أمين الريحاني كتاب "ملوك العرب"
كتاب "ملوك العرب" لأمين الريحاني في هذا الكتاب ستجد وصفًا مختلفًا للعرب وملوكهم غير الوصف الغربي الذي غالبًا ما يُظهِر العربيَّ في صورة البدوي الصعب المِراس، الحاد الطِّباع، الذي لا يَعرف من الدَّوابِّ غيرَ الخيل والجِمال وما يرعى من ماشية، ولا يَعرف من اللغات سوى الدينار والسيف. فهذا الكتاب يتعمَّق في الوصف محاولةً للوصول إلى الحقيقة دون إفراطٍ في التعميم، أو مبالغةٍ في التخصيص.
كما يُراعي الكتاب أصحابَ الذائقة الأدبية، فيُفرِد لهم الكاتب طائفةً تختص بالآداب والعلوم والأسفار، مُتلمِّسًا نَهجَ الاستقامة في عرض القضايا العلمية والأدبية، وصفًا كان أو نقدًا، كما يستعين بالخرائط والرسوم التي تُجلي مَعالم تلك البلدان التي زارها، والتي تجعل القارئ يُعايِشها حين ينظر إليها، مُتأمِّلًا ما ورد عنها من أخبار.
صدر هذا الكتاب عام ١٩٢٤ بينما صدرت هذه النسخة عن مؤسسة هنداوي عام ٢٠٢١
كتاب "ملوك العرب" لأمين الريحاني
مقتطفات من الكتاب:
"في اليوم الخامس والعشرين من شهر شباط ١٩٢٢ (٨ رجب سنة ١٣٤٠) وطئتُ لأول مرة أرضًا في شبه الجزيرة العربية، وقابلتُ ملكًا ما عرف العربُ غيرَه من ملوك العرب. جئت من نيويورك أزوره وفي قلبي بعض التردُّد مما تصوَّرته في رسمه الذي نشرته الجرائد، وجاء من مكة وفي ذهنه صورة وشهرة جسَّمهما لديه صديقان لي في خدمة جلالته، هما قسطنطين يني والشيخ فؤاد الخطيب. وقد اجتمعنا في جدة يومَ وصلت إليها، وكانت أولى دهشاتي فيها أن محافظ المدينة الذي تفضَّل فلاقاني على الرصيف بلَّغَ جلالة الملك بالهاتف خبر وصولي.
الهاتف في مكة المكرمة! ولكنه مستعرَب تمامًا، فالحجاز هي البلاد العربية الوحيدة التي لا تسمع فيها آلو آلو، الناس هناك يهتفون ويتحادثون بلغةٍ عربية لا رطانةَ البتة فيها.
– مركز، أعطني مكة.
لا إبطاء، ولا تسويف، ولا مشاتمة.
– مكة، محافِظ جدة يتكلم. الديوان. خير. قُل لجلالة الملك …
خير … خير … أبشِر.
ثم كلمني المحافظ قائلًا: سيدنا لم يتأكَّد قدومَكم في هذه الباخرة؛ لذلك لم ينزل لملاقاتكم، ولكنه يجيء اليوم.
وبعد ثلاث ساعات من حديث الهاتف جاء رسول يقول: سيدنا دخل البلد. ثم سمعنا صوت السيارة في الشارع، فسارعنا إلى باب القصر ننتظر قدوم جلالته، وكان قد اجتمع هناك نفر من أعيان جدة وعلمائها.
وقفتْ أمام الباب سيارة فخمة، فخرج منها ناظر الخارجية، ثم ناظر المالية، ثم الأمير زيد، ثم الملك حسين.
صافحته مسلِّمًا سلامًا عربيًّا: حيا الله مولاي بالخير. ولا أذكر بأية كلمة حياني. ولكنني لا أنسى أننا في صعودنا الدرج كان يتلطف فيأخذ بيدي لأسير إلى جانبه.
دخلنا رَدهة الاستقبال في الطابق الثاني، وهي طويلة تشرف على البحر غربًا وشمالًا، وليس في فرشها ما يمتاز عن فرش البيت، بيت الضيافة، الذي أُنزِلت فيه. إن البساطة لتدنو في القصر من التقشف، فتبدو في السجاد العادي، وكراسي الخيزران، والدواوين المغطَّاة بقماش من القطن، والجدران العادية الخالية حتى من الآيات، كأنها تتنازل إلى شيء من المدنية إكرامًا للزائرين الأجانب فقط … ولكنها الديمقراطية العربية في بعض مظاهرها التي تروق على الخصوص القادمين من البلاد الأميركية. وهناك مظاهر أخرى في ظاهر صاحب الجلالة؛ أيْ في حديثه، وفي لبسه، وفي إكرامه الضيف."
كتاب "ملوك العرب" لأمين الريحاني
أمين الريحاني
أمين الريحاني: مفكر وأديب، وروائي ومؤرخ ورحَّالة، ورسَّام كاريكاتير لبناني. يُعَد من أكابر دُعاة الإصلاح الاجتماعي وعمالقة الفكر في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين في الوطن العربي. سُمِّي ﺑ «الريحاني» لكثرة شجر الريحان المحيط بمنزله.
كتب «الريحاني» في العديد من الأجناس الأدبية، كالشعر والرواية والمقال والمسرح والسِّيَر والرحلات والنقد، كما ألَّف في العديد من الحقول المعرفية الأخرى، كالفلسفة والتاريخ والاقتصاد والاجتماع والجغرافيا، ومارَس الرسم والتمثيل. وقد كانت ﻟ «الريحاني» سِيرة نضالية لم يدَّخِر فيها جهدًا في توظيف معرفته الموسوعية ضد الاحتلال الفرنسي، والسعي نحو استقلال لبنان. وقد ظل على دَرْبه المعرفي والنضالي حتى توفَّاه الله عام ١٩٤٠م، بعد أن ترك إرثًا أدبيًّا وعلميًّا ضخمًا.
المصدر: البوابة