إن حماية المدنيين هي أحدى الأهداف الرئيسة للقانون الدولي الإنساني، فبموجب القواعد التي حددها لتحكم سير العمليات العدائية ، يتمتع السكان المدنيون والأفراد بحماية عامة من آثار العمليات العدائية ، ووفقاً لذلك ، يلزم القانون أطراف النزاع المسلح بالتمييز، في جميع الأوقات، بين السكان المدنيين والمقاتلين، وبتوجيه العمليات ضد الأهداف العسكرية فحسب ، وينص أيضاً على عدم جواز إستهداف المدنيين في هجمات مباشرة ، وفي السياق نفسه ، ينص القانون الدولي الإنساني على وجوب معاملة المدنيين معاملة إنسانية إذا ما أصبحوا في قبضة العدو ، ويجد هذا المعيار المركزي تعبيراً له في أحكام عديدة من القانون الدولي الإنساني ومن بينها الأحكام التي تُحظر أي شكل من أشكال العنف المهدد للحياة وكذلك التعذيب أو أية معاملة قاسية أو غير إنسانية أو مهينة. ومع ذلك قد يبدو اليوم مستغرباً ، أن الحماية الشاملة الممنوحة للمدنيين لم تكن دائماً موضوع تركيز رئيس في القانون الدولي الإنساني ، ذلك أن أصوله ، فيما يتعلق على الأقل بقواعد المعاهدات ، تعود إلى زمن كان فيه السكان المدنيون محميين إلى حدٍ كبير من التأثيرات المباشرة للعملياتِ العدائية ، ولم يكن يخوض المعارك الفعلية إلاّ المقاتلون ، وحين اُعتمدت إتفاقية جنيف الأولى عام (1864) ، كانت الجيوش تتواجه في ساحات القتال مع خطوط مواجهة محددة بوضوح، وكان من الضروري التخفيف من معاناة الجنود ، لاسيما وأن َ مئات الآلاف منهم كانوا يسقطون قتلى أو جرحى بعد مواجهة عسكرية ، ولم تبرز الحاجة للإهتمام أيضاً بحماية المدنيين إلا لاحقاً حين بدأت التطورات التكنولوجية في صناعة الأسلحة تحدث في الحروب آلاماً وإصابات جسيمة في صفوف المدنيين .
حماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة (( دراسة مقارنة بين القانون الدولي الإنساني والشريعة الإسلامية))