Aller au contenu principal
مجد كردية يرسم على لسان البشر والحيوان والنبات

يعتمد الفنان السوري مجد كردية في مجموعة رسومه الملونة على فكرة الحكي أو الكلام. هو يروي حكاية مستمرة على ألسنة شخوصة من البشر والحيوانات والنباتات. قد يهيأ لنا حين نطالع هذه المجموعات المرسومة أننا أمام واحدة من قصص الرسوم المصورة أو الكارتونية، لكننا حين نتأمل المشهد ونصل أطراف هذه الحكايات المرسومة بمزيج من الشاعرية والرهافة ندرك أننا أمام وسيط مختلف؛ وسيط يستعير محتواه من القصص المصورة، ويستلهم أجواءه من الرسوم الكارتونية، لكنه يتخذ لنفسه قواماً آخر غير هذا وذاك. يمكننا أن نصنف أعمال مجد كردية كما يحلو لنا، لكنها على كل حال أعمال تحمل فرادتها الخاصة وتفرض حضورها ككيان عالق بين الرسم والأدب، كما تُراوح بين رصانة الأفكار وعبثها.  

يعرض مجد كردية جانباً من رسومه تلك حالياً في مساحتي "فن آ بورتيه" في دبي وعَمّان حتى 17 من سبتمبر (أيلول). على الملصق الدعائي المصاحب للمعرض رسم كردية جانباً من عناصره وشخصياته الأثيرة: الحوت والفيل والحمار وراية الشمس والزهرة، إلى جانب الشخصيتين المحوريتين "فصعون وفصعونة" وهي الشخصيات والعناصر التي تجري على ألسنتها الجمل والأقوال المكتوبة التي لا تخلو منها لوحاته. يمزج مجد كردية بين الكتابة والرسم فتدل الرسوم على الكلمات، كما تدل الكلمات على الرسوم لتصنع في النهاية نسقاً متوازناً منهما لا ينفصل أحدهما عن الآخر. عالم مجد كردية يفيض بالبراءة وروح الطفولة، غير أن هذه البراءة الطفولية الظاهرة تُخفي وراءها الكثير. هو يستدعي جمله الحوارية من بنات أفكاره، أو من كلمات الأغاني الشهيرة أو قصائد الشعراء المعاصرين أو القدامى مثل أبو الطيب المتنبي، وبشّار بن برد، وعنترة، وقيس، وغيرهم من فطاحل الشعراء العرب.

مجد1.jpg

لوحة للرسام مجد كردية (اندبندنت عربية)

تتكرر العناصر والشخصيات التي يرسمها مجد كردية، لكنها في كل مرة تمتلك فرادة في صوغها وعلاقتها بالفراغ المحيط بها والسياق الذي وُظفت من أجله. يتصدر هذه الشخصيات طفل وطفلة ضئيلا الحجم، أو كما يُطلق عليهما الفنان "الفصاعين" باللهجة السورية، للإشارة إلى ضآلة حجمهما. إلى جانب "الفصاعين" تبرز أيضاً أدوار الشخصيات الأخرى من أفراد العصابة التي يطلق عليها كردية إسم "عصابة الفراشة الجميلة والمخيفة للغاية"، وهو وصف يلخص ما يميز تلك الأعمال من مزج ومراوحة محببة بين الجد والهزل، وبين الطرافة والحكمة، أو بين براءة الطفولة والطرح المباشر للفكرة وعُمق المضمون.

لو أن الفتى حجر...

"ما أطيب العيش لو أن الفتى حجر/ تنبو الحوادث عنه وهو ملموم" هو بيت للشاعر تميم بن مُقبل كتبه كردية على جانب إحدى لوحاته الملونة، بينما تتصدر مساحة اللوحة صورة كبيرة لنبات الصبار تكاد تبتلع كامل المساحة، وفي الوسط ثمة حجر صغير ملقى على الأرض. بيت آخر لأبي ذؤيب الهذلي يقول فيه: "وتجلُدي للشامتين أُرِيهم/ أنّي لريب الدهر لا أتضعضع". يرافق البيت رسم مشابه يشي بالتفاؤل رغم المعاناة البادية على المشهد. يحوّل كردية هذه الأبيات والكلمات الشعرية الرصينة إلى رسوم هزلية تتسم بالطرافة وفي صياغات لونية مبهجة. يرسم الفنان أعماله تلك على خلفية حيادية، بيضاء في الغالب، ما يمثل عاملاً مساعداً لإبراز الخطوط والدرجات اللونية التي تتوزع على مساحة الرسم في انسيابية وخفة.

مجد4.jpg

الرسام السوري مجد كردية (اندبندنت عربية)

تشي رسوم كردية بأفكاره حول العديد من القضايا والأحداث المحيطة بنا، لكنها تحتفي في المقام الأول بالعلاقات والمشاعر الإنسانية، من حب وأمل وفقد ولوعة وصراع بين الخير والشر، وفي معالجات رمزية دالة لها أبعاد شاعرية رغم تناقضها أحياناً. أعمال مجد كردية قريبة إلى الفهم والتفسير ومُفعمة بالتفاؤل والأمل على الرغم من المحن والصعاب التي تعبر عنها الرسوم والكلمات أحياناً. وربما لهذا تجد أعمال كردية قبولاً لدى المتلقي العربي، فهو يعالج القسوة باللين والخوف بالإفراط في التعبير عن المشاعر والأحاسيس، والتعقيد بالبساطة والاختزال والرمزية.

مجد 2.jpg

لوحة أخرى (اندبندنت عربية)

قد يجسد في رسومه مثلاً حواراً مع الشمس أو القمر، أو يعبر عن سجال ما بين الفيل وأزهار الحديقة. يتحول قلب الفيل الضخم في رسومات كردية إلى سمكة، وينطق الحمار بالحكمة، وتتسابق الفراشات على نزع الأشواك من الطريق وزرعه بالأزهار. يعيدنا مجد كردية من خلال رسومه تلك إلى رحابة الخيال الطفولي، لكنه في الوقت نفسه يدفعنا دفعاً إلى الإنعام في التفكير وإعادة النظر في الكثير من الأفكار والقناعات والأشياء اليومية التي نتعامل معها.

ولد مجد كردية في مدينة حلب في سوريا عام 1985، وهو يعيش ويعمل حالياً في لبنان، وقد عرضت أعماله على نطاق واسع عربياً ودولياً، في بيروت ودبي وعمّان والقاهرة والمنامة وبرلين ولندن.

 

المصدر:اندبندنت عربية

03 Sep, 2020 01:29:49 PM
0