Aller au contenu principal
شخصيات محسن الرملي بين الأبيقورية والرواقية

أثير جليل أبو شبع


الأبيقورية أو المذهب الأبيقوري يُنسب إلى الفيلسوف اليوناني أبيقور (340 ق.م ـ 270 ق.م)، الذي أنشأه وقد ساد لستة قرون، وهو مذهب فلسفي مؤداه أن اللذة هي وحدها الخير الأسمى، والألم هو وحده الشر الأقصى، والمراد باللذة في هذا المذهب ـ بخلاف ما هو شائع ـ هو التحرر من الألم والاهتياج العاطفي. وقد أكد أبيقور أن هذه المتعة، لا تتمّ للمرء من طريق الانغماس في الملذات الحسيّة، بل بممارسة الفضيلة، ولأجل تحقيق ذلك انصب تركيز ابيقور وطلبته على الاخلاق واهميتها وأثرها الفاعل في جلب السعادة الشخصية للفرد، وقد اكدوا على ان الاخلاق الصحيحة هي التي تجعل الفرد مطمئن البال وسعيدا وفي راحة نفسية وبغض النظر عن طبيعة هذه الاعمال ونتائجها، فالمعيار هنا هو مقدار ما تجلبه تلك الاعمال من سعادة فردية. وقد تبنى هذا المذهب الفلسفي من العصر الحديث الفيلسوف الانكليزي هوبز.

الرُّواقيَّة هي مَذهَبٌ فَلسَفيٌّ أنشأه الفيلسوفُ اليونانيُ زينون السيشومي في أثينا ببدايات القرن الثالث قبل الميلاد. تندرج الرواقية تحت فلسفة الأخلاقيات الشخصية التي تُستَمَدُّ من نظامها المنطقي وتأملاتها على الطبيعة. وفقاً لتعاليمها، فإن الطريق إلى اليودايمونيا (السعادة أو الراحة الدائمة) يكون بتقبل الحاضر، وكبح النفس من الانقياد للذة أو الخوف من الألم، عبر مَشُورَةِ العقلِ لفهم العالم وفِعلِ ما تقتضيه الطبيعة، أي ان اساس اصدار الاحكام الاخلاقية على السلوك الفردي يعتمد على المبدأ العقلي، وهذه الاحكام لا يستطيع الفرد اصدارها ما لم يكن حكيما عارفا بالخير والشر، والذي يروم الوصول الى هذه النقطة يجب ان يكون رواقيا او يسير على المذهب الرواقي، وهذا المذهب يرى ان اللذة ليست هي الغاية القصوى للانسان، وانما اكتساب الفضيلة بغض النظر عن السعادة او الالم. وتجدر الاشارة هنا الى ان الفيلسوف زينون كان معاصرا لابيقور ومعارضا له بدرجة جدا كبيرة، ويعتبر الفيلسوف الالماني كانت هو احد الفلاسفة المعاصرين الذي يرى ايضا ان للاخلاق جذورا عقلية.

اما الفيلسوف الانكليزي بنتام وجون ستيوارت ميل فلهما رأي اخر في مسألة الاخلاق، اذ يعتقدان ان هنالك سعادة عامة واخلاقا عامة، وهي سعادة مشابهة لمبدأ السعادة الشخصية، ولكنها تتعمم من السعادة الفردية الى السعادة الغيرية. وكل هذه المذاهب التي قمنا بذكرها قد لا يستطيع الفرد ان يتحيز لاحد منها الا بعد خوض تجارب الحياة وفق قناعاته وتوافقها مع احد هذه المذاهب.

أبناء واحذية رواية للكاتب محسن الرملي التي صدرت عن دار المدى سنة 2018 استطاع فيها الكاتب تجسيد هذه المذاهب الثلاثة عبر شخصيات روايته، فقد احتوت على عدة شخصيات رئيسية وثانوية تمكن من خلالها الخوض في تجاربهم وحيواتهم وسنركز في قراءتنا هذه على شخصيتين من العمل فقط.

 

حاكمية الأخلاق

منهل كان ابيقوريا في الاخلاق، وهو يرى ان الاخلاق هي التي تستطيع جلب السعادة الشخصية للفرد، فاذا انتقلت الى الغير فلا ضير، وهكذا رسم الرملي شخصية منهل من خلال الاعتماد على المذهب الابيقوري في معرفة وحاكمية الاخلاق، وهو الذي لا يتوانى ان يضحي بمستقبل اقرب الاشخاص اليه في سبيل تحقيق اهدافه وغاياته، ولكن دون الحاق الضرر بهم، وفي نفس الوقت كانت في داخل منهل عقدة نفسية من خلال عدم زواجه بالمرأة التي يحبها، وكانت هذه العقدة هي المحرك الاول في اغلب تصرفاته، مما حذا بشخصيته ان تمزج بين فرويد وابيقور في حركته اليومية..

اما الشخصية الثانية (امير) بطل رواية ابناء واحذية، فهو شاب يتعرض لصدمة في اول مستقبل حياته، فتكون هذه الصدمة فارقا ومحركا رئيسيا في مستقبله الاتي، اذ كان يظن امير انه في تصرفاته يجلب السعادة للاخرين من خلال تبرعه ليكون ابا للكثير من الابناء في المستقبل من دون تحمل مسؤولياتهم.

وهذا هو مبدأ السعادة العامة التي كان يظن انه يحققها بأفعاله تلك.

 

رصد السلوك عقلياً

وهكذا تستمر حياة كل منهما «منهل وامير» حتى مجيء يوم الحساب، يوم الحساب ليس هو اليوم المذكور في النصوص الدينية، وانما جزاء اعمال كل فرد في هذه الحياة. فيعمد الكاتب من خلال هذا اليوم اظهار المذهب العقلي في الحكم على الاخلاق، وهو رصد السلوك عقليا بغض النظر عن اي شيء.

فقد يكون الفعل الاخلاقي جالبا للسعادة او جالبا للألم لا يهم ذلك وانما المهم كل المهم هو الحكم العقلي على السلوك.

مما نلاحظ على الكاتب انه لم يستطع الخروج من دائرة الاغتراب في اعماله، فهو في اغلبها كتمر الاصابع والفتيت المبعثر وذئبة الحب والكتب، فهذه الاعمال كلها كانت تنتقل بين الوطن والمهجر، بين بغداد وأسبانيا، واحيانا بلد اخر ككولومبيا.

وكذلك نلاحظ السرعة في الانتقال بين الاحداث، وهذا اكيد يسعد القارئ النهم في ان ينهي قراءته للعمل، ولكن احيانا قد يفسد متعة حبكة الرواية.

 

 

 

 

المصدر: القبس الثقافي

15 Sep, 2021 03:26:12 PM
0