مسلكيات
حاجةُ العبد إلى جَرعاتٍ من الوعظ والفكر أشدُّ من حاجته إلى وجبات الطعام والشراب، فبالأولى بناءُ النفس والعقل، وبالثانية بناء الجسد، وخيرُ الكلمات وأصدقُها ما كانت تلقائيةً يفرضها واقعُ الحال دون تكلُّفٍ أو تقعُّر، وكان الهدفُ منها النصحَ والتقويم، والباعثُ عليها الحرصَ الشفَقة.
بين يديك أيُّها المكرَّمُ باقةٌ من قيودِ صيدِ الخاطر، ومرآةٌ لخَلَجاتِ نفسٍ تقلَّبَت في أحوال الإقبال والإدبار، وذاقت عِزَّ الصعود ومهانةَ الهبوط، كتبتُها مقالاتٍ متفرِّقةً في أوقاتٍ شتى شعرتُ بأوانِ بثِّها ونفع الآخرين بها، فتلقَّفَتها قلوبٌ نقيةٌ لم تكن في أخذها بأقلَّ سرورًا ممَّن كتبها وبثَّها، فكتب الله لها بفضله ومَنِّه القبولَ الحسن عند الناس، عامَّتِهم وخاصَّتِهم، وأسمَعَ عبدَه الفقيرَ من عبَقِ الثناء ما ليس له بأهل، وقد كانت دافعةً لمزيد من العطاءِ، وتوالدَت بعدها الأفكارُ تترا، فرُبَّ خاطرةٍ تفرَّع عنها خواطر، وهكذا دواليك، حتى تهيأتْ بين يديَّ مجموعةٌ منها صالحةٌ للتقديم كوجبةٍ أولى من غذاء الروح، يتنقَّلُ فيها القارئُ بين أطباقٍ مذَلَّلةٍ مطوَّعة، ومذاقاتٍ بنكهاتٍ منوَّعةٍ، يتفيأُ فيها من ظلال معاني القيَم التربوية ما تقرُّ به عينُ الطالب، ويستقي من معين مصدره الملهِم ما يروي الظامئَ الراغب، فامنَحها صافيَ الأوقات والأحوال، وأَطلِقْ لها أرحَب الخيال، إذ فيها بعضُ الإشارات والرموز حمَّالةُ أوجُه، لم أشأ إفسادَ جمالها بتفسيرها، لتبقى مساحةُ التأملات فيها أوسعَ، والغَرفُ منها أمتَع.