Aller au contenu principal

المراحل العمرية السبع للنوم

ندرك جميعًا أن أنماط النوم تتغير مع تغير أعمارنا، فتقل ساعات النوم الهنيئة المتواصلة التي يستمتع بها الصغار تدريجيًّا في جودتها ومدتها مع تقدم العمر، بل إنها قد تتحول إلى ساعات من الأرق والنوم المتقطع (انظر الجدول رقم ٤-٢). وغالبًا ما يكون من الصعب التفريق بين التغييرات التي تطرأ على أنماط النوم على مدار العمر وبين تلك التي تتسبب فيها الاضطرابات الشائعة بين كبار السن. هذا علاوة على تغير مدى شيوع بعض اضطرابات النوم الإكلينيكية مع تغير العمر ، وهو الأمر الذي يزيد من تعقيد عملية رصد التغيرات «الطبيعية» في النوم.

 

جدول ٤-٢: النوم لدى مُختلف الأنواع.

النوع متوسط فترة النوم (٢٤ ساعة) متوسط إجمالي فترة النوم (بالساعات في اليوم الواحد)
الخفاش البني ٨٢٫٩٪ ١٩٫٩
الأرماديلو العملاق ٧٥٫٤٪ ١٨٫١
الأبوسوم الأمريكي ٧٥٪  ١٨ 
الشمالي
ثعبان الأصلة ٧٥٪ ١٨
القرد الليلي ٧٠٫٨٪ ١٧
البشر (الأطفال) ٦٦٫٧٪ ١٦
النمر ٦٥٫٨٪ ١٥٫٨
ذباب الشجر ٦٥٫٨٪ ١٥٫٨
السنجاب ٦٢٪ ١٤٫٩
العلجوم الغربي ٦٠٫٨٪ ١٤٫٦
النمس ٦٠٫٤٪ ١٤٫٥
الكسلان ثلاثي الأصابع ٦٠٪ ١٤٫٤
الهامستر الذهبي ٥٩٫٦٪ ١٤٫٣
خلد الماء ٥٨٫٣٪ ١٤
الأسد ٥٦٫٣٪ ١٣٫٥
اليربوع ٥٤٫٤٪ ١٣٫١
الجرذ ٥٢٫٤٪ ١٢٫٦
القطة ٥٠٫٦٪ ١٢٫١
الفهد الصياد ٥٠٫٦٪ ١٢٫١
الفأر ٥٠٫٣٪ ١٢٫١
قرد المكاك ٤٩٫٢٪ ١١٫٨
الأرنب ٤٧٫٥٪ ١١٫٤
النمر المرقط (اليغور) ٤٥٪ ١٠٫٨
البط ٤٥٪ ١٠٫٨
الكلب ٤٤٫٣٪ ١٠٫٦
الدولفين ٤٣٫٣٪ ١٠٫٤
الخلد نجمي الأنف ٤٢٫٩٪ ١٠٫٣
قرد البابون ٤٢٫٩٪ ١٠٫٣
القنفذ الأوروبي ٤٢٫٢٪ ١٠٫١
السعدان السنجابي ٤١٫٣٪ ٩٫٩
الشمبانزي ٤٠٫٤٪ ٩٫٧
خنزير غينيا ٣٩٫٢٪ ٩٫٤
البشر (البالغون) ٣٣٫٣٪ ٨
الخنزير ٣٢٫٦٪ ٧٫٨
جوبي (أسماك) ٢٩٫١٪ ٧
الفقمة الرمادية ٢٥٫٨٪ ٦٫٢
البشر (كبار السن) ٢٢٫٩٪ ٥٫٥
الماعز ٢٢٫١٪ ٥٫٣
البقرة ١٦٫٤٪ ٣٫٩
الفيل الآسيوي ١٦٫٤٪ ٣٫٩
الخروف ١٦٪ ٣٫٨
الفيل الأفريقي ١٣٫٨٪ ٣٫٣
الحمار ١٣٪ ٣٫١
الحصان ١٢٪ ٢٫٩
الزرافة ٧٫٩٪ ١٫٩

 

وقد قمنا هنا بتقسيم العمر إلى سبع مراحل عمرية من النوم: النوم خلال فترة الحمل، نوم الأطفال حديثي الولادة، النوم عند الأطفال، النوم في مرحلة البلوغ والمراهقة، النوم خلال مرحلة منتصف العمر وسن اليأس، النوم في الشيخوخة، وأخيرًا اضطرابات النوم واليقظة في مرحلة الخرف. وهذه «المراحل العمرية» للنوم هي بالتأكيد تقسيمات غير طبيعية؛ إذ إن التغيرات التي تطرأ على النوم لا تحدث ضمن فترات منفصلة عن بعضها ولكنها تحدث بصفة مستمرة على مدار حياة الشخص.


(١) النوم أثناء الحمل

إذا سألتَ أيَّ أمٍّ فستخبرك بأن الحمل يتسبب في حدوث تغيرات في طبيعة النوم؛ فالتغيرات الهرمونية والشعور بعدم الراحة الجسمانية وحركة الجنين وكثرة التبول أثناء الليل وتشنجات عضلة الساق وارتجاع أحماض المعدة، كلها عوامل تؤثر في طبيعة النوم لدى الحوامل. كما يزيد خطر الإصابة باضطرابات النوم أيضًا، بما في ذلك «اضطراب النوم المرتبط بالحمل» (الذي يوصف بأنه إما الإصابة بالأرق أو النعاس المفرط على مدار فترة الحمل)، بالإضافة إلى اضطرابات التنفس أثناء النوم ومتلازمة تململ الساقين.

وتقر معظم الحوامل باختلال طبيعة النوم نوعًا ما، تلك التي تتغير طوال فترة الحمل. حيث يزداد النوم ليلًا وتكثر الإغفاءات في الأشهر الثلاثة الأولى للحمل، حتى تصل إلى ازدياد مدة النوم إلى نحو ساعة إضافية يوميًّا، رغم ازدياد الشكاوى من اضطراب النوم والتعب أيضًا. وترجع تلك الزيادة في مدة النوم إلى الارتفاع السريع في إفراز هرمون البروجستيرون الذي يزيد من النعاس ويرفع درجة حرارة الجسم. ثم يميل اضطراب النوم إلى الازدياد مع نمو الجنين وتسببه في الضغط على المثانة والشعور بعدم الراحة، وقد يقل النوم البطيء الموجات ونوم حركة العين السريعة مع قرب انتهاء فترة الحمل. كما أن وجود أطفال آخرين أو التعامل مع مولود جديد يؤثر أيضًا على النوم، رغم عدم ثبوت وجود علاقة واضحة بين طريقة الرضاعة والنوم لدى الأمهات الجدد.

يزداد الغطيط وضيق التنفس خلال فترة الحمل؛ ربما بسبب تأثير هرمون البروجستيرون على التنفس، رغم أنه من غير الواضح إن كانت حالات توقف التنفس أثناء النوم تزداد لدى النساء اللواتي لم يكنَّ مُعرَّضات لخطر الإصابة بتلك الحالة قبل الحمل. ومع ذلك، فلا بد من الكشف عن توقف التنفس أثناء النوم لدى الحوامل؛ لأن ترك هذه الحالة دون علاج قد يزيد من خطر ارتفاع ضغط الدم وتسمم الحمل ويؤثر سلبًا على نمو الجنين. كما تزداد أيضًا متلازمة تململ الساقين وحركة الأطراف الدورية أثناء الحمل لدى ما يقرب من خُمْس النساء الحوامل، ولكن يمكن الحدُّ من أثرهما بتناول الحديد وحمض الفوليك تحت إشراف الطبيب. وكما هو الحال في العديد من الاضطرابات الاكتئابية، فقد يأتي اكتئاب ما بعد الولادة مصحوبًا بزيادة اضطراب النوم، رغم أنه ليس من الواضح إن كان الحرمان من النوم أثناء الحمل يزيد من هذا الخطر.

من المعروف أن إيقاعات الجنين تتزامن مع إيقاعات الأم أثناء نموه بالرحم؛ حيث تحدث عملية تزامن في معدل ضربات قلب الجنين مع معدل ضربات قلب الأم، ونومه مع نومها، ودرجة حرارته مع درجة حرارتها، وإيقاع إفراز الميلاتونين لدى الجنين مع إيقاع إفراز الميلاتونين لدى الأم، أثناء الربع الأخير من فترة الحمل. يعد الميلاتونين إشارة كيميائية حيوية لحلول الظلام، ويمر من خلال المشيمة، وتوجد مستقبلات الميلاتونين في النوى فوق التصالبية لدى الأطفال حديثي الولادة. وقد ثبت أن النوى فوق التصالبية لدى القوارض على الأقل تتخذ دورة إيقاعية قبل الولادة، ولكن مسارات تمكين تزامن الضوء مع الساعة البيولوجية لم تتشكل بعد. ويتأخر تشكيل إيقاعات الساعة البيولوجية اليومية لدى البشر على نحو مماثل (انظر القسم التالي)، بَيْدَ أن الجنين لا يزال ينام على فترات تتميز بعضها عن بعض؛ فمنها النوم الهادئ (ما يعادل نوم حركة العين غير السريعة)، والنوم النشط (نوم حركة العين السريعة)، والنوم المتوسط بينهما، الذي يبدأ مبكرًا في الرحم مع وصول الجنين إلى عمر ٣٢ أسبوعًا.


(٢) نوم الأطفال حديثي الولادة

يحظى النوم بقدر كبير من الاهتمام حين يولد الأطفال؛ إذ ثمة حرص كبير على أن ينال الطفل قدرًا كبيرًا من النوم بينما يحاول الآباء ممارسة حياتهم اليومية بقدر قليل من النوم. يهيمن كل من النوم والتغذية على حد سواء على كافة جوانب حياة أي أسرة جديدة. وسرعان ما يكتشف الآباء الجدد أن الأطفال لا يبدءون حياتهم بنمط نوم واستيقاظ منتظم على مدار اليوم. فالساعة البيولوجية، التي يتخذها البالغون كأمر مُسَلَّم به، لا تعمل بكامل كفاءتها لدى حديثي الولادة، حيث إنهم يُظهِرون إيقاعات «فوق يومية» (أقل من ٢٤ ساعة)، يصاحبها تغذية كل ٤ ساعات تقريبًا ونمط نوم عشوائي بشكل واضح. يبلغ عدد ساعات نوم حديثي الولادة في الأسابيع القليلة الأولى من حياتهم حوالي ١٦ ساعة، وفي الأشهر القليلة الأولى، يظل النوم مهيمنًا ولكنه يصبح أكثر عمقًا، حيث تقل مرات النوم ولكنها تطول من حيث المدة. ويتضح التحكم الاستتبابي في النوم على نحو مبكر من حياتهم، ورغم أنه يصعب على الآباء ملاحظة ذلك فإن نظام الإيقاع اليومي لدى الأطفال يبدأ في العمل في هذه الفترة تقريبًا. فتبدأ الساعة البيولوجية في توليد إيقاعات للنوم والاستيقاظ غير مرتبطة بساعات اليوم الأربع والعشرين، وفي نفس الوقت لا يمكن تزامنها مع الدورة اليومية للضوء والظلام . وبعد مرور ٢–٦ أشهر، تظهر دورة يومية متميزة على مدار ٢٤ ساعة، تتضمن فترة نوم ليلية رئيسية بالإضافة إلى إغفاءات قصيرة أثناء النهار، وتستقر في سن ٦–١٢ شهرًا . يحصل الطفل على الميلاتونين من خلال حليب الأم، وإذا ما رضع الطفل حليب الليل ليلًا (بدلًا من استخدام المضخة نهارًا وإطعامه للطفل ليلًا)، فمن شأن هذا أن يوفر إشارات توقيت تزامنية في بداية حياته.

يتسم نوم الأطفال بشكل مختلف عن نوم البالغين ويختلف بشدة أثناء مراحل النمو. تدوم دورة نوم حركة العين غير السريعة ونوم حركة العين السريعة ٦٠ دقيقة فقط عند المواليد، ويمرون بقدر أكبر من نوم حركة العين السريعة مقارنة بالبالغين. وعند بلوغهم أسبوعين من العمر، تتألف نصف فترة نومهم من نوم حركة العين السريعة، وتنخفض هذه النسبة لتصل إلى حوالي الثلث عند بلوغهم ٦ أشهر. ولقد أُشير إلى أن زيادة فترات نوم حركة العين السريعة أمر ضروري لتعزيز الكم الهائل من المعلومات الجديدة التي يحتاج الأطفال إلى تعلمها وحفظها حين يبدءون في استيعاب العالَم مِن حولهم. ويلعب كلٌّ من نوم حركة العين السريعة ونوم حركة العين غير السريعة دورًا أساسيًّا في نضوج الدماغ؛ ومن ثَمَّ يعد الحصول على قدْر كافٍ من النوم أمرًا في غاية الأهمية في مرحلة النمو المعرفي لحديثي الولادة.

ويعد الوصول إلى إيقاع مستقر على مدار الأربع والعشرين ساعة خلال الأسابيع الأولى من عمر الطفل أمرًا مستحيلًا، أخذًا في الاعتبار الحاجة إلى التغذية المنتظمة والافتقار إلى تحكم الساعة البيولوجية القوي في النوم. وحتى في هذه المرحلة المبكرة، ينبغي الحفاظ على بيئة للنوم من أجل تحفيز النوم؛ ومن ثَمَّ تزامن الساعة البيولوجية. يجب أن تكون بيئة النوم مظلِمة بقدْر الإمكان ويفضَّل استخدام الستائر المعتمة أو حتى ورق القصدير لحجب الضوء، وينبغي تجنب الضوء ليلًا. وإذا توجَّب استخدام الأضواء، فيمكن استخدام ضوء أحمر خافت مع الحد من مدة الإضاءة. تأكَّد من هدوء الغرفة وتجنَّب تشغيل النغمات الموسيقية لمساعدة الأطفال على النوم، أو إيقاف تلك النغمات بمجرد خلودهم إلى النوم، ومع تقدم عمر الطفل، يجب تحديد مواعيد ثابتة بالإضافة إلى نمط يومي محدد للضوء والظلام.

وتعد النصائح الأكثر تحديدًا فيما يتعلق بما يجب القيام به لمساعدة الأطفال على النوم وتجنب إيقاظهم محل جدل واسع — وساعد على ذلك صدور عشرات الكتب التي تُعنَى بالمساعدة الذاتية — لكنها تقع خارج نطاق هذا الفصل. ومن الأساليب الشائعة التي تستخدم مع الأطفال في سن ٤-٦ أشهر «التهدئة الذاتية»، وفيها يتم تشجيع الآباء على تجنب الإسراع إلى تهدئة أطفالهم مباشرة عند الاستيقاظ أو البكاء؛ مما يُتيح لهم فرصة تهدئة أنفسهم لفترات أطول، بدءًا من تركهم لفترات قصيرة لبضع دقائق ثم تزداد هذه المدة تدريجيًّا بمرور الأيام والأسابيع. ويشير معارضو هذه الطريقة إلى أنها مجهدة للطفل وتؤثر على ثقته بوالديه، وقد تؤدي إلى فتور مشاعر الأبوين تجاه بكاء أطفالهم، فهم يشجِّعون «تهدئة الأبوين» حيث يقوم الآباء بالهدهدة، أو الاحتضان أو الغناء ليعود أبناؤهم إلى النوم. وتعد أفضل نصيحة هي اتباع الوسيلة التي تنجح، وقد يحتاج الآباء إلى تجربة العديد من الطرق قبل اكتشافهم للطريقة المُثلى.

بينما يمثل النوم أهمية كبيرة لصحة ونمو الأطفال، فإن نوم الآباء يمثل أيضًا أهمية كبيرة لصحة وأمان الجميع. يعاني الآباء الجدد من الحرمان من النوم وهم بحاجة إلى التفكير في المخاطر المحتملة التي يفرضها ذلك من النعاس أثناء القيادة، ووقوع الحوادث في العمل وفي المنزل (انظر الفصل الثامن)، وخصوصًا تلك العادة التي لا ننصح بها من اصطحاب الأطفال في جولة بالسيارة ليستغرقوا في النوم. يؤثر الحرمان من النوم أيضًا على الصحة النفسية؛ مما يضع الآباء الجدد وعلاقة بعضهم ببعض تحت ضغط إضافي، وفي بعض الأحيان يترتب على ذلك نتائج خطيرة، ويصف الكثير من الآباء شعورهم «بعدم الاحتمال» نتيجة للحرمان من النوم وبكاء أطفالهم المتواصل. ولا يتمكن الأشخاص الذين حُرموا من مشاعر الأبوة والآباء الذين يعانون من مشاكل في الذاكرة من الشعور بمخاطر الحرمان من النوم. وفي حين أنه لا يمكن تفادي حدوث اختلال النوم، ينبغي أن يركز العاملون في مجال الصحة وشبكات الدعم على زيادة الوعي بأهمية نوم الآباء والتركيز على أن يكون النوم من أهم الأولويات عند ولادة الأطفال الجدد. ومن بين الاستراتيجيات التي قد يتبعها الآباء هي الخلود إلى النوم مبكرًا وبانتظام، والحصول على إغفاءة في نفس وقت إغفاءة الطفل (تأجيل كي الملابس!) وطلب مساعدة الأهل والأصدقاء لبضع ساعات حتى ينال الآباء قسطًا من النوم. وإذا كنتم بصدد القيام برحلة طويلة، يجب على السائق الاستغراق في النوم لبضع ليالٍ كاملة عن طريق النوم في غرفة منفصلة، ويجب انتهاز أي فرصة متاحة للنوم، والنوم في بيئة ملائمة. وعلى الرغم من أن هذه الاستراتيجيات لن تحل المشكلة تمامًا، فإن وضع النوم ضمن أهم الأولويات سيكون عونًا كبيرًا للآباء.


(٣) النوم عند الأطفال

ما هو القدْر المناسب من النوم الذي يحتاجه الأطفال؟ الإجابة هي: أكبر قدْر ممكن. ينبغي أن يكون النوم من أهم الأولويات، ويجب على الآباء السعي بجدية من أجل نوم أبنائهم وانتظامه. يمثل النوم أهمية كبيرة لصحة ونمو الأطفال، وسيتضح فيما يلي العواقب الطويلة المدى، التي ربما تدوم طوال حياتهم، المترتبة على عدم كفاية النوم في مقتبل الحياة.

ينخفض إجمالي فترة النوم أثناء الطفولة، حيث يبلغ متوسط فترة النوم في مرحلة المراهقة المتأخرة حوالي من ٨ إلى ٩ ساعات، وهي التي انخفضتْ من حوالي ١٦ ساعة في الأشهر الأولى من الحياة (وإن كانت تتراوح بين ٩ و١٩ ساعة). وتمتد دورة نوم حركة العين غير السريعة ونوم حركة العين السريعة تدريجيًّا من ٦٠ دقيقة عند الأطفال حديثي الولادة، لتصل إلى ٧٥ دقيقة في سن عامين وصولًا إلى دورة النوم التي تبلغ ٩٠ دقيقة التي نشهدها عند الكبار وتبدأ عند سن ٦ سنوات تقريبًا. وينخفض معدل النوم البطيء الموجات ونوم حركة العين السريعة مع تقدم العمر، وهو الذي يعكسه زيادة في نوم المرحلة الثانية. وهناك أيضًا بعض العوامل الخارجية التي من شأنها التأثير على النوم لدى الأطفال، وخاصة تبكير وقت الذهاب إلى المدرسة، والتي تقلص فرص النوم (الفصل الثامن). ويبدو أن هذه المشكلات تزداد سوءًا؛ فعلى سبيل المثال: فقد الأطفال البالغون من العمر ٣ سنوات في الولايات المتحدة ٢٥ دقيقة من النوم كل ليلة، أو ما يوازي حوالي ٣ ساعات في الأسبوع، في الفترة ما بين سبعينيات وتسعينيات القرن العشرين. وفي ظل قدرة الآباء على التحكم بشكل أفضل في توقيت ذهاب الطفل إلى النوم أكثر من تحكمهم في وقت الاستيقاظ، فيبدو أن هذه التغيرات قد نتجت عن الإخفاق في إعطاء الأولوية للنوم، غير أنه يمكن معالجتها أيضًا من خلال العكس.

من الأمور التي تهم الآباء تقرير عدد الإغفاءات التي يحصل عليها أطفالهم، ومدتها والسن المناسبة للحد منها. من الناحية النظرية، قد يقلل النوم أثناء النهار من فترة النوم أثناء الليل، إذا لم يكن هناك آثار لأي إرهاق، لكن هذا الاحتمال بعيد. فمعظم الأطفال (والكبار) لا ينالون قدرًا كافيًا من النوم؛ ولهذا قد يؤدي الحد من حصول الأطفال على إغفاءة إلى حرمانهم من التعويض الكافي الذي يحتاجونه كثيرًا في حالة عدم حصولهم على القدر المناسب من النوم ليلًا. ينبغي أن تتناسب مدة الإغفاءة مع المرحلة العمرية، ويجب أن يرتبط الحد منها أثناء النهار مع زيادة تدريجية في فترة النوم أثناء الليل حتى يتسنى للطفل تعويض ما فقده من النوم أثناء النهار. ينبغي تنظيم فرص النوم الممتدة لعدة أسابيع حتى يتمكن الآباء من معرفة احتياجات الطفل القصوى من النوم.

وكما هو الحال بالنسبة إلى الأطفال الرضع، هناك عدد لا يحصى من الكتب ومواقع المساعدة الذاتية لتوفير النصيحة للآباء بشأن نوم أطفالهم، ولا مجال لنا في هذا الكتاب لتناول هذا الموضوع، لكنَّ هناك عددًا من الاعتبارات التي يتم التغاضي عنها في بعض الأحيان. تشكل كل من صعوبة الاستغراق في النوم ورفض الذهاب إلى النوم، التي يُطلَق عليها «الأرق السلوكي في مرحلة الطفولة»، صعوبة على الأطفال وذويهم؛ حيث إن ذلك يتطلب ممارسات صحية للنوم الجيد. ولا تقتصر فائدة طقوس ما قبل النوم على تهيئة الطفل للنوم فحسب، ولكنها تعمل أيضًا على تزامن الساعة البيولوجية والحفاظ على نمط أكثر انتظامًا للنوم والاستيقاظ. تمثل الإضاءة أهمية كبيرة قبل النوم وأثناءه؛ حيث يؤدي التعرض للضوء الساطع قبل النوم مباشرةً إلى تنبيه الدماغ وقد يؤجل الساعة البيولوجية إلى وقت متأخر، مما يزيد من صعوبة الاستغراق في النوم. ينبغي أن تتم طقوس ما قبل النوم في ضوء خافت بقدْر الإمكان ثم إطفاؤه عند النوم. يُفضَّل استخدام ضوء خافت متوهج أو أكثر احمرارًا، وينبغي تجنب استخدام الضوء «الأزرق» الساطع الجديد من نوعية الصمام الثنائي الباعث للضوء (ليد) في غرفة النوم. ويجب ملاحظة أن الذهاب إلى النوم في وقت مبكر جدًّا قد يؤثر على «فترة الحفاظ على اليقظة» (انظر الفصل الثاني) ويؤدي إلى تفاقم صعوبات بدء النوم، لكن يمكن مراقبة ذلك وتجنبه بالخبرة. ينبغي على الأطفال أيضًا تجنب تناول الكافيين، الذي يُعدُّ مُنبِّهًا قويًّا ويمكن أن يُضعِف من قدرة الجسم على النوم (انظر الفصل الثامن).

يمكن أن يؤدي الحرمان من النوم أيضًا إلى النشاط المفرط، ورغم وجود أدلة سببية محدودة تربط بين اضطراب النوم والمشكلات السلوكية واضطرابات الانتباه والنشاط المفرط عند الأطفال، فإنه من المرجح أن يؤدي نقص النوم المزمن إلى تفاقم المشكلات السلوكية. وكما يَعرِف كل الآباء، يُسيءُ الأطفال المُجهدون السلوك ويُصابون بنوبات غضب، ويُصبِحون متقلِّبي المزاج، وسريعي الانفعال وعدوانيين في بعض الأحيان، ومن السهل التوقع بأن تكرار الإخفاق في الحصول على قدْر كافٍ من النوم، وخاصةً إذا ارتبط بتناول الكافيين، يؤدي إلى تعزيز السلوك السيِّئ.

ثمة تحدٍّ آخر شديد الأهمية يتعلق بالنوم أثناء الطفولة؛ إذ ترتفع نسبة السمنة لدى الأطفال بشكل كبير في الدول الصناعية، التي يُصاحبها زيادة مخاطر توقف التنفس أثناء النوم، ولا يرتبط فقط بالأطفال، وقد يصاحب هذا آثارًا صحية كبيرة في مقتبل الحياة. وكما سنرى في الفصل السادس، يُعدُّ توقف التنفس أثناء النوم اضطرابًا خطيرًا يحدث فيه انسدادٌ في مجرى الهواء أثناء النوم؛ مما يُصيب الفرد بالاختناق المؤقت، وينتج عنه الاستيقاظ من النوم للتنفس. يمكن لهذه النوبات أو «حالات انقطاع النفس» أن تتكرر عشرات المرات في الساعة الواحدة في الحالات الخطرة وتمنع الفرد من الحصول على نوم عميق مجدِّد للنشاط. تزداد مخاطر توقف التنفس أثناء النوم مع زيادة الوزن؛ ومن ثَمَّ سيؤدي انتشار السمنة في مرحلة الطفولة حتمًا إلى انتشار مشكلة توقف التنفس أثناء النوم في مرحلة الطفولة. يعاني الأطفال أيضًا من مضاعفات إضافية لتضخم اللوزتين، التي تزيد أيضًا من مخاطر توقف التنفس أثناء النوم. لا يستطيع الأطفال الذين يعانون من توقف التنفس أثناء النوم الحصول على قدْر كافٍ من النوم؛ ويترتب على ذلك الشعور بالنعاس لفترات أطول أثناء النهار، والمزيد من العدوانية والعناد، وصعوبات تتعلق بالذاكرة والقدرة على التعلم وارتفاع معدلات القلق، والاكتئاب والنشاط المفرط. وهناك دليل أيضًا على ارتفاع معدل الاضطرابات الأيضية التي تصيب القلب والأوعية الدموية، كما يحدث مع الكبار (انظر الفصل السادس).


(٤) النوم في مرحلة المراهقة وبداية سن الرشد

يدرك الآباء جيدًا أن أنماط النوم تتغير بشكل كبير خلال مرحلة المراهقة؛ حيث يتأخر النوم، وتتأخر مواعيد الخلود إلى النوم ليلًا، وأحيانًا تتأخر مواعيد الاستيقاظ لتصل إلى فترة ما بعد الظهيرة. تطرأ هذه المشكلات بسبب تغيرات التحكم في النوم التي تؤخر الميل الطبيعي للنوم عند المراهقين لوقت متأخر. عادة ما تضع هذه التغيرات البيولوجية المراهقين في موضع خلاف مع التوقعات المجتمعية والأسرية وتؤدي إلى اتهامات باطلة بالكسل أو سوء السلوك المُتعمَّد.

يمر المراهقون بتجربة تأخر في إيقاعات النظام اليومي والنوم، بمعدل تغير من ٢ إلى ٣ ساعات في توقيت الساعة الخاصة بهم على مدى فترة المراهقة، ويرتبط هذا ارتباطًا وثيقًا بالتطور البلوغي. يصبح الأطفال، وخاصة الذكور، من «الأنواع الليلية» تدريجيًّا خلال مرحلة المراهقة حتى أوائل العشرينيات، وبعدها يبدءون في العودة إلى الوضع الطبيعي، ويتأخر الذكور قليلًا عن الإناث في هذا. وتبلغ ذروة اضطراب تأخر مرحلة النوم — وهو اضطراب في الإيقاع اليومي للنوم يتسم بتأخر شديد في توقيت النوم والاستيقاظ (انظر الفصل السادس) — خلال مرحلة المراهقة لتزداد بنسبة ١٥٪ تقريبًا.

لا يرجع سبب هذا التحول إلى زيادة طول ساعة الجسم، ولكنه نتيجة لتغير التوقيت بين تحكم الإيقاع اليومي والتحكم الاستتبابي للنوم. وإضافة إلى تأخر مرحلة النوم، يميل المراهقون الأكبر سنًّا إلى الحصول على فترات أقصر من النوم البطيء الموجات ومعدل أبطأ لتزايد ضغط النوم خلال النهار؛ ومن ثَمَّ يحتاجون إلى فترة أطول لرفع مستوى الاستتباب النومي المطلوب لتحفيز النوم. وسيدرك الآباء أن الأطفال الأصغر سنًّا يبلغون العتبة الحاسمة للخلود إلى النوم في وقت مبكر عن المراهقين.

إذن ما هي عواقب هذا التحول في النوم؟ يحتاج الشباب في مقتبل أعمارهم إلى قدْر كبير من النوم لا يقل عن ثماني ساعات ونصف الساعة كل ليلة إذا ما أُتيحت لهم فُرَص النوم بحرية، وتزداد هذه الفترة عند المراهقين. وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن الفرد لا ينام طيلة الوقت الذي يقضيه في الفراش، فإن المراهقين الذين يذهبون إلى النوم في منتصف الليل أو في الواحدة صباحًا، أو في وقت متأخر عن ذلك، ليس لديهم الفرصة للحصول على ثماني ساعات ونصف من النوم قبل الاستيقاظ للذهاب إلى المدرسة؛ مما يؤدي بدوره إلى تقليص فترات نومهم بشكل كبير على مدار ٥ أيام في الأسبوع، وحين يحاولون النوم تبعًا لدورتهم الطبيعية في عطلة نهاية الأسبوع، فإنهم يُوبَّخون على كسلهم ويُجبَرون على الاستيقاظ، وإلا فإنهم «سيضيعون أفضل أوقات اليوم». وعلى الرغم من الخطورة المحتملة لهذه المشاكل، فعادة ما يرفض الراشدون الأكبر سنًّا (ممن يكون لديهم طور النوم متقدمًا) مثل هذه «الفجوة» الاجتماعية ويترتب على الصراع القائم بين التغيرات الحيوية لدى المراهقين والتوقعات المجتمعية عواقب وخيمة على صحة ونمو وأمان المراهقين والشباب (انظر الفصلين السابع والثامن).

كيف يمكن الحد من هذه الصراعات؟ يجب أن يدرك الآباء أن تأخير النوم له أساس بيولوجي؛ فعلى الرغم من أن ألعاب الكمبيوتر ومشاهدة التلفاز تعزِّز من تأخر النوم، فإنها ليست السبب الرئيسي لذلك. ويعد فهْم مدى خطورة هذه المشكلة أمرًا في غاية الأهمية؛ فالمراهقون يعيشون فعليًّا في منطقة زمنية مختلفة. وإجبار المراهقين على الاستيقاظ في السابعة صباحًا للذهاب إلى المدرسة هو كإيقاظ البالغين في الرابعة صباحًا؛ لذلك ليس غريبًا ألَّا يستجيب المراهقون وينتابهم الغضب. ومِن ثَمَّ قد يكون لتأخير مواعيد بدء اليوم الدراسي بعض الشيء أثرٌ كبير على كل من السلوك والأداء الأكاديمي (انظر الفصل الثامن). ومن المهم الحفاظ على أوقات النوم، وخاصة في عطلة نهاية الأسبوع، كما هو الحال أيضًا في ضرورة التحكم في الأنشطة المدرسية الإضافية التي تُجرَى في وقت متأخر في المساء، وتناول الكافيين، والعوامل الأخرى التي تقلل من النوم. وعلى الرغم من صعوبة التغلب على مشكلة تأخر النوم بشكل كامل، فإن تقديم مواعيد النوم تدريجيًّا، وتقليل الأنشطة والتعرض للضوء قبل النوم قد يساعد على تقديم مواعيد النوم وزيادة فترته. وكما هو الحال مع الأطفال، ينبغي أن يكون النوم من أهم الأولويات مع أخذ قسط من النوم كلما تسنَّى ذلك. وأفضل شيء أن تكون أنت مثالًا يُحتذَى به؛ فلتجعل النوم من أولويات الأسرة، وأولوياتك أنت أيضًا، حيث إن الاهتمام بالنوم في مرحلة البلوغ المبكر يؤدي كما نأمل إلى عادات أفضل للنوم فيما يلي من مراحل الحياة.


(٥) مرحلة منتصف العمر وانقطاع الطمث

تتغير عادات النوم باستمرار خلال مرحلة البلوغ والنضج، حيث نتحول إلى شخصيات نهارية أكثر فأكثر نتيجة للتقدم التدريجي لمنظِّم الإيقاع اليومي، وتقل فترات النوم، ويتضمن ذلك مقدار النوم البطيء الموجات ونوم حركة العين السريعة. كذلك ثمة انخفاض في قوة تنظيم النوم الاستتبابي وشدته؛ مما يزيد من صعوبة القدرة على تعويض الحرمان من النوم أو نوبات العمل غير العادية. كما تظهر جليًّا في منتصف العمر الاختلافات بين الجنسين فيما يخص النوم أو تصوره؛ حيث تُعانِي النساء بصفة عامة من مشاكل النوم أكثر من الرجال، على الرغم من نَيْلِهن قسطًا أكبر وأعمق من النوم، عند قياسه بموضوعية (انظر الشكل رقم ١-١). تقلل العناصر الاجتماعية أيضًا من فرص النوم في الوقت الذي نحاول فيه الحفاظ على التوازن بين الحياة الأسرية والطموحات المهنية، بتقليص فترات النوم؛ مما ينتج عنه تزايد مخاطر اضطرابات النوم الإكلينيكية مع تقدم العمر، وخاصة نتيجة لزيادة الوزن (مثل توقف التنفس أثناء النوم) أو ضغوط الحياة (الأرق) (انظر الفصل السادس).

يؤثر انقطاع الطمث تأثيرًا كبيرًا على النوم؛ حيث إن له أعراضًا مؤثرة في النوم منها التعرق الليلي واضطرابات الحالة المزاجية، بالإضافة إلى طول مدة انتظار النوم وانخفاض معدل النوم البطيء الموجات. تعاني النساء بعد انقطاع الطمث من ضعف معدلات الأرق تقريبًا مقارنة بالنساء قبل انقطاع الطمث، على الرغم من أنه عند قياس معدلات النوم بموضوعية، تنعكس هذه الاختلافات؛ مما يشير إلى احتمال تأثير الحالة الهرمونية أيضًا على سوء فهم حالة النوم. تتضاعف خطورة توقف التنفس أثناء النوم ثلاثة أضعاف بعد انقطاع الطمث، وقد يرجع هذا في الغالب إلى إعادة توزيع الدهون المرتبط بالهرمونات، وعادة ما يقل هذا لدى النساء اللاتي يتلقَّيْن علاجًا بالهرمونات البديلة.


(٦) النوم عند كبار السن

يعاني الكثير من الأفراد من قلة فترات النوم خاصة عند تقدمهم في السن، ويتقبَّلون ذلك على أنه نتيجة حتمية للشيخوخة. وبناءً على ذلك، يسود اعتقاد بأن كبار السن إما يحتاجون إلى قدْر أقلَّ من النوم أو غير قادرين على الحصول على قدر كافٍ من النوم. ومع ذلك، ففي حالات الشيخوخة الصحية ليس من الضروري حدوث تضرر للنوم بقدر كبير، على الرغم من وقوع بعض التغييرات بالفعل. تتزايد سيطرة العديد من الحالات الطبية والنفسية التي تؤثر في النوم مع تقدم العمر، كما يتزايد أيضًا استخدام الأدوية، كما ترتبط مخاطر بعض اضطرابات النوم أيضًا بالتقدم في العمر (انظر الفصل السادس).

تنخفض القدرة على تعزيز كلٍّ من النوم والاستيقاظ مع تقدم العمر، ويصبح النوم أكثر تقطُّعًا وتزداد احتمالية الإغفاءات أثناء اليوم. يحتاج الأشخاص الأكبر سنًّا فترات أطول للخلود إلى النوم، وهناك انخفاض في «عمق» النوم، يصاحبه أيضًا انخفاض في النوم البطيء الموجات ونوم حركة العين السريعة وزيادة في نوم المرحلة الأولى والثانية. تتكرر مرات الاستيقاظ أيضًا؛ مما يؤدي إلى تقليل فترة النوم وكفاءته. وبشكل عام، يستمر توقيت النوم في التقدم، ويعتبر كبار السن أنفسهم من الفئات النهارية. وكما هو الحال مع المراهقين، لا يرجع هذا التحول إلى تغير الفترة الطبيعية لمنظم الإيقاع اليومي — تظل الساعة البيولوجية منتظمة في حالة الشيخوخة الصحية — لكنه ينتج عن التغييرات التي تطرأ على كيفية تفاعل عمليات الإيقاع اليومي والاستتباب التي تتحكم في النوم. تتضاءل «النافذة» المخصصة للنوم في الإيقاع اليومي مع تقدم العمر؛ مما يؤدي إلى تقليص فترات النوم العميق والممتد، ويُسفِر هذا عن استيقاظ كبار السن في مراحل مبكرة من دورة الإيقاع اليومي أكثر من الشباب. ينعكس هذا التقليل من فرص النوم على الحد الأقصى من النوم الذي يستطيع كبار السن الحصول عليه؛ فعند إتاحة فترات ممتدة للنوم، ينام كبار السن (٦٠ عامًا فأكثر) حوالي ٧٫٥ ساعات كحد أقصى، وهو أقل بساعة تقريبًا عن نوم الشباب في ظل نفس الظروف. ومن غير الواضح إن كان هذا يُمثِّل «الحاجة» إلى النوم من حيث الاحتياجات البيولوجية للحفاظ على كفاءة الوظائف الجسمانية المُثلى، لكنه على الأقل يمثل القدرة البيولوجية على النوم. ومن المحتمل أن يسفر الفشل في تحقيق هذه المعدلات يوميًّا — أي نقص النوم المزمن — عن الانخفاض التدريجي في معدل اليقظة والأداء مع مرور الوقت. ومع ذلك، فمن المثير للاهتمام، أن نسبة تأثر كبار السن الأصحاء بالحرمان الحاد من النوم أقل منها لدى الشباب، الذين يواجهون صعوبة أكبر في البقاء مستيقظين والحفاظ على مستوًى جيد من الأداء لمدة ٢٤ ساعة أو أكثر، وقد يفسر هذا المعدل المرتفع لحوادث السيارات بين الشباب التي يسببها النعاس أثناء القيادة (انظر الفصل الثامن).

وكثيرًا ما يُقال إن كبار السن يعانون من مشاكل أكثر في النوم نتيجة لانخفاض هرمون الميلاتونين الذي يُفرَز ليلًا (انظر الفصل الثاني). وفي المتوسط، تقل معدلات الميلاتونين لدى كبار السن عن الشباب؛ نتيجة لانخفاض قدرة الغدة الصنوبرية على إنتاج الميلاتونين، و/أو انخفاض شامل في سعة الإيقاعات اليومية. ومع ذلك، فمعدلات الميلاتونين لدى كبار السن الأصحاء تماثل تلك التي يمتلكها الشباب؛ ويدل هذا على أن تراجع معدلات الميلاتونين قد ينتج عن الإصابة ببعض الأمراض. هذا، ولم يحقق العلاج بالميلاتونين البديل — وهو تناول الميلاتونين الاصطناعي كعامل مساعد على النوم لكبار السن — نجاحًا في تحسين عملية النوم؛ مما يدل على أن معدلات الميلاتونين المنخفضة ليستْ في حد ذاتها المسبِّبَ الأساسي لمشاكل النوم. ومع ذلك، يعد تعزيز الإيقاعات اليومية عن طريق تعرض الشخص لدورة قوية من الضوء والظلام من الأمور التي قد تُحسِّن من عملية النوم والسلوك لدى كبار السن، كما سيأتي في القسم الذي يتناول الخَرَف.

ثمة عناصر أخرى مرتبطة بالشيخوخة من شأنها أيضًا أن تؤثر في عملية النوم؛ فمع تقدم السن، تميل عدسة العين إلى الاصفرار تدريجيًّا نتيجة لترسب الصبغة، ويؤدي هذا إلى تغير انتقال الضوء من خلال العدسة وتقليل كمية الضوء قصير الموجات، أو الضوء الأزرق الذي ينفذ من خلال العدسة. ويعد الضوء الأزرق هو أكثر أنواع الطول الموجي تأثيرًا على إعادة ضبط الساعة البيولوجية (انظر الفصل الثاني)؛ ومن ثَمَّ فإن تقليل التعرض للضوء الأزرق قد يزيد من خطورة حدوث اضطرابات الإيقاعات اليومية الخاصة بالنوم، ويفسر هذا سبب تقدم مراحل النوم لدى كبار السن. وتنطبق اعتبارات مماثلة على حالات إعتام عدسة العين، التي تحجب الضوء عبر الطيف بأكمله، على الرغم من الجدل المثار حول أفضل أنواع العدسات البديلة التي ينبغي أن تستخدم. تتوافر عدسات يتم تركيبها داخل مقلة العين وتحاكي إما عدسة الشيخوخة المائلة إلى الاصفرار وإما عدسة الشباب التي تسمح بمرور الضوء الأزرق. وبينما يكون من المتوقع أن يساعد النوع الأخير على حل مشكلات الإيقاع اليومي الخاص بالنوم، يدفع بعض الباحثين بأن الإخفاق في حجب الضوء الأزرق يزيد من خطورة تلف العين، وخاصة مخاطر التنكُّس البقعي المرتبط بالسن، وهو مرض في العين شائع لدى كبار السن، وخاصة لدى مَن عمِلوا تحت ضوء الشمس المباشر. وهناك العديد من الدراسات الآن التي تتناول هذا الموضوع؛ لذلك ما زال العلماء يدرسون أفضل سبل علاج هذه المشكلة.

يمثل تنظيم درجة الحرارة عنصرًا أساسيًّا للنوم سواء للخلود في النوم أو للحفاظ على استمراريته، ويرتبط سوء تنظيم درجة الحرارة بالشكاوى المتعلقة بالنوم. قد يكون ضعف الدورة الدموية أحد الاحتمالات التي تتسبب في شكوى كبار السن من مشاكل النوم، فعند الخلود إلى النوم، تنخفض درجة حرارة الجسم الداخلية بشكل أسرع من الانخفاض الطبيعي الذي يحدث في الإيقاع اليومي، ويرتبط ذلك بزيادة معدل فقدان الحرارة في الأطراف (الأيدي والأقدام). ولا يمكن لمَن يعانون من ضعف الدورة الدموية وبرودة الأيدي والأقدام فقدان نفس القدر من الحرارة، ويحتاجون إلى المزيد من الوقت للاستغراق في النوم؛ إذ تزيد تدفئة الأيدي والأقدام — التي تتسبب في توسع الأوعية وزيادة فقدان الجسم للحرارة — من الشعور بالنعاس وترفع من احتمالات النوم. إذن كانت جَدَّاتُنا على حق، فارتداء جوارب وقلنسوة النوم فكرة سديدة؛ حيث إنها ستزيد من فقدان الحرارة بشكل عام وتساعد على الخلود إلى النوم.


(٧) الخَرَف

رغم أن الخرف ليس نتيجة حتمية للشيخوخة، فإنه منتشر بين كبار السن؛ حيث تبلغ نسبة المصابين به ما يقرب من ٥٠٪ لدى مَن يبلغون من العمر ٨٥ عامًا فما فوق. ويرجع السبب في نحو ثلثي تلك الحالات إلى الإصابة بمرض ألزهايمر، الذي يعتبر السبب الرئيسي للخرف.

ثمة أعراض مشتركة إلى حدٍّ ما بين الشيخوخة والخرف، مثل اضطراب النوم واليقظة ودورات النشاط والراحة التي قد تؤدي في حد ذاتها إلى تفاقم التدهور الإدراكي. فمع الشيخوخة ينخفض عدد الخلايا المسئولة عن تنظيم الإيقاع اليومي انخفاضًا طفيفًا، ولكنه ينخفض بشكل ملحوظ عند الإصابة بمرض ألزهايمر مصحوبًا بخسارة حادة في السعة الإيقاعية التي تكون خلايا الساعة البيولوجية مسئولة عنها. وقد يتسبب انخفاض قوة الإشارة الإيقاعية من هذه الخلايا في ضعف الإيقاعات اليومية الملحوظ لدى العُجُز ومرضى الخرف. ويمثل اختلال أنماط النشاط والراحة السبب الرئيسي لإيداع مرضى الخرف في المؤسسات العلاجية؛ وذلك بسبب كل من الخطر الجسماني الذي يتعرض له مريض الخَرَف نتيجةً للتجول في الليل وإصابة مقدم الرعاية باضطراب النوم المزمن؛ ومن ثَمَّ فإن العلاج المنزلي المبكر لاضطراب الراحة والنشاط لدى مرضى الخرف البسيط أو المتوسط قد يؤدي إلى تأجيل مرحلة احتياج المريض للإيداع في مؤسسات الرعاية.

إحدى المنهجيات الواعدة للتعامل مع اضطراب الراحة والنشاط المرتبط بالخرف تتمثل في معالجة مسألة غياب دورة ثابتة قوية للضوء والظلام، التي يعاني منها كبار السن في الغالب ولا سيما أولئك المقيمين بدُور الرعاية. ففي دراسة هولندية موسعة وُجد أن مرضى الخرف في دُور الرعاية التي زِيدت بها الإضاءة داخليًّا لتصل إلى ١٠٠٠ لَكس من الساعة ١٠ صباحًا وحتى الساعة ٦ مساءً (بالمقارنة بالإضاءة القياسية التي تقدر بنحو ٣٠٠ لكس) أبدَوْا تباطؤًا كبيرًا في معدل التدهور الإدراكي، وتحسنت لديهم القدرة على أداء الوظائف اليومية، وانخفضت معدلات الاكتئاب لديهم، وتحسن نومهم. وثبت أن هذه التحسينات تُعادِل تلك التي يتم الحصول عليها مع العلاج الطبي بالأدوية والعقاقير. وفي حين أن آلية عَمَل هذه التحسينات غير معروفة على وجه الدقة، فإن للضوء خصائص تنبيهية حادة بالإضافة إلى أثره في إعادة ضبط الإيقاع اليومي؛ ومن ثَمَّ فإن تحسين الإضاءة النهارية قد يُحسِّن من الوظائف الانتباهية والإدراكية. ومن شأن وجود دورة أكثر قوة للضوء والظلام أن يؤدي أيضًا إلى استقرار أنماط النوم واليقظة، وتحسين النوم، وهو ما قد يُسهِم في حد ذاته في إبطاء تدهور الوظائف الإدراكية. كما أن للضوء أيضًا قدرة على تحسين الحالة المزاجية وآثارًا علاجية مضادة للاكتئاب في بعض الحالات، مثل الاضطراب العاطفي الموسمي، التي قد تفسر انخفاض مقاييس الاكتئاب.

غير أن هذا النهج لا يمثل حلًّا سحريًّا لجميع أعراض الخرَف، وإنما هو مقاربة بسيطة، ليس لها آثار جانبية، وغير مكلفة لتشجيع أنماط النوم واليقظة الجيدة، وتحسين النوم، وربما لخفض معدلات التدهور الإدراكي والاكتئاب. كما أن هذا النهج لا يقتصر على مَن يعانون من الخرف؛ فتعزيز أنماط الضوء والظلام اليومية لدى جميع كبار السن، وخاصة أولئك الذين لا ينتقلون خارج محل إقامتهم بصفة يومية، أمرٌ مفيد في الغالب، كما هو الحال مع تعزيز دورات الضوء والظلام الجيدة في المستشفيات ومرافق الرعاية الأخرى والمدارس والجامعات وبيوتنا. فبدءًا من الأطفال حديثي الولادة وصولًا إلى العُجُز في سن الشيخوخة، علينا أن نُولِي اهتمامًا كبيرًا بعتمة الليل وضوء النهار كمفتاح للنوم الجيد وتنظيم الإيقاع اليومي.

 

يمنع إعادة النشر دون إذن خطي مسبق..

 

10 mai, 2017 11:47:08 AM
1