... في ال "أوفردوز" الأميركي
تعاني الولايات المتحدة الأميركية تفشي آفة الإدمان على المخدرات بشكلٍ واسع النطاق، إلى درجةٍ تؤثر في المجتمع والاقتصاد. كتاب "أميركان أوفردوز" يسرد كيف وصلت البلاد إلى هذه المرحلة الخطرة من الإدمان.
خلال عقدٍ واحدٍ من الزمن، وزّعت صيدليتان فقط في مقاطعة مينغو، ضمن بلدة ويليامسون في وسط ولاية فرجينيا الأميركية، 21 مليون حبةٍ من دواء أوبيود، الذي يعتبر نوعًا من الأفيون، مع أن عدد سكان البلدة لا يتخطى 2800 نسمة.
الحقيقة أن عددًا من العيادات عديمة الضمير في البلدة منح وصفاتٍ إلى حشودٍ من المرضى. لم يكن تداول هذه الحبوب سرًا، إلى درجةٍ إطلاق لقب بيليامسون عليها بدلًا من اسمها الحقيقي.
منظّمة وخبيثة
في كتابه "أميركان أوفردوز: تراجيديا أوبيود في ثلاثة فصول" American Overdose: The Opioid Tragedy in Three Acts (المكون من 304 صفحات، منشورات بابليك أفارز، 27 دولارًا)، يبدو كريس ماكغريل غير متفاجئ من أسباب الإدمان الذي يقتل عشرات الآلاف من المراهقين الأميركيين خلال كل سنة.
وكانت شركة برديو فارما، مصنّعة دواء أوكسيكونتين، ادّعت أن هناك ألمًا مزمنًا متفشّيًا، ومن الممكن الشفاء منه، من خلال علاجٍ طويل الأمد، بوساطة أوبيود، من دون التسبب بالإدمان عليه. كما كشف الكتاب أن البحوث تمّت بطريقة خبيثة ومنظّمة ضمن إدارة الغذاء والدواء، ثم تم شحن كميات هائلة من الحبوب وتوزيعها على الصيدليات في البلدات الصغيرة من دون أي حسيب أو رقيب سنوات عدة. بناءً عليه، تم توظيف أطبّاء محتالين لمنح وصفات عشوائية وجني أرباحٍ طائلة.
أزمة الإدمان الحاصلة حاليًا هي نتيجة الممارسات التي تم ذكرها سابقًا. فالأميركيون يشكلون 5 في المئة من عدد سكان الكرة الأرضية، إنما يستهلكون 30 في المئة من وصفات الأدوية المخدرة. عدد الوفيات في الولايات المتحدة بسبب المخدرات هو أكبر من عدد الوفيات التي تسببها حوادث السير. أما البيت الأبيض، فقدّر كلفة الخسارة في الإنتاجية، التي سببها تفشي الإدمان، بتريليون دولار. كما إن آلان كروغير، الخبير الاقتصادي في برينستون، أفاد أن ارتفاع عدد وصفات أوبيود سبّب انخفاض مشاركة الرجال في اليد العاملة بنسبة 20 في المئة.
وفيات وشهاداتٍ
قدم أحد الضحايا في الولاية شهادته لماكغريل، وهو رجل لم يستطع أن يقلع عن الإدمان حتى بعد وفاة ابنه وزوجته، وقال إنه لم يفهم ما يجري في البداية، فالأطباء كانوا متواطئين مع أصحاب الصيدليات ويعملون سويًا، ما يفضح التناقض الحاد بين الغضب الشديد ومصالح شركات الأدوية.
أما التشاؤم في هذا الشأن فبقي إلى اليوم، إذ جعلت شركة برديو فارما، الحصول على دواء أوكسيكونتين أقل سهولةً من السابق.
إنما للأسف، خلال الفترة التي سبقت، كان المدمنون قد انتقلوا إلى الإدمان على أنواع أخطر وأقل كلفةً، كالهيروين والفنتانيل. أما في عام 2016، فقد مرّر الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما مشروع قانون يحدّ من صلاحية إدارة مكافحة المخدرات في إيقاف عمليات الشحن المشبوهة من قبل وكلاء الأدوية في المناطق.
ويذكر الكاتب أنه من المتوقع أن ترتفع نسبة الوفيات جراء الإدمان على المخدرات، الكحول والانتحار، بنسبة الثلث من الآن حتى عام 2025.
هذا التقرير عن "إكونوميست".