قلعة صانور وتاريخ آل جرار
قد يتساءل القارئ عن سرّ عناية الرحّالة الغربيّين بصانور وحرص بعضهم على النزول بها، أو المبيت فيها، أو تناولِ الطعام تحت زيتونها، أو الاكتفاء بوصفها ووصف سهلها المعروف بمرج الغرق، فأقول إنّ صانور تقع على الطريق الرئيسي للحجّ المسيحي الذي يربط الناصرة و الجليل بالقدس الشريف مروراً بمرج ابن عامر وجنين وقباطية وصانور وجبع وبيت إمرين وبرقة وسبسطية ونابلس، وأن وقوعها على رأس تلةٍ تطلّ على مسافة طويلة من الطريق الواصلة بين جنين ونابلس يلفت أنظار المارّة، وتستوقفهم قلعتها التي شهدت أحداثاً تاريخية كثيرة وذات أهميّة كبيرة.
ولعلّ المكانة السياسية التي كانت تتمتع بها هذه القلعة، عندما كان شيوخها زعماء لسنجقيْ جنين ونابلس، جعلها قبلة لبعض الدبلوماسيين من قناصل بريطانيا وفرنسا في القدس الشريف ودمشق، مثلما جذبت بعض الرحالة الذين كانوا يحرصون على أخذ قسط من الراحة في أثناء ارتحالهم، ولاسيّما أن شيوخ آل جرّار كانوا يحتفون بهؤلاء الرحالة ويقومون لهم بواجب الضيافة ثمّ يرسلون معهم من عساكرهم من يرافقهم في طريقهم إلى نابلس ضماناً لسلامتهم. وكان كثير من هؤلاء الرحالة يعرّجون على صانور في ذهابهم إلى القدس الشريف وفي أثناء عودتهم منها إلى الناصرة والجليل، ولذلك فإننا نجد بعض الرحالة يصفون صانور في أثناء توجههم من الناصرة إلى القدس، وبعضهم يصفها في أثناء عودتهم من القدس باتجاه الناصرة والجليل، وفريق آخر يصفها في أثناء ذهابهم إلى القدس وعودتهم منها.
ولولا المشقة التي كان يشكو منها بعض الرحّالة من صعوبة صعود التلّة المؤدّية إلى صانور لكون الطريق إليها وعرة وصخرية وشديدة الانحدار من جميع جهاتها، لربّما وجدنا عدداً أكبر من الرحالة الذين دخلوا القلعة والتقوا بزعمائها ووصفوها، كما أنّ وجود طرق ثانوية أخرى تربط بين الناصرة والقدس حال دون مرور عدد من الرحالة بصانور، فمنهم من كان يصل إلى القدس عن طريق سيناء فالعقبة فالبحر الميت، أو مروراً من الجليل والناصرة إلى مرج ابن عامر إلى جبل طابور ثمّ بيسان والغور إلى البحر الميت فالقدس، أو مروراً من الجليل إلى عكا ويافا والرملة ثمّ عسقلان ثمّ إلى الخليل والقدس، لكنّ الطريق الرئيسي التي كان يمرّ منها معظّم الرحالة هي طريق الناصرة ثمّ مرج ابن عامر ثمّ جنين ثمّ قباطية ثمّ صانور ثمّ جبع ثمّ بيت إمرين ثمّ برقة ثمّ سبسطية ثمّ نابلس ثمّ القدس.
ويفهم من بعض نصوص هذه الرحلات وبعض الأخبار التي أوردها الرحّالة أنّه كان لا بدّ لأيّ مسافر خلال بعض الفترات الزمنية عبر حدود منطقة نابلس وجنين من رسائل موجهة إلى حكامها للسماح له بالمرور أو المبيت أو التزوّد ببعض الخدمات في القرى التي يمرّون بها.