Direkt zum Inhalt

التحولات الليلية في جسم الإنسان

يُحدِث الليل سلسلةً متتابِعةً من التغيُّرات تحوِّلك إلى كائن غريب. فبينما تكون مستغرِقًا في الأحلام، ينشط الجانب الليلي من طبيعتك.

تبدأ عملية التحوُّل وأنتَ لا تزال مستيقظًا؛ فقبل أن تخلد إلى النوم، تنخفض درجة حرارة الجسم بمعدل نصف درجة تقريبًا عن الدرجة القصوى للجسم في منتصف المساء؛ يترتَّب على ذلك إفراز الجسم لهرمون الميلاتونين الذي يساعدك على النوم. فجأة، لم تَعُدِ الرغبة في النوم التي شعرتَ بها على مدار اليوم تواجِه أي مقاومة من حرارة الجسم المرتفعة، وتغمرك موجات من الإجهاد.

الليل يحوِّلنا إلى كائنات غريبة.

الليل يحوِّلنا إلى كائنات غريبة.

لا يعني هذا أن الجسم يهيئك للحصول على الراحة في فترة الليل فحسب، فبصورة أو بأخرى يهيئك الجسم لأن تصبح كائنًا مختلفًا تمامًا؛ لأن الجسم في فترة الليل تكون له وظائفه وخصائصه الفريدة. إذا لم ينتهِ الليلُ أبدًا، فلن نُدرِك ما صرنا إليه.

في اللحظة التي تستسلم فيها لرغبتك الملحة في النوم، تنخفض درجة حرارة الجسم. وتعمل درجة حرارة الجسم المنخفضة على إبطاء التفاعلات الكيميائية وتهيئة الأجواء للآليات التي تعمل على ارتخاء العضلات المجهدة وخروج السموم من المخ.

أنتَ مستعدٌّ الآن لدخول واقع بديل، وهو عبارة عن دورات متعاقِبة من النوم تستغرق كلٌّ منها ٩٠ دقيقة. في كل دورة، تمر بأربع مراحل للنوم تنتهي بمرحلة حركة العينين السريعة التي تُشبِه استيقاظ المخ، وفيها يحدث الكثير من الأحلام. بعد ذلك، تعاوِد الدورة البدء مجدَّدًا. يمر معظم الناس بهذه المراحل المتعاقِبة لفترة تتراوح من ٦ إلى ٩ ساعات تقريبًا.

ليست هذه الطريقة التي اعتدنا النوم بها؛ فقبل انتشار الإضاءة الصناعية، كانت أنماط النوم مختلفةً. ففي القرن الثامن عشر — وربما عودة إلى العصر اليوناني القديم — تحدَّثَ الناس عن النوم الأول والثاني، هاتان النوبتان بين الغسق والفجر كانت تفصلهما ساعة أو ساعتان من التأمُّل الواعي. فعلى ضوء النيران أو القمر الساطع، يمارِس الأشخاص مختلف الأنشطة مثل الدراسة، وكتابة الشعر، وممارسة الجنس. تشير بعض الأدلة إلى أن هذا الممارسات ما زالت مستمرةً في مجتمعات قبلية غير صناعية حتى يومنا هذا.

لكن على قدر تغيُّرِ عاداتنا في النوم، فلطالما كان شروق الشمس قادرًا على إعادتنا إلى طبيعتنا التي نكون عليها أثناء النهار (انظر الرسم).

متى يحل الظلام؟ هناك ثلاث مراحل للشفق تعقب غروب الشمس خلف الأفق. تعتمد الفترة التي تستغرقها المراحل الثلاث على مكانك في العالم.

متى يحل الظلام؟ هناك ثلاث مراحل للشفق تعقب غروب الشمس خلف الأفق. تعتمد الفترة التي تستغرقها المراحل الثلاث على مكانك في العالم.

ماذا سيحدث لنا إذن في حال لم تشرق الشمس واستمر الظلام على مدار أسابيع بلا نهاية؟ أشارت بعض الدراسات محدودة النطاق التي أُجرِيت في مراكز الأبحاث المنتشرة في منطقة القطب الجنوبي — حيث يمكن للَّيْلِ أن يستمرَّ ثلاثة أشهر — إلى بعض التغيرات. لكنَّ العديد من العوامل أثبتَتْ خطأ هذه الاستنتاجات، ومنها مواعيد العمل التي جعلت معظم الإيقاعات الطبيعية متزامِنة مع الحضارة. قدَّمَ طبيب ألماني يُدعَى يورجين آشوف إجاباتٍ أكثر قبولًا، وكانت التجارب التي أجراها في مستودع مهجور تحت الأرض في ميونيخ في الستينيات من القرن العشرين أولى التجارب التي كشفت عن حقيقة دورة النوم/اليقظة المستقلة في الجسم في أوضح صورها. عاش المشاركون في تجربة يورجين في عزلة لعدة أسابيع، كانوا يجمعون فيها عينات بَولهم ويراقِبون درجة حرارة أجسامهم. كانت الأضواء الخافتة في نطاق تحكُّمِهم الكامل، لكن لم تكن تَرِد لهم من الخارج أيُّ معلومات عن الوقت، وعندما كان فريق عمل يورجين يأتي إليهم بالمؤن، كانوا يقصون شعر لحاهم بطريقة عشوائية، كيلا يعطوا المشاركين أي لمحةٍ عن الوقت الذي مَرَّ على وجودهم في المكان.

ومن وسط تلك العتمة، ظهر الدليل الأول على ساعة الجسم المستقلة، وهو ما عزَّز موقف آشوف كمؤسِّس لعلم الأحياء الزمني.

حتى في ظل عدم توافر أشعة الشمس اللازمة لإجراء المعايرة الخارجية، لا زالَ المشاركون ينامون نحو ٨ ساعات، غير أن فترة يقظتهم زادت قليلًا عن ١٦ ساعة، وهو ما يُوحِي بوجود ساعة داخلية للجسم تسير بمعدل أبطأ من اليوم الذي تبلغ مدته ٢٤ ساعة بمقدار ٢٠ دقيقة. لقد استقرت أيامهم عند نمط يُقدَّر بنحو ٢٤٫٣ ساعة. وهكذا مع مرور كل يوم، كان سكَّان المستودع يخلدون إلى النوم في وقت متأخِّر أكثر فأكثر إلى أن أصبحت حياتهم غير متزامنة على الإطلاق مع إيقاع الحياة الألمانية الصاخبة فوق رءوسهم.

قضى المشارِكون في التجربة ٢٨ يومًا كأقصى تقدير في هذا المكان المنعزل، وكان لا بد من إجراء تجربة أخرى أكثر تطرُّفًا للكشف عن مدى الشطط الذي قد تصل إليه إيقاعات أجسامنا.

في وقت لاحِق في ستينيات القرن العشرين — ذروة إجراء التجارب النفسية على الذات — قضى الجيولوجي ميشيل سيفر شهرين في رحلة بحث فردية استغرقَتْ شهرين داخل أحد الكهوف، بعد أن ترك ساعته وجميع المؤشِّرات الأخرى الدالة على الزمن الخارجي.

كان سيفر قد توقَّعَ إنهاء تجربته في ١٤ سبتمبر؛ لذلك انزعج عندما اتصل به فريق الدعم لتهنئته في يوم كان يعتقد أنه يوافِق ٢٠ أغسطس.

لكن هذا اليوم لم يكن يوافِق ٢٠ أغسطس! قضى سيفر ثمانيةَ أسابيع كاملة تحت الأرض، غير أن توقيته الذاتي كان يسير بمعدل يساوي نصف سرعة الساعات خارج الكهف. تحوَّلَ يوم سيفر إلى ٤٨ ساعة، يقضي ٣٦ ساعة منها في القيام بأنشطة مختلفة يعقبها ١٢ ساعة من النوم. في وقت لاحق، أكَّدَ سيفر ظاهرةَ اليوم الذي يمتدُّ ٤٨ ساعة أثناء إقامته ستة أشهر في ظلام دامس داخل كهوف تكساس.

إلى أي مدًى سننحرف عن اليوم الذي يمتد ٢٤ ساعة إذا أُجبِرْنا على العيش في ظلام أبدي؟ في عام ٢٠١١، ظهر الجواب في الدراسات التي أُجرِيت على سمكة الكهف العمياء. تطوَّرَتْ أسماك فريتيكثيس أندروزي على مدار مليوني عام في الظلام الدامس أسفل صحراء الصومال. في ظل افتقار تلك الأسماك إلى العيون وإلى أي مؤشرات عن الوقت، فإن دورتها اليومية تساوي ٤٧ ساعة (دورية بي إل أو إس بيولوجي، المجلد ٩، الصفحة ١٠٠١١٤٢).

هل يمكن أن يكون نظام الساعات الأربع والعشرين الذي نسير وفقه جزءًا من نظام آخَر أكثر رسوخًا مدته ٤٨ ساعة؟ إنه سؤال يَصْعُب بحثه في ظل عالَم يعتمد نمطُ الحياة فيه على نظام الساعات اليومي المتجدِّد كل ٢٤ ساعة، لكن يمكننا التفكير فيه في ضوء ما لدينا من معرفة.

لكل فرد مِنَّا «نوعٌ زمنيٌّ» خاصٌّ به على المقياس الذي يبدأ بالطائر المبكِّر (الشخص النهاري)، وينتهي ببومة الليل (الشخص الليلي)؛ فالإيقاعات الداخلية لشخصٍ ليليٍّ — تُرِك في ظلام دامس لمدة أيام — تنحرف عن التوقيت المحلي بمعدلٍ أسرع من الإيقاعات الداخلية لشخص نهاري، ومن الممكن أن تزيد الدورة الداخلية لدى هؤلاء الأشخاص لتصل إلى ٢٥ ساعة من أجل استكمال الدورة الكيميائية. مع ذلك، فنحن جميعًا — باستثناء الأشخاص الذين يعملون في ورديات غير منتظمة — مضطرون لاتباع الأنماط ذاتها.

تمكَّنَ البشر من غزو البحار والسماء بل الفضاء أيضًا، إلا أن أجرأ ما قمنا به هو مغامراتنا في الظلام؛ فقد استعمرنا الليل باستخدام الضوء الصناعي، وكل مصباح سيارة أمامي في الظلام هو أشبه ببزة فضاء في بيئة مُعادِية. لكن غزو الليل قد يكون سلاحًا ذا حدين؛ فبعيدًا عن مَنْحنا الفرصةَ لاكتشاف طبيعتنا أثناء النوم، فإننا نبتعد عنها أكثر من أي وقت مضى.

 

15 März, 2017 11:38:01 AM
0