تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
صفاء حطاب والرواية التاريخية

تستعرض الأديبة صفاء الحطاب (عضو رابطة الكتاب الأردنيين، وعضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب) في روايتها «لصوص الآثار» الموجهة للفتيان، عبر جمالياتها المتميزة، كيفية تسرب بعض روائع الحضارة المصرية القديمة في القرن الثامن عشر إلى الغرب، وتسهم بما فيها من حمولة فكرية، في توسيع مدارك الناشئة وإثارة خيالاتهم، والاستجابة لميولهم في المغامرة.

 

تنبع أهمية هذه الرواية، من كونها موجهة لأصحاب القرار في وزارات السياحة والآثار في الأقطار العربية، قبل أن تكون موجهة للفتيان، فهي تهم كل مواطن عربي، وكل أسرة وكل دولة عربية، لكي لا تبقى الكنوز الأثرية العربية في مهب الريح، يبيعها العوام الذين لا يدركون قيمتها وأهميتها بمبالغ تافهة، إلى من يقدّرون ويعرفون قيمتها الحقيقية ولديهم الاستعداد للتضحية حتى بأرواحهم من أجل نقلها من وطننا العربي إلى بلادهم، ومن هنا أناشد عبر هذا المنبر، التنويريين في وزارة السياحة والآثار في عمان، لتبني هذا الكتاب، وتعميمه على طلبة المدارس، لبث الوعي واليقظة بينهم، ذلك أن بيع روح الوطن وكنوزه وآثاره وحضارته بسعر بخس خيانة

 

الشخصيات العربية، في هذه الرواية سلبية، غير نامية، ولا سيما لصوص وسماسرة الآثار، ولكن تلك الشخصيات تستيقظ في النهاية، بعد أن تكون قد ساهمت في تهريب أهم وأغلى ما تملكه مصر..كان»سيد»و»بدوي»و»مصطفى باشا» ينهشون أهم ما في الحضارة المصرية، ويلقونه على طريق «إدوين وكارولين» وغيرهم من جواسيس السفارات الغربية في القرن الـ18، بسعر بخس، ليصبح كنزا يهربونه ويعرضونه في متاحف بلادهم.

 

اتسم الحدث في هذه الرواية بالإيجاز، والوضوح والبساطة، عدا عن وقوعه في أمكنة، للطفل تصوّرٌ كافٍ عنها، وأبدعت الروائية في ترتيب حوادث الرواية وتطويرها، فعرضت الوقائع والشخصيات في تسلسل طبيعي ومنطقي، الأمر الذي جعلها وحدة متماسكة الأجزاء.

 

وكان لدى الروائية المقدرة الاستثنائية على جذب الطفل، وتشويقه، الأمر الذي جعله يستلهم دعوتها المشبعة بالقيم الإنسانية العليا، والموصلة إلى قيم وطنية وأخلاقية مقرونة بصفات الشجاعة والإقدام وحبِّ الخير وانتصاره على الشر كالعادة.

 

كان أسلوبها سلسا رصينا جميلا، وغنيا بالتنويع في مشاهد الدهشة، بالإضافة إلى حسن استخدام اللغة والخيال والصور الفنية، فلغتها بسيطة ومناسبة لمستوى الفتيان الذين تُكتب له، وثمة تراكيب سلسلة، وجمل قصيرة، وعبارات رشيقة، خالية من التعقيد والغموض.

 

«لصوص الآثار» رواية غنية بالصور البصرية الحيوية المتحركة والمملوءة بحبُّ الاستكشاف والانبهار وعشق المغامرة واقتحام المجهول، بل إن فيها عالما ساحراً متنوِّعاً تحت الأرض، وليس على سطحها، يشبع توقهم للمعرفة.

ورغم أن الرواية ابنة المخيلة، والتاريخ ابن الواقع، فإنه، أي التاريخ، هو الذي قدّم للروائية هذا الموضوع المهم لتبدع منه روايتها الخالدة، كيف لا وهي تدرك أن لغة المؤرخ دقيقة وعلمية و تقريرية، وغايتها التوصيف العلمي، ولذلك كانت لغتها باعتبارها روائية إيحائية وإيمائية و تصويرية، وبعيدة عن التسجيلية، وأوصلت رسالتها الأدبية والوطنية بنجاح، نظرا لما تتمتع به من خبرة في متابعة الجمال واكتشاف أبعاده وبناء عوالمه الجمالية الأخّاذة كل روايات مشروعها «سلسلة الحضارة المفقودة».

 

 

 

المصدر: الدستور

06 سبتمبر, 2021 11:00:52 صباحا
0