Direkt zum Inhalt
لبنان المفارقات والضروريات.. مازن كرباج يروي بالكوميك مآسي بيروت

يعد مازن كرباج واحدا من المبدعين الموسوعيين اللبنانيين الذين لا يمكن أن تختزلهم في هوية فنية، فهو القاص والرسام والفنان البصري والموسيقي، غير أن ما يجمع وجوه مازن كرباج هو ارتباط كل نشاطه الفني والأدبي بلبنان ومآسيه. منذ إطلاق يومياته سنة 1999 إلى غاية نشر كتابه الأخير "سياسة" بالفرنسية في دار "أكت سيد" الفرنسية. وهو كتاب آخر يضعه في نقد الشأن اللبناني في فترات مختلفة. عرف مازن كرباج من خلال الصحف العربية والعالمية (النهار والأخبار ولوريون ليترير ولوموند ديبلوماتيك) التي احتضنت تجربته الخاصة والتي اكتشفتها الصحافة من خلال مدونته الإلكترونية التي كان ينشر بها أعماله. ولكن عالميا عرف من خلال يوميات حرب يوليو/تموز 2006 التي تابعها يوما بيوم في جريدة الأخبار عبر رسوماته التي جمعها بعد ذلك في كتابه الشهير " بيروت لن تبكي" (2015). الكوجيتو القاتل تنطلق فلسفة رائد الفلسفة الحديثة الفرنسي رينيه ديكارت (1596-1650) من ارتباط الوجود بالتفكير عبر "الكوجيتو" الشهير "أنا أفكر، إذن أنا موجود" وهو بذلك يعلي من شأن العقل باعتباره المشكل الأساسي للإنسان والدال عليه. فحتى الجسد لا يمكن أن يعلن عن وجوده إلا من خلال إدراك العقل له. يقول "إنني لست مقيما في جسدي كما يقيم الملاح في سفينته، ولكنني متصل به اتصالا وثيقا، ومختلط به بحيث أؤلف معه وحدة منفردة، ولو لم يكن الأمر كذلك، لما شعرت بألم إذا أصيب جسدي بجرح، ولكني أدرك ذلك بالعقل وحده، كما يدرك الملاح بنظرة أي عطل في السفينة." وانطلاقا من مقولة الشك كآلية لإدراك العالم والذات بنى ديكارت نظريته والفلسفة العقلانية عامة. يوهم كرباج في الغلاف الأمامي للكتاب الذي جاء يحمل عنوانا رئيسيا "سياسة" وصورة نصفية لوجه رجل ملتحي يصرخ بعبارة "أنا أفكر" بأننا أمام محاكاة للكوجيتو الديكارتي. لكن مازن كرباج ينسف في العتبة الثانية في الصفحة الأولى من الكتاب كل عقلانية ديكارت. حيث تتراجع الكاميرا لتأخذ المشهد كاملا، الرجل نفسه الذي بالغلاف يصرخ بالعبارة الديكارتية "أنا أفكر" وقد اجتث رأسه وعبارة "أنا لم أعد موجودا". هكذا يهيئنا الفنان لمقاربة الوضع اللبناني خارج النسق الديكارتي أي خارج العقلانية عندما ربط، منذ الصفحة الأولى، التفكير بالهلاك، ليضع حتمية جديدة للإنسان المفكر عبر كوجيتو سوريالي جديد " أنا أفكر إذن أنا لم أعد موجودا" وارتبط التفكير في لبنان بالموت بأشكاله ووجوهه المختلفة. عدم عقلانية السياسة اللبنانية يقارب كتاب مازن كرباج فنيا مواضيع شتى منها حرية التعبير وعبودية العاملات الأجنبيات والطائفية والعلمانية المشوهة والحرب الأهلية، حرب تموز، وحرب أهلية صغيرة (7 أيار)، وحرب سوريا واللاجئين والدين والجنس والمخدرات. الكتاب مترجم للفرنسية وقد أعاد مازن كرباج رسم بعض الرسومات للتوافق مع متطلبات النشر في الكتاب. وضمن تلك التجربة الفنية يكتشف فداحة السياسية ووجها الدميم عندما تصبح رسوماته القديمة التي أرخت لكوارث وأحداث اعتقد أنها طارئة واستثنائية وتاريخية أنها ظلت صالحة دائمة للوضع، اليوم وغدا بسبب تواصل السياسة نفسها. يقول في حوار معه معلقا على هذا الحدث: "وأنا أتصفح الرسومات التي رسمتها قبل عشرين سنة لأعدها لكتاب اكتشفت للأسف أن كل رسم وكأنه رسم اليوم". اعلان كرباج الفنان الحر إن حرية كرباج لا تظهر في عدم التزامه بجنس أدبي أو فن بعينه، وأنه كان يطوع الفنون لتكتب ذاته وليس العكس، لأن حريته تتمثل أيضا في شجاعته في الاقتراب من خط النار، المواضيع الأكثر حساسية في لبنان التي أطاحت برؤوس كثيرة منها سمير قصير الذي يخصه بقسم من الكتاب. ويعترف كرباج، في حوار معه، أنه طرد أو أوقف من جميع رؤساء التحرير في الصحف العربية والعالمية باستثناء سمير قصير. لذلك خصه بيوميات تحت عنوان "أسبوع من دون صوت سمير قصير"، يوميات وضعها بعد 15 سنة على اغتياله ليذكر العالم أن قضية سمير قصير ما زالت مفتوحة وحية مادام الجناة لم يحاكموا وما دامت القضايا التي كان يدافع عنها سمير قصير ما زالت قائمة. أعاد مازن كرباج قوة الصورة وقوة تأثيرها عبر الشرائط المصوّرة، وكأن بفن الشريط المصور يرث فن الكاريكاتير كما أسس له رسام الكاريكاتير الفلسطيني الراحل ناجي العلي المرتبط بنقد وتفكيك الذهنية السياسية ولكنه منفتح أيضا على كل ما هو ثقافي واجتماعي وديني لأن كل ذلك يصب في إدارة المشهد السياسي. استطاع كرباج عبر فن الشريط المصور أن ينقل لنا المفارقات التي يعيشها المشهد اللبناني بين شعب ما بعد حداثي يعيش في نظام سياسي جاهلي. رسوم للفنان اللبناني مازن كرباج من كتاب "سياسة". لبنان المفارقات ينتقد مازن كرباج سلوك البرجوازيين والطبقات الغنية عامة من مآسي الشعب حيث يلتقون في الفضاءات الفاخرة يلبسون أغلى ما تطرحه الموضة ليتحدثوا عن لوعتهم من أثر الحرب، ففي صورة تحت عنوان "الحياة في السواد" تجيب سيدة على أخرى تجلس إليها ترتشفان القهوة ذكرتها برعب الانفجارات بألا تذكرها لأنها أصبحت متعبة نفسيا بسبب أنها طوال الوقت صارت تلبس الأسود وتظهر على جنبيهما حقيبتين من ماركات عالمية. كاريكاتير فرنسي في كتاب "سياسة". وفي صورة أخرى بعنوان "لبنان: الضروريات في الشتاء"، نرى صورة قميص مع تعليق للأوقات الجميلة وسترة مع تعليق للأوقات السيئة وصورة لسترة واقية من الرصاص مع تعليق لكل الأوقات. في إشارة إلى الخوف الذي يعيشه اللبناني طوال الوقت. وفي قصة "وفي هذه الأثناء لبنان" يسخر كرباج من وعي اللبناني الذي لا يعي تخلف نظامه السياسي فيقدم عبر ٥ صورة ٥ أوضاع للعالم العربي عبر التلفزيون، حيث تظهر الجماهير الثائرة في التلفزيون المصري والتلفزيون الليبي والتلفزيون التونسي والتلفزيون السوري وأما التلفزيون اللبناني يظهر مواطن لبناني يتابع كل شيء ويقول "ليته كان لنا دكتاتور ليثور عليه الشعب". وفي نقده لموقف المثقفين في المهجر واستقالتهم من أدوارهم تجاه وطنهم يرسم كرباج صورة كبيرة في طرفها كتب "في باريس"، يظهر فيها مثقف لبناني يجلس مرتشفا كأسه وهو يقول "حان وقت عودة المثقفين إلى لبنان"، وتحت الصورة الرئيسية شريط أسود كتب في طرفه "في بيروت" وفي الطرف الآخر يظهر شاهد قبر كتب عليه "المرحوم". وفي نقده لحرية التعبير يرسم كرباج تحت عبارة "نعم لحرية التعبير" شخصيات العسكري وممثل عن المسيحيين وممثل عن المسلمين ورئيس الدولة ليضع تحتها قائمة طويلة بالمحظورات . يشتغل كرباج في أعماله على السخرية وإبراز المفارقة التي يعيشها اللبناني في شتى الحقول، الاجتماعية والثقافية والإعلامية والسياسية، ولا يكاد كرباج يترك ملمحا من ملامح الحياة اليومية اللبنانية دون أن يطالها بنقده الساخر الذي يبرز فداحة العيش في لبنان، في ظل نظام سياسي طائفي أدى إلى إعطاء المشروعية لكل المفارقات وارتكاب كل الحماقات التي تأسس عليها واقع الفساد في لبنان والذي أدى اليوم إلى حالة الإفلاس التي أدت بدورها إلى هذا الانفجار الكبير الذي يعيشه اليوم. تبدو أعمال كرباج في البداية كأنها محاولة لتثبيت اللحظة بحكم أنه يقارب عبر فن اليوميات المصورة أحداثا بعينها ولكن تكرر هذه الأحداث يجعل من العمل الفني متجاوزا لحظته التاريخية ليصبح عملا تأمليا في أوضاع قائمة ومستمرة في الزمن، فالحرب الأهلية لا تغادر الأذهان كما لا تغادر الممكن لذلك تذكر الحرب الأهلية الصغيرة 7 مايو/أيار 2008 بالحرب الأهلية الكبرى، وهي بذلك تنحو أن تكون فكرا وثقافة تقف في وجه السلم الأهلي والتغيير السياسي، فكل محاولة للتغيير تسحب فيها البنادق القديمة، مذكرة بهشاشة الوضع وصلابة الدول الطائفية التي ترزح تحتها دولة لبنان. بيروت 2050 لا يهادن كرباج حتى وهو يرسم "بيروت 2050″ التي يراها وقد وصلت قمة الاستلاب عندما يفقد شعبها التكلم بالعربية ولا حتى الفرنسية التي تصبح لغة غريبة، ولا يتكلمون إلا الإنجليزية. شعب فقد التعامل بعملته النقدية الوطنية وأصبح يتعامل رأسا بالدولار. يقول كرباج في أحد الحوارات " أشعر أني فقدت الشرعية لأني أنتقد ما يحدث في لبنان لأني أعيش بألمانيا"، مذكرا أنه كان ينتقد من يتحدثون عن الوضع الداخلي من أماكن إقامتهم الآمنة في الخارج. فهل يستطيع فعلا أن يسكت كفنان عما يمر به لبنان وهو في برلين؟ مازن كرباج يرد على سؤالنا عبر مدونته وصفحته على فيسبوك بعمل جديد بتاريخ 30 يونيو/حزيران يرسم فيه صورة ساخرة عن انقلاب شعارات الثورة من "كلن يعني كلن"، إلى "كلنا يعني كلنا " حيث يظهر الشعب بكل طوائفه مع لافتات مرفوعة "مسروقين" و"مفلسين" و"مذلولين" و"محرومين"، في تأكيد من كرباج أن الإقامة في السؤال اللبناني ليست مرتبطة بالإقامة فيه فالبلد الأكثر تهجيرا في العالم والذي يعيش ضعف سكانه خارجه، لا يمكن إلا أن يصنع لبنان آخر خارجه. وبتاريخ 4 أغسطس/آب ينشر كرباج عملا يمثل رأسا منفجرا في كادر تلفزيون في نشرة الأخبار وتعليق "رأسي غير قادرة على استيعاب ما حدث" وتحت في شريط صغير "بيروت اختفت". فكيف نقرأ هذا العمل الجديد في مقابل يومياته في حرب يوليو/تموز التي وضعها تحت عنوان فيه الكثير من التحدي "بيروت لن تبكي"؟ هل صورة الرأس المنفجر في الكتاب منذ سنوات تحاكي صورة الرأس المنفجر الثانية التي تروي انفجار بيروت؟ هل كان كتاب مازن كرباج نبوءة لما عاشته بيروت 2020 وأن انفجار بيروت كان نتيجة الثورة؟ وهل الثورة غير التفكير الذي حذر منه في كتابه "سياسة"؟ بقليل من التحوير سنكتب عوضا عن كرباج ونحن نتذكر كل الثوار الذي حصدهم الرصاص والتفجير في لبنان من سمير قصير إلى جبران تويني إلى رفيق الحريري إلى الطفلة ألكسندرا نجار " أنا أثور، إذن أنا لم أعد موجودا". المصدر:الجزيرة

15 Aug., 2020 11:55:59 AM
0