تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
حين نرى المحتل رحيمًا في «دبابة تحت شجرة عيد الميلاد»

من الأخطاء التي يقع فيها بعض الأدباء في أعمالهم الإبداعية الرافضة للاحتلال في فلسطين من شعر ورواية ومسرحية وغيرها نظرتهم إلى المحتل الإسرائيلي بأنه إنسان ديمقراطي ورحيم، وربما نادم على ما جنت يداه. إنه محتل لكنه يتمتع بصفات إنسانية عالية،مع أنهم يصفونه في الأعمال نفسها بأنه المسؤول عما قام به من قتل أهلهم، وتخريب أرضهم، ومصادرة ممتلكاتهم.

يحضرني هنا رواية إبراهيم نصرالله «دبابة تحت شجرة عيد الميلاد: ثلاثية الأجراس» 2020م، فمن ينظر في عنوان الرواية يتبادر إلى ذهنه من أول وهلة أن الكاتب يرى أن المحتل الإسرائيلي يُعكّر صفو عيد الميلاد المجيد بوجود دبابة تحت شجرة عيد الميلاد، والمعروف أن شجرة عيد الميلاد من التقاليد المسيحية التي يعود تاريخها إلى القرن السادس عشر.أما الدبابة فهي رمز القوة والعنف والبطش والتدمير، ووجودها في هذا المكان بالذات لا مبرر له ومثير للخوف والرهبة.

تفاجئنا الرواية بأنها تسير في وجهتين مختلفتين: وجهة وفق انطباعناالأول الذي تبدّى لنا من خلال العنوان، وتقوم على تسجيل الأحداث التي تقع في مدينة بيت ساحور بعد نكسة حزيران عم 1967م التي تتمثل في محاصرة بيت ساحور ومصادرة قوات الاحتلال ممتلكات أهلها، والوجهة الثانية تصوير قادة الاحتلال رحماء في نظرتهم إلى ما جنت أيديهم وأيدي جنودهم. فهذا الضابط شاؤول المسؤول عن عملية المصادرة لبيوت الناس تقدمه الرواية بأنه الإنسان الرحيم المتعاطف مع الأهالي؛ففي مشهد مهم من مشاهد الرواية يبدو الجنود بأمر من الضابط نفسه وهم يصادرون من بيت سمحان التلحميالثلاجة والمذياع والطاولة والكتب وموقد الغاز،وعندما قال سمحان على مسمع من الضابط شاؤول المسؤول عن المصادرة:»على الأقل كان يمكن أن يتركوا موقد الغاز حتى نعد طعامًا لحفيدي الطفل» (النسخة الإلكترونية، ص493) فيأمر شاؤول الجنود أن يعيدوا إلى سمحان الموقد.

هنا تتبدّى غرابة الموقف بأن يكون هذا الضابط الذي تمت مصادرة بيوت المدينة كلها بأمره حنونًا على الأطفال، حتى إنه لا يصادر ما يلزمهم، وما يحتاجون إليه.

ويلح الكاتب في نهاية الرواية على إبراز الصفة الإنسانية للمحتلالذي احتل الأرض وقهر الناس. والمعروف أن النهاية في الرواية عنصر مهم من عناصرها البنائية، والجزء المهم من أجزائها الذي تنتهي فيه أحداثها، وتتوقف حركة شخصياتها، وتتجلى فيها رؤية الكاتب، وما يريد أن بقوله ويُرسّخه في ذهن المتلقي. ففي حوار بين شاؤول والكابتن داود بعد مصادرة بيوت المدينة يسأل داودالضابط عند خروج المظاهرات في بيت ساحور احتجاجًا على جرائمهم، وهتافات المتظاهرين ضدهم، وأغنياتهم عن فلسطين:

«- هل تعتقد أننا انتصرنا؟

- بالتأكيد.

-وكيف تفسر لي في أنهم يرقصون ويغنون؟

_تريد أن تقول..

.أريدأن أقول لماذا لا نغني مثلهم؟»(ص500-501)

نلاحظ في هذا الحوار تعاطف الضابط مع هؤلاء الذين اقتحم منازلهم وصادر مافيها من الثلاجة إلى موقد الغاز، ونحس كأنه نادم على ما قام به وجنوده، وكأن نصره لا قيمة له، إنه يغدو كما صوره الكاتب إنسانًا ديمقراطيًا وليبراليًا عاقلًا، يتساوى عنده النصر والهزيمة؛ فلا فائدة من القتال.

إن هذا التصوير، تصوير المحتلين، مع أنهم مجرمون وطغاة بأنهم رحماء ينتابهم العطف على ضحاياهم لا يظهر الحقيقة، حقيقة الاحتلال وبطشه، ويخلق الاضطراب في فهم الاحتلال وأساليبه، وينتقص من أهمية أبناء مدينة بيت ساحور في رفضهم ومقاومتهم لما قام به المحتلون من جرائم.

في النهاية ما نريد أن نقوله: إن رواية «دبابة تحت شجرة الميلاد « بدءًا من العنوان وما عرض فيها من أحداث ومواقف تظهر الرؤية المضطربة للروائي بأنه يقدم الجريمة وفي الوقت نفسه يمتدح من قام بها بإظهار إنسانيته تجاه ضحيته، إنه يكتشف شخصية المحتل الرحيم. لعل الروائي بذلك يساوي بين الطرفين: من قام بالاحتلال، ومن وقع عليه الاحتلال، وإظهار المحتل الغاصب كأنه قد نقّى ضميره بالمواقف المراوغة. وهذا، كما أرى، ينفي عن الرواية دورها في فضح الاحتلال، وبيان حقيقة ما جرى في مدينة بيت ساحور.

 

 

 

المصدر: الدستور

30 يناير, 2022 12:07:36 مساء
0