Skip to main content
دلال العلمي وعلم النفس الأدبي

يعد كتاب (أبحث عن ذاتي) للشاعرة وعالمة النفس الدكتورة دلال سعدالدين العلمي (عضو رابطة الكتاب الأردنيين، وعضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب)، من الكتب المنشودة في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البشرية بالتزامن مع انتشار جائحة الكورونا، ومع التعقيدات في العلاقات التي أحدثتها الظروف الراهنة بين الناس.


تضع المؤلفة قضايا الناس ومشاكلهم على بساط البحث في كتابها، بعد أن تخفي الأسماء الحقيقية لأصحابها، وتجعلهم يفضفضون، ويتحدثون بجرأة وصراحة، دون خوف من رقيب أو حسيب، بعد أن اكتسبت ثقة مرضاها النفسيين، وهيأت لهم كل السبل المؤدية للتنفيس عن ارواحهم المتعبة، ولحل مشاكلهم المعقدة، ولمعالجة أمراضهم النفسية المستعصية، تلك المشاكل والأمراض التي أوشكت على أن تفتك بهم، بينما أوشك مسببوها على اغتيال شخصياتهم وتدميرها من الداخل، دون أن يستطيع الضحايا أن ينبسوا ببنت شفة لمن يمكن أن ينقذهم مما هم فيه من مصائب وابتلاءات.


وفي كتاب د.دلال أربعة عشر قصة، رسمت الطبيبة والعالمة والشاعرة د.دلال العلمي، لشخصياتها سبل «تحقيق الذات»، وعززت قدراتهم على إدراك إمكاناتهم الإبداعية أو الفكرية أو حتى الاجتماعية.
علما بأن العالم «ماسلو» ربط بين تحقيق الفرد لذاته، وبين تحقيقه لاحتياجاته، مرتبا هذه الاحتياجات على شكل هرم يبدأ بتحقيق الفرد للاحتياجات الفسيولوجية مثل الأكل والشرب، ثم الأمن والحماية، ثم الحب والانتماء؛ وعند تحقيق هذه الأمور يبدأ الفرد في احترام ذاته والنظر إلى نفسه بإيجابية.


ونشير هنا أيضا ، أنه ومن خلال قصص مرضى د.دلال ، نستنتج أن تحقيق الذات هو حاجة الفرد للتعبير عن ذاته، والوصول إلى أقصى ما يمكن تحقيقه من إمكانات وقدرات بقصد إشباع حاجاته، وإعادة حالة الاتزان التي تساعده في استخدام تلك الإمكانات والقدرات في خدمة الفرد والمجتمع، والقيام بأدواره ومسؤولياته وواجباته المعتادة.


إن تمكـّـن المبدعة د.دلال العلمي من علم النفس، عدا عن ثقافتها الواسعة، وإبداعها الشعري المتميز، قد ألهمها الكثير من الجمل والعبارات التي لم تكن للإرشاد النفسي فحسب، بل لإقتلاع المرض النفسي من جذوره.
إن ما يؤلم بعد مطالعة قصص مرضى د.دلال، أن معظم مصائب وأمراض النساء من الرجال، والعكس صحيح أيضا، كما أن هنالك قطاعات لم ينتبه لها أحد منا يوما، تتمثل في المشاكل والأمراض النفسية التي يعاني منها طلاب وطالبات الجامعات، وبعد كل قصة، يكتشف القارئ أن المخفي في مجتمعنا أعظم، وأن الفضل لطبيبتنا الرائعة د.دلال العلمي، التي كانت تحرص على حل المشاكل ومعالجة الأمراض، دون أن تصل أصداؤها للأهل أو للجهات المختصة، فالسرية في مثل هذه القصص مطلوبة دائما، وتؤدي لنتائج أفضل.


وأيضا لطبيبتنا الفضل في توجيه مرضاها نحو العمل العام، والشأن العام، وعدم الاستسلام للظروف الخاصة، وأحيانا كانت تستطيع أن تعالج مرضاها من كلمة تلتقطها هنا او هناك، حول اهتماماتهم وهواياتهم في مرحلة الطفولة، وحين يتم التركيز عليها، والعمل في مجالها، ينتهي المرض، وتبدأ مرحلة الشفاء.


والجميل في هذا الكتاب ايضا، أنه يربط بين علم النفس والأدب، كيف لا؟ وعلم النفس متخصص في البحث في جوهر الإنسان وعلاقته بنفسه وسلوكه مع المحيط؛ بينما الأدب وسيلة للتعبير عن حياة الإنسان ومشكلاته ودوافعه وصراعاته.


وهنا نذكر أن رواية «الجريمة والعقاب» لديستويفسكي، بل كل أعماله كانت تملك طابعًا نفسيًا وتجسد عذابات نفسية يتعرض لها الأبطال في سياقات مختلفة ومع مشكلات متعددة.


وأيضا مسرحية»هاملت» لشكسبيرالذي كان كاتبًا مسرحيًا يعالج الأمور النفسية لأبطاله من الطراز الأول.


أما الاديب النمساوي ستيفان زفايج، فقد عبـّر في كل رواياته ولا سيما»فوضى الأحاسيس» عن صراعات أزليه وداخلية تؤرق أصحابها.

 

 

 

المصدر: الدستور

19 Aug, 2021 10:32:09 AM
0

لمشاركة الخبر