Pasar al contenido principal

القوة الخفية لترتيب الميلاد

قد يؤثر ترتيبك بين أشقائك فيما ستصير عليه في المستقبل؛ حيث يؤثر على صحتك، وطولك، وذكائك، بل وحتى توجهك الجنسي.

كان ألفرد أدلر — الطبيب النفسي المعاصر لسيجموند فرويد — على قناعة بأن ترتيبنا بين أشقائنا يؤثر فيما أطلق عليه «أسلوب الحياة». وقد ذكر أن الطفل الأكبر بين الأشقاء يميل إلى أن يكون عُصابيًّا ومتسلطًا؛ نتيجة لأن الأشقاء الأصغر يطيحون به من فوق عرش «مملكة الأسرة»، ويثقلون عاتقه بمزيد من المسئوليات. وأكد أن الطفل الأصغر غالبًا ما يكون مدللًا، وينعدم لديه الإحساس بالتعاطف مع الآخرين. أما الطفل الأوسط فهو وحده الذي يتمتع بمزاج معتدل، ويحقق النجاح في حياته مع أنه الأكثر تمردًا واستقلالًا. ولعلها لم تكن مصادفة أن أدلر نفسه كان الطفل الثاني بين سبعة أشقاء.

ابحث عن الطفل الأوسط، فهو الأمهر في تكوين الصداقات.

ابحث عن الطفل الأوسط، فهو الأمهر في تكوين الصداقات.

وقد لاقت أفكاره قبولًا واسعًا؛ إذ زاد الاهتمام بترتيب الميلاد وعواقبه المحتملة زيادة سريعة في أوائل القرن العشرين، فنشأ مجال جديد للبحث، غير أن أفكاره قُوِّمت في ثمانينيات القرن العشرين وفقدت معظم الدراسات المبكرة مصداقيتها الآن. لكن في السنوات الأخيرة عادت المياه إلى مجاريها مرة أخرى بعد أن كشفت أبحاث مقنعة أهمية ترتيب الميلاد في الحيوانات. والآن هناك أدلة متزايدة على أننا أيضًا نتأثر بوضعنا في التسلسل الهرمي للأسرة، ويبدو أن لهذا علاقة بكافة جوانب الحياة بدءًا من شكل الجسم، ونسبة الذكاء، ووصولًا إلى احتمالية الإصابة بالأمراض، والتوجه الجنسي (انظر الشكل). ويتضح سبب إحداث ترتيب ميلاد الطفل في الأسرة هذه التأثيرات بعيدة المدى فيما نفكك الشبكة المعقدة للعوامل المتضمنة.

هل وُلد قائدًا أم متمردًا بالفطرة؟ ترتيبك داخل عائلتك له تأثير خفي على احتمالية اتسامك بمجموعة منوعة من الصفات.

هل وُلد قائدًا أم متمردًا بالفطرة؟ ترتيبك داخل عائلتك له تأثير خفي على احتمالية اتسامك بمجموعة منوعة من الصفات.

ومن الناحية التاريخية، كثيرًا ما تجاوز ميراث الأبكار جيناتهم؛ فحتى قبلما يظهر أدلر، ادعى فرانسيس جالتون، عالم الأنثروبولوجيا والجغرافيا والإحصاء البارز وابن العم غير الشقيق لتشارلز داروين، أن الأبكار من الذكور والأطفال الوحيدين هم وحدهم من صاروا علماء إنجليز مشهورين. يبدو هذا تعميمًا مبالغًا فيه، لكن في عام ١٨٧٤، عندما نُشر كتابه «رجال العلم الإنجليز: بين الطبع والتطبع»، ربما كان هناك شيء من الصحة في هذا الزعم؛ فحينها كثيرًا ما كان الأبكار يتمتعون بالحظوة عند تقسيم ميراث العائلة، وكانت تُمنح لهم حرية أكبر لمزاولة المهنة أو الاهتمامات التي يختارونها.

وفي بعض العائلات، حتى في زمننا هذا، قد يرث الابن البكر مجوهرات العائلة أو النشاط التجاري الذي تديره العائلة. لكن عمومًا لم تعد التوقعات الثقافية التي تقوم على التسلسل الهرمي للعائلة صارمة كما كانت في وقت من الأوقات. بيد أن عمل جالتون وثيق الصلة بأعمال الباحثين المعاصرين بسبب تأكيده على كل من «الطبع والتطبع»، تلك العبارة التي صاغها. فالتمييز بين العوامل البيولوجية والبيئية مهم إذا أردنا فهم أسباب تأثير ترتيب الفرد بين أشقائه في فرص حياته أو حياتها. وعليه، تضع دراسات اليوم — على خلاف الكثير من الدراسات في زمن أدلر — في الاعتبار عوامل مثل الوضع الاجتماعي الاقتصادي، وحجم العائلة. تُرى ما النتائج التي توصلوا إليها؟

أحد أكثر الاكتشافات المذهلة التي يمكن الخروج بها من دراسات الحيوان، هي أن ترتيب الميلاد يمكن أن يترتب عليه عواقب مصيرية لدرجة الحياة أو الموت (انظر: «الترتيب المميت»). يبدو أن الشيء عينه ينطبق على البشر؛ فقد توصل هانز جرافسيث وزملاؤه، بالمعهد الوطني للصحة المهنية بأوسلو، في دراسة أجروها على أكثر من ٦٠٠ ألف شخص في النرويج، إلى أنه كلما زاد عدد الأشقاء الأكبر سنًّا للفرد زاد احتمال لجوئه للانتحار. وكان التأثير أكثر وضوحًا بين النساء، مع أن معدل انتحارهن كان يعادل ربع معدل انتحار الرجال. يخمن جرافسيث: «إن كنت الابن البكر؛ فإنك تعيش السنوات القلائل الأولى من عمرك وحيدًا، وتحظى باهتمام والديك الكامل، وغالبًا ما تنمو شخصيتك في الاتجاه السليم والمتزن، وتتكون لديك المرونة التي تمكنك من مواجهة الظروف العصيبة فيما بعدُ في الحياة.» يشبه تفسيره تفسير أدلر، مع أنه يعترف أن العلاقة بين معدل الانتحار وترتيب الميلاد غير واضحة بالكامل.

تحرت عالمة النفس، كاثرين سالمن، بجامعة ريدلاندس بكاليفورنيا، الكيفية التي قد يؤثر بها ترتيب الميلاد في العلاقات الأسرية، ووجدت أن الأبناء الأبكار والأبناء الأصاغر يميلون إلى تكوين علاقات أكثر حميمية مع والديهم، في حين أن الأطفال الأواسط يُكوِّنون علاقات أقوى خارج الأسرة. وهي تُرجع ذلك إلى أن الأطفال الأواسط عرضة لتلقي اهتمام أقل من الأبوين؛ الأمر الذي تقول أنه يشحذ مهاراتهم «في تكوين الصداقات» (القوة الخفية للطفل الأوسط، هَدسون ستريت برس، ٢٠١١).

من المغامر؟

كثير من الآثار المترتبة على ترتيب الفرد في أسرته ليست مصيرية، لكنها ترتبط بالسلوك؛ فقد وجد مارك مينورينج وإيان هارتلي، بجامعة لانكستر بالمملكة المتحدة، أنه عندما تكبر فراخ عصافير الزيبرا يزيد احتمال أن تتمتع الطيور الأصاغر في السرب بحس مغامرة أعلى من أشقائها الأكبر سنًّا عند استطلاع مناطق جديدة. وفي البشر أيضًا، ثمة إشارات إلى أن ترتيب الميلاد يرتبط بالميل إلى المخاطرة؛ إذ وجد فرانك سولواي وريتشارد سايجنهافت، بجامعة كاليفورنيا بمدينة بركلي، أن الأشقاء الأصاغر من المرجح أن يشاركوا في الأنشطة الرياضية الخطيرة. ومن بين ٤٠٨ من محترفي البيسبول الأشقاء، كان احتمال أن يحاول الأشقاء الأصغر سنًّا القيام بالمناورة شديدة المجازفة المتمثلة في تجاوز القاعدة ١٠ أمثال محاولة الأشقاء الأكبر سنًّا. وتمثل نسبة نجاحهم في فعل ذلك ثلاثة أمثال الأشقاء الأكبر سنًّا.

إذن لعل الأبكار أكثر حذرًا، لكنهم قد يكونون أذكى بعض الشيء أيضًا؛ فقد وجدت إحدى دراسات معدل الذكاء التي تضمنت حوالي ٢٥٠ ألف مجند نرويجي من الذكور، أن معدل ذكاء الأشقاء الأكبر سنًّا يزيد في المتوسط بنسبة ٢٫٣ نقطة عن الشقيق الثاني في الترتيب — ذلك النمط الذي استمر بطول ترتيب الميلاد. لكن عندما فحص الباحثون بقيادة بيتر كريستنسن، بجامعة أوسلو، الذكور الذين مات أشقاؤهم الأكبر سنًّا — مما نقل عمليًّا ترتيب الأخ الباقي على قيد الحياة إلى ترتيب أعلى — وجدوا أن أولئك الرجال تمتعوا بمعدل ذكاء أكبر من متوسط معدلهم الأصلي بحسب ترتيبهم في التسلسل الهرمي، وتوحي نتائجهم أن ما يهم هو الوضع الاجتماعي وليس الترتيب الفعلي للميلاد. ومع أن هذه الفروق في معدلات الذكاء طفيفة؛ فإن كريستنسن يشير إلى أنها من الممكن أن تؤثر في فرص الحصول على مكان في الجامعة.

قد يؤثر ترتيب الميلاد أيضًا في أسلوب القيادة وإمكانياتها؛ فعندما فحص الباحثون بجامعة ليدن بهولندا ١٢٠٠ رجل وامرأة هولنديين في مناصب حكومية عليا، وجدوا أن ٣٦٪ منهم كانوا أبناء أبكارًا، و١٩٪ كانوا أصغر الأبناء (دورية بوليتيكال سايكولوجي، المجلد ٢٤، صفحة ٦٠٥). ويشكل كل من الأبناء الأبكار والأبناء الأصاغر في الأسرة نحو ربع سكان هولندا، من ثم يُمثَّل الأبناء الأبكار تمثيلًا كبيرًا بين سياسيي البلد بينما يقل تمثيل الأبناء الأصغر سنًّا. بيد أنه عندما يتعلق الأمر بالقادة الذين يتحدون الوضع الراهن، كما يقول سولواي، فإن الأمر يختلف؛ إذ يشير بحثه إلى أن المواليد التالية للابن البكر يميلون إلى اعتناق الأفكار أو الحركات الثورية، ويقول: إن داروين كان الابن الخامس في أسرته، في حين أن الأبناء الأبكار شكلوا نسبة كبيرة من معارضي نظرية التطور الخاصة به (كتاب «وُلد ليتمرد»، بانثيون بوكس، ١٩٩٦).

وتتجلى الاختلافات البدنية المميزة بين الأشقاء في مجموعة منوعة من الحيوانات. ويبدو أن ترتيب الميلاد له أيضًا أصداء تنعكس على شكل البشر؛ فبادئ ذي بَدء يميل الأبناء الأبكار إلى أن يكونوا أطول: في المتوسط يكونون أطول من أشقائهم بمعدل ٢٫٥ سم؛ وفقًا لما ورد عن دراسة حديثة أجراها وين كاتفيلد وزملاؤه بجامعة أوكلاند بنيوزيلاندا، الذين وضعوا في اعتبارهم الوضع الاجتماعي الاقتصادي، والعِرْق، وطول الآباء. ووجدت دراسة أخرى أيضًا أن الأبناء الأبكار من الذكور يتمتعون بحجم خصر أكبر في سن الشباب. ويعتقد دارين دالي — عالم الأمراض الوبائية بجامعة ليدز بالمملكة المتحدة، الذي اشترك في إجراء هذه الدراسة — أن هذه الاختلافات تنشأ قبل الميلاد، فيقول: «قد لا تكون الأوعية الرحمية المشيمية كاملة التطور في حالات الحمل الأولى.» وعليه، يحصل الطفل الأول على تغذية أقل في الرحم من الأطفال اللاحقين، ويميل إلى أن يكون أخف وزنًا عند الولادة. ويُعتقد أن الأفراد الذين يتكون الأيض لديهم في بيئة شحيحة الموارد ثم يعيشون في بيئة غنية بالموارد فيما بعد، يكونون عرضة أكبر لخطر السمنة عند البلوغ. يُطلق على تلك الفكرة فرضية سوء توزيع الموارد، وهي تشير إلى عدم التوافق بين بيئتي ما قبل وما بعد الولادة. ويرى دالي أن هذا قد يساعد في تفسير نتائجه.

ولعل هذا يرتبط باكتشاف آخر توصل إليه كاتفيلد وزملاؤه؛ إذ وجدوا بعد دراسة أطفال لم يصلوا بعد لمرحلة البلوغ أن قدرة الجسم على الاستجابة للأنسولين كانت أقل عند الأبكار بنسبة ٢١٪ من الأطفال التالين في ترتيب الأسرة، وكان ضغط دمهم أعلى بشكل ملحوظ. ويشير الباحثون إلى أن هذا قد يجعل الأبكار أكثر عرضة لأمراض الكبار بما فيها السكر من النوع الثاني، ومرض القلب، والسكتة، وارتفاع ضغط الدم. وقد يؤثر ترتيب الميلاد في احتمالية إصابتنا بأمراض أخرى أيضًا، بما فيها أنواع السرطان التي نحن عرضة لها، وإن كانت الصورة لا تزال غير واضحة.

لكن العلاقة بين ترتيب الميلاد وأمراض الحساسية مؤكدة وموثقة إلى حد بعيد. درس مات بيرزانوسكي — من جامعة كولومبيا بنيويورك — الأطفال في العائلات منخفضة الدخل ضمن برنامج «هيد ستارت» الذي تموله الحكومة الأمريكية، فوجد على سبيل المثال أن احتمال نقل الأطفال في سن ٤ و٥ سنوات الذين لهم أشقاء أكبر سنًّا إلى غرفة الطوارئ إثر تعرضهم لأزمة ربو أَرَجي يقل ثلاث مرات عن الأطفال الذين ليس لهم أشقاء أكبر سنًّا. ووفقًا لما يُعرف ﺑ «فرضية النظافة الصحية»، فإن التعرض للمزيد من الفيروسات والفطريات والبكتيريا في مرحلة الطفولة المبكرة يُقوِّي بشكلٍ ما الجهاز المناعي؛ مما يجعل الأطفال المولودين لاحقًا — الذين قد يُحضِر أشقاؤهم الأكبر سنًّا مُسبِّبات المرض إلى المنزل — أقل عرضة للحساسية من الأبكار.

ثمة تفسير بديل يربط الحساسية والربو بالبيئة الجنينية؛ تكمن الفكرة في أن جسد الأم لا بد أن يقلل استجابته المناعية لتجنب رفض الجسم للطفل المتكوِّن. ويشير بيرزانوسكي إلى أنه إذا أصبح هذا أكثر فاعلية مع كل حمل متعاقب؛ فإن المواليد التالين سيُكوِّنون عددًا أقل من الأجسام المضادة الموجهة ضد أمهاتهم في الرحم، مما يجعلهم أقل عرضة للإفراط في التفاعل مع المواد الحميدة التي يواجهونها في عالمهم الخارجي.

لكن هذه الفكرة تتعارض مع فكرة أخرى عميقة مذهلة؛ ففي عام ١٩٩٢ وضح راي بلانشار، بجامعة تورونتو بكندا، أنه كلما كان للذكر عدد أكبر من الأشقاء الذكور أكبر منه زاد احتمال أن يكون مثليًّا؛ فقد أشار إلى أن الأجنة الذكور تطلق استجابة مناعية بداخل الأم، تلك الاستجابة التي تزداد قوة مع كل حمل، ومنذ ذلك الحين وُجد ارتباط بين المثلية الجنسية والطفل الأصغر في الكثير من الشعوب.

أما بالنسبة للآلية الكامنة وراء ذلك، فيعتقد توني بوجارت، بجامعة بروك بمدينة هاملتون بكندا، أن هدف الاستجابة المناعية للأم قد يكون البروتينات الموجودة على سطح خلايا المخ الجنينية للجنين الذكر في الوطاء الأمامي — وهي تلك المنطقة في المخ التي ترتبط بالتوجه الجنسي — ويشير إلى أنه إذا التصقت الأجسام المضادة الخاصة بالأم بهذه الجزيئات وبدلت دورها في التمايز الجنسي المعتاد؛ فإن هذا قد يدفع بعض الذكور المولودين لاحقًا إلى الانجذاب إلى الذكور. وحيث إن الدم يحتفظ «بذاكرة» مناعية للاستجابات المناعية التي حدثت في الماضي حتى بعد مرور أعوام كثيرة، يقوم بوجارت الآن بتحليل عينات دم من أمهات ذكور مثليين وآخرين طبيعيين لاختبار مدى صحة هذه الفكرة.

إن ترتيب الميلاد أحد جوانب نظرية التطور، وهو مجرد مكون واحد فحسب من العوامل الكثيرة التي تشكلنا كأفراد، لكن أي تراجع في معدلات الخصوبة على مستوى العالم يعني أن نسبة الأبكار ترتفع؛ مما يجعل من المهم فهم التأثيرات التي قد يحدثها ترتيب الميلاد. لعل ترتيب الميلاد يؤثر تأثيرًا طفيفًا في صحتنا البدنية والعقلية، وفي فرصنا في التعليم، وفي مهننا. وبالطبع ليس كل الأشقاء الأصاغر مدللين، وغير معرضين للإصابة بالحساسية، وليس كل الأطفال الأواسط لديهم القدرة على تكوين الصداقات والتفاعل مع المجتمع، كما ليس كل الأشقاء الأكابر طوال القامة وأذكياء وقادة مسئولين، لكن مكاننا وسط الأشقاء يقدم أفكارًا مستبصرة رائعة حول التعقيد الذي يجعل كلًّا منا فريدًا.

الترتيب المميت

في بعض الطيور يكون ترتيب الميلاد مسألة حياة أو موت. تضع طيور الأطيش — تلك الطيور البحرية التي تعيش في جزر جالاباجوس — بيضتين، فيقوم دائمًا الفرخ الذي خرج من بيضته أولًا بمهاجمة شقيقه الأصغر، إلى أن يتمكن في آخر المطاف من طرده خارج العش المكون من الحصى المبعثر. ولا تتدخل الأم في الأمر، فتترك الفرخ المطرود يواجه موتًا حتميًّا؛ إما من الجفاف أو من الحيوانات الضارية! وفي حالة الأطيش أزرق القدمين، الذي ينتمي إلى نفس الفصيلة، قد ينجو كلا الفرخين في حال توافر الغذاء. لكن في حالة الندرة لا يُظهر الفرخ الكبير أي رحمة؛ فيهاجم شقيقه الأصغر ويقتله!

يتذكر سكوت فوربس صدمته لدى مشاهدته للمرة الأولى طيور الشماط (من فصيلة العقاب النساري) وهي «تضرب بعضها بعضًا بضراوة حتى الموت» أثناء بحث الدكتوراه الذي أجراه. وهو الآن يدرس تنافس الأشقاء في طيور الشحرور ذات الأجنحة الحمراء بجامعة وينيبج بكندا. ومع أنها ليست بضراوة العقاب النساري، فإنها لا تزال مميتة، ويقول: إنه في الحالة الطبيعية لاحتضان الأم لخمس بيضات «تكون فرص نجاة آخر فرخ يخرج من بيضته حوالي ١٠٪، في حين أن فرصة نجاة الفرخ الأكبر الذي خرج أولًا تزيد عن ٨٠٪.»

على غرار الكثير من الطيور، لا تفقس مجموعات بيض الشحارير في الوقت نفسه، ويبدو أن هذا يمثل صمام أمان؛ ففي أوقات اليسر والطعام الوفير حتى الطيور الصغيرة قد تنجو، أما في الأوقات الصعبة، فالبقاء للأقوى، ويكاد الفرخ الأكبر يكون المنتصر دائمًا.

في إحدى التجارب تحكم فوربس في بيض الشحارير ذات الرءوس الصفراء بحيث يفقس جميع البيض في الوقت نفسه. فكان هذا بمثابة كارثة للنسل: ففي السنوات العجاف ماتت جميع الفراخ. وهو يُشبِّه الظاهرة باستثمار المال؛ حيث تقسم الشحارير نسلها إلى مجموعات مركزية وأخرى هامشية (دورية أويكوس، المجلد ١١٨، صفحة ١٥٦١). ويمثل الأشقاء الأكبر سنًّا «الأسهم الرابحة»، بينما يمثل الأشقاء الأصغر سنًّا السندات المحفوفة بالمخاطر التي أحيانًا فقط تجلب أرباحًا داروينية.

ليست الطيور وحدها هي من تستغل سياسة ترتيب الميلاد؛ فصغار الخنازير تستخدم أسنانها المؤقتة لتهاجم أشقاءها الأصغر سنًّا للوصول إلى حلمات الأم الأمامية التي تفرز معظم اللبن. وبالوصول إلى هذا المكان يتضاعف احتمال بقائهم عن الأشقاء الموجودين عند الحلمات الخلفية.

وفي حالة أسماك قرش الرمل الببري، يقتل الأشقاء بعضهم بعضًا قبل الميلاد؛ حيث يشق أكبر جنين في كلا رحمي الأم غشاء بيضته ويبدأ في التهام أشقائه الأصغر سنًّا!

بل ويعد «ترتيب الميلاد» مهمًّا أيضًا في بعض النباتات؛ فالبرقوق الهندي الأسود ينتج بذورًا بها حوالي ما يزيد على ٣٠ بذيرة، لكن أول واحدة يُجرى تلقيحها تفرز مادة سامة تقتل الباقي.

17 Dic, 2015 01:31:49 PM
0