Direkt zum Inhalt

«ميم» المؤامرة

الكثير من نظريات المؤامرة ما هي إلا نظريات سخيفة، لكن بعضها معقول والبعض الآخر ينطوي على بعض أوجه الحقيقة.

 تتسم نظريات المؤامرة بأنها سهلة النشر وصعبة التفنيد. فعقب ازدهار هذه النظريات في مجالَي السياسة والدين، انتشرت كذلك في مجالَي العلم والطب. ومن المفيد التفكير في عملية وضع نظريات المؤامرة على أن «ميم»، وهي ترجمة الكلمة الإنجليزية meme بمعنى اختراع ثقافي ينتقل من عقل إلى آخر ويزدهر أو ينحسر من خلال عملية تشبه الانتقاء الجيني (وكان دوكينز أول من ابتكر هذا المصطلح عام ١٩٧٦). تتنافس ميم المؤامرة مع الميمات البلاغية الأخرى، مثل: ميم النقاش العادل وميم الخبرة العلمية وميم مقاومة الأعراف.

إن المنطق الرئيسي لميم المؤامرة هو التشكيك — على أساس افتراضي عادةً — في كل شيء تقوله «الصفوة» أو تفعله، والمطالبة بإجابات فورية وشاملة ومقنعة لكل الأسئلة. وتعتبر الإجابات غير المقنعة دليلًا على خداع تآمري. وخير مثال على هذا فيلم «تغيير فضفاض ١١/٩: انقلاب أمريكي» (إفري، ٢٠٠٩)، الذي بدأ في صورة فيديو قصصي قصير في عام ٢٠٠٥ عن الهجمات على مركز التجارة العالمي، والذي تم تسويقه على أنه فيلم وثائقي يبحث عن الحقيقة. وقد انتشر الفيديو الصادر عام ٢٠٠٥ كالنار في الهشيم على الإنترنت، وشاهده أكثر من عشرة ملايين شخص. ويطرح فيلم «التغيير الفضفاض» سلسلة طويلة من الأسئلة موضَّحة بمعلومات تحمل بين طياتها نية محددة، مثل حقيقة أن الحرائق في مركز التجارة العالمي لم تولد حرارة كافية لتذيب الصلب. إلا أن أحدًا لم يزعم أن الصلب قد ذاب، وإنما ارتفعت درجة حرارته بما يكفي ليضعف وينهار، وهذا ما حدث. ويعرض الفيديو حقيقة أن دائرة الإيرادات الداخلية بالولايات المتحدة تحافظ على سرية الإقرارات الضريبية لأشخاص محددين، مع إضافة خلفية موسيقية تنذر بوقوع أعمال شريرة. هذا رغم الحقيقة المعروفة للجميع، وهي أن دائرة الإيرادات الداخلية تحافظ على سرية الإقرارات الضريبية للجميع.

وهكذا عندما يُفضَح زيف حقيقة مزعومة، عادةً ما تستبدل بها ميمُ المؤامرة حقيقةً أخرى. فقد قال كوري رو — أحد منتجي الفيلم: «إننا لا نقول: إن كل ما نقدمه صحيح ١٠٠ بالمائة، فنحن نعلم بوجود أخطاء في الفيلم الوثائقي، بل وقد تركناها بالفعل حتى يرفض الناس تصديقنا ويبحثون في الأمر بأنفسهم» (سلينسكي، ٢٠٠٦).

وعندما تُعزَّز ميم المؤامرة بتدفق منتظم لمقاطع الفيديو «البديلة» والكتابات المتحيزة، يمكن أن تصبح أسلوبًا معتادًا في التفكير. فمن يؤمنون بمؤامرة معينة يزيد احتمال إيمانهم بالمؤامرات الأخرى (جورتزل، ١٩٩٤؛ كرامر ١٩٩٨). وقد تحدَّاني شاب يعتبر نفسه أحدَ منظري نظرية المؤامرة لمناقشة نظرية واحدة للمؤامرة معه في الأسبوع، وهذا يشمل نظريات عن الأغذية المعدَّلة وراثيًّا، والسموم العصبية في اللقاحات، ومرض الإيدز، وأحداث الحادي عشر من سبتمبر عام ٢٠٠١. وقد عبَّر عن «إيمانه الحقيقي» بوجود «وجه للحقيقة» في كل نظريةِ مؤامرة تقريبًا، وادَّعى أنه بمجرد فهم ذلك الوجه من أوجه الحقيقة، يكون كل ما عليك فعله هو «توصيل النقاط ببعضها لتكوين صورة».

وقد قام منظرو نظرية المؤامرة بتوصيل العديد من النقاط. فتتراوح الاثنتان والتسعون نظريةَ مؤامرةٍ الواردةُ في دليل صدر حديثًا (ماكوناتشي وتدج، ٢٠٠٨) في موضوعاتها ما بين توت عنخ آمون ولعنة الفراعنة، وبروتوكولات حكماء صهيون، وطقوس التعذيب الشيطانية، إلى التآمر المزعوم لمجلس العلاقات الخارجية واللجنة الثلاثية والعائلة المالكة البريطانية. وتشتمل النظريات الأخرى على طوائف دينية، أو عمليات اختطاف من قِبَل كائنات فضائية، أو مخططات إرهابية. وبعض هذه النظريات مسلٍّ فحسب، لكنَّ البعض الآخر تسبب في اندلاع حروب وبَدء تحقيقات وحمَلات إبادة جماعية قُتل فيها الملايين.

تزعم المؤامرات العلمية والتكنولوجية عادةً إساءةَ استخدام العلم من قِبل الحكومة أو الجيش أو الشركات الكبرى. وتشمل مزاعمَ غريبة بأن الجيش قد قمع التكنولوجيا التي بإمكانها أن تجعل السفن الحربية غير مرئية، وأن شركات السيارات أو البترول تمتلك تكنولوجيا خفية تستطيع تحويل الماء إلى بنزين، وأن الجيش لديه شراكة سرية مع كائنات فضائية. بل وقد أشار منظرو المؤامرة إلى أن فيروس الإيدز أُنتج عن عمد كجزء من خطة لقتل السود أو المثليين، وأن الهبوط على القمر في عام ١٩٦٩ صُوِّر داخل ستوديو لتصوير الأفلام، وأن أطباء الأسنان يسعَون إلى تسميم الأمريكيين من خلال إضافة مادة الفلورايد إلى إمدادات المياه العامة. هذا، ويزعم منظرون آخرون أن موظفي الشركات ومسئولي الصحة العامة يطمسون الأدلة على أن المواد الحافظة في اللقاحات تسبب مرض التوحُّد، وأن المواد المصنوعة من السليكون التي تستخدم في عمليات زرع الثدي تسبب مرض النسيج الضام (سبكتر، ٢٠٠٩؛ والاس، ٢٠٠٩).

وتتضمن نظريات المؤامرة مزاعمَ بأن شركة كبرى للأدوية أخفت تقارير تشير إلى أن عقَّارها الرئيسي المضاد للالتهاب يتسبب في الإصابة بنوبات قلبية وسكتات دماغية (سبكتر، ٢٠٠٩)، وأن علماء البيئة قد تآمروا من أجل منع الصحف التي يراجعها النظراء من نشر أبحاث أجراها باحثون يشكون أن الاحترار العالمي يمثل أزمة (هايوارد، ٢٠٠٩؛ ريفكن، ٢٠٠٩). ثمة العديد من النظريات عن تآمر أطباء أو شركات أدوية من أجل حظر عقاقير طبية وفيتامينات وأطعمة صحية غير تابعة للتيار السائد. فيزعم أحد المؤلفين أن الشركات الكبرى والمؤسسة الطبية تآمرت من أجل إعاقة البحث عن علاج لمرض الإيدز حتى يستطيعوا بيع عقاقيرهم وأدويتهم غير الفعالة (نوسباوم، ١٩٩٠).

الكثير من هذه النظريات ما هي إلا نظريات سخيفة، لكنَّ بعضها معقول والبعض الآخر ينطوي على بعض أوجه الحقيقة. كيف يمكننا إذن التمييز بين غريبي الأطوار المسليين، والمُضَلَّلين بحق، والخصوم الجشعين، والمتشككين الجادين الذين يشككون في قضايا لا تحظى بإجماع كافٍ؟ في ظل المزاعم العلمية تكون الإجابة الحاسمة الوحيدة هي إعادة فحص بيانات الأبحاث الأصلية وإعادة إجراء التجارب والتحليل. إلا أنه لا يوجد من يملك الوقت أو الخبرة لفحص كتابات البحث الأصلية في كل موضوع، ناهيك عن تكرار الأبحاث. ومن ثَمَّ، فإنه من الأهمية بمكان وجود بعض الخطوط الإرشادية من أجل تقرير أيُّ النظريات معقولة بالقدر الكافي لتستحق دراسة جادة.

ومن بين الإرشادات القيمة البحثُ عن منطق متسلسل في مناقشات نظرية المؤامرة (ساستاين وفيرميولا، ٢٠٠٨). يحدث هذا عندما يرى المدافعون عن إحدى نظريات المؤامرة أنه من الضروري تضمين المزيد والمزيد من الأشخاص الذين يمكن فقط تفسير فشلهم في اكتشاف المؤامرة أو كشفها بتورطهم المزعوم. ومن الإرشادات الأخرى البحث عن مزاعمَ مبالغٍ فيها عن سُلطة المتآمرين، وهي مزاعم توجد حاجة إليها من أجل تفسير كيف تمكنوا من إخافة الكثير من الأشخاص وإخفاء آثارهم ببراعة كبيرة. وكلما زاد اتساع نطاق المؤامرة المزعومة وقوتها، قل احتمال إمكانية بقائها دون أن يكتشفها أحد.

على سبيل المثال، ادعاء أن الهبوط على القمر في عام ١٩٦٩ كان خدعة يشير ضمنًا إلى تواطؤ آلاف العلماء والفنيين الأمريكيين في الخدعة، وكذلك علماء الفلك السوفييت وغيرهم في جميع أنحاء العالم ممن تابعوا الحدث. ومن غير المعقول على الإطلاق تصديق أن مثل هذه المؤامرة يمكن أن تصمد. من ناحية أخرى، كانت نظرية تآمر عدد قليل من الأفراد في حملة ريتشارد نيكسون لاقتحام مكاتب خصومهم في مبنى ووترجيت معقولة وثبت أنها تستحق التحقيق. بالمثل، فإن نظريةَ تآمر مجموعة من علماء المناخ من أجل إخفاء أبحاث يعتقدون أنها مضللة وتضر بالسياسة العامة معقولةٌ وتستحق التحقيق، رغم الاحتمال الضئيل بأن تظل مثل هذه المؤامرة غير معروفة لمدة طويلة.

تعريف «المؤامرة»

يرجع نجاح ميم المؤامرة إلى وجود المؤامرات بالفعل في عالم الواقع. فلا يمكن رفض مزاعم وجود المؤامرات دون تفكير، لكن يصعب اختبارها؛ لأن غياب الدليل يمكن تفسيره على أنه في حدِّ ذاته دليل على مدى براعة المتآمرين في إخفائه. وأول خطوة في اختبار مزاعم المؤامرة تحديد الأمر المزعوم بالضبط. لا يوجد تعريف واحد متفَق عليه «للمؤامرة»، ويستخدم الناس المصطلح بطرق مختلفة بناءً على وجهة نظرهم. يضع قاموس أكسفورد للغة الإنجليزية تعريفًا عامًّا وواسعًا للمؤامرة على أنها «اتفاق بين فردين أو أكثر للقيام بعمل إجرامي أو غير قانوني أو مستهجن.» وهناك تعريفات قانونية للمؤامرة الإجرامية، لكن كون الشيء «مستهجنًا» إنما يعتمد على ما يراه المشاهد. فعندما أكَّدت هيلاري كلينتون أن زوجها كان ضحية «مؤامرة واسعة من حزب اليمين»، واتهم ليندون جونسون الإعلام والنشطاء الليبراليين «بالتآمر» لمعارضة سياساته المتعلقة بحرب فيتنام، كان هؤلاء المدعين يتعمدون الغموض بشأن ما إذا كانوا يشيرون إلى سلوك غير قانوني أم مجرد سلوك مستهجن (كرامر وجافريلي، ٢٠٠٥). فأي مجموعة من الأشخاص يتحدون معًا من أجل قضية لا يحبها المتحدث فربما يتهمون بأنهم «متآمرون».

إلا أن كلمة مؤامرة عادةً ما تشير أيضًا إلى شيء سري أو خفي. يعرف بيجدن (٢٠٠٦، ٢٠) المؤامرة بأنها «خطة سرية من جانب مجموعة ما من أجل التأثير جزئيًّا في الأحداث بعمل خفي.» والمؤامرات — بتعريفها هذا — تحدث قطعًا، وقد يحدث ألا يُكتشف أكثرها نجاحًا أبدًا. وتضم هذه المؤامرات: المؤامرة (الفاشلة) لاغتيال أدولف هتلر، وهجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١ الإرهابية، ومؤامرة ووترجيت. إلا أن مصطلح «نظرية المؤامرة» عادةً ما يشير إلى مزاعم بأن أحداثًا على قدر كبير من الأهمية تسبب فيها مؤامرات لم يكشف أمرها إلى الآن (كودي، ٢٠٠٦). فلا يعتبر الادعاء بأن مركز التجارة العالمي قد فجَّره تنظيم القاعدة نظريةَ مؤامرة من هذا المنظور، لكن الادِّعاء بأن من فجره هم عملاء إسرائيليون أو أن السلطات الأمريكية كانت تعلم مسبقًا بالأمر يعد كذلك. ليس هناك مجال للتوصل إلى اتفاق بشأن تعريف «رسمي»، لكن من يدَّعون وجود مؤامرة يجب تحديهم بأن يكونوا واضحين بشأن ما يقصدون.

وتشهد ميم المؤامرة أفضل فرص ازدهارها في مجالات السياسة والدين والصحافة؛ حيث يستطيع العاملون بهذه المهن النجاح من خلال جذب أتباع من عامة الشعب. وليس من الضروري أن يؤمن أصحاب هذه المهن فعليًّا بالنظرية، فربما يرونها معقولة فحسب ومفيدة في إثارة الشكوك وإضعاف الثقة في المنافسين. لكن هذه الاستراتيجية لا يجب أن تكون كافية بالنسبة للعلماء؛ فالاكتشافات العلمية تكون اكتشافاتٍ بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وليست تكهناتٍ بشأن أحداث غير مكتشفة. ويجب أن تكون هذه الاكتشافات قابلة لإعادة اكتشافها من قِبل علماء آخرين.

لا يوجد متسع لاستخدام ميم المؤامرة في عمل العلماء الروتيني؛ لأن النجاح في المهن العلمية يأتي من تطبيقات تنجح في الفوز بمنح، ومن نشر اكتشافات مهمة في المجلات التي يراجعها النظراء. فمهاجمة علماء آخرين بوصفهم متآمرين لا تساعد معظم العلماء في مهنهم، مهما كان مقدار إحباطهم من الحكام أو المحررين أو الزملاء أو الإداريين الذين يرفضون مخطوطاتهم أو مقترحات المنح الخاصة بهم أو يحرمونهم من وظائف دائمة. إلا أن ميم المؤامرة قد تكون مفيدة للعلماء البعيدين كل البعد عن التيار السائد في مجالهم، حتى إنهم يسعون للُّجوء إلى مصادر تمويل بديلة أو منافذ بديلة للنشر. كما تظهر ميم المؤامرة من حين لآخر عندما تتدهور الصحة العقلية لأحد العلماء لدرجة أنه يفقد الاتصال بالواقع.

أما المحامون — على النقيض — فلديهم مجال واسع لاستخدام ميم المؤامرة؛ لأنهم ينجحون من خلال إقناع المحلِّفين. إذ إنها تمثل جزءًا من المخزون القياسي للميمات التي يستخدمونها من أجل تكذيب الأدلة التي يقدمها جميع أنواع «الخبراء»، بما فيهم العلماء. يركز المحامون على دوافع الخبراء، وعلى من وظفهم، وعلى ما يتقاضونه نظير شهادتهم، وهكذا. كذلك فإنهم يبحثون عن «خبير» يشهد لصالحهم، مما يشير إلى أن الخبرة معروضة للبيع مقابل أعلى سعر، وأن الرأي منقسم في القضية موضع النقاش. وقد تكون المكافآت عظيمة للغاية إذا أسفرت دعوى جماعية عن تسوية ضد شركة ثرية.

مؤامرات اللقاحات

حصلت نظريات المؤامرة فيما يتعلق باللقاحات على دفعة هائلة عندما نشرت المجلة الطبية المحترمة «لانسيت» دراسة تشير إلى صلة افتراضية بين مصل الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية من ناحية، ومرض التوحد من ناحية أخرى (برجس وآخرون، ٢٠٠٦). وقد ألقى الإعلام الضوء على هذا الخبر رغم الحجم الصغير للعينة التي فحصتها الدراسة واستنتاجاتها السببية الافتراضية. وقد كان رد فعل الجمهور أكبر بكثير مما توقعته الهيئات الطبية وهيئات الصحة العامة. ومن ضمن الأسباب التي أثارت رد فعل الجمهور: الاستياءُ من الضغط على الوالدين، وانعدام الثقة في الهيئات الطبية، والطبيعة الكارثية المحتملة للخطر المتوقع على جماهير ضعيفة. وكان ثمة احتمال أيضًا في وجود تسوية لدعوى جماعية لصالح آباء وأمهات يعتقدون أن أطفالهم قد تعرضوا للأذى بسبب اللقاحات — وكان بعضهم في حاجة ماسة للمساعدة في الاعتناء بأطفالهم المصابين بالتوحد.

وكانت النتيجة هي تراجع نسبة الآباء الذين يطعِّمون أطفالهم؛ ونتيجة لذلك ارتفعت نسبة الإصابة بالمرض، خاصة في المملكة المتحدة. وقد استجابت السلطات لذلك من خلال اقتباس اكتشافات من دراسات وبائية كبرى، لكن معظم التغطية الإعلامية ركزت الضوء على سرد قصصي وقصص شخصية. وربما يعود استعادة الجماهير لثقتهم في اللقاح إلى الإفصاح عن وجود تضارب للمصالح من جانب الطبيب الذي نشر المقال الأصلي — والذي سحبته المجلة في نهاية المطاف — أكثر منه إلى تقديم دليل دامغ على عدم وجود علاقة بين التطعيم ومعدلات الإصابة بالتوحد.

عادةً ما يتغاضى منظرو المؤامرة عن الهفوات في منطق وأدلة مؤيديهم، لكنهم سرعان ما ينقضُّون على أي خطأ من جانب معارضيهم. فعندما اتُّهم باحث دنماركي رائد في مجال اللقاحات بسرقة أموال من جامعته، انقض عليه منظرو مؤامرة اللقاحات. فقد استَخدم روبرت إف كينيدي الابن — ابن النائب العام الأمريكي السابق — الحادثةَ لشجب «التستر على اللقاح» على المدونة المؤثرة التي تحمل اسم «هفينجتون بوست» (كينيدي، ٢٠١٠). فقد استبعد نتائج البحث المتعلقة باللقاحات ومرض التوحد على أساس أن هناك تغيرًا طرأ على القانون الدنماركي، إلى جانب افتتاح عيادة جديدة لمرض التوحد. وانتقد الباحثين الذين أجرَوا الأبحاث على هذا اللقاح؛ لتلقيهم أموالًا من مراكز مكافحة الأمراض واتقائها على دراساتهم، وبسبب «وجود شراكة بينهم وبين مسئولي مراكز مكافحة الأمراض واتقائها العازمين على الخداع في انتقاء الحقائق التي تثبت سلامة اللقاح.» لكن إذا لم تكن مراكز مكافحة الأمراض واتقائها قد مولت هذا البحث — إلى حدٍّ كبير استجابةً للمخاوف العامة — فإن معارضي اللقاح كانوا سيستهجنون عدم قيامها بهذا.

مؤامرات الأغذية المعدَّلة وراثيًّا

بدأ الذعر العام من الأغذية المعدلة وراثيًّا عندما ادَّعى العالم أرباد بوستاي في لقاء تليفزيوني أن الفئران قد عانت أضرارًا معوية نتيجة لتناول البطاطس المعدلة وراثيًّا (جينيتكالي موديفايد، ٢٠١٠؛ إنسرينك، ١٩٩٩). كان من الواضح أن هذا الاكتشاف مبدئي؛ فقد اشتملت كل مجموعة من أصل مجموعتين على ستة فئران فقط، وقد تناولت إحداهما بطاطس معدلة وراثيًّا لمدة عشرة أيام فقط. وكانت الآثار المعلن عنها على الفئران ثانوية، لكن الدراسة حظيت بشهرة هائلة؛ نظرًا لأنها غذَّت المخاوف التي كان ينميها منذ وقت طويل أنصار الحفاظ على البيئة والحركات الاجتماعية المناهضة للرأسمالية. ومع تطور الجدال، بدأت تطرح أسئلة حول نزاهة الدراسة، الأمر الذي دفع بوستاي إلى ترك معهد الأبحاث الذي كان يعمل به. إلا أن النشطاء المناهضين للأغذية المعدلة وراثيًّا أدانوا الانتقادات الموجهة للبحث واعتبروها مؤامرة، ونشروا التماسًا بين العلماء يدعم حقوق بوستاي. وفي النهاية، نشرت مجلة «لانسيت» دراسته، والتي لم تكن قد ظهرت بعد في مجلة يراجعها النظراء. وقد أرسلوها إلى ستة مراجعين ولم يرفض نشرها إلا واحد فحسب، ولكنَّ أحد المراجعين الذين وافقوا على النشر قال إنه «يرى الدراسة معيبة، ولكنه وافق على النشر حتى يتجنب شبهة التآمر ضد بوستاي، وليعطي زملاءه فرصة لرؤية البيانات بأنفسهم» (إنسرينك، ١٩٩٩).

عندما عرض بوستاي اكتشافاته على التليفزيون، تلقَّى اهتمامًا استثنائيًّا لدراسةٍ ربما لم تكن لتُقبل بخلاف ذلك من قِبل إحدى أهم المجلات العلمية. على الأقل، كان هذا رأي محرر مجلة منافسة تساءل: «متى كانت آخر مرة نشرت فيها [مجلة لانسيت] دراسة عن الفئران لا يمكن تفسيرها؟ فهذا يقلل المعايير حقًّا» (إنسرينك، ١٩٩٩). فنشر اكتشافات على الإنترنت أو عبر الإصدارات الصحفية يُبرَّر على أنه طريقة لإتاحة الاكتشافات المهمة بسرعة، لكنه يتحايل كذلك على عملية المراجعة العلمية الطبيعية. فأحيانًا تصبح هذه «الاكتشافات» — مثل الادعاء بأن التراجع في معدلات الجريمة بالولايات المتحدة في تسعينيات القرن العشرين كان نتيجة لتشريع الإجهاض في سبعينيات القرن نفسه — جزءًا من الحكمة التقليدية قبل أن يحصل العلماء الآخرون على فرصة لفضح زيفها (زيمرنج، ٢٠٠٦).

ميم النقاش العادل

يستشهد عادةً المنشقُّون عن التيار العلمي السائد بميم وجود جانبين في كل قضية، ولكل جانب الحق في فرصة متساوية لعرض حجته. كان من أشهر اقتراحات جورج دبليو بوش اقتراح أن يَدرس الطلاب كلًّا من نظرية التطور ونظرية الخلق حتى يستطيعوا تحديد أي منهما لديها الحجة الأكثر إقناعًا. وبالمثل، يطالب منكرو الهولوكوست بالحصول على فرصة مماثلة لعرض حجتهم، ويمكنهم السفر إلى طهران أو أي مكان آخر يستطيعون العثور فيه على جمهور يتقبل حجتهم. إذا نجح هؤلاء المنشقون — أو «المراجعون للتاريخ» — في الحصول على فرصة لعرض حجتهم؛ فإنهم سوف ينقضُّون على أي ثغرات أو تناقضات في الدليل المقدم من قِبل باحثي وجهة النظر السائدة، باستخدام خطب بلاغية تشكك في دوافع خصومهم، في حين يتجنبون أية إشارة إلى ضعف أو تحيز في حجتهم.

تُستخدم ميم الدفاع هذه على نطاق واسع في المحاكم والمناقشات السياسية، وتكون مجدية عندما تكون القضية المطروحة تتعلق بالذوق أو الأخلاق. ولكن لا يكون الأمر مجديًا للعلماء بسبب وجود إجابات صحيحة وخاطئة بصورة موضوعية لمعظم القضايا العلمية، فلا يمكن حل هذه القضايا بتصويت طلاب المدارس. فربما يكون طلاب المدارس في عام ١٩٤٥ قد اتفقوا مع التصريح الشهير للأدميرال الأمريكي ويليام ليهي أن «القنبلة الذرية لن تنفجر أبدًا، وأنا أقول ذلك بصفتي خبيرًا في المفرقعات.» لكن بمجرد انفجار القنبلة، لم يعد هناك جانبان للنقاش.

ميم الخبرة العلمية

عندما قرر الرئيس هاري ترومان متابعة مشروع القنبلة الذرية، اعتمد على ميم أخرى قوية للغاية في المجتمعات الغربية، وهي الاعتماد على الخبرة العلمية. وعلى الأرجح سيقتنع صناع القرار وعامة الناس بهذه الميم عندما يكون العلماء متفقين، وعندما يكون هناك سجل جيد لنصائحهم والتوصيات المتعلقة بالسياسة. وهناك توتر متأصل بين رغبة صناع السياسة في الحصول على إجماع للرأي، وحاجةِ العلماء في أن يظلوا منفتحين على نظريات وأدلة بديلة. وربما يتراءى للعلماء الذين يرغبون في التأثير على السياسة ادعاء وجود إجماع علمي عندما لا تبرهن الحقائق على وجود مثل هذا الإجماع.

لقد خسرنا — نحن علماءَ الاجتماع — كثيرًا من تأثيرنا المحتمل؛ لأننا كثيرًا ما يُنظر إلينا على أننا مؤيدون لقضية ما أكثر من كوننا باحثين موضوعيين. وقدرتنا على توقع نتائج السياسة محدودة للغاية، إلا أننا أحيانًا ما نقع في شَرَك ادعاء معرفة أكثر مما نعرف بالفعل. ظل علماء الاقتصاد القياسي ينشرون تحليلاتٍ متضاربةً للعلاقة بين عقوبة الإعدام ومعدلات جرائم القتل لعقود دون إحراز أي تقدم فعلي، ومع ذلك استمروا في استخدام اكتشافاتهم في الدفاع عن عقوبة الإعدام أو مناهضتها (جورتزل وجورتزل، ٢٠٠٨). عندما اقترح الرئيس بيل كلينتون إصلاحًا لنظام الرعاية الاجتماعية في الولايات المتحدة، تنبأ علماء الاجتماع المتخصصون في هذا المجال على مستوى العالم تقريبًا بزيادةٍ كارثية في معدلات الفقر والجوع نتيجة لذلك. ودافعوا في بعض الحالات عن توقعاتهم باستخدام نماذج إحصائية مفصلة، رغم أن هذه النماذج لا يوجد لها سجل مثبت للتنبؤ بتوجهات الفقر (جورتزل، ١٩٩٨). وقد أذعن الرئيس كلينتون لرأي السياسيين والنشطاء المحافظين الذين تنبئوا بأن معدلات الفقر والتبعية ستنخفض، وقد حدث هذا بالفعل.

تصادم الميمات: منكرو فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز

ظهر الصراع بين ميم النقاش العادل وميم الخبرة العلمية في الجدل بين المحرر الراحل لمجلة «نيتشر» جون مادوكس وعالم الأحياء بيتر ديوسبرج، الذي يعارض نظرية أن فيروس نقص المناعة البشرية يسبب مرض الإيدز. واعتمادًا على معايير العدالة في النقاش، طالب ديوسبرج (١٩٩٥) بحق الرد على الأبحاث العلمية التي تدافع عن الآراء السائدة بشأن العلاقة بين فيروس نقص المناعة البشرية والإيدز. وفي مرحلة معينة من النقاش، رفض مادوكس الاستمرار في إعطاء ديوسبرج «حق الرد»، مشيرًا إلى أن ديوسبرج «قد خسر حق الحصول على إجابات بسبب أسلوبه البلاغي. فكان يعتبر الأسئلة التي لا يجاب عنها لمدة أكثر من عشر دقائق تقريبًا إثباتًا آخر على أن فيروس نقص المناعة البشرية لا يسبب الإيدز. ومن ناحية أخرى، فإن الدليل الذي يناقض فرضية العقَّار البديل يُنحَّى جانبًا.» وأشار مادوكس إلى أن ديوسبورج لم يكن يطرح أسئلة علمية منطقية، بل بالأحرى يقدم مطالب ويفترض أنك «إن لم تستطع الإجابة عن هذا، وعلى الفور، فإن اعتقادك بأن فيروس نقص المناعة البشرية يسبب الإيدز خاطئ» (مادوكس، ١٩٩٣).

قال مادوكس: إن «ديوسبرج لن يكون وحده من يؤكد على أن هذا لا يزيد عن كونه وصفة لقمع الاعتراضات على الحكمة المعترف بها. وربما يكون كذلك، إلا أن مجلة «نيتشر» لن تستخدمه على هذا النحو. بدلًا من ذلك، سيُنشر ما يستمر ديوسبرج في التصريح به عن سبب الإيدز للصالح العام. فعندما يقدم للنشر نصًّا يمكن توثيقه، فإنه سينشر إن أمكن ذلك.» ونظرًا لأن مادوكس محرر في مجلة علمية، كان لديه مبرر عندما قال إنه ينشر الأبحاث التي تقدم اكتشافات جديدة، لا الأبحاث التي تنتقي الأسئلة غير المجاب عنها في أعمال أناس آخرين. إلا أن مادوكس كان واقعيًّا في إدراك أن رفضه نَشْرَ تعليقات إضافية من ديوسبرج قد يراه المؤمنون بنظرية مؤامرة الإيدز على أنه نوع من الرقابة.

ميم مقاومة الأعراف

يعتمد ديوسبرج وغيره من المنشقين أيضًا على ميم بلاغي آخر راسخ، وهو الميم الخاص بالعالِم الشجاع المستقل الذي يقاوم الأعراف. ويُقدم هذا الميم عادةً باستخدام مثال دفاع جاليليو عن نموذج مركزية الشمس في نظام المجموعة الشمسية ضد عرف الكنيسة الكاثوليكية. وتوجد حالات أخرى لعلماء منشقين ثبتت صحة كلامهم فيها بعد. ويخبرنا توماس جولد (١٩٨٩) عن مواجهته «لعقلية القطيع» في العلم عند تطوير نظرياته عن آليات عمل الأذن الداخلية وطبيعة النجوم النابضة بوصفها نجومًا نيوترونية دوارة، واللتين قُبلتا فيما بعد. ولا تعد «عقلية القطيع» هذه نتاجًا لمؤامرة متعمدة، رغم أنه يمكن رؤيتها كذلك. فهي ظاهرة سلوك جماعي؛ فالاعتقاد يُدعَّم ويصبح جزءًا من الحكمة التقليدية بسبب تكراره كثيرًا. وهذا هو سبب أهمية من يقدمون وجهات نظر مختلفة. والانشقاق عن العرف ليس صعبًا؛ بل الجزء الصعب هو أن يكون لديك بالفعل نظرية أفضل من النظرية التقليدية. ويجب نشر النظريات المنشقة إذا كانت مدعومة بدليل مقنع، لكن هذا لا يعني إعطاء النقاد «وقتًا مساويًا» للانشقاق عن كل اكتشاف يصل إليه عالم من علماء التيار السائد.

يشير مادوكس — في رده على ديوسبرج — إلى الحجة الفلسفية المرتبطة بكارل بوبر، بأن العلم يتقدم من خلال تكذيب الفرضيات. فيقول مادوكس: «إن النظريات الصحيحة الجيدة (وفقًا لبوبر) هي نظريات قابلة للتكذيب، ويمكن لتكذيب واحد أن يتسبب في انهيار نظرية جيدة.» إلا أنه يستأنف حديثه في الجملة التالية، ويستند ضمنيًّا إلى فلسفة مختلفة للعلم — ترتبط عادةً بعمل إمري لاكاتوش — وهي أن العلم عادةً ما يتقدم من خلال تصحيح برامج الأبحاث القائمة والإضافة إليها، لا تركها كلما فشلت إحدى الفرضيات. ويقول مادوكس: «لا تعد الأسئلة غير المجاب عنها تكذيبًا، بل يجب أن تكون محفزًا لمزيد من الأبحاث.»

يغير العلماء بالفعل أفكارهم استجابةً للأدلة الجديدة، ربما أكثر من غيرهم في معظم مناحي الحياة. فقد ترك لينوس بولينج نموذج اللولب الثلاثي للحمض النووي (دي إن إيه) بمجرد رؤيته الدليلَ على نموذج اللولب المزدوج. لكنه لم يتخلَّ قط عن تأييده لفيتامين ج كعلاج لنزلات البرد الشائعة والسرطان، بصرف النظر عن العديد من الدراسات التي فشلت في إظهار فَرْقٍ جوهريٍّ بين المجموعات التجريبية والمجموعات الضابطة. وجد بولينج أخطاءً في تصميم أبحاث كل دراسة، وأصر على أن النتائج ستكون مختلفة إذا أجريت الدراسة بأسلوب مختلف. وهو نفسه لم يُجرِ قط أيَّ أبحاث تجريبية على فيتامين ج، وهي أبحاث كانت ستخاطر بإثبات عدم صحة فرضياته. بدلًا من ذلك حصر نفسه على فضح زيف الدراسات العلمية المنشورة. وللأسف، ربما يُعرف بولينج أكثر لدى عامة الناس بهذا العمل أكثر من إسهاماته الأساسية التي لا جدال فيها في مجال الكيمياء. لم يدَّعِ بولينج أنه كان ضحية مؤامرة؛ ولكنه رأى نفسه في تحدٍّ مع عقلية القطيع في العلم؛ إلا أن مكانته العلمية أضفت مصداقية على من سعَوا للتشكيك في العقَّار العلمي بوصفه مؤامرةً من الأطباء وشركات الأدوية (جورتزل وجورتزل، ١٩٩٥). وعادةً ما تكون الخبرة العلمية متخصصة إلى حدٍّ ما، والعلماء المؤيدون لقضايا سياسية ذات صلة طفيفة بمجال تخصصهم لا حق لهم على وجه الخصوص في ادعاء الحقيقة.

يبدو منظرو المؤامرة عادةً أنهم يؤمنون أن باستطاعتهم إثبات خطأ إحدى النظريات العلمية من خلال العثور على خطأ ثانوي أو ثغرة في الدليل الذي يثبتها. ثم يدَّعون وجود مؤامرة عندما يحاول العلماء إصلاح الخطأ أو سد الثغرة. وإذا ثابر العلماء في عملهم — على افتراض أنه سيتم العثور على حل — فإنهم يُتهمون مرة أخرى بحياكة مؤامرة. في الواقع، فإن حالاتِ الإطاحة بنظرية علمية كاملة بسبب اكتشاف سلبي نادرةُ الحدوث وتقع على فترات متباعدة. وينطبق هذا فعليًّا على المجالات التي تعتمد على عمل نماذج إحصائية للظواهر المعقدة التي عادةً ما يكون لها نماذج متعددة متساوية في الجودة (أو السوء)، ويكون عادةً اختيار مجموعة البيانات، والقرارات المتعلقة بتصفية مجموعة البيانات مهمًّا. والاختبار الأهم للبرنامج البحثي هو ما إذا كان هناك تقدم يتم إحرازه على مدار فترة من الزمن، وما إذا كان من الممكن إحراز تقدم أفضل باستخدام منظور آخر. ويمكن قياس التقدم من خلال تراكم كيان صلب من المعرفة يمكن إثباته مع وجود احتمال كبير في صحته (فرانكلين، ٢٠٠٩).

مؤامرة تغير المناخ

حظيت ميم المؤامرة بحضور بارز على وجه الخصوص في الجدل الدائر حول الاحترار العالمي. فعندما نشرت اللجنة الدولية للتغيرات المناخية تقريرها في عام ١٩٩٦، اتهمها عالم الفيزياء البارز المتقاعد فريدريك سايتز (١٩٩٦) «بالخدعة الكبرى بشأن الاحترار العالمي» في الصفحات قبالة المقالات الافتتاحية في صحيفة «وول ستريت جورنال». لم يقدم سايتز حجةً علميةً على أن استنتاجات التقرير خاطئة، بدلًا من ذلك هاجم إجراءات اللجنة في تحرير وثيقتها، متهمًا المحررين بانتهاك قواعدهم من خلال إعادة صياغة وإعادة ترتيب أجزاء من النص بهدف إخفاء وجهات نظر العلماء المتشككين. وقد ثبتت فعالية هذه النقطة التي تبدو غير واضحة بشأن تحرير وثيقة تقنية للأمم المتحدة على نحو ملحوظ في توفير نقطة يتجمع حولها المعارضون لاستنتاجات التقرير.

وقد خلصت مراجعة متأنية للواقعة (لاهسن، ١٩٩٩) إلى أن المحررين لم ينتهكوا أيًّا من قواعدهم، وأن تغييرات التحرير كانت منطقية. فدور المحررين في نهاية الأمر هو تحرير النصوص، لا سيما عندما تكون النصوص قد كتبتها إحدى اللجان. لم تُمحَ الحجج المتشككة من التقرير، لكن تم تغيير موقعها وإعادة صياغتها، وربما هذا ما منحها تأكيدًا أقل من الذي ظن سايتز أنها تستحقه. إلا أن ميم المؤامرة كانت ناجحة في تحويل كثير من الجدل العام من جوهر الموضوع إلى نقد الأشخاص والإجراءات والدوافع. وقد شعر علماء المناخ بالهجوم عليهم وبدءوا بوضوح في النظر إلى أنفسهم على أنهم نشطاء تحت الحصار أكثر من كونهم علماء محايدين. وفي عام ٢٠٠٩، نشر متسللو أجهزة الكمبيوتر رسائل بريد إلكتروني خاصة توضح في ظاهرها أن بعض علماء المناخ مارسوا ضغوطًا على المحررين حتى لا ينشروا أبحاث المتشككين، وأن علماء المناخ قد بحثوا عن طرق من أجل تقديم بياناتهم لدعم وجهات نظرهم المؤيدة (ريفكن، ٢٠٠٩؛ هايوارد، ٢٠٠٩؛ برودر، ٢٠١٠).

يعتمد علم المناخ بشدة على نماذج إحصائية معقدة تقوم على بيانات محدودة؛ لذا ليس عجيبًا أن تقدِّم النماذج القائمة على افتراضات مختلفة نتائجَ مختلفة (شميت وأمان، ٢٠٠٥). وقد كان بعض العلماء عند تقديم نتائجهم متسرعين، حتى إنهم لم يتمكنوا من صياغة اتجاهاتهم برفق في صورة «الرسم البياني للحرارة» الذي يتناسب مع الاتجاه الذي يؤيدونه. وقد راجعت العديد من المجموعات المختلفة من متخصصين مؤهلين البيانات بعناية، وكانت النتيجة «رسم بياني للحرارة» أقل استقامة، مع وجود ارتفاع في درجة الحرارة خلال فترة من الدفء في القرون الوسطى، وانخفاضها خلال عصر جليدي صغير. لكن الارتفاع الحاد في الدفء في القرن العشرين — الذي يعد النقطة الرئيسية للتحليل — لا يزال موجودًا («جدل الرسم البياني للحرارة»، ٢٠١٠؛ برومفيل، ٢٠٠٦).

ولا يتسع المجال هنا لاستعراض جوهر المسألة، والذي حظي بنقاش مكثف في هذه المجلة. ورغم هذا، من الجوانب المشجعة أنه رغم مرارة هذا النقاش عن سلوك العلماء، فإنه يوجد إجماع كبير على مسألة الاحترار العالمي نفسها. يقول أحد النقاد الموثوق بهم — على سبيل المثال — صراحة: إن «تغير المناخ ظاهرة حقيقية، وتوجد مخاطرة لا يستهان بها في وجود عواقب كبرى في المستقبل» (هايوارد، ٢٠٠٩). لكن لا يوجد إجماع للآراء حول مدى ارتفاع هذه المخاطرة، أو مدى سرعة احتمال تحققها، أو تكلفة الاستراتيجيات اللازمة للتصدي لها أو مدى فائدتها.

أما النقاد الأقل إحساسًا بالمسئولية، فينبذون هذه القضية ببساطة بوصفها خدعة، ويركزون بشكل حصري على هفوات الجانب الآخر. وقد أعطى علماء المناخ منظري المؤامرة مدخلًا من خلال إتاحة المجال لتأييدهم لتشويه علمهم، مما عرض مصداقية عملهم للخطر، وللمفارقة! أضعف الحركة السياسية نفسها. وهذا مؤسف بشكل خاص؛ لأن العلم الأساسي صحيح في جوهره.

عواقب المؤامرة

ربما يميل العلماء — عندما يواجهون هجمات على مصداقيتهم المهنية — إلى الانسحاب من عالم السياسة العامة. إلا أن السماح لمنظري المؤامرة بالهيمنة على الجدل العام يمكن أن تكون له عواقب مأساوية. فالخوف من العلم والإيمان بالمؤامرات أدى بالآباء البريطانيين إلى تعريض أطفالهم لأمراض تُعرِّض حياتهم للخطر؛ وأدى بوزارة الصحة في جنوب أفريقيا إلى رفض علاجٍ بالفيروسات القهقرية لمرض الإيدز، وأدى بحكومة زامبيا إلى رفض الأغذية المعدلة جينيًّا من الولايات المتحدة في غمرة التعرض لمجاعة. والخوف من العلم ليس بالأمر الجديد، فقد كان بنجامين فرانكلين خائفًا من تطعيم عائلته ضد الجدري، وندم على هذا بشدة عندما توفي ابن له من المرض في عام ١٧٣٦. واليوم، يرتكب الآباء الخطأ نفسه!

أحيانًا تجد مجموعاتُ التأييدِ أن إثارة المخاوف من العلم أسهل من الدفاع عن أهداف أخرى ربما تكون فعليًّا أكثر أهمية لمخاوفهم. فقد كان النشطاء المناهضون للرأسمالية والمناهضون للشركات والمناهضون للأمريكان هم من حشدوا الحركة المناهضة للأغذية المعدلة جينيًّا في أوروبا إلى حدٍّ كبير؛ إذ إنهم رأوا أن هذا الأسلوب أكثر فعالية من مهاجمة رأسمالية الشركات مباشرةً (بوردو، ٢٠٠٠؛ سكورمان، ٢٠٠٤). وتحظى هذه الأيديولوجيات بدعم أقل بكثير في أمريكا الشمالية، وكانت جهود الحشد المناهض للأغذية المعدلة جينيًّا هناك أضعف بكثير. فسكان أمريكا الشمالية لم يعانوا أي آثار صحية سيئة واضحة بسبب إدخال هذه الأغذية في نظام غذائهم، وهي حقيقة تتجاهلها عمدًا منظمة السلام الأخضر وغيرها من مجموعات التأييد الأخرى. ويتوقع المرء أنه إذا كانت البذور المعدلة جينيًّا قد ابتكرتها إحدى الحكومات الاشتراكية، فإن مجموعات التأييد هذه كانت ستعلن أنها انتصار عظيم في الحرب ضد الجوع.

تتطلب السياسة العامة التوصل إلى إجماع آراء من أجل اتخاذ قرارات، رغم أن بعض الشك عادةً ما يبقى. وإذا لم يستطع العلماء فعل ذلك، فإن توقع قيام السياسيين أو الصحفيين به أمر مبالغ فيه قطعًا. وجهود تحديد ماهية إجماع الآراء عرضة للهجوم من قِبل منظري المؤامرة الذين يصوِّرون إجماع الآراء على أنه آلية لقمع المعارضة والنقاش. لكن سيظل دائمًا المعارضون موجودين، وفي مرحلة معينة يصبح الجدال معهم غير مثمر. في عام ١٨٧٠، سمح ألفريد راسل والاس لنفسه بالانخراط في صراع مطول مع الباحث في النظرية القائلة بأن الأرض مسطحة جون هامبدن، وهو محرر مجلة «تروث سيكرز أوراكل وسكريبتورال ساينس ريفيو». وقد اشتمل جدالهم حول ما إذا كانت الأرض كروية أم لا على قياس درجة انحدار الماء في قناة أولد بيدفورد في إنجلترا. وكان هناك رهان علني فاز به والاس، تلاه رفع قضية عندما رفض هامبدن سداد قيمة الرهان، وتهديد ضد حياة والاس، وحكم بالسجن على هامبدن. ولم يقتنع هامبدن وأتباعه قط بأن الأرض ليست مسطحة، ومن الواضح أن الاعتقاد في «مؤامرة كروية الأرض» موجودة إلى يومنا هذا (جاروود، ٢٠٠٨؛ أونيل، ٢٠٠٨).

لن يصل العلماء قط إلى إجماع للرأي مع أنصار نظرية أن الأرض مسطحة أو مع من يعتقدون أن الأرض قد خلقت في عام ٤٠٠٤ قبل الميلاد، ولا حاجة لهم بذلك. فأفضل ما يستطيع العلم تقديمه هو درجة محددة بوضوح من إجماع الرأي بين العلماء الذين يبنون استنتاجاتهم على بيانات تجريبية. وقد أعيقت جهود التوصل إلى إجماع للآراء بشأن قضايا مهمة بسبب تأثير فلاسفة العلم الذين يؤيدون برامج الأبحاث المتصارعة، والتحولات النموذجية والثورات العلمية (فرانكلين، ٢٠٠٩؛ ستوف ١٩٨٢). ورغم أن هذه الأحداث توجد بالفعل في تاريخ العلم، فإنها استثنائية. فمعظم العلوم — أغلب الوقت — تتقدم من خلال التراكم المنظم والتدريجي للمعرفة التي يُقرُّها ويقبلها المتخصصون في المجال. فالمعارضة المتأصلة في المخاوف الدينية أو الأيديولوجية مقبولة كجزء من العملية السياسية الديمقراطية، لكنها لا ينبغي أن تمنع العلماء من التوصل إلى إجماع للآراء عندما يكون ذلك مبررًا.

مراجعة النظراء

تلعب عملية مراجعة النظراء في الدوريات العلمية دورًا محوريًّا في تحديد اكتشافات الأبحاث التي تستحق تضمينَها في الإجماع العلمي على قضية ما. ومن ثَم، فإن هذه العملية مستهدفة من قبل منظري المؤامرات. وعادةً ما يكون النظراء المراجعين مجهولي الهوية؛ مما يشير إلى أنه ربما يوجد لديهم ما يخفونه. رغم أن أسماء المؤلفين عادةً ما تمحى من على الدراسات التي تُراجع، فإن المراجعين غالبًا ما يكونون متخصصين في المجال نفسه، ويمكنهم دومًا تخمين هوية المؤلفين. ولا يكون المراجعون في وضع يخوِّلهم رصد تزييف فعلي؛ فلا يستطيعون إعادة تنفيذ التجارب أو تحليل البيانات. وربما يرفضون أبحاثًا تتعارض مع الحكمة التقليدية أو الإجماع السياسي في مجالهم (فرانكلين، ٢٠٠٩، ٢٠٥-١١). ولم يُقترح بديل مناسب لمراجعة النظراء، لكن ربما تساعد المبادرات التي تهدف إلى جعل عملية المراجعة أكثر شفافية، بما في ذلك جعل تعليقات المراجعين والبيانات الأصلية متاحة على الإنترنت.

تم التقليل من شأن مصداقية مراجعة الأقران في الجدل الحالي حول الاحترار العالمي؛ لأن المراجعين مأخوذون من مجموعة صغيرة إلى حدٍّ ما من المتخصصين المعروفين بأن لديهم أجندةَ سياسات. فتعيين لجان من علماء بارزين من أجل مراجعة متن البحث في المجال يعد خطوة ممتازة لإعادة بناء المصداقية (برودر، ٢٠١٠). يجب أن يتوافر للِجان المراجعة وصول كامل لكل مجموعات البيانات، بالإضافة إلى الوقت والخبرة لإجراء تحليلها الخاص عند الحاجة، وهو الأمر الذي لا يتوقع عادةً من المراجعين المتطوعين في إحدى المجلات. من المهم أن يعطي هؤلاء المراجعون للمتخصصين المؤهَّلين فرصةَ تقديم وجهات نظر بديلة، طالما أن وجهات النظر هذه تعتمد على تحليل علمي لبيانات مناسبة، لا مجرد نقد جدلي. ومع ذلك، بصرف النظر عن كفاءة عمل هذه اللجان، فمن المحتمل أن تتعرض للهجوم من قِبل منظري المؤامرة.

فإذا أقرَّت اللجان العلمية رفيعة المستوى نتائجَ البحث الأصلية — ربما مع بعض التحذيرات الطفيفة — سيقتنع العديد من الأشخاص. لكن ربما يلجأ من لديهم آراءٌ قوية تجاه القضية إلى منطق تسلسلي، شكًّا منهم في أن لجنة المراجعة جزءٌ كذلك من المؤامرة. ويمكن تطوير المنطق التسلسلي بسهولة إلى عدم ثقة في أي شيء يأتي من مصدر يتعلَّق بالتيار السائد أو طبقة النخبة. في الماضي، توصلت الدراسات النفسية الاجتماعية إلى أن هذا النوع من الاعتقاد السائد في المؤامرات كان أكثر شيوعًا بين المستائين من المؤسسات القائمة ومجموعات النخبة في مجتمعهم، والذين يعتقدون أن الظروف تسوء بالنسبة لأشخاص مثلهم، والذين يعتقدون أن السلطات لا تهتم لأمرهم (جورتزل، ١٩٩٤؛ كرامر، ١٩٩٨).

تستطيع ميم المؤامرة تحويلَ أي قضية علمية جامدة إلى دراما إنسانية يمكن فيها كشف المجرمين واتهامهم. والعلماء غير مدربين على التعامل مع هذا النوع من النقاش، ولا يوجد سبب للتوقُّع أنهم سيبرعون في هذا الأمر على وجه الخصوص. وإذا كانت لديهم آراءٌ قوية أيضًا تجاه القضايا، فمن المحتمل أن يقعوا بأنفسهم في ميم المؤامرة. لكن عندما يستسلم العلماء إلى إغراء «محاربة النار بالنار»، فإنهم يخاطرون بفقدان مصداقيتهم كخبراء. وقد يكون من المغري المبالغةُ في الاكتشافات في منافذ وسائل الإعلام باستخدام رسومات بيانية تلقي الضوء على أكثر الاحتمالات تطرفًا. وقد يكون هذا فعَّالًا على المدى القريب، لكنَّ العامة يشعرون بالخداع عندما يُفنِّد إصدار صحفي غدًا ما أحدث ذعرًا اليوم، فيضعف إيمانهم بالعلم. وفي ظل المناخ السياسي الحالي، يحتاج العلماء إلى الحذر بشأن نشر اكتشافاتهم بشأن القضايا الجدلية، فيجب أن يتأكدوا من أن الاكتشافات قد خضعت لمراجعة شاملة وأن مجموعات البيانات متاحة للآخرين لتحليلها.

في النهاية، ستعكس القرارات السياسية قطعًا المصالح الاقتصادية والمخاوف العاطفية التي تتناقض مع ما يعتقد العلماء أنه الأفضل. لكن يمكن للعلماء أن يصبحوا أكثر فعالية، إذا تجنبوا استخدام ميم المؤامرة وغيرها من الأدوات البلاغية الأخرى، وفصلوا بوضوح — بدلًا من ذلك — بين عملهم العلمي وتحيزهم السياسي كمواطنين.

13 Dez., 2015 09:31:13 PM
0