Direkt zum Inhalt

أساطير سياسية تؤثر في الناخبين

ينهل السياسيون من الأساطير السياسية ليبعثوا في خطاباتهم السياسية برسائل تؤثر في اللاوعي من أجل إقناع الناخبين. وفي أمريكا، يستخدم المحافظون والليبراليون أسطورتين سياسيتين مختلفتين لجذب الأصوات.

 تخفي الكثير من المناشدات السياسية لتجميع أصوات الناخبين بين طياتها رسائل خفية تؤثر في اللاوعي. وكما أن المعلنين يدركون تمام الإدراك تأثير الارتباط الذهني بين الأشياء، المؤثر في اللاوعي على بيع المنتجات، بدءًا من السيارات وحتى رقائق الذرة؛ كذلك يدرك المستشارون السياسيون القوى المقنعة للرسائل التي تؤثر في اللاوعي، كما كان الحال في إعلانات «ويلي هورتون» السياسية الشهيرة، التي استخدمت في عام ١٩٨٨ لاستحضار المخاوف العرقية فيما بين الناخبين. ويدرك الباحثون الأوروبيون أيضًا قوة ما يطلقون عليه «الأساطير السياسية» في ممارسة تأثير سياسي فيما دون الوعي. ومع ذلك، يواصل علماء الاجتماع الأمريكيون إهمال قوة الخيال في السياسة في دراساتهم. وفي هذا العام الذي شهد تنافسًا شديدًا بسبب الانتخابات الأمريكية، يبدو من المفيد وضع بعض أهم الأساطير السياسية في الاعتبار، والتي تُستخدم في التأثير على الناخبين.

أصَّل المؤرخ الاجتماعي الفرنسي البارز راؤول جيرارديه لهذا الموضوع في كتابه عميق الرؤى «الأساطير والميثولوچيات السياسية» (١٩٨٦). فأدرك جيرارديه أن الأساطير السياسية في المجتمعات المعاصرة تلعب دورًا مشابهًا للدور الذي تلعبه الأساطير الدينية في المجتمعات التقليدية، في أنها تلجأ إلى التفكير الرمزي غير العقلاني. ويشير إلى أن الأساطير السياسية جزء لا يتجزأ من الأيديولوجيات السياسية، على غرار الحكايات الرمزية التي توظف الخيال الجمعي في أذهان الناس عن التاريخ الماضي والاحتمالات المستقبلية. والأساطير السياسية في معظم الأحيان هي جزء من الطقوس والاحتفالات العامة؛ مع ذلك، يُعبر عن الأساطير السياسية خلال أوقات التغيير السريع والفوضى بحركات اجتماعية غاضبة، على غرار حركة حفل الشاي الموجودة حاليًّا.

يعرِّف عالما السياسة الإيطاليان كيارا بوتيتشي وبنوا تشالاند (٢٠٠٦)؛ الأسطورة السياسية بأنها «عملية متواصلة من استخدام رواية شائعة، يمكن أن يمنح من خلالها أعضاء جماعة اجتماعية دلالةً لظروفهم وتجاربهم السياسية.» ويشير الباحثان إلى أن ما يحدد الأسطورة بأنها «سياسية» على نحو خاص ليس محتواها، وإنما المعنى الذي تقدمه للأهداف السياسية للمؤمنين بها.

كيف يمكننا تعريف ظاهرة الأسطورة السياسية؟ الأساطير السياسة واضحة في قصص الماضي البعيد، التي تظهر لنا في قناع ذكريات تاريخية حقيقية لأحداث تبعث على الفخر لدى الأمة. وهذه القصص إنما هي روايات استعارية، تتألف خيوط حبكتها من مزيج من الأحداث الحقيقية والأساطير الشعبية والمبالغات والتحريفات والخيال الصرف. ويُعبر عنها في معرض الحديث عن الموضوعات الثقافية المتكررة، وتنشأ وتنتقل بعدة أشكال من وسائل الإعلام الترفيهية، مثل: الكتب والرسوم الهزلية والتلفزيون والأفلام. وكذلك تظهر هذه الموضوعات الثقافية في الاحتفالات العامة والخطابات والطقوس وفي كتب التاريخ الدراسية. وتلعب الثقافة الشعبية دورًا مهمًّا في نشر هذه الأساطير السياسية، ونشر تأثيرها على عامة الناس. وبينما تعد الأساطير السياسية جزءًا لا يتجزأ من الثقافة الشعبية، فإنها نادرًا ما يُعبر عنها على نحو مباشر في الأيديولوجيات الحزبية السياسية، بل يمكن أن تجدها في «الكلمات الطنانة» للخطاب السياسي.

وللأسف، عادةً ما يُستخدم مصطلح «أسطورة» ليشير إلى قصة مزيفة؛ مع ذلك، يمكن أيضًا فهم الأسطورة على أنها كناية عن الواقع. ورغم أن أجزاء الأسطورة السياسية ربما تكون اختلاقًا تامًّا، فإنه يمكن التحقق من صحة أساطير أخرى من خلال البحث التاريخي الجاد. ولكن يجب ألا تصرف الأجزاء الخيالية للأساطير السياسية انتباهنا عن حقيقة أن هذه الأساطير حقيقية، من حيث إن لها تأثيرًا واقعيًّا على الطريقة التي نحيا بها. فهي تشكِّل طريقة تفكير الناس في السلوك السياسي، مثل: التنظيم والتصويت وترويج السياسيات المعنية بالسياسة. وتبقى الأساطير السياسية وتتطور لأنها تخدم الحاجات النفسية لملايين من البشر. وعندما يتطور موضوع الأسطورة، فإن المؤمنين بها يعدِّلونها لتتناسب مع الظروف الراهنة وآمالهم للمستقبل.

تُفهم الأسطورة السياسية — شأنها شأن أي أسطورة — على أفضل نحو لها بوصفها عملية اجتماعية لا تنتهي تمامًا على الإطلاق. وللأساطير السياسية أوجه شبه عامة مع الأساطير المعاصرة (أو الحضرية) التي لها تأثير سياسي. وتتضمن بعض أمثلة ذلك أسطورة المؤامرة اليهودية (كوهن، ٢٠٠٦)، وأسطورة عبدة الشيطان (فيكتور، ١٩٩٣)، وأسطورة سرقة أعضاء الأطفال (كامبيون-فنسنت، ٢٠١١). ومن خلال نسج خيوط حبكة روائية متواصلة التطور، ينقل لنا السلوك التعاوني أساطير سياسية ومعاصرة. وتستند بعض الأساطير المعاصرة إلى قصص عمرها قرون، كما هي الحال مع الأساطير السياسية. مع ذلك، يوجد اختلافات بين هذه الأساطير والأساطير السياسية؛ فالأساطير المعاصرة تنتشر عن طريق الشائعات على نحو رئيس، مع أن بعضها يُكتب في الكتب وفي قصص الأفلام. كما أنها تخدم حاجات نفسية واجتماعية مختلفة: ففي حين أن الأساطير السياسية تعمل على بث الفخر في نفوس الناس، فإن الأساطير المعاصرة تعمل على تقديم مبرر للمخاوف الغامضة.

وعادةً ما تلهب الأساطير السياسية الحس القومي والاعتزاز بتفوق الأمة، وتحيي أيضًا الفضائل المدنية والتضحية بالذات من أجل الأمة. (والأساطير الوطنية وأساطير التأسيس هما مصطلحان آخران للظاهرة الاجتماعية نفسها.) وعادةً ما تصوِّر الأساطير السياسية نضالات الناس حفاظًا على أصلهم وفضائلهم الخاصة والسلوكيات اللازمة للبقاء على قيد الحياة؛ فهي توفر مُثلًا قومية ينبغي أن يكافح الناس من أجلها، وغالبًا ما تقدم أبطالًا — شأنها شأن كل الأساطير — تعدُّهم قدوة للسلوك الأخلاقي. وفي معظم الحالات، تضفي الأساطير السياسية الشرعية على سلطة الجماعات المهيمنة في المجتمع (ميلر، ١٩٩٥). مع ذلك، يمكن لبعض الأساطير السياسية أن تضفي شرعية على استياء جماعات الأقليات أيضًا.

الأساطير السياسية الفرنسية

نادرًا ما تُقرأ معظم الأساطير السياسية بعين متشككة؛ فهي كالأساطير الدينية عادةً ما تحظى بالتأييد دون دليل. ومن ثم، يُعد إدراك الأساطير السياسية لدول أخرى أسهل من إدراك أساطير دولة الشخص نفسه.

إن «أسطورة الثورة» مثال على الأسطورة السياسية التي يتمحور حولها فهم الثقافة الفرنسية. وصُنعت هذه الأسطورة في مرجل الثورة الفرنسية، ولكنها لا تزال حية في الثقافة الفرنسية الحالية. وتسلط أسطورة الثورة في جوهرها الضوء على الصراع الطبقي بين طبقة البائسين المحرومين وطبقة الأثرياء والأقوياء التي تتمتع بالامتيازات. وكان شعار «تسقط قوانين الامتيازات» شعارًا رأيته مرسومًا على حائط مدرسة الفنون الجميلة في باريس خلال أحداث عام ١٩٦٨. وظلت رسالته تتكرر في الأدب الفرنسي، وفي الأفلام، وفي الأغاني الفرنسية، والخطابات السياسية الاشتراكية، وفي المظاهرات السياسية في شوارع باريس بصفة شبه يومية، وحتى في المسرحيات الموسيقية في الثقافة الشعبية، مثل «البؤساء». (ولكن خفت حدة البلاغة الثورية في كلمات النسخة الإنجليزية في هذه الرواية.)

أما «أسطورة المقاومة» فهي أسطورة سياسية فرنسية أخرى. في الثقافة الشعبية اليوم، يُرجِع الفرنسيون أصولهم لا إلى قبائل الفرنك الجرمانية، وإنما إلى القبائل الغاليَّة السلتية (الغاليين) الذين قاوموا الغزو والاحتلال الروماني ببسالة. وتشجع هذه الأسطورة الاستقلال والحكم الذاتي ضد السلطة المهيمنة، بالرغم من كل الصعاب. والنموذج البطولي لجان دارك يوضح مُثل المقاومة ضد قوة أجنبية مهيمنة. ويُعتقد أن جان دارك — الفتاة المراهقة من مقاطعة لورين — قادت جيوشًا من أجل تحرير فرنسا من الهيمنة الإنجليزية؛ وكان رمز مقاومة ديجول للاحتلال الألماني لفرنسا هو صليب لورين. وكذلك تمثل جان رمزًا للحزب القومي الفرنسي — حزب «الجبهة الوطنية» — الذي يبجل جان في احتفالاته أمام تمثالها البرونزي اللامع في ميدان الأهرامات في باريس. وتركز أيديولوجيتهم على مقاومة «غزو» فرنسا (بمعنى الهجرة إليها) من جانب العرب والأفارقة السود من المستعمرات الفرنسية السابقة.

حتى وسائل الترفيه الشعبية الساخرة تعكس أسطورة المقاومة. فتقود إحدى أكثر الشخصيات شعبيةً في سلسلة الكتب الهزلية الفرنسية المصغرة — «أستريكس الغال» — القرية الغاليَّة القديمة الوحيدة القادرة على مقاومة الاحتلال الروماني (بالذكاء والشجاعة والجرعات السحرية). ويمكن رؤية النقد الفرنسي لغزو الثقافة الأمريكية لفرنسا — من خلال الأطعمة السريعة المسببة للبدانة والأفلام العنيفة وموسيقى الراب الكارهة للنساء — في ضوء نموذج الكفاح من أجل الاستقلال عن قوة اقتصادية مهيمنة.

الأساطير السياسية الأمريكية

من السهل أن نشكك في أسطورة سياسية إذا كنا لا نؤمن بها، و«أسطورة قضية الكونفدرالية الخاسرة» أحد الأمثلة على تلك الأساطير (جالاجر ونولان، ٢٠٠٠). فتصور هذه الأسطورة قضية الجنوب في الحرب الأهلية على أنها قضية نبيلة، قادها رجال شهام، وحارب من أجلها متطوعون شجعان سعيًا لتحقيق مبدأ حقوق الولايات. ووفقًا للقصة، فإن جيوش الشمال ذات القوة الوحشية فاقت جيش الجنوب عددًا وطغت عليه. وتؤكد الأسطورة أن الحرب الأهلية لم تنشب بسبب قضية الرق، وأن معظم الرقيق في الجنوب كانوا يُعاملون معاملة حسنة. واختُلقت الأسطورة واستمرت في الأدب الشعبي وفي الخطابات السياسية للساسة الجنوبيين وفي الاحتفالات التذكارية، وزاد انتشارها عن طريق أفلام مثل «مولد أمة» و«ذهب مع الريح». ودعمت هذه الأسطورة نفوذ ذوي البشرة البيضاء خلال عصر جيم كرو؛ ومع ذلك، بعد نجاح حركة الحقوق المدنية، طُعن على صحة القصة وفقدت مصداقيتها تدريجيًّا، غير أنها لا تزال حية اليوم فيما بين المحافظين ذوي البشرة البيضاء في الريف الجنوبي.

تؤثر أسطورتان سياسيتان مهمتان في الوقت الحالي على الديناميكيات السياسية الأمريكية: هما «أسطورة الحدود» و«أسطورة الهجرة». وتميل رمزية أسطورة الحدود إلى إلهام السياسيين المحافظين، بينما تجذب المُثُل العليا لأسطورة الهجرة السياسيين الليبراليين.

أشار المؤرخ فريدريك جاكسون تيرنر بوضوح إلى أسطورة الحدود في مقاله الصادر عام ١٨٩٣ بعنوان «أهمية الحدود في التاريخ الأمريكي» (تيرنر، [١٨٩٣] ٢٠٠٩). وادعى تيرنر أن تسوية وضع الحدود أسفرت تدريجيًّا عن ثقافة أمريكية مختلفة عن الموجودة في أي مكان آخر في العالم. وأشار إلى أن المستوطنين الأوائل الذين وصلوا للساحل الشرقي في القرن السابع عشر كانوا يفكرون ويتصرفون مثل الأوروبيين؛ مع ذلك، فإنهم واجهوا بيئة مختلفة كثيرًا عن البيئة التي عاشوا فيها في أوروبا؛ إذ وجدوا غابات برية وسكانًا أصليين عدائيين، والأكثر أهمية من ذلك أنهم وجدوا أراضي مجانية أو رخيصة يزرعونها. وبينما تقدموا أكثر وأكثر نحو الغرب، أصبحت المناطق الحدودية مكانًا أعاد تشكيل ثقافتهم؛ بحيث إن كل جيل تالٍ آخذٍ في طريقه نحو الغرب أصبح أقل اتسامًا بالسمات الأوروبية وأكثر اتسامًا بسمات أمريكية واضحة. وادعى تيرنر أن الثقافة الأمريكية الجديدة كانت أكثر ديمقراطية وأكثر مساواة وأقل ثقة في السلطة الحكومية، وأكثر فردية وأكثر عنفًا من أي ثقافة في أوروبا. فتطلبت من الأمريكيين أن يتحلوا بالمزيد من الاعتماد على الذات والاستقلال الشخصي والقدرة على تحمل الظروف القاسية. وأسهمت أفكار تيرنر في الاعتقاد الشائع بأن الشعب الأمريكي شعب فريد من نوعه ومتفوق على غيره وذو فضيلة. وقدم الرئيس رونالد ريجان رمزًا مثاليًّا لهذه الأسطورة السياسية في المثل العليا، التي أعلن إيمانه بها بارتدائه قبعة رعاة البقر باعتبارها تأييدًا سياسيًّا لذلك.

وأسطورة الحدود هي في الأساس أسطورة تأسيس وطني تدور حول شخصيات الناس الذين صنعوا أمريكا. وتحكي الأعمال الأدبية الشعبية والراقية — على غرار أعمال جيمس فينيمور كوبر — تحديات وصراعات تسوية الحدود الغربية، عندما كانت الحدود تتخطى قليلًا الساحل الشرقي، ولعبت دورًا في التطور التدريجي لأسطورة الحدود. وبعد ذلك، قدمت الروايات والأفلام الغربية المليئة بالحركة والبرامج التلفزيونية قصصًا أخلاقية عن رجال شجعان يؤثرون العزلة دُعوا لمحاربة الأشرار. وكانت معظم هذه القصص تتبع خيطًا واحدًا — الخير ضد الشر — وغالبًا ما كانت تبرز الأشرار ذوي البشرة الداكنة؛ عادةً الهنود أو المكسيكيين. ودائمًا تقريبًا، كان «الأخيار» من الأنجلو-أمريكيين ذوي البشرة البيضاء. ومن المفارقة أن كثيرًا من ممثلي الأفلام الغربية — اليهود والإيطاليين الذين عاشوا في بروكلين — كانوا يُمنحون أسماءً أنجلو-أمريكية في الأفلام. وكان هذا هو تأثير أسطورة الحدود على الهيمنة الثقافية الأنجلو-أمريكية حتى ستينيات القرن العشرين.

أما أسطورة الهجرة، فتتجسد في العبارة المبتذلة «إننا جميعًا مهاجرون». لا تركز هذه القصة على نضال الأفراد فحسب، ولكن أيضًا على كفاح الكثير من الجماعات العرقية التي جاءت إلى أمريكا بحثًا عن الحرية السياسية والدينية وفرص التقدم الاقتصادي. وظهرت أسطورة الهجرة في وقت أحدث من أسطورة الحدود، مع أن جذورها تعود لأول استيطان للأنجلو-أمريكيين في أمريكا الشمالية. ونشأت الأسطورة من خبرات ملايين المهاجرين الذين أتوا إلى أمريكا من جنوب وشرق أوروبا بدايةً من ثمانينيات القرن التاسع عشر. مع ذلك، لم تبدأ الثقافة الشعبية في تصوير موضوعَي الهجرة والانتماء العرقي من منظور رومانسي، إلا في أواخر سبعينيات القرن العشرين، بعد نجاح حركة الحقوق المدنية. وألَّف الجيل الثالث من الأمريكيين الكثير من الكتب والأفلام الشهيرة على هذا النحو؛ نتيجة شعورهم بشيء من الحنين لجذورهم الثقافية الضائعة. كما أدت حركة الفخر بالأعراق إلى ظهور الكثير من الكتب والأفلام المتعاطفة مع الأفارقة الأمريكيين والأمريكيين الأصليين. وقدمت هذه المنتجات الثقافية رؤية جديدة لأمريكا، لا تندمج فيها الأقليات العرقية اندماجًا تامًّا في الثقافة الأنجلو-أمريكية، بل تحتفظ ببعض التميز البارز. وتحتفي الثقافة الشعبية الجديدة بالتنوع العرقي بدلًا من التوافق مع ثقافة الأنجلو.

والآن، لدى المتحدرين من الأوروبيين الجنوبيين والشرقيين، والكاثوليكيين، واليهود؛ قصةٌ تعبر عن السبب في كون أمريكا أمة متفردة ومتميزة فيما بين الأمم. ففي الثقافة الشعبية وأقوالها المبتذلة، لطالما كانت أمريكا ملجأً للفقراء والمضطهدين من جميع أرجاء العالم، فتصور الثقافة الشعبية الولايات المتحدة على أنها الدولة الوحيدة التي ترحب بالمهاجرين من كل بلدان العالم، وتدعي أن أمريكا تجذب مهاجرين أكثر من أي دولة أخرى. وتقول أغنية نيل دايموند مؤيدةً الفكر نفسه: «من كل مكان في العالم يأتون إلى أمريكا.» فجوهر هذا الاعتقاد هو «نحن الأمريكيين كلنا مهاجرون». وتشير الرسالة المحورية لأسطورة الهجرة إلى أن المجتمع الأمريكي مجتمع متسامح يرحب بالآخرين على نحو فريد، لأن أمريكا هي الأمة الوحيدة التي يتألف نسيجها من كثير من مختلف الجماعات الدينية والعرقية والثقافية المتنوعة. ولا تتمحور هذه الأسطورة حول مجرد فرصة كسب الكثير من المال؛ فهي تعبر عن المثل العليا للتسامح والعدالة الاجتماعية، التي تلهم في الوقت الراهن الأمريكيين الذين جاء أسلافهم من أفريقيا عبيدًا، إضافةً إلى المهاجرين الجدد من آسيا وأمريكا اللاتينية. إن المثل العليا التي أعلنها الرئيس أوباما وأصوله العرقية المختلطة جعلته رمزًا مثاليًّا لهذه الأسطورة.

المؤمنون والمتشككون

ربما يمكن التحقق علميًّا من بعض الأحداث التاريخية المحددة التي تظهر في الأساطير السياسية، وربما يشير المؤمنون بهذه الأساطير إلى هذه الأحداث بوصفها دليلًا على ارتباط الأسطورة بالوقت الحاضر. وحتى إذا كانت بعض الأحداث المعينة زائفة، فسوف يرى المؤمنون بالأسطورة أن المثل العليا فيها ذات مغزى، تمامًا كما يفعل الناس مع المثل العليا في الأساطير الدينية، لأن المثل العليا للأسطورة هي أهم الأشياء للمؤمنين بها. وسوف يتشبث بعض المؤمنين المتمسكين بآرائهم بالطبع بأن كل القصص الأسطورية الخاصة بالماضي حقيقية، متجاهلين أو حتى رافضين أي ظروف ماضية بائسة تتعارض مع مثلهم العليا السياسية الرئيسة. وفي بعض الأحيان، كانت كتب المدارس الثانوية الأمريكية — لهذا السبب — تخضع لرقابة حراس الفضيلة القوميين اليمينيين (مكينلي، ٢٠١٠).

تقدم الكثير من الأساطير السياسية صورة قومية مشوهة للواقع. فعلى سبيل المثال، يتعارض الادعاء بأن تجربة الحدود الأمريكية صنعت شعبًا فريدًا من نوعه، مع حقيقة أن الكثير من البلدان الأخرى — على غرار كندا وأستراليا ونيوزيلاندا وجنوب أفريقيا والمكسيك والبرازيل — امتلكت «حدودًا» اشتملت على غابات، وكانت تأوي سكانًا أصليين عدائيين رُحِّلوا من وطنهم بفعل الغزاة الأوروبيين. فكل تجربة مع الحدود مميزة عن نظيراتها؛ فكندا على سبيل المثال كان لديها حكومة فيدرالية تنظم استيطان الأراضي وترسل شرطة الخيالة الملكية الكندية (التي يطلق عليها «ماونتيز») لإنفاذ القانون قبل وصول معظم المستوطنين، ومن ثم تقلل من الفوضى والصراع مع الأمريكيين الأصليين.

ويتعارض الادعاء بأن المجتمع الأمريكي طالما كان مجتمعًا متسامحًا يرحب بالآخرين على نحو لا مثيل له مع أدلة التحيز الصارخ والتعصب الأعمى الواضحة، بدءًا من العنصرية ضد السود والأمريكيين الأصليين، ثم التحامل على الكاثوليكيين والأيرلنديين، إلى كراهية الصينيين، والقائمة تطول. وعلى النقيض أيضًا من الادعاء بأن الولايات المتحدة فريدة من نوعها في أنها ترحب بمهاجرين أكثر من أي بلد آخر، فإن الأدلة تشير إلى أن الكثير من الدول الصناعية تستقبل أعدادًا كبيرة من المهاجرين. وأشار تقرير حديث للأمم المتحدة إلى أنه فيما يخص النسبة المئوية للمهاجرين بالنسبة للسكان، فإن النسبة في أستراليا تبلغ ١٩٫٩ بالمائة، وفي كندا تبلغ ١٨٫٧ بالمائة، وفي الولايات المتحدة تبلغ ١٢٫٨ بالمائة، وفي ألمانيا تبلغ ١٢٫٣ بالمائة، وفي السويد تبلغ ١٢٫٣ بالمائة، وفي فرنسا تبلغ ١٠ بالمائة (إدارة الأمم المتحدة للشئون الاقتصادية والاجتماعية، ٢٠٠٦).

تثير معظم الأساطير السياسية شكوكًا قليلة، فتظل قصصها متداولة ويُسلَّم بصحتها بديهيًّا لأنها تؤدي أدوارًا مهمة في النظام الاجتماعي. وتلفت شكوك الباحثين الجادين — المدربين ليكونوا مؤرخين أو علماء اجتماع أو علماء سياسة — الانتباه إلى التناقض بين الادعاءات التي لا جدال فيها حول صحة القصص وبين الأدلة التي تشير إلى أن الكثير من الادعاءات والقصص الداعمة للأساطير هي مبالغات وبهتان مبين.

شكر وتقدير

يوجه المؤلف الشكر والتقدير للأشخاص التالي ذكرهم، لقراءتهم النقدية لنسخ هذا المقال: روبرت بارثولوميو، وفيرونيك كامبيون-فنسنت، وإريك جود، وجاري ألان فاين، وجوناثان أوبريان.

المراجع

  1. Bottici, Chiara, and Benoit Challand. 2006. Re-thinking political myth: The clash of civiliza-tions as a self-fulfilling prophesy. European Journal of Social Theory 9(3): 315-36.
  2. Cohn, Norman. 2006. Warrant for Genocide: The Myth of the Jewish World Conspiracy and the Protocols of the Elders of Zion. London: Serif Publishing.
  3. Campion-Vincent, Veronique. 2011. Organ Theft Legends. Jackson: University Press of Missis-sippi.
  4. Gallagher, Gary W., and Alan T. Nolan, eds. 2000. The Myth of the Lost Cause and Civil War History. Bloomington: Indiana University Press.
  5. Girardet, Raoul. 1986. Mythes et Mythologies Poli- tiques. Paris: Editions du Seuil.
  6. McKinley, James C. 2010. Texas conservatives win curriculum change. New York Times (March 13): A10.
  7. Miller, David. 1995. On Nationality. New York: Oxford University Press Turner, Frederick W. (1893) 2009. The Significance of the Frontier in American History. New York: Penguin Press.
  8. United Nations Department of Economic and Social Affairs. 2006. World Population Policies, 2005.
  9. Victor, Jeffrey. 1993. Satanic Panic: The Creation of a Contemporary Legend. Chicago: Open Court Press.
03 Dez., 2015 01:26:09 PM
0