معابر الحضارة الإسلامية إلى أوروبا
من المؤكد لكل باحث منصف أن يعترف أن المسلمين الذين اندفعوا من شبه الجزيرة العربية في القرن الأول الهجري/السابع الميلادي، ليشيدوا دولة واسعة مترامية الأطراف، امتدت من المحيط الهندي والصين شرقا، إلى حدود المحيط الأطلسي وفرنسا غربا، لم يكونوا كغيرهم من الشعوب الهمجية التي انسابت من جوف القارة الأوروبية (كالفيكنج) أو (الجرمان) . أو من جوف القارة الاسيوية (كالمغول) ، والتي لا ترتبط أسماء هذه الشعوب في التاريخ إلا بالغزو والنهب والوحشية والعنف وسفك الدماء وقهر الشعوب، والقضاء على كل أشكال المدنية، من تخريب للمدن، وحرق للكتب، وتدمير لدور العلم، والقضاء على كل أشكال الحضارة والمدنية والثقافة والمعرفة عند شعوب البلدان التي دخلوها.
ولقد تأكد لكل عاقل منصف أن المسلمين لو كانوا مثل هذه الشعوب المتوحشة البدائية لكان العالم قد حُرم من ذلك المعين الصافي الذي أمدَّ أممه وشعوبه بنور المعرفة، في الوقت الذي كان فيه هذا العالم أحوج ما يكون إلى ذلك العلم وتلك المعرفة بعد أن خبت حضارة اليونان واندثرت مدنيتي الرومان والفرس، وانزوت حكمة الهند، وانغلقت معارف الصين وثقافتها خلف سورها العظيم.