القانون الإداري
يُعَدُّ القانون الإداري أكثر فروع القانون تأثراً بالتحولات والظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. ذلك لأنه أكثر فروع القانون صلة بتشعبات الحياة وتقلباتها، فهو الفرع الذي يحكم المساحة الأكبر من النشاط الحكومي (نشاط الإدارة العامة) وهذا النشاط على صلة يومية وتأثير مباشر في حياة الفرد والمجتمع فالإدارة العامة مكلفة بإشباع الحاجات العامة للمواطنين من خلال المرافق العامة التي تتولى تسييرها أو الإشراف عليها وحماية النظام العام كحماية الأمن والصحة والسكنية وعادات وقيم المجتمع . فلا بد أن يتأثر القانون الإداري بالتحولات الجوهرية على المستوى الوطني أو الإقليمي أو العالمي. ويشهد العالم منذ أواخر القرن الماضي ومطلع (الألفية الثالثة) تحولات جوهرية في النُّظُم والمفاهيم القانونية.. إذ بدأ التلويح والتبشير بنظام عالمي جديد أو ما يُطلق عليه اليوم (العولمة)، ووُضِعَت علامات استفهامٍ كبرى على مستقبل التنظيم القانوني والمبادئ التي ارتكز عليها البنيان القانوني في القرنين الأخيرين (التاسع عشر والعشرين).. فهل ستصمد فكرة (سيادة الدولة) التي بُنيت عليها قواعد القانون الدولي بعد التدخلات الواسعة من القوة الأعظم في عالم اليوم باسم (النظام العالمي الجديد)؟ وبعد تجمع الدول الأوروبية في وحدة دستورية وقانونية لأول مرة في التاريخ. وهل تتحول فكرة (المرفق العام) الوطني التي بنيت عليها قواعد القانون الإداري إلى فكرة (المرفق العام العالمي) الذي تتولاه الشركات متعددة الجنسيات؟ وأيَّة قواعد قانونية ستحكم مثل هذه المرافق العامة العالمية وتُنظِّم علاقة المنتفع بها وحقوقه تجاهها؟ وهل سينحسر دور (الدولة) إلى دور (الحارس) الذي كانت تقوم به في النصف الأول من القرن (التاسع عشر) وما قبله؟.