Direkt zum Inhalt

حرب الإنترنت المخيفة تعيد أصداء سباق القنبلة الذرية

يشير التأكيد على أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت وراء الهجوم عبر الإنترنت على إيران عام ٢٠١٠ إلى أن العالم بدأ رسميًّا عهدًا جديدًا من الحرب، عهدًا يذكرنا كثيرًا بالسباق السري لصنع القنبلة الذرية وما تلا ذلك من عواقب غيرت العالم.

 

ذكرت صحيفة نيويورك تايمز كيفية قيام الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بتطوير فيروس ستاكسنت ونشره لمهاجمة المنشأة النووية الإيرانية في نيتنز. وقد احتوى الفيروس على برمجيات خبيثة تستهدف أنظمة تحكم صناعية محددة؛ من النوع الذي يدير أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في تخصيب اليورانيوم بالمحطة.

على مدار العقد الماضي، حذر خبراء أمريكيون بشدة من إمكانية قيام بعض الدول الأخرى، «الدول المارقة» أو العناصر الإرهابية بشن هجمات على البنية التحتية الأمريكية عبر الإنترنت. ولكن ما يحدث في الواقع هو أن الولايات المتحدة هي التي طورت برمجيات خبيثة ووجهتها لإصابة دولة أخرى.

تبدو أوجه التشابه بين هذا الاختراع وبين أول استخدام للقنابل الذرية ضد اليابان مرعبة. أولًا، تخترع الحكومة وعلماء رائدون نوعًا جديدًا من الأسلحة بدافع الخوف من أن يسبقهم إليه آخرون ويهددون به الولايات المتحدة. ثانيًا، هناك سوء فهم لعواقب الاستخدام من حيث كل من الدمار المادي الذي قد يسببه وتأثيراته على الأمن الدولي وديناميكيات سباق التسلح. ثالثًا، يحذر العلماء والمهندسون القادة السياسيين والعسكريين من الأخطار ويدعون إلى التعاون الدولي على وضع خارطة طريق. رابعًا، بالرغم من التحذيرات العديدة التي أطلقها الخبراء، تواصل الحكومة الأمريكية تطوير هذا النوع الجديد من السلاح، وتطلقه دون سابق إنذار ودون مناقشة علنية لتداعياته على السلام والأمن.

وهكذا، قد تكون هذه نقطة تحول أخرى ينطبق عليها رأي ألبرت أينشتاين في فترة ما بعد الحرب حين قال: «تغير كل شيء باستثناء طريقة تفكيرنا، وهذا يقودنا نحو كارثة لا نظير لها.»

أثناء الحرب العالمية الثانية، كان الحلفاء يخشون من أن تصبح ألمانيا أول دولة تصنع القنبلة الذرية، مما يسفر عن عواقب مدمرة على الحضارة. لذا، قامت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بتعبئة العلماء والمهندسين في البلدين في جو من السرية التامة لتطوير أولى القنابل الذرية. وفي النهاية لم تقترب ألمانيا من إنتاج سلاح نووي. ربما كانت مخاوف الولايات المتحدة مبالغًا فيها. ولكن تحقق الهدف الأعظم؛ حيث ربح الحلفاء سباق استغلال الطاقة الذرية في قنبلة يمكن التحكم فيها. وبدلًا من إعلان انتهاء اللعبة، قرر القادة السياسيون الأمريكيون استخدامها لحسم حربهم ضد اليابان.

لكن حتى قبل أول تفجير تجريبي، عبّر العلماء في جامعة شيكاجو عن تحفظاتهم وتخوفهم من فكرة استخدام القنبلة ضد مدنيين. تنبأ عالم الفيزياء الحائز على جائزة نوبل جيمس فرانك وغيره بأخطار السباق على امتلاك سلاح ذري بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. وفي مذكرة أصدروها بتاريخ أبريل ١٩٤٥ لرفعها إلى الرئيس هاري إس ترومان، انتهوا إلى أن السبيل الوحيد للحيلولة دون مثل هذا المستقبل الخطير هو إخضاع الطاقة الذرية لرقابة دولية.

تشكلت منظمة الأمم المتحدة إبان تلك الفترة، وظنوا أنها تستطيع القيام بدور الوصي على تكنولوجيا ومواد الأسلحة النووية. لكن للأسف، لم تؤخذ التحذيرات بعين الاعتبار. وسقطت القنبلتان النوويتان على اليابان لتحدثا دمارًا لم يسبق له مثيل، وبدأ سباق التسلح النووي رسميًّا عندما اختبر الاتحاد السوفييتي قنبلته عام ١٩٤٩.

وعلى غرار التحذيرات التي أطلقها بعض العلماء بلا جدوى من عواقب أول استخدام للأسلحة الذرية وما يعقبه من سباق للتسلح بدافع الوطنية والخوف، يحذر العلماء والمهندسون المستقلون اليوم من مخاطر حرب الإنترنت.

وللأسف، لم تلق التحذيرات من جديد آذانًا صاغية. ومرة أخرى تصرفت الولايات المتحدة بالرغم من مخاوف الخبراء، لتصبح أول دولة تستخدم بنجاح البرمجيات الخبيثة ضد دولة أخرى.

في حالة الهجمات عن طريق الإنترنت، يصعب أيضًا في هذه المرحلة المبكرة التنبؤ بمدى الدمار الذي سيصيب المجتمعات. وبينما قد لا تسبب البرمجيات الخبيثة الأهوال المباشرة التي حدثت في هيروشيما ونجازاكي، فإن الفوضى الناجمة عن تعطيل أنظمة المراقبة الجوية وتوجيه الطائرات مثلًا وشبكات الكهرباء والأسواق المالية ستسبب دمارًا واسع النطاق، وصعوبات بل وحتى الوفاة. الآن بتنا نعرف كيف تستطيع الأسلحة النووية تدمير المجتمعات؛ لكننا لم نعِ بعد كيف تستطيع حرب الإنترنت تدمير حياتنا.

غير أننا نعرف جيدًا أن الولايات المتحدة ستخسر الكثير إذا انتشرت إمكانية شن هجمات عبر الإنترنت بلا رادع في أنحاء العالم. في الواقع، تعتمد الولايات المتحدة على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات اعتمادًا كبيرًا في كل قطاعات المجتمع الأمريكي، مما يجعلها الدولة الأكثر عرضةً للانهيار بفعل هذه الهجمات. ولهذا نحتاج إلى حوار شعبي فعّال حول هذه الأسلحة الجديدة. إنه لخطر بالغ أن نترك القرارات في أيدي المسئولين العسكريين والاستخباراتيين أو خلف الأبواب المغلقة لغرفة العمليات في البيت الأبيض.

في ١٩٤٥، قرر علماء الطاقة الذرية أن الرقابة الدولية على الطاقة النووية هي وحدها القادرة على منع سباق التسلح العالمي. وفي حالة مشابهة، دعا علماء ومهندسو الكمبيوتر كذلك إلى التعاون الدولي من أجل إقامة مؤسسات للرقابة على تكنولوجيا الإنترنت والبرتوكولات لمنع نوع جديد من سباق التسلح.

لكن مع الأسف لم يُلتفَت إلى هذه التوصيات، ويبدو القادة السياسيون مرة أخرى متلهفين جميعًا إلى نشر فئة جديدة وخطيرة جدًّا من الأسلحة.

إنه لمن العجيب أن أول استخدام عسكري لحرب الإنترنت يُزعم أنه بهدف منع انتشار السلاح النووي: سيبدأ عصر جديد من الدمار الشامل في محاولة جاهدة لإنهاء مرحلة من أول عصور الدمار الشامل.

03 Dez., 2015 03:20:11 PM
0