فن القصة لدى بسمة النمري
اشتـُهرتْ بسمة النمري بكونها فنانـة تشكيــلية إلى جانب كتابة القصة، فانعكست ألوان فرشاتها على أدبـها القصصي، وتأثــرت الأســاليب السردية لديـها بعــالم التشكيل.
تقف هذه الدراسة عند تجربة النمري التي أصدرت سبع مجموعات قصصية في الفترة 2002-2010 رسمت من خلالها صوراً تفتــح أمــام القــارئ فرصـة لفــهم واقعه وعلاقته بالطــرف الآخر، وتكشف عن مقدرة كبيرة على الولوج إلى دهاليز النفس البشرية بصورة سلسة تصوّر الإنسان وتتناول إشكالياته الداخلية من خلال بناء فنـي محكم.
الوجع كان سيد الموقف الذي دفع الكاتبة "بسمة النمري" إلى فن القصة؛ إذ عانت الكاتبة مع طفلتها المتوفاة «ماريا» معاناة كبيرة منذ كانت جنيناً إلى أن أنجبتها مصابة بشللٍ دماغيٍّ قاسٍ أمهلها سبع سنوات ثم سرقها الموت، تقول الكاتبة في مقابلة شخصية معها:
«كانت هناك عملية دفع نحو فن القصّ، وكان الوجع سيّدها، يد الوجع التي طالتني، فَرَدَتْ راحتها على ظهري، وراحتْ تدفعني إلى كتابته، وإلى ترجمته من إحساسٍ يقلق سكينة الروح، إلى كلمات تحكيه، علّه يهدأ ويستكين إذْ يتحرّر من أسره داخل أعماق النفس السحيقة، وينطلق ليمتدّ على مساحات الصفحات البيضاء الواسعة يسكنها ويريحني منه».
أثّرت وفاة ماريا (ابنة الكاتبة) على مسيرة القاصة الإبداعية؛ فهي سبب من الأسباب التي دفعت بالكاتبة إلى فن القصة، وانعكس أثره داخل أعمالها القصصية؛ إذ أهدت الكاتبة مجموعتها الأولى «منعطفات خطرة» إلى روح ابنتها الملاك ماريا؛ الأمر الذي يؤكد مدى تأثير الألم الذي أحسته الكاتبة من فقد ابنتها على مسيرتها القصصية، وظهرت ماريا أيضاً في مجموعة أقرب بكثير مما تتصور في قصة (قبلة معلقة)، ومجموعة «وما لا يُرى» في قصة (طفلتي)، وذلك يؤكد مدى تأثر الأم بفقدان ابنتها، وسأعرض للحديث عن القصتين في الفصل الثاني.
لم يقتصر الألم؛ ألم الكاتبة، على وفاة ابنتها، فقد امتدّت يد الموت لتطال أختها (نسمة) التي أثّرت في مسيرة الكاتبة كما أثّرت ماريا (ابنتها)، إذ توقفت بسمة النمري عن الكتابة بعد مجموعة «حجرة مظلمة» (2004)، وكان الألم النابع من وفاة أختها نسمة هو الدافع الأوّل الذي أعاد الكاتبة إلى حقل القصة. وظهرت أخت الكاتبة في قصصها، خاصة في مجموعة «أقرب بكثير مما تتصور» (2007)، والتي أهدتها، أيضاً، إلى روح أختها نسمة التي ظهر طيفها في كل قصة من قصص المجموعة، مما يؤكد أنّ تجربة الموت قد تكون دافعاً لاهتمام الكاتبة بجدليّة الحياة والموت، وهو ما سيعرض له الفصل الثاني بالتفصيل.