تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
نبذه عن الكتاب
يا أيها الإنسان (قراءة تأملية في عالمية الخطاب القرآني)
No votes yet
أحمدُ الله الَّذي خلقَ الإنسان، علَّمَهُ البيان، والّذي رفعَ السَّماء، ووضعَ الميزان، وأصلِّي وأسلِّمُ على رسولِ الله حاملِ الوَحْي، وقائدِ الخَلْق إلى الحقّ، والمثلِ الأعلى للخليقة الَّذي اجتمعَتْ فيه كَمالات النَّفس والخلُق، وعلى آلهِ الأطهار، وأصحابِه الأبرار، وبعد؛ فما أنتَ أيّها الإنسان إلا آيةٌ ربانيّةٌ باهرة بجَّلَتْها الملائكةُ بالسُّجود، وصدَحَتْ لها الأطيارُ بالتَّغريد، وترنّمَتْ لها الجداولُ بالخرير، وتضوّعَتْ لها الأزهارُ بالعَبير. وما أنتَ إلا حكايةُ الكون منذُ البَدْء، وفي البَدْء كانت الكلمة، وكانَ القلم، وكان الحقّ، وكان القِسْط. وما أنتَ إلا بَطَلٌ سُلِّطَتْ عليه الأضواء في مُسَلْسَل الحياةِ الذي اتّصلَتْ حلقاتُه، ولم تنقطعْ مُذْ ظهرَ آدمُ عليه السَّلام على شاشةِ الوجود أوَّلَ مرّة، إلى أنْ يرثَ اللهُ الأرضَ ومَنْ عليها. وقد شَغَلْتَ نفسَك بنفسِك في نفسِك، أعني أنَّ المفكرين والفلاسفةَ الذين هم مِنْ جِنْسِك قد شغلْتَهم على مَرِّ الأعصار والأجيال، وأنفقوا وقتاً هائلاً، وأهلكوا مالاً لُبَداً في تعرُّف حياتك، وسَبْر أغوارك، حتى توالَتْ مواكبُهم تَتْرَى من عهدِ هيرقليطس الإغريقيّ، وسُقراط، وأفلاطون، وأرسطو، والفارابي، والكِنْدي، وابن سينا، وكانَتْ، وهيجل، ونيتشه، وديكارت، إلى عهدِ فوكاياما الأمريكيّ في هذه الأيام العِجاف السُّوداء. ولكنَّك كنتُ تَسْتعصي على الفَهْم، وتستغلقُ في الاستقراء، غيرَ أنَّ ربَّك الذي خَلقَك، ويعلمُ ما توسوسُ به نفسُك، وما يعتلجُ في صَدْرِك، قد بيَّنَ حقيقتَك، وأظهرَ أسرارَك , وكشفَ لِثامَك: "أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ".