيق، وننسـى وجوده. لقد ذكرنا «هيدجر» بالوجود، ولكنه ضاع هو الآخر في غمرة وجوده وتفسـيره والدوران في حلقته. كم من الزمن سـيحتاجه الإنسان للخروج من ذاته بعد أن يحل مشاكله معها، ويلتفت إلى الوجود العظيم وإلى الكون الواسع؟ فهذا الذكاء في أحد جوانبه نعمة وفي الجانب الآخر نقمة، لأنه مضطر أن يعي نفسه، قبل أن يمر إلى وعي الكون والوجود من حوله، ووعي الإنسان لنفسه ما زال يسـير ببطء شديد والخوف أن يفني هذا الإنسان ذاته، قبل أن ينتشل نفسه من هوة «أناه» ليلتفت للوعي بالوجود وبالكون.