Aller au contenu principal
النظام الحضري في الأردن: تصورات مستقبلية

النظام الحضري في الأردن: تصوّرات مستقبلية

 

 

تضاعف عدد سكّان الأردن عشرات المرّات خلال القرن الماضي، ولم يواكب هذه الزيادة المهولة تخطيطٌ شامل وتنمية مستدامة لإدارة التجمّعات السكّانية الكبرى، ما خلق أزمات اقتصادية واجتماعية وبيئية عدّة تناولها المشاركون في الملتقى الذي نظّمته الشعبة المعمارية في "نقابة المهندسين الأردنيين"، الثلاثاء الماضي في عمّان، بعنوان "مستقبل النظام الحضري في الأردن".

أشارت الباحثة والمعمارية رانية قطيشات، المتحدّثة الرئيسية في الملتقى، إلى محاولات لتغيير ما سمته "النمط السائد غير المتوازن"، حيث يتركّز السكّان في مدن الوسط والشمال الغربي للبلاد (حوالي 86% من مجمل السكان على 10% من مساحة البلاد)، عبر "تفريغ المدن المتوسّطة والصغيرة من سكّانها لصالح المدن الكبرى المهيمنة، خاصة العاصمة عمّان"، ما سيؤدّي مستقبلاً إلى "مزيد من الضغط على الموارد الطبيعية والبيئية وخدمات البنية التحتية، خاصة المياه والتربة ونظم المواصلات وشبكات الكهرباء والصرف الصحي".

 

في تقديمها، أشارت أستاذة الجغرافيا والتخطيط الإقليمي إلى أنه "ليس من السهل رسم استراتيجية للتنمية المستقبلية للنظام الحضري في الأردن في ضوء المشكلات التي يعاني منها النظام، والتي يرجع بعضها إلى عدم قدرة هذه المراكز الحضرية على تخطّي حدود بيئتها الجافّة عموماً، وأنها لا ترتبط بتوزّعها وفقاً للموارد والثروات الكامنة بحيّز إقليمها، والتي يمكن استثمارها وإدارتها".

خمسة نماذج وضعتها قطيشات على طاولة النقاش لما ينبغي أن يكون عليه التوزّع المكاني للمدن الأردنية، أولها النموذج المتروبوليتاني الذي يعتمد على تركيز التنمية في عدد من المراكز الحضرية وزيادة القدرة الاستيعابية لها على حساب المدن الصغرى، ما يعني مزيداً من الهجرات من الريف والحواضر الصغيرة والمتوسط باتجاه المدن المهيمنة.

زيادة عدد سكان في الأردن خلال قرن لم تواكبها تنمية مستدامة

ويهدف نموذج النطاقين، بحسب المحاضِرة، إلى تلافي مساوئ النموذج السابق من حيث العمل على توزيع النشاطات الاقتصادية مكانياً وتوسيع دائرة الخدمات الاجتماعية، وعلى تنويع القاعدة الإنتاجية الإقليمية، وتحقيق هرميّة في مراكز الخدمات تبعاً لمستويات المدن بتركيز النشاطات الإنتاجية والخدمية في المنطقتين الوسطى الغربية، لكن هذا النموذج سيؤدي إلى مزيدٍ من انخفاض التنمية في الأقاليم الشرقية والجنوبية.

أمّا نموذج الشريط الغربي، فتلفت قطيشات إلى أنه يعني تطويراً باتجاه الجنوبي الغربي من الأردن الذي يسكنه 9% من السكّان فقط، لكنه سيبقى المساحة الكبرى من البلاد ممثّلة في الشرق محدود التنمية، مقابل نموذج التنمية المكانية المتفرقة الذي يهدف إلى توفير الفرص الوظيفية والظروف المعيشية المتساوية في مختلف المناطق، رغم أن إمكانات نجاح هذا النموذج غير مرتفعة.

النموذج الخامس والأخير هو محاور وعقد التنمية الذي يعمل على المواءمة بين النماذج السابقة من خلال تعزيز الترابط الوظيفي بين مختلف أجزاء البلاد والانتشار الجغرافي للتنمية بصورة تدريجية من المراكز المتطوّرة إلى المناطق الأقل نمواً، وذلك بدعم مراكز نمو إقليمية يتم اختيارها وفق إطار محاور التنمية للمحافظة على الانسجام بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية في بعدها المكاني.

وبيّنت قطيشات أن نجاح هذه الاستراتيجية يتطلّب تحقيق التوازن الحضري بين المدن وعدم حصر النشاطات الاقتصادية والخدمية في المراكز الكبرى والعمل على حقيق هرمية حضرية تعزّز دور وإمكانات المدن المتوسّطة والصغيرة، وسيزيد الاستفادة من الموارد المتاحة في أقاليم الشرق والجنوب ويخفّف الضغط السكّاني عن العاصمة وضواحيها ويقلّل من الهجرة المستمرّة إليها وإلى المدن الكبيرة.

في تعقيبه، أيّد خبير التخطيط العمراني والتنمية، خالد المومني، التوصيات التي خرجت بها قطيشات، متمثّلة في دعوة الدولة الأردنية إلى إعادة النظر في التقسيمات الإدارية، وتفعيل اللامركزية، وعمل مراكز إقليمية متدرّجة لتكون مصدر جذب للعمالة والسكّان، وإنشاء مدن جديدة، وتفعيل بناء المدن الصناعية والمناطق التنموية في جميع المحافظات، وربط التنمية بالاستدامة ومعالجة المشكلات البيئية ونقص موارد المياه واستنزاف الموارد وربط التنمية بقاعدة بيانات جغرافية GIS تساعد المخطّطين، مشيراً إلى غياب أداة مهمة جدّاً؛ تتمثّل في السياسات الحضرية والعمرانية الشاملة والعميقة والمتماسكة.

أضاء المومني على محاور التنمية وفق الموارد التي يمكن استدامة توفّرها في الشرق ووادي عربة، متطرّقاً إلى نماذج ناجحة لعدد من البلدان يمكن للأردن الاستفادة منها؛ مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية، مؤكّداً أنه حان الوقت لوضع وثيقة سياسات حضرية وعمرانية شاملة ذات حاكمية متطوّرة وفق استرتيجيات وطنية وإقليمية ومحلّية لتنفيذها تصدر بموجب قانون خاص بها لضمان استدامتها وتطبيقها بشكل صحيح.

 

 

المصدر: العربي الجديد

25 oct, 2020 11:38:16 AM
0