Skip to main content
«قوبلاي خان» ورحلة الازدهار والإنسانية

ي عام 1215 ولد حفيد جنكيز خان، رجل الدولة المنغولي مؤسس إمبراطورية أسرة «يوان» في بلاده.

وجنكيز خان كان رجلاً سفاكًا ومتعطشاً للدماء والحب والانتقام، وهو مؤسس وإمبراطور الإمبراطورية المغولية التي اعتبرت أضخم إمبراطورية فى التاريخ، وقد قتل الملايين من سكان البلاد التي يحتلها، مرتكباً مجازر كبيرة بحق المسلمين، وجنكيز خان أيضاً هو أيضاً جد كل من الإمبراطور «منكو خان» والإمبراطور «إريك بوك» والإمبراطور «هولاكو خان إخوة الإمبراطور «قوبلاي خان».

امتدت إمبراطورية جنكيز خان من المحيط الهادئ إلى بحر قزوين، وقبيل وفاته، أوصى أن يُدفن سراً، حيث حمل جنوده جثمانه، وقتلوا كل من صادفوه في طريقهم، كي يخفوا عنهم سر الطريق الذي يؤدي إلى مكان دفنه. وبعد أن وارى جثمان الامبراطور الثرى، امتطى جنوده حوالي1000 حصان على قبره لإخفاء أي أثر له. ورغم مرور ثماني قرون على وفاة جنكيز خان، لم يعثر أحد على قبره بعد.

وكان «منكو خان» من أشهر خانات المغول بعد جنكيز خان، لا هواية له سوى الصيد، وكان يكره الترف كرهاً شديداً.

انهمك بفتوحاته فى جنوب الصين، وكان قد عيّن أخاه «أريق بوقا» نائباً عنه في العاصمة «قرة قورم»، وحينما توفي وعلم شقيقه «أريق بوفا» بخبر وفاته أعلن نفسه إمبراطوراً على عرش المغول.

وعندما علم قوبيلاى بذلك رفض رفضًا قاطعًا، وأعلن الحرب على «بوقا»، وانتزع العرش منه، وأعلن نفسه إمبراطورًا على المغول.

صعود الإمبراطور

صعد «قوبلاي خان» (Kublai Khan) إلى السلطة في عمر (45ــ46) عاماً، وأصبح حاكماً للإمبراطورية المنغولية عام (1260م) حيث كان إنساناً بمعنى الكلمة، كريماً مع الفقراء، مراعياً للشعوب المقهورة، محترماً لعاداتها، كما كان يحترم جهازه الإداري.

ففي يوم 5 مايو 1260م، استطاع قوبلاى خان المولود في 23 سبتمبر 1215 م، والمتوفى في 18 فبراير 1294م، أن يتولى حكم إمبراطورية المغول.

وهو إمبراطور الإمبراطورية المغولية الخامس «1260 ـــ 1294»، وإمبراطور الصين «1279 ـــ 1294» وبسبب إقامته الطويلة في بلاد الصين ونشأته فيها، تأثر كثيراً بحضارتها وعادات أهلها، وفي عهده بلغت إمبراطورية المغول أقصى اتساعها إلى مختلف أقطار العالم، فكانت تضم الصين وكوريا والهند الصينية، والتبت وشمالي الهند وإيران وآسيا الصغرى وروسيا والقرم وغيرها..

مسلسل «ماركوبولو»

ربما لولا رحلات ماركبولو لم نكن نسمع بإنسانية «قوبلاي خان»، فشخصياً لم أكن قد سمعتُ باسمه إلا بعد حضوري مسلسل «ماركوبولو» المكتشف الإيطالي الشهير الذي أتى عام 1271 إلى بلاد الصين، حيث بقي فيها عشرين عاماً، وكان من أهدافه نشر الديانة المسيحية.

فقرأتُ عنه الكثير وعن حروبه ومغامراته، لم يستوقفني من كل ما شاهدته بالمسلسل وقرأته عنه إلاّ الجانب الإنساني فيه وحبه لرعيته وعمله على ازدهار إمبراطوريته.

وربما لأنّ جده (جد قوبلاي خان) «جنكيز خان» كان معروفا عنه سفكه للدماء وتعطشه لها، كنا ظننا أنّ حفيده «قوبلاي خان» يشبه جده في ظلمه للشعوب وحبه لسفك الدماء «على الرغم من خوضه حروبا عدة»، لولا رحلات «ماركوبوبو» التي ترخّت إنسانيته وحبه للفقراء والناس المستضعفين واحترامه لشخصه وزوجاته والنساء التي حظي بها.

ماركوبولو كان رجلاً ذكياً، ووصل بذكائه إلى قصر «قوبلاي خان» حاكم الصين، ابن جنكيز خان الذي أوقفه الظاهر بيبرس والعرب عن الزحف إلى أوروبا بعد فعله الأفاعيل بهم، حيث في عهده كان هناك ثلاث طبقات، أولاها المغول، والثانية المسلمون، أما الثالثة فكانت باقي فئات المجتمع الصيني، حيث ساهم المسلمون مساهمة كبيرة في النشاطات البحرية والبرية، وأبدعوا في التجارة، ورسم الخرائط البحرية، ومعرفة الممرات المائية، وغيرها.

قصر «قوبلاي خان»

في وصف لقصر «قوبلاي خان» لا ترى منه سوى الذهب والصور في كل مكان، وكان يرسل مندوبيه كل سنتين إلى مناطق ليختاروا له عدداً من الفتيات يتراوح بين أربعمائة وخمسمائة فتاة فائقات الجمال، ليضمهن إلى من حوله من الفتيات الخاصة بالقصر اللاتي يبلغ عددهن نحو عشرة آلاف أو أكثر، ومن ثم يقوم بانتخاب ثلاثين فتاة ليقمن بخدمته، وتهيئة فراشه، على شكل مجموعات كل مجموعة تتكون من ستة فتيات، يعملن على خدمته في فراشه وتلبية جميع احتياجاته. ولكل واحدة من زوجاته الأربع ثلاثمائة وصيفة..

إضافة إلى حروبه وعشقه للنساء بالرغم من زواجه من أربع نساء، ومظاهر الترف في قصره، شهد عصره ازدهاراً حضارياً كبيراً.

نهضة الصين

فقد نهض بالصين نهضة حضارية كبيرة بالرغم من فترات الحروب التي خاضها، واتسم بالإنسانية والمحبة، حيث أحسن إلى رعيته بشكل كبير ولم يكن يرضَى بالظلم، إذ كان يحب عمل الخير، حيث بنى ملاجئ لإيواء الفقراء وكبار السن والعجزة والضعفاء والمحتاجين.

واهتم بالزراعة واستصلاح الأراضي، وعمل على إصلاح وسائل الري، فازدهرت الصين ازدهاراً لا مثيل له، ولم يهتم قوبلاي بالزراعة فقط، بل أولى اهتمامًا بالتجارة، وعمل على تمهيد الطرق للقوافل التجارية، فقام بتأمينها وعين عليها حراسة قوية، فأصبحت القوافل تسافر وتعود فى أمن واطمئنان، فعمّ الصين الرخاء، كما كان «قوبلاي خان» إداريا متميزًا، حيث عمل على تنظيم البريد، واهتم بمحطات البريد وإعدادها بشكل متميز حتى تقوم بمهامها، وذلك لأنه كان يرى أن لها دورًا بارزًا اقتصاديًا وعسكريًا وسياسيًا، إلى جانب حبه للخير والكرم، فقد كان باذخاً على الشعب الذي حكمه ولم يكن يرد طالباً أو سائلاً.

د. أماني محمد ناصر

أكاديمية وناقدة سورية

 

 

 

 

 

المصدر: القبس الثقافي.

13 Dec, 2021 03:50:52 PM
0

لمشاركة الخبر