رياض سيف يكتب لوطن .. الوجع العربي في رواية المرساة للكتاب أشرف ابو غربية
بأسلوب سهل وسلسل جمع الكاتب أشرف ابو غربية في روايته (مرساة) ما بين القدس وعمان وبغداد وشخوص من عالمنا العربي في فترة من أحرج الفترات التي مرت على أمتنا العربية خلال حرب الخليج التي غيرت مجرى التاريخ العربي بسقوط آخر معاقل الصد العربي أمام جبروت قوى الشر.
ورغم حيادية المؤلف تجاه المواقف بطرح الواقع على حقيقته دون تحيز لجهة، إلا أن الموقف الوطني كان واضحاً في مسار الرواية، فسارة زوجة الميكانيكي عوض، مرتبطة بالقدس كونها المولد والأهل الصامدون على ثراها، وعوض من عمان تتداخل في مساماته كل تفاصيلها الجميلة، فهو من خلال سكنه وزوجه في جبل الجوفة، يطل على معالمها ويتمتع بجمال موقعها.
الحب بين سارة وعوض يزيد عمقاَ مع الايام،وتجلل الحب بجنين ينتظرونه بفارغ الصبر.
ولأنهما لم يتعودا الفراق، فقد كانت المهمة التي أوكلت لعوض عام 1990 من السفر إلى العراق كابوس كبير.
كانت المهمة تقتضي من عوض السفر إلى بغداد في عمل للشركة التي يعمل بها مقابل مبلغ مغرٍ، وكان عوض أحوج الى هذا المبلغ لتسيير حياة عائلته لمواجهة التزاماته المستقبلية، ولذا سافر على مضض، حتى إذا ما قاربت مهمته على الإنتهاء و تجهز للعودة إلى حبيبته، دخلت القوات العراقية إلى الكويت، وجند كل فني لخدمة آليات الجيش العراقي في الكويت، ومن ضمنهم العاملين في شركة أبو جاسم المنتدب لها.
آ
ولأن عوض رفض الأمر كونه أردني ولا علاقة له بالصراعات بين الأطراف. فقد آتهم بالعمالة والخيانة وزج في غياهب سجن أبو غريب حيث مورس عليه كل أشكال التعذيب.
وكان للأحداث في العراق وقع الصدمة على زوجته سارة التي لم يكن لها معين في الدنيا سوى جارتها الكركية ام ربحي. حتى إذا ما حان موعد الولادة وكانت سارة من الضعف والعنت ما أثر على صحتها وفارقت الحياة بعد ولادة إبنها. تبنت أمر بحي الطفل وعادت به إلى الكرك لتعيش مع اختها الكبيرة. وكبر الصبي عبد الله وهو يظن أن والدته أم ربحي، وأن والده قد توفي منذ سنوات.
وما أن أصبح عبد الله شاباَ جامعياً عرف الحقيقة كاملة. وأدرك أن والده ربما لم يمت. وبحثاً عن جذوره عاد إلى المنزل الذي ولد فيه في جبل الجوفة يسأل كبار السن عن والده، بعضهم أكد وفاته وبعضهم شكك في وفاته.
تخرج عبدالله من كلية الحقوق وعمل في مجال المنظمات الانسانية، ومن خلال مراجعاته وقعت بين يديه مقابلة مع السيد شحاته المصري أحد الناجين من سجن ابو غريب تحدث فيه عن ظروف اعتقاله وطرق التعذيب البشعة التي تعرض لها والتي أدت بالبعض إلى الموت أو فقدان الذاكرة، وذكر فيما ذكر رفيقا له في الزنزانة أردني يدعى الميكانيكي عوض، حيث تم إطلاق سراح المعتقلين عام 2003م.
اتصل عبد الله بصديق له بالحدود والإقامة يسأله أن مر عليه اسم عوض عبدالله. وبعد بحث أخبره صديقه أن عوض دخل الحدود الأردنية في شهر 11/2008م. مما جدد الأمل لدى عبد الله بأن والده ما زال حياً.
أما عوض فقد أمضى سنوات ما بعد السجن فاقداً للذاكرة، التقاه ابوجاسم صدفة في شوارع بغداد وكان أشعث الشعر أغبر الوجه مهلهل الثياب يسير على غيرهدى، يمد يده للمارة من أجل قوت يومه.
أخذه الى بيته وأحسن معاملته ونقله في سيارة إلى الحدود الأردنية. وبقي عوض تائهاً على وجهه في شوارع عمان أشعث الشعر أغبر يشحذ لقمة عيشه ويهيم على وجهه لسنوات. وربما هو العقل الباطن الذي أوحى لعوض ان يرتقي سلالم المدرج الروماني صاعدا الى حيث ساقته قدماه إلى موقع منزله القديم.
مما دعى رجل يعرفه منذ سنوات الاتصال بابنه عبد الله.
وكانت الصدمة شديدة على الشاب الذي ركع عند قدمي والده الجالس على العتبة وعوض ينظر إليه مستغرباً لا يستوعب ما يدور حوله. حكاية إنسانية بحبكة بسيطة سلسة أوجزت ما آل إليه الواقع العربي بكل تفاصيله، تصلح لفيلم أو مسلسل درامي يعبر عن الوجع العربي الذي امتد على خارطة الوطن العربي،ممثلة بالإنسان الذي فقد هويته وذاكرته في هذا الزمان.
*كاتب وسيناريست
المصدر: وكالة وطن للأنباء