Skip to main content

مصاصو الدماء والأشباح الصاخبة

في عام ١٨٩٠ تقريبًا، ظهر رجل ميت يدعى أنديلافيرس وأخذ يهدد القرويين في قرية ميسريا بجزيرة كيثنوس اليونانية. ويحكى أنه كان «في بعض الأحيان يصل به الحد إلى اقتحام أحد البيوت والجلوس على المائدة، وتناول الطعام كعملاق جائع وتجرع الشراب مثل السمكة، ثم بعدما يأخذ كفايته من النبيذ ويبتلع كلَّ ما ابتغاه من أطياب الطعام، كان يعتاد الترفيه عن نفسه عبر تحطيم الأطباق والأقداح وبعثرة القدور والأواني، بينما يعوي طَوال الوقت على نحو رهيب مثل مذءوب أصابه الجنون.»

يبدو أنديلافيرس نموذجًا جديرًا بالملاحظة للشبح الصاخب، فهو مزعج وجعجاع ومفعم بالطاقة ومدمر. مع ذلك كان القرويون أنفسهم يعتبرونه ميتًا عائدًا من القبر أو « فريكولاكس»، وهو مخلوق شبيه جدًّا بمصاص الدماء. وفي شتى أنحاء مناطق انتشار مصاصي الدماء — على الأقل في الفترة من عام ١٥٩١ حتى عام ١٩٢٣ — أثار مصاصو الدماء الذين كانوا يتصرفون كأشباح صاخبة الرعب في نفوس سكان اليونان ورومانيا وأوكرانيا وبلغاريا وكرواتيا وبولندا وألمانيا. كان ظهور مصاصي الدماء يدوم في بعض الأحيان مدة أشهر، ويصاحبه أصواتٌ عنيفة وأضواء غريبة وأشباح وروائح لا يُعرف مصدرها، وضربات شديدة وأحيانًا مميتة، بجانب النشاط المعتاد من تحطيم بيت أو أكثر وبث الفوضى في جنباته. وعلى الرغم من ندرة وقوع هذه الحوادث في بريطانيا، فمن المرجح أن إحداها وقع في قرية دراكيلو بمقاطعة ستافوردشير في القرن الثاني عشر تقريبًا، حيث ظهرت مسيرة من الموتى العائدين «غالبًا في شكل دببة أو كلاب أو نوع آخر من الحيوانات، وأخذوا يطرقون أبواب وجدران المنازل داعين ساكنيها إلى الخروج والانضمام إليهم.»

كيف نفسر كل هذا؟ مما يسترعي الانتباه أن كثيرًا من تلك الحكايات تبدو كما لو كانت حقيقية. صحيح أن مصاصي الدماء أنفسهم ليسوا حقيقيين، لكن الخوف منهم كان قطعًا حقيقيًّا، وقد بلغ مبلغًا كبيرًا حتى إن الرعب الذي تعرض له بعض الأشخاص تسبب في إصابتهم بالخرس أو الشلل المؤقت، وفي بعض الأحيان تسبب حتى في مصرعهم. وفي تلك الحالات الأخيرة، كان سبب الوفاة هو ما أطلق عليه منذ ذاك مصطلح «موت الفودو»، وهو نوع من التعطل النهائي لجسم الإنسان؛ ينتج عن مزيج من الخوف الشديد والاعتقاد في السحر. في بلاد مصاصي الدماء، أدى الرعب الجماعي لدى الناس إلى شيء آخر كذلك؛ فقد تسبب ببساطة في حدوث ظواهر الأشباح الصاخبة. وكان الرعب هو المحفز لتلك الظواهر الخارقة للطبيعة التي تبدو مستحيلة. فالحوادث ذاتها كانت حقيقية، حتى وإن لم يكن سببها المفترض كذلك.

ظل من المعروف وقتًا طويلًا أنه في عديد من حوادث الأشباح الصاخبة الموثقة توثيقًا جيدًا، تركَّزت الظواهر حول وسيط بشري واحد. ويكون الوسطاء في المعتاد شبابًا، في سن البلوغ في كثير من الأحيان. وغالبًا ما عانوا من صدمة عاطفية أو عصبية، وقد تتبعهم الظواهر من بيت لآخر أو تتوقف عند رحيلهم عن مكان حدوثها. ثمة منطق جيد يدفعنا لاعتبار ظواهر الأشباح الصاخبة نوعًا من صمام الأمان لطاقات شخصية خطرة تنطلق بقوة شديدة بعد تراكمها داخليًّا بدرجة كافية. لوحظ هذا التأثير للوسيط البشري الذي ينقل نشاط الأشباح الصاخبة في ستوكويل بمدينة لندن عام ١٧٧٢، ومدينة أميرست ومقاطعة نوفا سكوشا عامي ١٨٧٧ و١٨٧٨، وولاية إلينوي عام ١٩٥٧، وفي حالة تينا ريش كانت الحوادث في ولاية أوهايو عام ١٩٨٤.

ما الذي يكشفه لنا هذا عن الشبح الصاخب مصاص الدماء؟ أولًا: يشير إلى أن وقوع حوادث انتشار الأشباح الصاخبة يرجع منذ زمن بعيد إلى رعب خارق للطبيعة لا عن صدمة شخصية. وثانيًا: نجد أنه بينما تركزت حالات كثيرة من الأشباح الصاخبة «العادية» حول وسيط واحد فحسب، فإن الأشباح الصاخبة مصاصة الدماء تستمد قوتها من الرعب الجماعي الذي تفشَّى بوحشية خارجًا عن نطاق السيطرة في بلدة أو قرية صغيرة. وثالثًا: إذا كانت هذه الطاقة المدمرة تنبعث حقًّا من مصدر بشري، فينبغي أن نتوقع توقف العنف عند أداء الطقوس المناسبة. ويبدو أن هذا هو ما حدث بالفعل، فعندما أُحرق مصاص الدماء أو غُرس وتد في قلبه أو قُطعت رأسه، توقع الناس أن تتوقف المشكلة، ولأن تلك الطقوس هدأت من روعهم؛ اختفت المشكلة بالفعل في كثير من الأحيان.

يشير فيض من الأدلة إلى أن الخوف من مصاصي الدماء كان حقيقيًّا بالفعل، على الرغم من عدم وجود مصاصي الدماء أنفسهم. وعلاوة على ذلك، يشير الجزء الأكبر من تلك الأدلة إلى أن الأشباح الصاخبة موجودة في الواقع، فقد كانت العامل الثابت وراء حكايات مصاصي الدماء والجنيات والأشباح والشياطين والساحرات. إذن، إذا كنت ترغب في البقاء على قيد الحياة في عيد الهالووين هذا العام، فعليك باتباع نصيحة بسيطة وإن كانت تثير السخرية؛ ألا وهي «تجنب» الشعور بالخوف.

06 Dec, 2015 01:58:38 PM
0

لمشاركة الخبر