الشامل في أحكام الجمعة على المذاهب الأربعة
لما خلق الله العباد، وذرأهم في الأرض، لم يتركهم سدىً ولا هملاً، وإنما شرع لهم ديناً قيماً، وصراطاً مستقيماً، فيه من الشرائع أعلاها، ومن الأخلاق أزكاها، واقتضت حكمة الله تبارك وتعالى أن يفضل بعض خلقه على بعض، ففضل بعض عباده بأن اختارهم للنبوة، وشرفهم بالرسالة، وفضل بعض الأمكنة كمكة المكرمة والمدينة المنورة، وفضل بعض الأزمنة، فجعل رمضان أفضل الشهور، إذ فيه ليلة خير من ألف شهر، ولذلك خص الله تعالى يوم الجمعة بفضائل بينها لنا نبينا "عليه الصلاة والسلام" الذي لم يترك خيراً إلا دلنا عليه وبين لنا أبوابه، حتى تركنا على المحجة البيضاء، فعن أبي هريرة "رضي الله عنه " قال: قال رسول الله "عليه الصلاة والسلام" : (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه أخرج من الجنة، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة) .
وأن شعيرة من شعائر الدين بهذه المثابة لجديرة بالنظر والدراسة والعناية، ولما لهذه الشعيرة العظيمة من الأهمية البالغة في الدين، فقد قصدت افرادها في كتاب خاص, بعيد عن المواد الفقهية الأخرى والتي قمت بتدريسها كما درست الجمعة، لما لها من أهمية بالغة مجهولة عند كثير من الناس، ولا يسع أحد من المسلمين الجهل بأحكام هذا اليوم العظيم، فإن الصلاة ركن من أركان الدين وهي أعظم أركانه بعد الشهادتين, وإن تعلم أحكام الصلاة فرض عين على كل مسلم, وقد حاولت جهدي أن أذكر اختلاف العلماء من الأئمة الأربعة الذين تلقت الأمة مذاهبهم بالقبول، وأحياناً أذكر مذاهب غيرهم ممن قبلهم، كبعض الصحابة والتابعين. ولكن كان تركيزي على قول ومذهب الإمام الشافعي رحمه الله أكثر من غيره، راجياً من الله تعالى أن يقبله مني خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع به عامة المسلمين وخاصتهم.