Direkt zum Inhalt

أغرب حوت في العالم

بقَرْنه الحلزوني وطُرُقه المُراوغة، يبدو حريش البحر (ويُطلق عليه أيضًا: حوت النروال) أشبه بكائن أسطوري. تنضم إيزابيل جروك إلى رحلة استكشافية تخوض فيها مياه القطب الشمالي لرؤية هذا الحوت وجهًا لوجه.

يرجع أصل كلمة: «نروال» إلى اللغة النوردية القديمة، حيث المقطع «نر» يعني: «جثة».

حتى في منتصف شهر أغسطس، كانت منطقة ترمبلاي ساوند الواقعة في القطب الشمالي الكندي مكانًا موحشًا. فبينما تهبط الطائرة الصغيرة ألقيتُ نظرتي السريعة الأولى على وِجهتنا البعيدة المهجورة؛ إذ وجدتها تتشكل في الغالب من أكوامِ صخور والقليلِ من النباتات القصيرة. وخلال إقامتي مدة أسبوعين كان الطقس باردًا ورطبًا وعاصفًا طيلة الوقت تقريبًا؛ فما من أحدٍ يأتي إلى جزيرة بافين ليحصل على حمام شمسي.

لكن هذا هو الصيف الثالث على التوالي الذي يزور فيه جاك أور الباحث في وزارة المصائد السمكية والمحيطات الكندية هذا المكان، ويبدو أنه يألفه تمامًا، وكذلك الفريق الذي معه من علماء وأطباء بيطريين وصيادين من الإنويت، وفي لمح البصر، حوَّل أفراد الفريق الموقع إلى محطة بحثية مجهزة بالكامل؛ من خيام نوم ملونة، وخيمة مطبخ، ومختبر علوم قائم في كوخ من الخشب الرقائقي. وكآخر إجراء، نصبوا مصيدتهم؛ فبعد تثبيت أحد طرفي شبكة صيد متينة إلى الشاطئ، قفز أور في قارب، وعبَر الخليج الضيق لكي يتمكن من غمر الطرف الآخر في قاع البحر بحقيبة مليئة بالصخور. كما كان هناك ست عوامات لإبقاء الطرف العلوي من الشبكة طافيًا على سطح المياه لتشكيل ستار معلق. وكل ما أمكننا فعله بعدئذٍ هو انتظار فريستنا. الاسم العلمي لها هو: «مونودون مونوسروس»، المشتق من اللغة اليونانية ويعني: «وحيد السن، وحيد القرن»؛ إشارةً إلى الناب الحلزوني لدى ذكور هذه الحيتان، والذي قد يمتد طوله إلى ٣ أمتار. وكثير من الناس يعرفون هذه الكائنات بوحيد القرن البحري.

يوجد قرابة ٩٠ ألفًا من حُرُش البحر في البحار المتجمدة الشمالية، تعيش مجموعة صغيرة منها قبالة ساحل سفالبارد بالنرويج، لكن معظمها يقطن البحار المحيطة بجرينلاند، وكذلك توجد في الامتداد الشمالي لخليج هدسون، وفي أعالي القطب الشمالي الكندي. أما مجتمع حريش البحر الذي يقطن خليج بافين، فهو واحد من أكبر مجتمعات هذا النوع من الحيتان؛ ففي كل صيف تعود مئات حُرُش البحر إلى هذه الخلجان والمجاري المائية الضيقة، وتمثَّل هدف أور وفريقه في الإمساك بتسعة من هذه الحيتان، بينما تسبح مرورًا بموقعنا هذا، وتزويدها بأجهزة إرسال عبر القمر الصناعي.

إن أور خبير في هذا المجال البحثي؛ حيث زوَّد ٣٠٠ حوت بأجهزة إرسال على مدار الثلاثين عامًا الماضية، ومعظمها من حرش البحر والحيتان البيضاء، وهو عمل صعب يستغرق وقتًا طويلًا، ولا يمكن التنبؤ بنتائجه، لكنه يستحق الجهد من أجل فهم ذلك الحيوان المراوغ فهمًا أفضل. ودراسة حريش البحر شديدة الصعوبة؛ ذلك أنها تقضي كل شتاء في الجليد البحري القطبي الكثيف، وفي ظلام دامس؛ لذا فالتعقب بالقمر الصناعي أمر بالغ القيمة في إطار جهود معرفة المزيد عن هذه الحيوانات.

ماس بيتر هايدِه يونسن — باحث آخر من معهد جرينلاند للموارد الطبيعية — يدرس حرش البحر منذ عقدين، وباستخدام تقنية التعقب عبر القمر الصناعي وجد أن حرش البحر تتميز بأنماط هجرة محددة للغاية؛ فعامًا بعد عام يباشر كل سرب نفس مسار الهجرة في فصلَيِ الربيع والخريف، متنقلًا بين مناطق تغذيته الشتوية في الجليد البحري والمناطق الساحلية التي يقضي فيها موسم الصيف (انظر الخريطة). إن هذه الحيوانات التي يدرسها أور تغادر جزيرة بافين الشمالية في الخريف، مهاجرةً جنوبًا إلى مضيق ديفيز؛ حيث تقضي الشتاء في التغذية على أسماك الهليبوت في جرينلاند، ثم تعود في الصيف اللاحق. ويقول هايدِه يونسن: «ستذهب إلى الأماكن ذاتها التي دائمًا ما تذهب إليها؛ لأنها مبرمجة على القيام بهذا.»

رحلة عبر الزمهرير: يتميز حريش البحر بأنماط هجرته المحددة للغاية؛ حيث إن كل سرب يعود إلى نفس الأماكن كل عام في موسمي الصيف والشتاء.

رحلة عبر الزمهرير: يتميز حريش البحر بأنماط هجرته المحددة للغاية؛ حيث إن كل سرب يعود إلى نفس الأماكن كل عام في موسمي الصيف والشتاء.

إن حُرُش البحر بارعة في شقِّ طريقها في بيئة القطب الشمالي القاسية والبقاءِ على قيد الحياة فيها؛ ففي الشتاء تجتاز الجليد البحري عبر الصدوع والتشققات الصغيرة. وتقول كريستين لايدرِه الباحثة بجامعة واشنطن بسياتل: «إنني لأشعر بالذهول حين أرى مدى السرعة التي يتغير بها الجليد؛ ففي خلال ساعة واحدة يمكن أن ينغلق الشق أو يتجمد تمامًا، لكن الحيتان تعرف ذلك بطريقة ما؛ إذ ترصد التغير، وهي بارعة جدًّا في شقِّ طريقها عبر هذه المناطق دائمة التغير.» ويتضح لنا أيضًا أن هذه الحيتان هي أحد أنواع الحيتان التي تغوص إلى أغور الأعماق، حيث سجَّلتْ عمقًا قياسيًّا يبلغ ١٨٠٠ متر، مما قد يساعدها في البقاء بعيدًا عن المتاعب.

ومع ذلك؛ فإن أي تجمد مفاجئ يمكن أن يضع حريش البحر في مأزق؛ فبين عامَيْ ٢٠٠٨ و٢٠١٠، كانت ثمة بلاغات عديدة عن انحشار حُرُش بحر في الجليد البحري في خليج بافين، عاجزةً عن الطفو إلى السطح للتنفس، وفي البداية ظن العلماء أن ظروف الجليد البحري المتغيرة قد تكون هي المسئولة، لكنهم اكتشفوا أن هذه الحوادث تزامنت مع إجراء مسوح زلزالية على الخليج. وحرش البحر بالغة الحساسية للضوضاء، وقد عرف الصيادون في جرينلاند هذه الحقيقة لقرون؛ لذا فهم يقتربون من هذه الحيتان في الزوارق الجلدية (الكاياك)؛ لأن الحيتان تختفي إذا ما استُخدمت القوارب ذات المحركات الخارجية المزعجة. ويعتقد هايدِه يونسن أن الضوضاء الصادرة عن البنادق الهوائية (المستخدمة في المسوح الزلزالية) ربما عملت على تعطيل هجرة حريش البحر؛ مما تسبب في عودتها إلى الأماكن التي تقضي فيها موسم الصيف؛ حيث باتت حبيسة الثلوج سريعة التجمد، التي أصبحت في هذا الوقت تغطي سطح البحر، ويستخدم هو ولايدرِه حاليًّا التسجيلات الصوتية وأجهزة رصد معدل نبضات القلب من أجل فهمٍ أفضل للكيفية التي يتلقَّى بها حريش البحر الأصوات ويستجيب بها إلى الضوضاء الصادرة عن الأنشطة البشرية.

في شهر أغسطس لا تغيب الشمس عن سماء جزيرة بافين؛ ولذا صرنا نعمل على مدار ٢٤ ساعة في اليوم في نوبات، مدة كل منها ٣ ساعات، لمراقبة الشبكة وأخذ الحذر من الدِّبَبة القطبية. ومع أنه غالبًا ما تسبح المئات من حُرُش البحر مرورًا بذلك الموقع؛ فإن أيًّا منها لم يقع في الفخ، وهنا تَمثَّل نشاطنا الأساسي في انتظار اصطدام أحد الحيتان بالشبكة، وعندما يقع أحدها في الشبكة، كان من الضروري أن نتصرف بسرعة كي لا يغرق. فأخدنا نراقب وننتظر، مستدفئين من البرد بالملابس الثقيلة.

وفي هذه الحالة التأملية، راقبنا الموجودات المحيطة. إن صحاري القطب الشمالي الباردة زاخرة بالألوان بدرجة مدهشة؛ إذ تنمو على الصخور نباتات الحزاز ذات اللون البرتقالي الساطع، وثمة أيضًا نباتات كاسر الحجر الصفراء والصفصاف القطبي ضئيل الحجم، ومن بين النباتات الخشبية كافة يقع هذان في أقصى أعالي الشمال، كذلك تكتسي الأرض هناك بعظام حيوانات، بعضها بدا لنا عتيقًا جدًّا، فوجدنا بقايا حوت مقوس الرأس، وأجزاء من جمجمة حريش بحر، وحوض فقمة حلقية، وفكَّيْ رنة وقَرْنها؛ كل ذلك متناثر على الأرض في مشهد فني مذهل.

في لحظة ما، هبت عاصفة واضطررنا إلى جذب الشبكة؛ فقد كانت محاولة جر حوت إلى الشاطئ خطيرة. كم كانت الرياح شديدة، حتى إنني خشيت أن تمزق خيمتي! تحملنا عبء المزيد من الانتظار، لكننا هذه المرة انتظرنا حتى تمر العاصفة.

تتغير المنطقة القطبية الشمالية بسرعة كبيرة؛ فمنذ عام ١٩٧٩، ذاب قرابة مليوني كيلومتر مربع من الجليد البحري الدائم على مدار السنة، وبهذا المعدل من المتوقع أن يصبح المحيط المتجمد الشمالي خاليًا من الجليد في صيف عام ٢٠٥٠ تقريبًا. فهل يستطيع حريش البحر البقاء على قيد الحياة في عالم بدون جليد؟

لا يبدو الأمر على ما يُرام؛ فقد وَجَدَتْ دراسة تقارن بين حساسية ثدييات القطب الشمالي البحرية المختلفة لآثار التغير المناخي أن حريش البحر هو أكثر الأنواع حساسيةً بسبب توزيعه المحدود، واعتماده على الجليد البحري، وسلوكه الغذائي المركز، وتتمثل إحدى المشكلات في أن ذوبان الجليد البحري خلال فصل الصيف يفتح منطقة صيد جديدة للحيتان القاتلة؛ فالحيتان القاتلة — بزعانفها الظهرية الضخمة — ليست متكيفة جيدًا على السباحة في المياه المغطاة بالجليد، لكن ثمة مناطق في شرقي القطب الشمالي الكندي باتت متاحة لها الآن بعدما كان دخولها ممنوعًا من قبل. وهذا يزيد من مخاطر أن تصبح حُرُش البحر غذاءً للحيتان القاتلة.

من المشكلات أيضًا الكيفية التي سيؤثر بها ذوبان الجليد البحري وارتفاع درجات الحرارة على الأسماك التي يتناولها حريش البحر. في خليج هدسون — على سبيل المثال — أدى الاحترار إلى زيادة أعداد أسماك الكبلين وانخفاض أعداد القد القطبي على مدار العقود الثلاثة الأخيرة، ولا يعرف العلماء إذا ما كان حريش البحر، الذي لا يتغذى إلا على حفنة من الأنواع من بينها القد القطبي يمكن أن يتحول إلى التغذية على أنواع أخرى من الفرائس، لكن ثمة بصيص من الأمل؛ فبمقارنة النظم الغذائية لمجتمعات حريش البحر في خليج بافين وشمال خليج هدسون والساحل الشرقي لجرينلاند؛ وَجَد فريق بقيادة كورتني وات الباحثة بجامعة مانيتوبا بمقاطعة وينيبيج في كندا أن حُرُش البحر تأكل أنواعًا مختلفة من الطعام بحسب المكان الذي توجد فيه، وتقول كورتني: «إن هذا يرجح أنها قد تكون قادرة على ملاءمة سلوكها الخاص في البحث عن الغذاء وفقًا للتغير في توافر الفريسة.»

كذلك يتيح ذوبان الجليد البحري فرصًا للتنمية الصناعية والشحن التجاري في المنطقة. وقد أبلغ بيتر يونز — من الصندوق العالمي للطبيعة بكندا — وزملاؤه عن التداخل المثير للقلق بين هذه الأنشطة وتوزيع ثلاثة أنواع من الحيتان؛ وهي: حُرُش البحر والحيتان البيضاء والحيتان مقوسة الرأس. على سبيل المثال ثمة منجم حديد مرخص حديثًا شمالي جزيرة بافين، من المتوقع أن يجلب مزيدًا من حركة الشحن إلى أهم مناطق تصييف حريش البحر، ويخشى يونز على وجه الخصوص من التلوث النفطي، واصطدام السفن بالحيتان، والتلوث السمعي. ويقول: «ثمة احتمال كبير لحدوث خلل في هذه المواطن التي ربما تصبح غير ملائمة لهذه الحيوانات.» ويقترح المؤلفون إجراءات مختلفة للتخفيف من وطأة الأنشطة البشرية على الحيتان؛ بما في ذلك التخطيط بحذر لطرق الشحن، ومنع النشاط الصناعي في المناطق المهمة، وتنظيم المسوح الزلزالية.

بعد أيام من الانتظار، بدا لنا أن اصطياد وحيد القرن البحري مهمة مستحيلة، أخذنا نلعب الورق وننتظر، نشرب القهوة وننتظر، نشرب مزيدًا من القهوة وننتظر مدة أطول. كان الانتظار مرهقًا للأعصاب. ولأن اصطياد حريش البحر غالبًا ما يكون في منتصف الليل؛ فإننا حقًّا لم ننم قط، بل كنا مستعدين على الدوام لنهُبَّ إلى العمل بمجرد سماع الإنذار.

وأخيرًا حضر ما كنا بانتظاره؛ ظهر الناب أولًا، ثم صاح أحدهم: «حوت في الشبكة!» فارتدينا بدل الغطس الجافة بارتباك وعلى عجل، متأهبين للقفز في المياه المتجمدة، قفز ثلاثة أشخاص في زورق وتسابقوا إلى طرف الشبكة لقطع حبل المرساة؛ ورفع فريق في زورق آخر الشبكة لجذب الحوت إلى سطح المياه لكي يتنفس؛ واستطاع فريق ثالث على الشاطئ جذب الحيوان إلى المياه الضحلة، حيث يمكن بدء العمل الحقيقي.

لقد أمسكنا بأنثى حوت ضخمة يبلغ طولها ٤ أمتار، وكانت متلهفةً للعودة إلى صغارها. إن تهدئتها والسيطرة عليها عمل جماعي؛ فبينما ثبَّت أور جهاز التعقب بنتوئها الظهري باستخدام دبوسيْن من النايلون، حصل آخرون على جزء صغير من الجلد لإجراء اختبار وراثي عليه لاحقًا، وقاس الباحثون سرعة نبضات القلب، وأخذوا عينات من الدم ومن فتحة التنفس، وسجلوا قياسات جسدها، وقيَّموا حالتها الصحية العامة، ملاحظين الندوب وعلامات الانسلاخ. وعن هذا قال أور: «إننا نعمل بأقصى سرعة ممكنة، ونبذل كثيرًا من الجُهد لضمان عدم تعرض الحيوانات إلا لأقل قدر ممكن من التوتر.» وفي أقل من ٣٠ دقيقة، باتت أنثى حريش البحر جاهزة للعودة إلى صغارها.

هناك حاجة إلى المزيد من المعلومات من أجل التخطيط للحفاظ على هذه الحيوانات الاستثنائية على المدى الطويل، لكن دراسة حريش البحر صعبة. تقول لايدرِه: «إننا نستغرق سنوات لمعرفة أقل القليل.» ومع التغيرات التي تدنو سريعًا من المنطقة القطبية الشمالية، يشكل الوقت عاملًا جوهريًّا. ويقول هايدِه يونسن: «إننا بحاجة إلى الإجابات الآن، لكن حصولنا عليها يتطلب بعض الوقت.» وحتى مع استخدام التعقب عبر القمر الصناعي، توجد مشكلات، ورغم أن ثمة جهازًا ثُبِّت بأنثى حوت صِيدت في ترمبلاي ساوند، وظل ينقل بيانات مدة ١٤ شهرًا بعد ذلك، فإن هذا غير معتاد بالمرة؛ ففي المتوسط لا تمكث أجهزة التتبع إلا لِمَا يتراوح بين خمسة وستة أشهر. وخلال رحلتنا هذه، أمسكنا بخمسة حيتان، وهو عدد أقل مما كان يأمل فيه أور، ولكن تَعطَّل أحد أجهزة التتبع خلال الأسابيع القليلة الأولى، وفُقِد الاتصال مع بقية الحيتان بعد زهاء أربعة أشهر. هذه هي حقيقة استخدام المعدات عالية التكنولوجيا في المنطقة القطبية الشمالية. فمن الممكن حدوث أي شيء، بدءًا من حدوث خلل في البرمجة، وحتى مقتل حرش البحر المُتتبع على يد الصيادين أو وقوعها فريسةً للحيتان القاتلة.

وبينما يعمل العلماء على فهم حريش البحر الغامض؛ فإنه لا يزال يمثل مفارقة؛ فرغم أنه يعيش طويلًا — إذ يمتد عمره لخمسين عامًا على الأقل — ويتكاثر ببطء ويفتقر إلى التنوع الوراثي، فإن هذا النوع يتمتع بمرونة مميزة؛ لقد بقي على قيد الحياة لآلاف السنوات في بيئة قاسية، وعبر فترات متعددة من التغيرات الجذرية. فكم من الوقت يمكن أن يظل حريش البحر على قيد الحياة لأكثر من ذلك؟

كيف تطوَّر ناب حريش البحر؟

ظل الناس يتساءلون لقرون عن السبب وراء وجود ناب لدى ذكور حريش البحر. واليوم يرى معظم العلماء أنها سمة جنسية تُستخدم في تحديد الرتبة الاجتماعية والتنافس على الإناث؛ فهي أشبه إلى حدٍّ كبير بوظيفة قرن الأيل. ويقترح مارتن نويا — من جامعة هارفرد — فكرة أخرى، وهي أن ناب حريش البحر يعمل كمجَسٍّ يستشعر المواد الكيميائية المرتبطة بالفريسة والتكوينات الجليدية وتركيز الملح. إلا أن التفسيرات التقليدية غالبًا ما تكون أكثر إثارةً للاهتمام؛ فحين تحدثت مع نويا، روى لي أسطورة سمعها من إليزابي أوتوفا؛ وهي عجوز من الإنويت تعيش في جزيرة بافين.

تقول الأسطورة: إنه ذات يوم، اقترب دُبٌّ قطبي من منزل تقطنه امرأة مع ابنتها وابنها ضعيف البصر، أمرت المرأة ابنها بأن يقتل الدب، وبمساعدة أخته حدد وضع قوسه وسهمه، فأصاب السهم قلب الدب، لكن الأم الشريرة ادَّعت أن السهم أخطأ هدفه، وفي تلك الليلة، في حين تناولت الأم والأخت لحم دب طازج، كان الابن يتناول طعام كلاب، إلا أن أخته أخبرته لاحقًا بالحقيقة.

في اليوم التالي أتى رجل عجوز إلى المنزل، متنبِّئًا بأن الصبي سيواجه طائرًا عملاقًا على البحيرة وأنه سيعتلي ظهره، وقد حدث، وأخذ الطائر الصبي إلى تحت المياه ثلاث مرات، وفي كل مرة يصعد إلى سطح المياه؛ تتضح رؤية الصبي أكثر، إلى أن ارتد إليه بصره.

وفي ذلك الصيف، سَبَح سرب من الحيتان البيضاء على مقربة من الشاطئ، وحين استلَّ الصبي حربته، سألته أمه في لهفة عما إذا كان بإمكانها مساعدته، وربط طرف خيط حربته ذات الخطاف حول خصرها؛ لكي تتمكن من الإمساك بالحيوان المطعون، ثم أصاب بحربته أكبر حوت في السرب، فجذب الحوت الأبيض الخيط، وحين دخلت المرأة في المياه، انتفخ جسدها وتحولت إلى حريش بحر، ولُفَّ شعرها الطويل حول نفسه متحورًا إلى ناب حريش البحر الحلزوني. يقول نويا: «ورد في الأسطورة أنها علامة جيدة أن ترى حريش بحر وسط الحيتان البيضاء؛ لأنه سيكون المرأة التي تحولت إلى حوت.»

29 Dez., 2015 11:48:11 AM
0