Aller au contenu principal

التفكير الخاطئ وخداع الذات

تعد المجازفة الساذجة بالدفاع عن الوخز بالإبر من جانب عالِم أعصاب في القوات البحرية بمثابة دراسة حالة مفيدة. فيما يلي اثنا عشر خطأً ارتكبها وهو ينحدر في شَرَك خداع الذات.

نشر ذلك الطبيب مقالًا مكونًا من ثلاثة أجزاء تحت عنوان: «قوة الوخز بالإبر» (هوبكنز ٢٠١١-٢٠١٢) على مدونة «نِيفي ميديسن لايف»، المدونة الرسمية لمركز الرعاية الصحية للفيالق البحرية. إنه يقدم مثالًا نموذجيًّا على الكيفية التي يمكن بها حتى لأكثر الأشخاص ذكاءً وعلمًا التسكُّع خطوة بخطوة على طريق خداع النفس. قد تمثِّل قصة دكتور هوبكنز درسًا مفيدًا لنا جميعًا.

معلومات أساسية

لقد أصبح الوخز بالإبر مقبولًا على نحو متزايد في الأوساط العسكرية؛ فالقوات الجوية تُدرِّس لأطبائها «استخدام الوخز بالإبر في ساحات القتال» (جورسكي ٢٠٠٨) بناءً على أدلة خاطئة قدَّمها أحد أطباء القوات الجوية، وهو العقيد ريتشارد نيامتسو. ويستخدم الجيش الوخز بالإبر لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة؛ كما توفِّر القوات البحرية هذا العلاج لأفرادها أيضًا.

يقول هوبكنز إنه بعد أربعين عامًا من ممارسة علم الأعصاب «كان طبيعيًّا أن يبدأ في التفكير في شيء مختلف.» (فما السبب؟ أهو الملل؟ ولماذا اختار الوخز بالإبر على وجه التحديد؟) حين وصلته رسالة البريد الإلكتروني من رئيسه في مجال تخصُّصه يعلن فيها عن إتاحة الفرصة لأطباء القوات البحرية لتعلُّم كيفية العلاج عن طريق الوخز بالإبر، قدَّم هوبكنز طلبَ التحاقه في نفس ذلك اليوم. بالطبع كان منبهرًا بأن البحرية أصبحت تقدِّم هذا النوع من التدريب؛ حيث إن ذلك يعني أن هذا العلاج أصبح معتمَدًا بصفة رسمية من جانبها. وكان انطباعه المسبق عن الوخز بالإبر أنه «أداة غامضة» كان واضحًا أنها تؤتي ثمارها، وبدلًا من طرح الأسئلة النقدية، قال إنه كان يبحث عن «فهم علمي جوهري للوخز بالإبر»، ويحتاج إلى الاطلاع على الأبحاث والبيانات الداعمة.

الخطأ الأول: التحيز المسبق. يبدو أن هوبكنز كان لديه بالفعل رأي إيجابي عن الوخز بالإبر يجعله على استعداد لقبوله.

الخطأ الثاني: الانحياز التأكيدي. لم يكن هوبكنز يبحث إلا عن الأبحاث المؤكدة للوخز بالإبر بدلًا من أن يبحث في الوقت ذاته عن أي أبحاث معارضة له، كان يرغب في فهم «الكيفية» التي يعمل بها الوخز بالإبر، لكنه لم يكن يسأل عما إذا كان هذا العلاج ناجعًا من الأساس أم لا.

يقول هوبكنز إن المعلم وهو «إخصائي محترف في الوخز بالإبر ذو شخصية جذابة» أمدَّه بالمبادئ الفسيولوجية العصبية الأساسية للكيفية التي يعمل بها الوخز بالإبر؛ ومن ثم أقنعه به تمام الإقناع.

الخطأ الثالث: الحصول على المعلومات من مصدر متحيِّز. يكاد يكون من المستبعد أن يقدم أخصائي محترف في الوخز بالإبر صورةً متوازنة للأدلة المؤيدة والداحضة لمصدر رزقه. في وصف هوبكنز للمعلم بأنه «شخصية جذابة»، ربما ظنَّ أنه بفعل تأثير هذه الشخصية الجذابة سلَّم بأشياء لم يكن ليقبلها بنفس الرضا من عرض موضوعي مجرد للدليل العلمي على صلاحية وفعالية الوخز بالإبر.

لقد أُخبِر هوبكنز بمعلومات عن التغيُّرات الفسيولوجية الموضعية التي تحفِّزها الإبر في الأنسجة، لكنه لم يعرف أن «الوخز» دون إبر (بالتحفيز الكهربي عبر الجلد السليم أو بلمسات خفيفة من أعواد الأسنان) أثبت نفس الدرجة من الفعالية، حتى عند تجنُّب نقاط الوخز بالإبر. وأُخبر بأن الإبر تحدُّ من فرط حموضة الأنسجة (وهذا زعم لا أذكر أنني سمعت به من قبل، وأعتقد أنه يستند إلى بضع دراسات صينية أُجريت على الحيوانات. وحتى إن كان هذا الزعم صحيحًا؛ فستكون أهميته الإكلينيكية مثارًا للتساؤل). كما أُخبر بفرضية «التحكم في بوابة الألم»، لكنه لم يُخبَر بأنه بعد نصف قرن من البحث لم تُقبل هذه الفرضية كتفسير لتأثير الوخز بالإبر. أُخبر عن نتائج تصوير المخ بالرنين المغناطيسي وإفراز الإندورفين، لكنه لم يُخبَر بأن نفس هذه النتائج يمكن تحقيقها بالحبوب الوهمية. أرى أن هذه النتائج دليلٌ على آلية التأثير الوهمية للوخز بالإبر؛ في حين يراها دكتور هوبكنز دليلًا على أن الوخز بالإبر «يُعيد ضبط مراكز التحكم الطبيعية داخل الجهاز العصبي الذاتي، ويحافظ على اتزان الجهاز العصبي المركزي»، رغم أنه حتى المعنى المقصود غير واضح؛ يبدو لي ذلك من قبيل التلاعب بالألفاظ والغموض اللذين اشتُهر بهما الطب البديل الزائف.

الخطأ الرابع: انتقاء الأدبيات السابقة. لقد قام الخبير المحترف في الوخز بالإبر بتضليل هوبكنز بكل البيانات التي يمكن أن تدعم الآلية الفسيولوجية للوخز بالإبر، حتى إنه قدَّم له «مكتبة مراجع شاملة». فهل ضم إلى ذلك الدراسات التي تُبيِّن أنه لا يهم المواضع التي توضع فيها الإبر؟ وهل أدرج التجارب العالية الجودة التي تُثبِت أن الوخز بالإبر الوهمية يعمل بنفس الفعالية؟ وهل أدرج كافة المراجعات المنهجية السلبية، أو المراجعة المنهجية الحديثة التي أجراها إدزارد إرنست على مراجعات منهجية منشورة عن استخدام الوخز بالإبر لعلاج الألم (إرنست وآخرون، ٢٠١١)؟ مِن الواضح أنه انتقى من الأدبيات ما يدعم مزاعمه. وهذا أمرٌ يسهل القيام به؛ فقد نُشِر عددٌ وافر من دراسات الوخز بالإبر المنخفضة الجودة.

في الجزء الثاني من مقالِه يسأل هوبكنز فعليًّا عما إذا كانت الآثار الإكلينيكية الناتجة عن هذه الطريقة في العلاج أشبه في طبيعتها بالآثار التي تُحدِثها الأدوية الوهمية، ويتساءل عن الكيفية التي سنعرف بها ذلك؛ إذ إنه «لا توجد طريقة أمينة» لإجراء دراسة مزدوجة التعمية تُستخدم فيها مجموعةٌ ضابطة على نحو ملائم. ويقول معلِّمه إن من الأفضل الاسترشاد بالنتائج الوظيفية بدلًا من تقارير المرضى عن مستويات الألم. وما من مشكلة في ذلك حتى الآن.

لكن هوبكنز يضرب بعد ذلك بالعلم عرض الحائط، ولا يأتي على ذكر الدواء الوهمي مرة أخرى. في الواقع كتب يقول: «ليس هناك شيء مثل التجربة الشخصية لإقناع المرء بتأثير العلاج. إن الأمر أشبه إلى حدٍّ ما بعدم الحاجة إلى إجراء دراسة تعابرية مزدوجة التعمية يُقارَن فيها التأثير الناتج عن الوخز بالإبر بتأثير دواء وهمي لإثبات أن المنطاد المفتوح أكثر فعالية من المنطاد المغلق.»

يبدو هذا الكلام وكأن مَن كَتَبه شخص جاهل بالعلم والمنطق وليس عالِم أعصاب. إن قياسه ليس إلا مغالطة مبتذلة؛ إذ يقول إننا لا نقبل فعالية المناطيد؛ لأننا قد خُضْنا تجربة القفز من الطائرات. في اعتقادي أن مقصده هو أنه ليس كل زعم في حاجة إلى إثباتٍ بتجارب مزدوجة التعمية تقارن بين تأثير علاج حقيقي وعلاج وهمي، وهذا صحيح، لكنه ليس ملائمًا في هذا الصدد؛ فنحن لسنا في حاجة إلى إجراء تجارب تُستخدم فيها مجموعات ضابطة لمعرفة ما إذا كان من الفعالية بمكانٍ وقفُ النزيف أو إصلاح العظام المكسورة، لكننا في حاجة إلى إجراء تجارب تحت ظروف مُحكَمة لمعرفة ما إذا كان الوخز بالإبر علاجًا فعالًا أم لا. صحيح أن التجربة الشخصية هي الطريقة المثلى لإقناع المرء بأن ثمة تأثيرًا لعلاج الوخز بالإبر، لكنها عديمة الجدوى فيما يتعلق بتحديد ما إذا كان هذا التأثير حقيقيًّا. وتصحيحًا لتصريحه هذا، لا يوجد شيء كالدليل العلمي الدامغ يمكنه أن يُقنع عالِمًا تَفُوق معرفته قَبول التجربة الشخصية كدليل.

الخطأ الخامس: عدم فهم السبب وراء كون العلم أمرًا ضروريًّا. يصعب علينا أن نصدِّق أن هذا الكلام كتبه شخص درس في كلية الطب واجتاز سنة الامتياز. وهذا للأسف يُعَدُّ إدانة لنظامنا التعليمي.

يطلب المدرِّب متطوعين، فيقدِّم هوبكنز نفسه كفأر تجارب، ويعالجه المدرب من مرض رينو الذي يعانيه، مخبرًا إياه بأنه يعتقد أنه ناتج عن إصابة سابقة في العنق. وبصفته عالم أعصاب، ينبغي لهوبكنز أن يعرف أن مصطلح «مرض رينو» لا يُطلَق إلا على الحالات المجهولة السبب، وإذا كانت الحالة عَرَضًا ثانويًّا يسببه عاملٌ ما؛ فإنه يُطلَق عليها حينئذٍ: «متلازمة رينو» كذلك، في حين أن الصدمات المتكرِّرة بفعل الأدوات الاهتزازية كالثقابات والإصابات السابقة في اليدين أو القدمين عُدَّت من أسباب متلازمة رينو، فإن «إصابات العنق» لم تُعَدَّ كذلك. ثمة دراسات تبيِّن أن الوخز بالإبر أكثر فعاليةً لمتلازمة رينو من العقاقير أو من عدم تلقِّي علاجٍ على الإطلاق، لكنها غير مقنعة؛ لأنها لا تستعين بمجموعاتِ ضبط تتلقَّى علاجًا وهميًّا. وبعد العلاج تلاشت الأعراض التي يشكو منها هوبكنز، فأصبح مؤمِنًا بالوخز بالإبر.

الخطأ السادس: الاعتماد على تجربته الشخصية. يطالبنا المؤمنون الحقيقيون بالوخز بالإبر قائلين: «جرِّبوه بأنفسكم.» ويقولون أشياء من قبيل: «لقد رأيته بعيني.» إن لدينا أدلة وافرة على أن رؤية شيء ما بأعيننا غالبًا ما تكون مضلِّلةً، وأن تجريب الشيء بنفسك يمكن أن يتداخل مع قدرتك على تقييم الأدلة بموضوعية.

الخطأ السابع: المغالطة التزامنية. يزعم هوبكنز أنه نظرًا لأن الأعراض التي كان يشكو منها قد تحسَّنت بعد تلقِّيه العلاج؛ فإنها قد تحسَّنت بسبب العلاج. فلم يفكر أنه قد توجد تفسيرات بديلة أو عوامل مُربِكة (على سبيل المثال، التوتر العاطفي سبب معروف لأعراض رينو).

وقد تلقَّى زملاؤه في الصف علاجًا من حالات متنوعة، بما فيها الاضطرابات العصبية والتهاب المثانة، وقد «استفادوا» جميعًا. وهو يصف الوخز بالإبر بأنه «أداة آمنة وغير مكلِّفة اختُبرت على مدار عدة آلاف من السنين.»

الخطأ الثامن: الاعتماد على الخبرة الشخصية للآخرين. تكثر الإثباتات حتى لأكثر العلاجات خداعًا. ومهما بلغ عدد الحكايات التي يمكننا أن نجمعها؛ فإن هذه الحكايات ليست بيانات؛ وهذا هو سبب أننا نُجري تقصِّيًا علميًّا.

الخطأ التاسع: مغالطة الحكمة القديمة. إن هوبكنز مخطئ تمامًا في زعمه أن الوخز بالإبر يُستخدَم منذ عدة آلاف من السنين (كيفوسي ٢٠١٠). وحتى إذا كان قديمًا لذلك الحد، فإن قِدَم استخدامه ليس دليلًا على صلاحيته؛ فالتنجيم أقدم كثيرًا من الوخز بالإبر؛ فهل يعتقد أن صلاحية الوخز بالإبر قد ثبتت فقط لمجرد أنه مجرَّب على مدار آلاف السنين؟ إن إجراء عمليةِ فَصْدٍ لتحقيق الاتزان في الأخلاط الجسدية الأربعة المفترضة (الدم والبلغم والمادة الصفراء والمادة السوداء) تمَّ تجريبه على مدى قرون طويلة، ومع ذلك اتضح أن ما يُسبِّبه من ضرر يفوق فوائده.

خَصَّص هوبكنز الجزء الثالث من مقاله لرواية الكيفية التي يُجري بها الوخز بالإبر في عيادته. لقد مارس العلاجَ بالوخز بالإبر أكثرَ من ألف مرة لعلاج حالات تتباين ما بين الصداع والتهاب البروستاتا (وإني لأتساءل عن سبب قيام طبيب أعصاب بعلاج مرض التهاب البروستاتا!) وقد زعم أن نسبة نجاحه بلغت ٩٠٪؛ حيث حقَّق العديد من النتائج المذهلة فيما يتعلَّق باستجابة المرضى لهذا العلاج. وربما وصف هذه الاستجابات أحيانًا بأنها «معجزة». ويعترف أن بعض المرضى لم يستجيبوا للعلاج قائلًا إن السبب في ذلك «لم يكن واضحًا أبدًا.» (أعتقد أنه بإمكاني تخمين السبب!) كما يتحدَّث عن تحسُّنٍ في التحكم في البول السكري وارتفاع ضغط الدم، وتضاؤل الحاجة إلى الدواء، والنوم على نحو أفضل، إلخ. ويختتم بقوله: «بات واضحًا لي الآن أن الوخز بالإبر ينطوي على فائدة عظيمة.» ويصف هذا العلاج بأنه آمن (رغم أن دراسة إرنست ٢٠١١ وثَّقت آثارًا سلبية وخطيرة وإن كانت نادرةً تترتب على هذا النوع من العلاج، من بينها الوفاة). كما يقول هوبكنز إنه لا توجد موانع لاستعمال هذا العلاج رغم إمكانية العثور على قوائم من موانع الاستعمال على كلٍّ من المواقع الإلكترونية الخاصة بالوخز بالإبر والمواقع الإلكترونية الطبية التقليدية، ويشير إلى أن الوقت الوحيد الذي لا يُستخدم فيه الوخز بالإبر هو الوقت الذي يرفض فيه المريض هذا العلاج، وينصح بأنه على أي شخص يرعى أشخاصًا مرضى أن يفكِّر في إضافة هذه الأداة إلى حقيبة أدواته.

الخطأ العاشر: الاعتماد على الملاحظات دون إجراء دراسات ضابطة. لقد تحسَّنت حالات مرضى هوبكنز، لكن كَمْ منهم كان سيتحسَّن دون تَلقِّي أي علاج أو بتلقِّي أيٍّ من العلاجات الوهمية الموثوقة التي تُقدِّم بعضًا من الآثار العلاجية اللانوعية للوخز بالإبر؟

الخطأ الحادي عشر: إقناع الآخرين بالوخز بالإبر على أساس ملاحظاته الخاصة دون مجموعة ضابطة. وبعد أن أقنع هوبكنز نفسه، يرغب في إقناع الآخرين بمزاعمه الساذجة وبنفس نوع الأدلة التي لا يمكن الاعتماد عليها، التي أقنعته في المقام الأول.

الخطأ الثاني عشر: عدم إجراء أبحاثه الخاصة. ربما يكون هوبكنز قد راجع محرك البحث بابميد، ووجد دراسةً جديدةً مثيرة للاهتمام (وايت وآخرون، ٢٠١٢) تدعم الأدلة السابقة على أن الوخز بالإبر ليس أكثر فعاليةً من الأدوية الوهمية؛ فقد أظهرت الدراسة أن احتمالات تحسُّن المرضى كانت تزداد عندما يؤمنون بالوخز بالإبر ويعتقدون أنهم تلقَّوا العلاج الحقيقي وليس علاجًا وهميًّا، بغضِّ النظر عمَّا تلقَّوه بالفعل. وربما قرأ ما كتبه عالم الأعصاب بجامعة ييل وزميل لجنة التقصي الشكوكي ستيفن نوفيلا (٢٠٠٧) بعد بحثه المستقل في أدبيات الوخز بالإبر. وربما قد قرأ المراجعات المنهجية السلبية الكثيرة؛ مثل تلك المراجعة (مادسن وآخرون، ٢٠٠٩) التي تشير إلى أنه «قد اكتُشف أثرٌ طفيفٌ مسكِّن للألم ناتج عن علاج الوخز بالإبر، ويبدو أن هذا الأثر يفتقر إلى الأهمية الإكلينيكية، وربما ينطوي على شيء من التحيز»، أو المراجعة المنهجية لمراجعات منهجية عن الوخز بالإبر لإدزارد إرنست وآخرين (٢٠١١) الذي يُظهِر «موانع استخدام الوخز بالإبر وتحذيرات كثيرة منه»، وربما يكون قد قرأ المقالات التشكيكية العديدة على مدونات العلوم، وربما قرأ المادة المصنفة في قاموس «ذا سكيبتكس ديكشنري» عن الوخز بالإبر. وربما يكون قد راجع موقع أكيوبانكتشر ووتش التابع لشبكة كواكووتش. حتى مجرد قراءة المقال المكتوب عن الوخز بالإبر على موسوعة ويكيبيديا ربما كانت لتثير بعض الشكوك في عقله.

وحتى إن كان لديه الاستعداد للنظر إلى ذلك الكم الهائل من الأدلة الداحضة؛ فإنه في الغالب لم يكن ليستطيع الحكم عليها بموضوعية. فالشخص ما إن يصبح مؤمنًا بحقٍّ بشيء ما استنادًا إلى التجربة الشخصية، فقلما يكون هناك أملٌ في أن يحكم بموضوعية، خاصةً حين يعزِّز الدعمُ الاجتماعي وتقييمات المرضى المُمْتَنِّين إيمانَه هذا. دعونا نتمنَّ ألا يسعى لالتماس تدريب على يد معالج ذي شخصية كاريزمية يستخدم أسلوب الطب التجانسي، أو معالجٍ يحترف العلاج بالطاقة.

يمكنني أن أتفهم السبب وراء كون الكثيرين من الأطباء أقلَّ تشككًا مما ينبغي فيما يتعلق بمعظم معلومات الطب البديل التي يقابلونها؛ فهم معتادون على تلقِّي المعلومات العلمية الدقيقة المبسَّطة التي يقدمها لهم الخبراء. ولم يتعلموا (للأسف) الشك فيما يقوله لهم معلموهم في كلية الطب وفي فترة التدريب. لقد تعلَّموا الطب المستند إلى الأدلة، لكنهم لم يتعلَّموا أخذ الاحتمالات المسبقة في الاعتبار؛ فهم مستعدون لقَبول نتائج الدراسات التي تُستخدم فيها مجموعاتٌ ضابطة، حتى وإن لم تكن متسقة مع باقي المعلومات العلمية. ويعتمدون على المعلومات المنشورة في الدوريات الطبية، لكنهم قد لا يدركون أن نصف الدراسات التي يقرءونها خاطئة (إيوانيديس ٢٠٠٥). وحتى إذا كانوا بارعين في التقييم النقدي للمعلومات الطبية العلمية، فإنهم قد لا يكونون معتادين على التحليل النقدي للمعلومات الخاصة بمجال الطب البديل. فربما لم يتعلَّموا تمييز المغالطات المنطقية الشائعة والسلبيات.

الخطأ الأكبر: عدم اتِّباعه قاعدة الطبيبة المتشكِّكة (هاريت هول) المعتمدة على الخبرة. إن قاعدتِي التي تنطبق على التفكير النقدي في كل المجالات تفيد بأنه: قبل قبول أي زعم «يجب عليك أن تعرف مَن يعارضونه وسبب معارضتهم له.» وما إن تفهم تمامًا الحجج الخاصة بالجانبَيْن تَكُن حينها فقط مؤهلًا للحكم بما إذا كان الزعم جديرًا بالثقة أم لا (وعادةً ما يكون واضحًا تمامًا أي الطرفين أكثر منطقيةً). فماذا إذا ما استمعتْ هيئة محلِّفين للادعاء دون أن تستمع للدفاع؟

عند إلقاء نظرة شاملة على هذه المسألة، نجد أن الدليل المتاح يناسب فرضيةَ أنَّ الوخز بالإبر ما هو إلا صورة من صور العلاج الوهمي. واستخدام العلاج الوهمي مع المرضى عمل غير أخلاقي. وبصفتي عقيد قوات جوية متقاعدة وطبيبة، يؤسفني أن أرى الوخز بالإبر يتسلَّل إلى نظام الرعاية الصحية العسكري، كما يؤسفني أن أرى المدى الذي وصل إليه ضلال دكتور هوبكنز بسبب تفكيره الخاطئ.

لقد تطوَّرت أدمغتنا من أجل النجاح في البقاء على قيد الحياة حين كنا نعتمد على الصيد وجمع الثمار لغذائنا على سهول أفريقيا، وليس من أجل عالَم العلوم وأجهزة الكمبيوتر الحديث الذي نعيش فيه الآن. ولذلك فإننا نفضِّل القصص على الإحصائيات، والحكايات الشخصية على الدراسات العلمية. إن نمط التفكير الذي يتسم بالسرعة والعاطفية والبديهية هو الوضع الافتراضي، ونتبع هذا النمط في التفكير تلقائيًّا، وهو يتطلَّب جهدًا أقلَّ بكثير من نمط التفكير الآخر الذي يتسم بالبطء والتروِّي والمنطق. فليس كل الناس يقرءون مجلة سكيبتيكال إنكوايرر، كما لا يستطيع جميعنا التغلب على الميول الطبيعية لأدمغتنا المعيبة. وليس كل شخص توجد لديه الرغبة في أن يجرِّب. لكن هؤلاء الذين لديهم الرغبة يمكنهم الاستفادة من المثال السيئ الذي سقناه عن الدكتور هوبكنز.

المراجع

  1. Ernst, Edzard, Mysong Soo Lee, and Tae-Young Choi. 2011. Acupuncture: Does it alleviate pain and are there serious risks? A review of reviews. Pain 152(4): 755–64.
  2. Gorski, David. 2008. Battlefield acupuncture? (blog entry). Science-Based Medicine (December 15). Available at http://www.sciencebasedmedicine.org/index.php/acupuncture-invades-the-military/.
  3. Hall, Harriet. 2012. Acupuncture, the Navy, and faulty thinking (blog entry). Science-Based Medicine (January 10). Available at http://www.sciencebasedmedicine.org/index.php/acupuncture-the-navy-and-faulty-thinking/.
  4. Hopkins, Elwood. 2011-2012. The power of acupuncture (blog entry in three parts). Navy Medicine Live (December 22, December 29, and January 5). Available at http://navymedicine.navylive.dodlive.mil/archives/1550;http: //navymedicine.navylive.dodlive.mil/archives/1577http://navymedicine.navylive.dodlive.mil/archives/1604.
  5. Ioannidis, J. P. A. 2005. Why most published research findings are false. PLoS Medicine 2(8): e124. Available at http://www.plosmedicine.org/article/info:doi/10.1371/journal.pmed.0020124.
  6. Kavoussi, Ben. 2010. Acupuncture and history: The “ancient” therapy that’s been around for several decades (blog entry). Science-Based Medicine (October 18). Available at http://www.sciencebasedmedicine.org/index.php/acupuncture-and-history-the-ancient-therapy-thats-been-around-for-several-decades/.
  7. Madsen, M. V., P. C. Götzsche, and A. Hróbjartsson. 2009. Acupuncture treatment for pain: Systematic review of randomized clinical trials with acupuncture, placebo acupuncture, and no acupuncture groups. British Medical Journal 338: a3115. Available at http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC2769056/.
  8. Novella, Steven. 2007. Does acupuncture work or not? (blog entry) Neurologica (September 25). Available at http://theness.com/neurologicablog/index.php/does-acupuncture-work-or-not/.
  9. White, P., F. L. Bishop, C. Scott, et al. 2012. Practice, practitioner, or placebo? A multifactorial, mixed-methods randomized controlled trial of acupuncture. Pain 153(2): 455–62.
03 déc, 2015 01:49:06 PM
1