Skip to main content
نبيل فاروق.. "رجل المستحيل" يودع قراءه

نبيل فاروق.. "رجل المستحيل" يودّع قراءه

 

 

حياة حافلة عاشها الطبيب والكاتب نبيل فاروق، كتبت لها "أزمة قلبية" سطور النهاية، الأربعاء عن عمر يناهز 64 عاماً. 

حياة بدأت بخلفية أكاديمية طبيّة، وباقة من الهوايات التي واصل ممارستها حتى النهاية، في مقدمتها الكتابة بالتأكيد، غير أن القائمة تطول، فلا تخلو من الرسم والصيد والتصوير الفوتوغرافي.

استطاع الكاتب الطبيب نبيل فاروق أن يحظى بمكانة مرموقة في وجدان الآلاف من القراء من المحيط للخليج الذين شكّلت سلاسل "رجل المستحيل" و"ملف المستقبل" قسماً لا بأس به من طفولتهم ومراهقتهم، كاثنتين من أكثر سلاسل أدب الجاسوسية والخيال العلمي الموجهة للمراهقين ذيوعاً وخصوصية، لا سيما لمواليد الثمانينات والتسعينات، بخلاف العشرات من العناوين الأدبية الأخرى، والمقالات التي واصل نشرها بعدد من المجلات والجرائد المصرية.

طبيب كالمعتاد

في المرحلة الابتدائية، وبالتحديد في إحدى مدارس مركز طنطا بمحافظة الغربية، اكتشف الطفل نبيل فاروق موهبته في الحكاية، عندما أرشدته إحدى معلماته بالمدرسة إلى توثيق حكاياته بالكتابة، لتجد موهبته اهتماماً وإشادة بمجتمع المدرسة الصغير، غير أن عثوره على شغفه صغيراً لم يُغيّر شيئاً من مساره الأكاديمي الاعتيادي.

"النبوءة"، كانت أولى روايات فاروق التي تنتشر خارج نطاق الأسرة والمدرسة، كان وقتها بالمرحلة الثانوية، ونافس بروايته التي تنتمي للخيال العلمي والفانتازيا في مسابقة بقصر ثقافة طنطا، ليحصل على المركز الثاني فيها.

ضغوط الأسرة كانت وراء التحاقه بكلية الطب، نظراً لحصوله على مجموع عالٍ بالثانوية العامة، ليتخرّج منها طبيباً ممارساً، وينضم لقائمة طويلة من الأطباء الذين أنتجوا الأدب بالتزامن مع ممارسة الطب.

ممارسة فاروق للطب لم تدُم طويلاً، فطبقاً لحوارات الراحل الصحافية، لم يستطع مواصلة المسارين معاً، الطب والكتابة، في تلك المرحلة، كان قد تدرّج وظيفياً بوزارة الصحة المصرية ليصبح مديراً لمستشفى السيد البدوي بطنطا، غير أنه آثر ترك الطب لأجل السعي وراء الكتابة.

الدكتور نبيل فاروق - من صفحة الدكتور نبيل فاروق على فيسبوك

الدكتور نبيل فاروق - من صفحة الدكتور نبيل فاروق على فيسبوك

جيمس بوند "مصري"

على الرغم من غزارة إنتاجه، تُعد سلسلة "رجل المستحيل"، أشهر أعمال الراحل نبيل فاروق. تدور أحداث السلسلة في عالم الجاسوسية وتستلهم أحداثها من ملفات المخابرات المصرية في إطار بوليسي ثري يجعل من العميل أدهم صبري بطلاً وطنياً، بمهارات استثنائية، أشبه بمهارات العميل البريطاني جيمس بوند، ولكن بنكهة مصرية.

في عام 1984، صدر أول أعداد سلسلة "رجل المستحيل" بعنوان: "الاختفاء الغامض"، بإمضاء الناشر حمدي مصطفى، كواحدة من أشهر سلاسل مشروع "روايات مصرية للجيب"، والتي واصل نشر أعدادها المتسلسلة حتى العدد 160 في عام 2009، بنهاية مفتوحة تسمح له بالعودة لقرائه بأعداد خاصة وقتما يشاء.

كثير من الضبابية يشوب روايات نبيل فاروق العديدة عن كواليس تعامله مع المخابرات المصرية، والشخصية التي اعتمد عليها في رسم بطله "أدهم صبري"، غير أن أبرز الحقائق التي أفصح عنها أكثر من مرة، هي أن علاقته بالمخابرات المصرية بدأت عندما كان طالباً في السنة الأولى بكلية الطب، إذ كان بإنجلترا وحاول جاسوسان أجنبيان تجنيده، ليدشن من حينها علاقته بمخابرات بلاده، التي استخدمته للإيقاع بالجواسيس الأجانب، لتكون تجربته تلك في أروقة المخابرات مادة ثريّة لسلسلته ذائعة الصيت.

حقيقة أخرى عن الأصل الواقعي لشخصية أدهم صبري، وردت في بعض الأعداد التي أصدرها فاروق لصالح "المؤسسة العربية الحديثة" ضمن سلسلة كوكتيل، تشي بأن شخصية أدهم صبري قد تكون بالأساس تحيّة لأحد عملاء المخابرات المصريين الذين تعامل معهم فاروق بشكل شخصي، ليلقي بعض المعلومات الحقيقية عن هذه الشخصية، منها أن اسمها يبدأ بحرفي الألف والصاد بالفعل، وأن العميل كان نجلاً لأحد أعضاء تنظيم الضباط الأحرار.

غلاف أحد أعداد سلسلة "رجل المستحيل" للكاتب الراحل نبيل فاروق

غلاف أحد أعداد سلسلة "رجل المستحيل" للكاتب الراحل نبيل فاروق

 

ظلم فني

إلى جانب "رجل المستحيل"، أصدر الراحل نبيل فاروق عشرات العناوين، التي وصلت لما يزيد على 600 عنوان طوال مسيرته، تنوّعت فيها الألوان الأدبية: ما بين الجاسوسية، والفانتازيا والخيال العلمي وحتى الرومانسية، غير أن سلسلة "ملف المستقبل" ربما تكون السلسلة التي ضاهت "رجل المستحيل" شهرةً.

المخابرات العلمية المصرية، كانت مسرح أحداث السلسلة التي بدأت بالتوازي مع رجل المستحيل تقريباً، وكانت عربون تعارُف الطبيب نبيل فاروق مع إدارة "المؤسسة العربية الحديثة"، التي أرسل لها بعض كتاباته في سياق مسابقة كانت تقيمها دار النشر للعثور على كاتب "خيال علمي"، لتتعاقد معه.

أعداد أخرى من سلسلة زهور، وسلسلة كوكتيل، التي أصدرتها المؤسسة العربية الحديثة، فضلاً عن مقالات بمجلة الشباب، وجريدة التحرير، جاءت هي الأخرى بإمضائه، لتقدّمه كواحد من أكثر الكُتاب ألفةً لجيل الشباب، غير أنه عبّر في أكثر من لقاء إعلامي أنه اعتقد أن نجاح رجل المستحيل الساحق تسبب في التغطية على مؤلفاته الأخرى، وحصره في لون بعينه.

تلقّى فاروق أكثر من تكريم على منجزاته الأدبية، لعل أبرزها فوزه بالجائزة الأولى بمهرجان ذكرى حرب أكتوبر عن قصة جاسوس سيناء: أصغر جاسوس بالعالم عام 1998، فضلاً عن فوزه بجائزة الدولة التشجيعية في الأدب عام 2009.

في ندوة أخيرة له خلال الدورة الأخيرة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب قبل عام تقريباً، أعرب الكاتب الراحل عن شعوره بالظلم الفني لسنوات، وتصنيفه على أنه يكتب أدباً مسليّاً فحسب وغير ذي قيمة، معللاً ذلك بتعالي النقاد على الأدب الشعبي، ليؤكد أن حصوله على جائزة الدولة التشجيعية مثّل بالنسبة إليه حالة من الإنصاف لمشروعه الذي ظل لسنوات مظلوماً على المستوى النقدي.

مدرسة روايات الجيب التي كان فاروق من روادها، أفرزت العديد من الكُتاب لاحقاً، الذين أنتجوا في فترة الثمانينات والتسعينات وأوائل الألفية عشرات الأعداد من روايات الجيب، لعل من أبرزهم الكاتب الراحل أحمد خالد توفيق، والكاتب محمد سليمان عبدالملك.

مشروع متعثّر

تحويل سلسلة "رجل المستحيل" إلى عمل على الشاشة، لطالما كان حديثاً مكرراً طول فترة صدور السلسلة حتى بعد توقف الكاتب عن إصدار الأعداد بانتظام والاكتفاء بالأعداد الخاصة من حين لآخر، لتحظى السلسلة بمرشحين كُثر لأداء دور بطل السلسلة أدهم صبري، لعل من أبرزهم الفنان محمود حميدة، والفنان أحمد عز، والفنان أمير كرارة.

أبرز المحاولات التي أخفقت بدورها، كانت مشروعاً لشركة روتانا، أفصح عنه نبيل فاروق، وكانت المطربة اللبنانية هيفاء وهبي مرشّحة لتأدية دور الجاسوسة الحسناء، سونيا غراهام، فيه، غير أن المشروع الوحيد الذي خرج للنور كان مسلسلاً إذاعياً من بطولة الفنان المصري حسن الرداد والفنان أحمد فؤاد سليم، عرض عام 2013 على إذاعة الشرق الأوسط، والذي على ما يبدو لم يجد اهتماماً كبيراً وقتها، نظراً لصعوبة تقديم الآكشن عبر وسيط إذاعي فحسب.

عدد أخير

رغم إنهاء سلسلة رجل المستحيل في عام 2009 بعدد معنون بـ "الوداع" اختفى فيه أدهم صبري برفقة زميلته منى توفيق، كان الكاتب الراحل نبيل فاروق قد اختار لشخصياته نهاية شبه مفتوحة تسمح بالعودة مرة أخرى، وقتما يشاء، وعندما يشتاق القراء لبطلهم الاستثنائي، حسبما صرّح في لقاءات صحافية.

وأضاف أنه استفاد من تجربة السير آرثر كونان دويل، مؤلف سلسلة "شيرلوك هولمز" الشهيرة، والذي أنهى السلسلة على نحو لا يسمح له بالعودة بقتل البطل، ثم ما لبث أن رضخ لضغط الجمهور الغاضب وأعاد السلسلة.

نهاية "رجل المستحيل" المفتوحة كانت مثار وعد الكاتب الراحل للقراء بالعودة بعدد آخر في عام 2024، في الذكرى الأربعين لصدور رجل المستحيل، وهو الوعد الذي لن يستطيع الوفاء به.

 

 

 

المصدر: صحيفة الشرق

13 Dec, 2020 01:58:41 PM
0

لمشاركة الخبر