Pasar al contenido principal

الاتجاه إلى الطاقة الشمسية: مادة مذهلة تزلزل مجال الطاقة الشمسية

ستصير الخلية الشمسية في المستقبل مَرِنة وعالية الكفاءة وزهيدة التكلفة؛ فقط إذا استطعنا جعلها تعمل في المطر.

 

إنَّ الخير في الصبر والمثابَرَة، وقد انتظر تسوتومو مياساكا طويلًا. نظرًا لمعرفة الفيزيائي الياباني هذا أن الخلية الشمسية يمكن أن تُصنَع من أية صبغة — القهوة أو الكلوروفيل أو النبيذ الأحمر — قضى سنوات في اختبار كل أنواع المواد الملونة على أمل العثور على مادة تتمتع بالكفاءة ورخص الثمن. وفي أحد الأيام في أبريل ٢٠٠٧، دخل طالب إلى مختبره في جامعة طوكيو حامِلًا كميةً من معدن عادي غير لافت للنظر يُعرَف باسم بيروفسكايت.

البيروفسكايت معدن صغير الحجم برَّاق، كما أنه زهيد الثمن وواسع الانتشار.

البيروفسكايت معدن صغير الحجم برَّاق، كما أنه زهيد الثمن وواسع الانتشار.

وكانت تلك هي بداية حدث استثنائي في كل جوانبه؛ فعندما أعلن مياساكا عن نتائج أول خلية شمسية مصنوعة من البيروفسكايت في عام ٢٠٠٩، كانت هذه المادة قد حوَّلَتْ ٤ في المائة فقط من طاقة أشعة الشمس إلى كهرباء. وفي عام ٢٠١٢، تعدَّى الرقم نسبة ١٠ في المائة، وبَدَأ آخَرون في ملاحظة الأمر. ومع استخدام هذه المادة حاليًّا من جانب مجموعات بحثية حول العالم، وصلت النسبة إلى ٢٠ في المائة، متقدِّمةً بذلك على معظم الخلايا الشمسية الموجودة في الأسواق. ويقول الفيزيائي مايكل جونستن — من جامعة أكسفورد: «يتحرك هذا المجال سريعًا، وينضم الجميع إلى رَكْبه.» هل هذه هي التكنولوجيا الشمسية التي كان الجميع في انتظارها؟

تمثِّل الشمس في الواقع مصدرًا غير محدود من الطاقة النظيفة، حيث تشع على الأرض في ساعة واحدة ما يكفي لاحتياجات البشرية في عام كامل. وحاليًّا توفِّر الخلايا الفولتية الضوئية نحو ١٤٠ جيجا واط، أو ١ في المائة فقط من الطلب العالمي للطاقة. ولقد استغرقَتِ الخلايا المصنوعة من السليكون المستخدَمة على نطاق واسع ٥٠ سنة منذ اختراعها في أربعينيات القرن العشرين حتى تصل إلى أقصى درجة من الكفاءة التي تبلغ ٢٥ في المائة؛ فاللوح الذي ستضعه على سطح منزلك تبلغ كفاءته ١٥ في المائة تقريبًا في ضوء الشمس الساطع، وينتج كهرباء بتكلفة تبلغ نحو ٥٠ سنتًا للواط، وهي ضعف التكلفة المعتادة للفحم.

ثمة مزايا للبدائل الأحدث مثل الخلايا المصنوعة من سيلينيد نحاس إنديوم الجاليوم وتيلوريد الكادميوم؛ فتيلوريد الكادميوم رخيص الثمن مثل السليكون، في حين أن سيلينيد نحاس إنديوم الجاليوم يمكن طباعته على ركائز مَرِنة. لكن نظرًا لأن أقصى حدٍّ للكفاءة يصل إلى نحو ٢٠ في المائة، لم تحصل أيٌّ منهما على ريادة السوق. أما الخلية التي احتفظت بالرقم القياسي لفترة طويلة فقد كانت زرنيخيد الجاليوم، التي تحوِّل تقريبًا ٣٠ في المائة من ضوء الشمس إلى كهرباء، لكنها تكلِّف مبالِغَ طائلة.

ربما تقلب مادةُ مياساكا المذهلةُ الأوضاعَ؛ فالبيروفسكايت يوجد في صورة تيتانات الكالسيوم في صخور منتشرة في جميع أنحاء العالم، أشهرها على الإطلاق جبال الأورال في روسيا، حيث اكتُشِفَ في أوائل القرن التاسع عشر. ويَصِفُ اسمها — بوجهٍ عامٍّ — فئةً من المركبات التي تتشارك مع هذا المعدن في تكوين بلوري؛ تخيَّلْ حجرَ نَردٍ شفافًا به خمس نقاط على كل جانب، وكل نقطة فيه عبارة عن ذرة، مع وجود ذرة واحدة في المنتصف. وتحتوي البلورة عادةً على ثلاثة أنواع من الأيونات؛ ولقد كوَّنَ مياساكا عيناته الأولى من الأمونيوم والرصاص والبروميد أو اليوديد.

في الخلايا الشمسية التقليدية، يمتصُّ شبهُ موصِّلٍ، مثل السليكون، أشعةَ الشمس وينتج إلكترونات ونظائرها الموجبة — أَلَا وهي الثغرات — ثم يفصلها من أجل تدفُّق الجسيمات الحاملة للشحنة، ومن ثَمَّ توليد تيار كهربائي. ولكن لا يستطيع كثير من المواد امتصاص قدرٍ كافٍ من الضوء بالطول الموجي المناسب، وفي الوقت نفسه نشر الشحنات؛ ولذلك فإنه في الخلايا الحسَّاسة للصبغة، تضاف صبغة إلى الخليط فتقوم بعملية الامتصاص قبل نقل الشحنات إلى شبه الموصل من أجل فصلها.

حدث الإنجاز الحقيقي عندما أدرك مياساكا، وهو يعمل مع هنري سنيث وغيره من جامعة أكسفورد، أن مادة البيروفسكايت تجعل شبهَ الموصِّل غيرَ ضروريٍّ؛ فبإمكانها فعليًّا نقل الإلكترونات والثغرات على نحو أفضل بنفسها. وما زالت طريقة قيامها بهذا غامضةً، لكن تقول إحدى النظريات إنه نظرًا لأن هذه المادة تتبلور بسهولة، يقلُّ احتمالُ أن ينتج عن هذه العملية عيوب تمنع الشحنات من التدفُّق بحريةٍ لولا وجود هذه المادة.

تخطِّي الحد الأساسي

أيًّا كانت الآليات الداخلية، فإن هذه المادة رخيصة ويسهل تصنيعها. وفي العام الماضي، أظهرت مجموعة عمل تضمُّ سنيث وجونستن أن الخلايا المصنوعة من البيروفسكايت يمكن تصنيعها باستخدامِ الطريقة التقليدية المستخدَمة لصنع خلايا السليكون؛ أَلَا وهي الترسيب الفيزيائي للبخار. وثمة إمكانية أخرى أرخص ثمنًا يعمل عليها سنيث وشركته أكسفورد فوتوفولتيكس — المنبثقة عن جامعة أكسفورد — وتتمثَّل في صبِّ محلولٍ يحتوي على البيروفسكايت على ركيزة وتركه يتبلور. ويرى سنيث، الذي يأمل طرح خلايا البيروفسكايت في الأسواق في نهاية ٢٠١٦، أن الخلايا المعالَجَة بهذا المحلول بإمكانها توليد كهرباء في يومٍ ما بسعر منخفض، بحيث يصل سعر الواط إلى ١٠ سنتات.

وفي شهر أبريل، أعلن العالم المتخصِّص في المواد يانج يانج — من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس — أن إحدى خلايا البيروفسكايت وصلت إلى مستوى كفاءة يصل إلى نحو ١٩٫٣ في المائة، مع أنه قال إن المختبر الوطني الأمريكي للطاقة المتجددة ما زال عليه تأكيد هذه النسبة. ولن يكشف سنيث عن التفاصيل، لكنه يعتقد أنه عمَّا قريب ربما تتخطى هذه المواد ما اعتقَدَ عالِمَا الفيزياء ويليام شوكلي وهانز كويسر — في ستينيات القرن العشرين — أنه حدٌّ أساسي. لقد استنتَجَا أنه لن يمكن لأية خلية شمسية تحويل أكثر من نحو ثلث الطاقة الشمسية إلى كهرباء. ويقول سنيث: «بدأنا نتساءل إن كان ثمة ما يميِّز هذا النظام.»

لا يزال هناك الكثير من العمل يجب القيام به قبل أن تحقق البيروفسكايت أعلى النجاحات على المستوى التجاري؛ إذ تحتوي معظم الخلايا المصنوعة منها حتى الآن على الرصاص، وهو عنصر سام. وفي شهر مايو من هذا العام، أظهرت مجموعة سنيث ومجموعة أخرى — في جامعة نورث وسترن في إيفانستون، إلينوي — أن خلايا البيروفسكايت المعتمدة على القصدير يمكنها أيضًا تأدية المهمة، لكن كفاءة هذه الخلايا — مع أنها ترتفع بسرعة — لا تتعدَّى حاليًّا بضع النسب المئوية.

المشكلة الأكبر أن خلايا البيروفسكايت عندما تُترَك مكشوفةً تمتص الرطوبةَ وتنتفخ، وتفقد ما تتمتع به من خصائص امتصاص وتجميع الضوء. ويقول عالم الكيمياء برشانت كامَت — من جامعة نوتردام بإنديانا، الذي بدأ في الآونة الأخيرة في دراسة هذه المواد: «إنها مشكلة خطيرة.» قد تبدو فكرةُ وجودِ خلية شمسية لا يمكن تركها في المطر سخيفةً، لكن يشير سنيث — وهو يحاوِل تحسين تركيب المواد من أجل جعلها مقاوِمَة للماء — إلى أنها يمكن أن تُوضَع في وحدات زجاجية مغلقة، ككثير من الوحدات الشمسية.

قد تتعدَّى استخدامات البيروفسكايت الخلايا الفولتية الضوئية؛ ففي وقت مبكر من هذا العام، أظهر مايكل جريتسل — من المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في لوزان — وزملاؤه أن هذه المواد يمكن تعديلها بحيث تصدر الضوء؛ مما قد يمهِّد الطريق لصنع أجهزة ليزر زهيدة الثمن من أجل أجهزة الاتصال عن بُعْد أو شاشات العرض العالية الدقة. ويمكن لشاشات العرض هذه أن تعمل إلى جانب ذلك كأجهزة تجميعٍ للضوء، ربما من أجل الإعلان عن لوحات إعلانات تشحن في أثناء النهار. ويقول سنيث: «إنه ليس تطبيقًا من أجل إنقاذ الكوكب، لكنه ربما يحقِّق بعض المال.»

إن أندرو رابه — المنظِّر في جامعة بنسلفانيا في فيلادلفيا والذي لم يشارك في تطوير الخلايا — متفائل بحذرٍ بشأن فُرَص نجاح البيروفسكايت؛ إذ يقول: «أرى أن الضجة المثارة بشأنها مبررة؛ فربما يتضح في النهاية أنها غير مناسِبةٍ لتوليد طاقة عملية بسبب مسائل تتعلَّق بديمومتها أو تصنيعها، إلا أنها قد أظهرت كفاءةً مرتفعة غير مسبوقة في تحويل طاقة أشعة الشمس.»

أما سنيث فهو واثق تمام الثقة في المادة، ويقول: «ما زلتُ مُؤمِنًا بشدة أن الخلايا الفولتية الضوئية ستنتج معظم ما نحتاج إليه من طاقةٍ في يومٍ ما. وإذا ما ازدهرَتْ خلايا البيروفسكايت خلال السنوات العشر القادمة، فإنه — نظريًّا — سيصبح هناك تيرا واط منها، وستجعل هذه الخلايا صناعةَ خلايا السليكون الحالية تبدو ضئيلة جدًّا مقارَنةً بها.»

ويقول مياساكا — الذي ما زال يعمل في المجال الذي أنشأه — إن هذه التوقُّعات كبيرة، ويُردف: «أشعر بالخوف والمسئولية بعض الشيء، لكنني سأبذل قصارى جهدي.»

14 Dic, 2015 11:26:05 AM
0