ذكريات ومواقف... من عصا المعلم إلى قلم الرقيب الجائر
ذكريات ومواقف... من عصا المعلم إلى قلم الرقيب الجائر
برزت في السعودية خلال السنوات القليلة الماضية ظاهرة جديدة خالفت ما كان مألوفاً في موضوع كتابة السير الذاتية بإقدام البعض على كتابة سيرتهم الذاتية بقلم أصحابها، بعد أن كان مألوفاً أن يكتب عنهم آخرون سيرهم: إما في حياتهم أو بعد مماتهم، وهو ما فعله الدكتور عائض بن بنيّه بن سالم الردادي في كتاب حمل اسم «من مدرسة الصحراء... خطوات ومحطات – شيء من سيرة إعلامية وثقافية».
وقع الدكتور الردادي في ذات الإشكالية التي تقلل من أهمية كتابة السير بقلم أصحابها بسبب ممارسة الرقابة الذاتية وهو ما يغيّب أشياء مهمة تفيد القارئ في جوانب مهمة من المحطات التي تتناولها السير. اختصر الردادي كل ما يريده لسيرته التي صدرت مؤخراً بالقول: «لسيرتي ثلاثة جوانب: عائليٌّ وإعلاميٌّ وثقافيٌّ، أما العائلي فخلا منه هذا الكتاب بسبب أني أصدرت كتاباً بعنوان (جدي جمال... سيرة عائلية) كتبت فيه سيرة تاريخية اجتماعية عائلية لعائلتي من القرن العاشر الهجري إلى وقتنا الحاضر، إضافةً إلى أنني كتبت شيئاً منها، تحت عنوان (بوح وذكريات من المهد إلى اللحد)، لذلك لم أتطرق للسيرة العائلية هنا».
يقول عن ذلك : «مدرسة الصحراء هو اسم حقيقي للمدرسة الابتدائية في قرية المسيجيد (غرب المدينة المنورة) التي بدأت منها خطوات التعليم، وليس اسماً مجازياً، فهي بداية حياتي وكتبت تحت العنوان (شيء من سيرة إعلامية وثقافية)، في إشارة إلى أن ما ورد في هذا الكتاب شيء وأنه غابت عنه أشياء».
وذكر الردادي أنه من خلال عمله بالإعلام عرف كثيراً من الرجال ومن أشباه الرجال، وعرف صاحب الموقف الثابت والآخر المتقلب، والمبتسم حقيقة والمبتسم خداعاً أو تزييفاً. وفي الثقافة عرف «مَن يحترق من أجل أمته، ومن لا يرى إلا وجاهة أو كسب قوت، فالتجارب تكشف المعادن، فقد تسمع عن شخصية فإذا لقيتها قلت: ليتها بقيت على صورتها الخيالية». وعرف في الإعلام السهر والقلق الذي يلاحقه حتى في النوم، وعرف فيه المسؤول الذي يقدّر الجد والعمل، والآخر الذي يضيق صدره بكلمة طيبة وقد يضطرم صدره غَيْرة.
وبالمقابل، وجد في الإعلام والثقافة من يحمل على كاهله رسالة فيقلق، معتبراً أن أصعب موقف عاشه في الإعلام -على كثرة ما فيه من قلق- حينما وجهة إليه عقوبة لفت نظر لإلقائه محاضرات عامة ويشارك في المنتديات الثقافية وأنه «لا بد من الاستئذان المسبق، ولا بد من الاطلاع على نص المحاضرة الثقافية قبل موعد المناسبة»، وهو ما اضطره إلى أن يعتذر لنادي الطائف الأدبي بعد إعداد محاضرة «محمد كبريت المدني: أدبه ومؤلفاته» حين طلبوا الإسهام بمحاضرة ثقافية، متعللاً بعذر خارج عن إرادته، ووجد أن هذا أهون عليه من عرض محاضرته على مَن لا علاقة له بها، فالعمل الفكري ليس من واجبات الوظيفة. وفعل الشيء نفسه مع منتديات ثقافية أخرى، ومع دعوات لندوات أو مؤتمرات، حتى وجد نفسه في ضيق أدى إلى طلبه إجازة وأتبعها بطلب التقاعد غير أنه جاء تعيينه في مجلس الشورى حائلاً دون ذلك.
وذكر الردادي في هذه السيرة إلى أنه ألزم نفسه بعد ذكر يذكر موقفاً بعينه أو أشخاصاَ بدءاً من ذلك المعلم الذي كان يحمل عصاه في المدرسة الابتدائية ليضرب طلاباً صغاراً ناعمي الأصابع لم يعرفوا حل مسألة حسابية بدلاً من شرحها لهم، إلى ذلك المسؤول الذي شهر قلمه ضد الإنتاج الفكري والثقافي.
المصدر: الشرق الأوسط