Skip to main content

عملاق الإنترنت الصيني يحلم بالعالمية

تتمتع شركة بايدو بمكانة راسخة في عالم الإنترنت في الصين، لكنها ترغب في أن تصبح قوة عالمية. فهل يستطيع أحد أبرز باحثي الذكاء الاصطناعي في العالم أن يساعدها في تحدِّي كبرى شركات وادي السيليكون؟

 

كانت فِرَق موسيقى البانك، بدءًا من فرقة بلوندي وحتى فرقة رامونز، تعزف في برودواي ستوديوز؛ ذلك المبنى القديم المتهالك المشيد على الطراز الكلاسيكي الجديد الذي يبلغ عمره ٩٥ عامًا، وتحيط به نوادِي التعرِّي الموجودة في حي نورث بيتش في سان فرانسيسكو. لكن في ساعة مبكرة من صباحٍ مشرقٍ من شهر يونيو هذا العام وصَلَ نوعٌ مختلفٌ من نجوم الروك؛ فقد احتشدت مجموعة صغيرة لحضور مؤتمر لإحدى الشركات التكنولوجية الناشئة، وتجمهروا حول رجل طويل هادئ الصوت يرتدي قميصًا رسميًّا أزرق اللون وبذلة زرقاء داكنة، كان يقف مستعدًّا بكل أدب ليلتقطوا له الصور. جاء أندرو إينج — كبير العلماء الذي عُيِّنَ حديثًا في بايدو، وهي شركة صينية بارزة تعمل في مجال البحث على الإنترنت — ليتحدث عن خططه لتطوير التعلُّم العميق، وهو منهجٌ جديدٌ قويٌّ في مجال الذكاء الاصطناعي مصمَّم على نحوٍ يشبه إلى حدٍّ ما الطريقةَ التي يعمل بها الدماغ البشري. وبالفعل، جعل هذا المنهجُ أجهزةَ الكمبيوتر تعمل على نحوٍ أفضل إلى حدٍّ كبير في تمييز الكلام، وترجمة اللغات، والتعرُّف على الصور، فضلًا عن أن عمل إينج لدى جوجل وجامعة ستانفورد — التي كان يعمل بها أستاذًا لعلوم الكمبيوتر — هو الذي أسفَرَ عن بعض هذه التطورات الكبيرة. وبعد أن أنهى حديثه، ودَّعَه الجمهورُ المؤلَّفُ من ٢٠٠ من أصحاب الأعمال والمستثمرين المغامرين، والعاملين في مجال التكنولوجيا، بنوبتين من التصفيق.

رسوم مات تشيس.

رسوم مات تشيس.

وقد أوضح هذا الاستقبالُ الحارُّ الذي حظي به إينج، البالغ من العمر ٣٨ سنة، السببَ الذي دفَعَ شركةَ بايدو لِأَنْ تتخذه أساسًا لمشروعٍ يحوِّلها إلى قوة عالمية. فقد عيَّنَتْه الشركة في مايو ليرأس منظمتها البحثية، التي تضم مختبرًا حديثًا للذكاء الاصطناعي في وادي السيليكون، ومختبرين في بكين، يهتم أحدهما بالتعلُّم العميق، والآخَر بتحليل البيانات الواسع النطاق.

تخطِّط تلك الشركة التي كثيرًا ما يُطلَق عليها جوجل الصين لاستثمار ٣٠٠ مليون دولار أمريكي في المختبر الجديد، وفي إنشاء مكتبِ تطويرٍ في الدور نفسه خلال السنوات الخمس القادمة. ويهدف إينج إلى تعيين ٧٠ من الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي ومهندسي أنظمة الكمبيوتر للعمل في المختبر الجديد بحلول نهاية ٢٠١٥. ويقول كَي يو رئيس مختبر التعلُّم العميق التابع لشركة بايدو الموجود في بكين، وصديق إينج الذي حثَّه على الانضمام للشركة: «سيستهدف المختبر الجديد حقًّا تكنولوجيا أساسية.»

تُعَدُّ شركة بايدو التي تأمل في جَنْي نصفِ عائداتها من خارج الصين بحلول عام ٢٠٢٠، مجرد واحدة من العديد من شركات الإنترنت الصينية الكبرى التي تبحث في الخارج حاليًّا عن المواهب والعملاء؛ حيث تسعى لجَعْل الأمة الأكثر عددًا من حيث السكان على وجه الأرض أكبر من مجرد مصنع للعالم. بإجمالي ٦٣٢ مليون مواطن يستخدم الإنترنت، تمتلك الصين أربعةً من أصل أكثر عشرة مواقع زيارةً من مستخدمي الإنترنت، مقارَنةً بالعام الماضي الذي كانت تمتلك فيه موقعًا واحدًا فقط. تبلغ القيمة السوقية لشركات الإنترنت الصينية التي تحتلُّ المراكز العشرين الأولى والمُدْرَجة في الأسواق المالية العامة الموجودة خارج بر الصين الرئيسي؛ حوالي ٣٤٠ مليار دولار أمريكي مجتمعةً. وتمتلك عملاق التواصل الاجتماعي تنسنت — صاحبة خدمة رسائل الهاتف المحمول وي تشات المُسجَّل بها ١٠٠ مليون مستخدم من خارج الصين — حوالي نصف هذا المبلغ تقريبًا. وفي سبتمبر كان متوقَّعًا أن تُكْمِل مجموعةُ علي بابا للتجارة الإلكترونية ما يمكن أن يكون أكبرَ طرْحٍ أوليٍّ للاكتتاب في العالم. ويمكن أن تكون بداية طرحها في بورصة نيويورك بقيمةٍ تصل إلى ١٥٠ مليار دولار أمريكي.

ومع تطلُّعها إلى أسواقٍ خارج الصين تجد بايدو وغيرُها من الشركات الصينية نفسَها في مواجهةٍ مع شركات الإنترنت الأمريكية الرائدة الموجودة منذ زمن. ومن غير المحتمل أن تتعرَّض شركات مثل جوجل وفيسبوك وأمازون للخطر في الأسواق الغربية في أي وقت قريب. ورغم ذلك، فالمجال مفتوح على مصراعيه في معظم دول العالم التي لم يتصل فيها مليارات من الأشخاص بالإنترنت بَعْدُ. وفي تلك الدول، تعتقد شركاتٌ مثل بايدو أن لديها ميزة تنافسية؛ نظرًا لخبرتها في التعامل مع العملاء الحديثي العهد نسبيًّا في الاتصال بالإنترنت، حسبما يقول جيكون فو، الشريك الإداري في شركة رأس المال المخاطَر جي جي في كابيتال، ومن أوائل المستثمرين في بايدو ضمن إحدى الشركات السابقة. ويستطرد قائلًا: «لقد بدأت الشركات الصينية تحلم.»

يأمل أندرو إينج في جذب الموهوبين في مجال الذكاء الاصطناعي للعمل في مختبر أبحاث بايدو الجديد في وادي السيليكون (جيف سينجر).

يأمل أندرو إينج في جذب الموهوبين في مجال الذكاء الاصطناعي للعمل في مختبر أبحاث بايدو الجديد في وادي السيليكون (جيف سينجر).

أمور رائعة

أول شيء تلاحظه في أندرو إينج هو صوته؛ فصوته هادئ على نحوٍ استثنائيٍّ، يكاد يكون همسًا، وكلامه يحمل آثارًا من ميلاده في لندن، ومن طفولته التي قضاها في هونج كونج وسنغافورة. فعندما يشرح بصبرٍ الفروقَ الدقيقة للتعلُّم العميق، يبدو وكأنه يقرأ قصةً قبل النوم لطفلٍ صغيرٍ. في بعض الأحيان لا يمكن سماع صوته الذي يطغى عليه صوت طقطقة كرات البلياردو أثناء لعب المهندسين للبلياردو في فترة الاستراحة في مختبر بايدو في وادي السيليكون الذي ما زال خاليًا إلى حدٍّ كبيرٍ، وهو مكانُ عَمَلٍ تبلغ مساحته ١٥ ألف قدم مربعة يقع في سانيفيل على مسافة دقائق قليلة جنوب شرق مقر شركة جوجل. أما عندما يتحوَّل إينج للحديث عن مهمته في شركة بايدو، فإن صوته يرتفع عن صوت الضوضاء الموجودة في الخلفية.

ربما يعود السبب في ذلك إلى أن مهمته كبيرة، وهي تغيير العالم عن طريق الذكاء الاصطناعي. يقول إينج إنه سوف يركِّز على مشروعاتٍ يمكن أن «تؤثِّر تأثيرًا كبيرًا» على حياة ١٠٠ مليون شخص على الأقل. واستطرد قائلًا على وجه التحديد إن هذا يعني أن الأمر يتعدَّى تصميمَ تطبيقات «لامعة» تزدهر وتضمحل وفقًا لأهواء صيحات المراهقين. وقال في صوتٍ غير معتاد: «مَنْ يَعْلَم ماذا سيكون التطبيق التالي يا صاح؟! أكادُ أعجزُ عن مواكبة التطورات — أهو سناب تشات!» وأردف قائلًا: «عندما تبني بعض التكنولوجيات الصعبة التي تحاول شركاتٌ مثل بايدو بناءها، فهذا سيمنحك أساسًا أكثر متانةً وديمومةً للبناء عليه.»

وقد أسفَرَ عمل إينج في مجال الذكاء الاصطناعي عن إحداث تطويرٍ جللٍ في إحدى شركات البحث الكبرى مِنْ قبلُ؛ فهو يشتهر بمشروعٍ يُعرَف باسم «جوجل برين»، الذي شارَكَ في تطويره داخل مختبر الأبحاث السري جوجل إكس في عام ٢٠١١. وكان المشروع يهدف إلى اختبار إمكانية التعلُّم العميق الذي يتضمَّن التغذيةَ بالبيانات، من خلال شبكاتٍ تشبه الخلايا الدماغية لتحاكي النشاطَ الكهربي للخلايا العصبية الحقيقية الموجودة في القشرة الجديدة؛ محل التفكير والإدراك في الدماغ البشري. ويستطيع برنامج كهذا أن يتعلَّم التعرُّفَ على الأنماط في الصور والأصوات وغيرهما من البيانات الحسية. وفي إحدى التجارب المشهورة في الوقت الراهن، صمَّم الباحثون «دماغًا» يضمُّ مليارَ وصلة بين خلاياه العصبية الافتراضية، وعمل هذا الدماغ الإلكتروني على ألف جهاز كمبيوتر يحتوي كلٌّ منها على ١٦ معالجًا. ومن خلال معالجة ١٠ ملايين صورة مأخوذة من فيديوهات يوتيوب، تعلَّمَ الدماغُ التعرُّفَ على القطط، ووجوه البشر، وغيرهما من الأشياء دون أية مساعدة من البشر. وأكَّدت النتيجةُ أن التعلُّمَ العميق وسيلة عملية لإعداد برنامجٍ أذكى من أي برنامج آخَر يمكن تطويره بالاستعانة بمناهج تعلُّم الآلة المعروفة بالفعل. ودَفَعَ هذا جوجل إلى الاستثمار بقوةٍ في هذه التكنولوجيا؛ فنقلت سريعًا برنامجَ جوجل برين إلى بعض منتجاتها، ووظَّفَتْ خبراء في هذا الأسلوب، واستحوذت على شركات ناشئة تعمل في هذا المجال.

علاوة على ذلك، فإن إينج الذي ينعتُ التعلُّمَ العميق «بالقوة الهائلة» سوف يطوِّر جيلًا جديدًا من هذه الأنظمة في بايدو. وما زالت الخدمات التي قد تنتج عن هذه الأنظمة في مرحلة العصف الذهني، لكنه سوف يذكر بعض التلميحات عن طبيعتها المحتملة. فهو يحلم بمساعِدٍ شخصيٍّ رقميٍّ ذكيٍّ حقًّا يتفوَّق كليًّا على المساعد الشخصي سيري على سبيل المثال، الذي تنتجه شركة أبل. وإذا ألقينا نظرةً أكثر بُعْدًا على المستقبل، فمن الممكن أن تُحدِثَ هذه التكنولوجيا تحوُّلًا في مجال الروبوتات، وهو موضوعه المفضَّل — فقد التُقِطت صور خطوبة إينج في مختبرٍ للروبوتات — ويمكن أن تزيد هذه التكنولوجيا من قدرات السيارات الذاتية القيادة والطائرات غير المزوَّدة بالعنصر البشري. ويقول إينج مبتسمًا: «سنصنع أمورًا رائعةً هنا.»

يجب أن تحذو بايدو حذوَ الشركات الرائدة إن أرادَتْ منافستَها؛ فالشركات الرائدة، مثل جوجل وفيسبوك ومايكروسوفت وغيرها، أصبحَتْ تُوَظِّف الكثيرَ من خبراء التعلُّم العميق في مختبراتها، وأحيانًا تستقطب تلك الشركاتُ هؤلاء الخبراءَ بعضها من بعضٍ. وما زالت أمام بايدو أمورٌ كثيرةٌ يلزم أن تُثبِت إجادتَها لها. ويُشاع عن بايدو، سواءٌ بوجهِ حقٍّ أو بغيرِ وجهِ حقٍّ، ما يُشاع عن كثيرٍ من الشركات الصينية من نسخ المنتجات ونماذج الأعمال من شركات الإنترنت الأمريكية الرائدة؛ إنها عملية يُطلِق عليها المتهكِّمون «النسخ إلى الصين». وفي ظاهر الأمر حاولَتْ بايدو محاكاةَ جوجل بأوجهٍ لا تُعَدُّ ولا تُحصَى على مدار السنين، بدايةً من صفحة البحث الرئيسية الخالية وحتى جهاز الكمبيوتر المثبت بالرأس المسمى بايدو آي، الذي يشبه كثيرًا نظارات جوجل جلاس. علاوة على ذلك، بدأت بايدو أيضًا في العمل على تصنيع سيارات ذاتية القيادة. ومع النجم الجديد الذي عيَّنته بايدو ضمن فريق العمل بها يبدو أنها تحذو حذو جوجل مرة أخرى.

ويُصِرُّ إينج على أنَّ الفكرة النمطية السائدة عن «النسخ إلى الصين» لم تَعُدْ دقيقةً، لا سيما فيما يتعلَّق بشركته الجديدة التي يعمل بها. ويقول ممازحًا: «لقد كنتُ أعمل في بايدو الولايات المتحدة الأمريكية.» وبعد ذلك التَقَطَ هاتفه وقال بالإنجليزية: «من فضلك اطلب لي سيارة أجرة.» وبعدها بلحظةٍ نطق تطبيقُ الترجمة الجملةَ نفسها بالصينية المندرينية وأظهَرَ الرموزَ المرادفة على الشاشة. إنه ماهر — لكن هل هو أفضل من تطبيق الترجمة المقدَّم من جوجل، الذي يبدو أنه يقوم بالأمر نفسه؟ هذا الأمر ليس واضحًا. ومهمة إينج هي أن يطوِّر تكنولوجيات رائدة توضِّح بما لا يدع مجالًا للشك لمَنِ الصدارة.

الخروج إلى العالم

يقود مختبر بايدو في وادي السيليكون آدم كوتس، البالغُ من العمر ٣٢ سنة، الذي دخل إلى مجال الذكاء الاصطناعي عن طريق الصدفة؛ فعندما كان طالبًا يدرس علوم الكمبيوتر في جامعة ستانفورد في عام ٢٠٠٢، تحدَّثَ مع إينج الذي ذكَرَ أنه كان يعمل في مشروعٍ متعلِّق بطائرات هليكوبتر تعمل بالتحكُّم عن بُعْدٍ، وكان كوتس يبني ذلك النوع من الطائرات ويُطيِّرها عندما كان في المدرسة الثانوية في مدينة كاليستوجا السياحية الواقعة في وادي نابا بولاية كاليفورنيا. ومنذ ذلك الحين اشترك الاثنان معًا في إجراء الأبحاث وتدوينها حول الاستفادة من تعلُّم الآلة في الطائرات الهليكوبتر الذاتية القيادة، وفي الروبوتات المنزلية، وفي التعرُّف على الصور. وعندما ترك إينج جامعة ستانفورد للعمل في شركة بايدو، لَحِقَ به كوتس الذي كان في ذلك الوقت باحثًا في مرحلةٍ ما بعد الدكتوراه في مختبر إينج، وفي ذلك الوقت كان قد بدأ يدرك أنَّ تعلُّم الآلة سيكون ضروريًّا لكلِّ شيء تقريبًا. ويعلِّق على ذلك فيقول: «لا يهمُّ ما إذا كنتَ مهتمًّا حقًّا باللغة أو بطائرات الهليكوبتر؛ فبإمكانك استخدام الآلة لحلِّ أية مشكلة.»

يسعى إينج وكوتس في مختبرهما الجديد إلى تحقيق غاية أساسية، ألا وهي تصميم برنامج يستطيع — في حقيقة الأمر — التعلُّمَ من تلقاء نفسه. وحتى وقتٍ قريبٍ، كانت معظم التطورات في مجالاتٍ مثل التعرُّف على الأصوات والصور نتيجة لتدريب البرنامج باستخدام بيانات استغرَقَ تصنيفُها وقتًا وجهدًا كبيرين. فعلى سبيل المثال، يتطلَّب تعليمُ البرنامجِ رصدَ القطط قاعدةَ بياناتٍ تحتوي على آلاف الصور التي تضم أية قطط يمكن أن يرصدها البشر. لستَ في حاجةٍ لِأَنْ تكون خبيرًا في الذكاء الاصطناعي لتدرك العيب الأساسي في هذا الأسلوب الذي يُعرَف باسم التعلُّم الخاضع للإشراف؛ فليس ثمة طفل يحتاج إلى مشاهدة ٥٠ ألف صورة مصنفة كي يتعرَّف على قطة! ويعلِّق كوتس قائلًا: «إننا نتجوَّل حول العالم ونرى كيف تعمل الأشياء. ويكمن الأمل في أن نستطيع التوصُّل إلى خوارزميات تتعلم بالطريقة نفسها.» وقد تكون أنظمة التعلُّم العميق ما زالت في حاجة إلى مشاهدة المزيد من القطط لرصد قطة واحدة من تلقاء نفسها، لكنها من الممكن أن تكون أكثر نفعًا إلى حدٍّ كبيرٍ؛ لأنها تحتاج إلى أقل قدر من المساعدة من جانب البشر.

يقول كوتس إن البرنامج الذكي بما يكفي لفهم الصور والنصوص والأصوات الموجودة في حياتنا يمكنه استخدام تلك المعلومات في اتخاذ قراراتٍ نيابةً عنَّا، وإحداث تحوُّلٍ في علاقتنا بالتكنولوجيا. فعلى سبيل المثال، قد يحلِّل صورَ إجازتك ويتعرَّف على الأشخاص الظاهرة في كل صورة، ويحدِّد ما يقومون به، ويتعرَّف على معالم المكان. وبعد ذلك يمكنك العثور على صورة قديمة فيما بَعْدُ من خلال السؤال مثلًا عن: «صور أمي على الشاطئ». أو يمكنك التقاط صورة لقميصك بهاتفك وأن تطلب منه العثور على صورة مشابهة لتلك الصورة، وتكون واثقًا من أنه بدلًا من أن يرى البرنامج الصورةَ مجرد ترتيب من وحدات البكسل الملوَّنة، فإنه سوف يُطبِّق ما يفهمه عن التصاميم المختلفة للملابس وأنواع الأقمشة وذوقك الشخصي أيضًا. ويتصوَّر إينج مستقبل الهواتف الخلوية في أنها ستكون قادرة على التعرُّف على الكلام تمامًا مثلما يستطيع البشر التعرُّف عليه؛ ومن ثَمَّ سيصبح بإمكانك أخيرًا إملاء الرسائل النصية في سيارة تعج بالضوضاء. كما يأمل أن يرى تطبيقات للبريد الإلكتروني تستطيع التعلُّم من تفاعلاتك مع أصدقائك وزملائك، ثم تبدأ في الردِّ على بعض الرسائل البسيطة نيابةً عنك. وتطلُّعًا لما هو أبعد من ذلك، يقول يو إنه من الممكن أيضًا أن يحظى إينج وكوتس بفرصة استكمال أبحاثهما عن الروبوتات. ويضيف قائلًا: «لسنا مهتمين فحسب بالفضاء الإلكتروني، بل نهتم أيضًا بالفضاء المادي.»

ورغم ذلك، فسوف يحاوِل مختبر بايدو في وادي السيليكون في بادئ الأمر تسهيلَ اختبار برنامج التعلُّم العميق، الذي يتطلَّب قدراتٍ حاسوبيةً هائلة؛ فالتدريب على نموذج جديد للتعرُّف على الكلام يمكن أن يستغرق أسبوعًا أو أكثر، وهي فترة يودُّ إينج اختصارها إلى النصف. في العام الماضي قاد كوتس فريقًا من ستانفورد نحو إنجازٍ جعل ذلك الهدف واقعيًّا؛ فقد صمَّموا شبكة عصبية تماثِل تقريبًا نظامَ «جوجل برين» بواحد على خمسين من التكلفة — أي ٢٠ ألف دولار أمريكي فقط — باستخدام رقاقات جرافيكس جاهزة من شركة إنفيديا. وهذا الأسلوب من الممكن أن يساعد بايدو في الحصول على بنية تحتية قوية للتعلُّم العميق وبتكلفة منخفضة نسبيًّا، كما أنه متوافِق تمامًا مع العمل الحالي للشركة في بكين؛ حيث تُستخدَم بالفعل مجموعاتٌ من رقاقات الجرافيكس الأكثر بساطةً في تدريب أنظمة التعلُّم العميق للتعرُّف على الصور والكلام.

مسحة من الغموض

أثناء التجول في مقر بايدو على طول ممر شركات التكنولوجيا الموجودة في حي هايديان في بكين، قد تكون معذورًا إذا ظننتَ أنك انتقلْتَ ذهنيًّا بطريقةٍ ما إلى جوجل بليكس، مقر شركة جوجل الشهير، الكائن في ماونتن فيو، بكاليفورنيا. كافيتريا مجانية؟ نعم. قاعة ألعاب رياضية في الشركة؟ نعم. حجيرات نوم؟ نعم. «بنطلونات جينز، وشورتات، وتيشيرتات، وشباشب»؟ نعم، نعم، نعم. الشيء الوحيد الذي يحطِّم هذا الوهم هو شعار قدم الدب العملاق الذي يميِّز شركة بايدو والمحفور على سقف الردهة. كل هذه الأمور تبدو أنها تؤكد الفكرة النمطية الشائعة المعروفة باسم «النسخ إلى الصين» التي يحاول إينج وغيره محاولة جاهدة تحطيمَها. ويفاخر كَي يو في سعادة بأنَّ أوجه الشبه بشركات الإنترنت الأمريكية أكثر من مجرد تشابهات ظاهرية؛ فعلى غرار تلك الشركات تفضِّل بايدو الإدارةَ الأفقية، والفِرَق الصغيرة، وقِصَر دورة حياة المنتج — وأضاف بوجه يعلوه الإشراق — وأيضًا التكنولوجيا الرائعة. واستطرد يو قائلًا: «بايدو لا تختلف كثيرًا عن أي شركة من شركات الإنترنت في وادي السيليكون.» وحريٌّ بالذكر أن يو قضى ست سنوات من العمل في معامل إن إي سي أمريكا في كوبيرتينو، التي تبعد مسافة ميلين عن مقر شركة أبل.

أما إذا نقبت في تاريخ بايدو فسوف تجد أن لها جذورها في وادي السيليكون؛ فالرئيس التنفيذي لشركة بايدو روبين لي شارَكَ في تأسيس الشركة مع رجل مبيعات التكنولوجيا الحيوية إيريك زو، بعد أن قضى فترة من العمل مهندسًا في محرك البحث إنفوسيك في سانيفيل. كان لي يمتلك براءة اختراع لطريقة ترتيب المواقع في قوائم البحث من خلال عدد الروابط الواردة — سجَّلَها سنة ١٩٩٧ — أيْ قبل عام من تسجيل مؤسسي جوجل سيرجي برين ولاري بيدج لبراءة اختراع خوارزمية بيدج رانك المشابهة. ومع ازدياد عدد مستخدمي الإنترنت في الصين، زاد أيضًا عدد مستخدمي بايدو؛ مما جذب إليها استثمارات بحجم ٥ ملايين دولار أمريكي في عام ٢٠٠٤ من جوجل نفسها، التي حاولت فيما بعدُ شراءَ بايدو مقابل ١٫٦ مليار دولار أمريكي في محاولة لتعطيل الاكتتاب الأولي العام للشركة الصينية، حسبما قالت صحيفة «بلومبيرج بيزنيس ويك». وبدلًا من ذلك طرحت بايدو للاكتتاب الأولي العام في ٢٠٠٥ وارتفعت أسهمها إلى ٣٥٤ في المائة في اليوم الأول. ومثلما فعلت جوجل في الولايات المتحدة سرعان ما أحكمت بايدو قبضتها على سوق البحث في الصين، واستخدمت الأرباح لتوسيع نطاق عملها وأصبحت تقدِّم مجموعةً من خدمات الإنترنت الأخرى.

والأكثر من هذا أن بايدو حجَّمَتْ جوجل لكن بما يعتقد بعض المراقبين أنه بمساعدةٍ من الحكومة الصينية، التي تمنع الدخولَ إلى كثيرٍ من خدمات جوجل داخل حدود البلاد. واستمرت الشركة الصينية في الاستثمار في الأفكار الجديدة بحسب كلام جيكون فو الذي كان من أوائل المستثمرين في الشركة والذي يقول: «لطالما كانت بايدو تُولي اهتمامًا كبيرًا للتكنولوجيا الأساسية على نحوٍ يَفُوق شركة تنسنت وشركة علي بابا.» وهذا لا يعني أن كلَّ منتجاتها فريدة؛ فهي تقدِّم الكثيرَ من المنتجات الشبيهة بمنتجات جوجل، من بينها الخرائط والمتصفح والتخزين السحابي. قد يبدو تعيينُ إينج حركةً أخرى من حركات «التقليد»، لكن الشركة استثمرت بالفعل استثمارًا كبيرًا في أبحاث التعلُّم العميق وحقَّقَتْ نتائج تُنافِس نتائج جوجل — بل ربما تتفوَّق عليها أيضًا.

شركات الإنترنت الصينية الرائدة: تُعرَف هذه الشركات اختصارًا باسم بات، وهي الحروف الثلاثة الأولى من أسمائها باللغة الإنجليزية، وقد بدأت هذه الشركات الصينية الرائدة في مجال الإنترنت تتوسَّع في الخارج.

تنسنت علي بابا بايدو
تأسست في عام ١٩٩٨ تأسست في عام ١٩٩٩ تأسست في عام ٢٠٠٠
المنتج الرئيسي المنتج الرئيسي المنتج الرئيسي
التواصل الاجتماعي التجارة الإلكترونية البحث على الإنترنت
كانت أولى نجاحات تنسنت الكبرى خدمةُ الرسائل الفورية كيو كيو التي يستخدمها الآن ٨٤٨ مليون شخص شهريًّا. وتقدِّم تطبيقَ رسائل الهاتف المحمول وي تشات في داخل الصين وخارجها، ولديها تقريبًا ٤٠٠ مليون مستخدِم نَشِط. تقدِّم علي بابا العديدَ من الخدمات، من بينها سوق التجارة بين شخصين الذي يُعرَف باسم تاوباو، وهو من بين المواقع الأكثر زيارةً في الصين. وفي يونيو افتتحت الشركة موقعَ تجارة إلكترونية في الولايات المتحدة اسمه إيليفن مين. على غرار جوجل، توسَّعت بايدو وحقَّقت أرباحًا أكثر من خلال بيع الإعلانات إلى جوار نتائج البحث، وقدَّمت مزيدًا من الخدمات المتنوعة في مجالات أخرى مثل الخرائط والترجمة. وتقدِّم الآن محركاتِ بحثٍ لليابان والبرازيل ومصر وتايلاند.

 

فعلى سبيل المثال، يتمتَّع تطبيق الترجمة من بايدو بخاصية تمكِّنه من التعرُّف في ثوانٍ على الأشياء في الصورة وتحديد أسمائها بالإنجليزية كتابةً ولفظًا. ويستطيع تطبيق الشركة الخاص بالبحث عَبْر الهاتف المحمول أن يفهم ما يظهر في الصور الملتقَطَة على الهاتف؛ ومن ثَمَّ يعثر على صور مشابهة. وبدلًا من مجرد المطابقة على أساس تشابه الألوان والأنماط، يدرك التطبيق مثلًا ما إذا كانت الصورة تظهر كنيسة أو فريق كرة قدم. ويفضِّل يو في المؤتمرات إظهارَ مدى تفوُّق تلك الخاصية على خاصيةٍ مشابِهةٍ لدى جوجل؛ فتُظهِر إحدى الشرائح أن بايدو عثر على صور مشابهة لصورة كلب يرتدي فيونكة على رأسه، في حين أن جوجل أنتج في الغالب صور نساء يرتدين ملابس كاشفة.

وبعيدًا عن مقارنة الخواص المختارة بعناية، فقد حقَّقت هذه التكنولوجيا أرباحًا إضافية لشركة بايدو؛ ففي نوفمبر ٢٠١٢، أيْ بعدَ أربعة أشهر فقط من افتتاح يو لمختبره في بكين، بدأت الشركةُ استخدامَ تكنولوجيا التعليم العميق في البحث الصوتي، وانخفضت أخطاء التعرُّف على الكلام بمقدار الربع. وساعَدَ تغييرٌ مماثِل على خفض الأخطاء في التعرُّف الضوئي على الحروف المطبوعة؛ مما جعل تطبيق الترجمة الخاص بالشركة أفضل في فكِّ شفرةِ أشياء مثل قوائم الطعام بالمطاعم، بحسب ما قاله هايفن واه نائب رئيس بايدو والمسئول عن الترجمة الآلية.

وقد عزَّزت الشبكات العصبية التي أنشأها يو أيضًا من صافي الدخل لشركة بايدو؛ فأحد الأنظمة يتعلَّم أي المواصفات في الإعلانات هي التي تدفع الأشخاصَ إلى النقر عليه بمعدل مرات أكبر، ويختار الإعلانات المطابِقة لتلك المعايير، ثم يقوم بتشغيلها في الأوقات الأكثر مناسَبةً. وقد أتاح هذا لشركة بايدو زيادةَ أسعار الإعلانات، وأخبر لي المستثمرين في أبريل أن تلك التكنولوجيا قد ساعدت في زيادة أرباح وإيرادات الربع الأول من السنة.

ورغم ذلك، وكما هو الحال مع جوجل، فحتى مع ازدهار وزيادة أرباح شركة بايدو فإنها تواجِه تحديات مستمرة من الشركات الناشئة الصغيرة ومن الشركات المنافسة الراسخة في السوق. ومن أكبر الأمور المقلقة بالنسبة للشركة هو أن ريادتها الساحقة في مجال البحث في الإنترنت قد انخفضت في العام الماضي؛ فقد انخفضت حصة بايدو من عمليات البحث التي تمَّتْ في الصين من أجهزة الكمبيوتر المكتبية من ٨٠ في المائة إلى ٧٥ في المائة، بحسب تصريحات بلومبيرج إنتليجنس. وفي الوقت الراهن، فإن الموقع المنافِس سو دوت كوم الذي أطلقَتْه في عام ٢٠١٢ شركةُ برمجيات الهاتف المحمول كايهو ٣٦٠؛ يمتلك ١٦ في المائة من عمليات البحث التي تتم من خلال أجهزة الكمبيوتر المكتبية، فارتفعت النسبة بعد أن كانت ١٠ في المائة في العام الماضي.

إن التحول السريع لاستخدام الإنترنت على أجهزة الهاتف المحمول، ذلك التغيير الذي أربَكَ الكثيرَ من شركات الإنترنت الأمريكية وأصابها بالقلق، كان كبيرًا وجوهريًّا على وجه الخصوص في الصين؛ ذلك البلد الذي يتعرَّف فيه كثيرٌ من الناس لأول مرة على حياة الإنترنت عبر الهواتف الذكية، وليس عبر أجهزة الكمبيوتر المكتبية. فحوالي ٨٣ في المائة من الناس في الصين يستخدمون نوعًا من أنواع الهواتف الذكية للاتصال بالإنترنت، وأصبحت بايدو غير مستعدة لمواجهة هذا المأزق المفاجئ. وفي العام الماضي، تحرَّكت سريعًا للتغلُّب على هذه الكبوة بأن دفعت الأموال إلى شركات الاتصالات لتوزيع تطبيقات الهاتف المحمول التي تقدِّمها شركة بايدو؛ حيث أنفقت ١٫٩ مليار دولار لشراء شركة توزيع تطبيقات الهاتف المحمول الصينية «٩١ وايرلس»، وأعادت تصميم خدماتها وتنسيقات إعلاناتها لتعمل على نحوٍ أفضل على الهواتف. وقد ساعدت كل هذه الأمور على زيادة متوسط عدد المستخدمين اليوميين لتطبيق البحث عبر الهاتف المحمول الذي تقدِّمه بايدو ليصل إلى ١٦٠ مليون شخص في الربع الأول من العام، بعد أن كان ١٣٠ مليونًا قبل ستة أشهر. ورغم ذلك، يجب أن تحارب بايدو باستمرارٍ شركاتِ الهاتف المحمول وتطبيقاتِ الهاتف المحمول الصينية لتحافظ على قيمتها.

وفي هذا الصدد قد تساعد بايدو التطوراتُ التي توصَّلَ إليها إينج وفريقُه من الباحثين. فالتحوُّل الكاسح من استخدام أجهزة الكمبيوتر التقليدية إلى استخدام الهواتف الذكية وغيرها من أجهزة الكمبيوتر المحمولة، أسفر عن زيادة هائلة في البيانات الحسية مثل الصور والفيديوهات والأصوات، وهي ذلك النوع من البيانات الذي يعجز البرنامج التقليدي عن التعامل معه، إلا أن إينج أظهَرَ أن التعلُّمَ العميق يمكنه استيعاب هذا النوع من البيانات. وترى بايدو — التي عيَّنَتْه حديثًا — في ذلك الأمر فرصةً للتقدُّم على شركات المحمول المنافسة من خلال تقديمها خدماتٍ تستطيع فهم العالم.

وهذه التكنولوجيا نفسها قد تساعد بايدو أيضًا في اجتذاب كثيرٍ من الأشخاص على ظهر الكوكب ممَّنْ لم يتصلوا بالإنترنت بعدُ، ولم يعتادوا على تكنولوجيا الكمبيوتر التي امتلكها العالم المتقدِّم على مدار ٢٠ سنة والبالغ عدد أفراده خمسة مليارات شخص. وسوف يستخدم هؤلاء الأشخاص الأجهزة المحمولة قبل أي شيء آخَر، ويُحتمَل ألا يستخدموا غيرها، ويمكن أن يقدِّم التعلُّم العميق واجهاتٍ بديهيةً تكون جذَّابة للمبتدئين في استخدام الكمبيوتر. ولن يرغب هؤلاء المستجدون في عالم الإنترنت — مثلنا جميعًا في واقع الأمر — في تعلُّم طرقِ تفاعُلٍ جديدة، حسبما يقول إينج؛ فهم سيفضِّلون التحدُّث على نحوٍ طبيعيٍّ إلى أجهزتهم للحصول على المعلومات أو الترجمة التي يريدونها.

وكذلك قد تساعد هذه التكنولوجيا بايدو في أنها ستجعل نتائج البحث والتطبيقات التي تقدِّمها مناسِبةً لمختلف اللغات والمواقع، وهو الأمر الذي حاولَتِ الشركةُ جاهدة أن تحقِّقه، لكنها آثرت أن تحدَّ من جهودها السابقة للتوسُّع خارجَ نطاق الصين. فمحاولة دخول السوق اليابانية في عام ٢٠٠٨ باءت بالفشل؛ لأن محرك بحث بايدو فشل في تلبية احتياجات السوق اليابانية. أما في الوقت الراهن فقد اختارت الشركة مناطقَ قليلة أقل تقدُّمًا لتركِّز خدماتها عليها، ومنها: جنوب شرق آسيا، والشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، وأمريكا اللاتينية. وقد أطلقت الشركة محركَ بحثٍ للبرازيل في منتصف يوليو.

بالنسبة لشركة بايدو، فإن الوصول لقَدْرٍ أكبر من العالمية يُعَدُّ ضروريًّا أيضًا لتلبية طموحها في أن تصبح رائدة في مجال التكنولوجيا؛ فكثيرٌ من الأشخاص خارج الصين، لا سيما في الغرب، لا يعلمون إلا قليلًا أو لا يعلمون شيئًا عن الشركة. وقد بَدَا واضحًا أن بايدو تكتنفها هالةٌ من الغموض في نظر الأجانب أثناء حفل كوكتيل أقامَتْه من أجل المؤتمر الدولي لتعلُّم الآلة، ذلك التجمع السنوي المرموق لخبراء الذكاء الاصطناعي الذي أُقِيم في بكين لأول مرة في يونيو الماضي؛ حيث اجتمع باحثون من جوجل ومايكروسوفت وفيسبوك والجامعات الرائدة بعد أن أصابهم السفرُ الطويل بالإنهاك في ردهة قاعة هابينيس لونج في آخِر أدوار فندق بانجو ذي النجوم السبعة وواحد وعشرين طابقًا، متأمِّلين المناظِرَ الجذَّابة لملعب بكين الوطني المعروف بعش الطائر والحديقة الأوليمبية. وقال بعضهم إنهم لم يسمعوا عن شركة بايدو إلا منذ عامين، وإنهم بدءوا يتنبهون لها عن كثب فقط عندما انضمَّ لها إينج.

أحد موظفي بايدو يسير إلى جوار «كبسولات الفضاء» التي يمكن للعاملين الاستراحة فيها في مقر الشركة في بكين.

أحد موظفي بايدو يسير إلى جوار «كبسولات الفضاء» التي يمكن للعاملين الاستراحة فيها في مقر الشركة في بكين.

إن عدم معرفة الأجانب بشركة بايدو هو جزء من مشكلة كبيرة تعاني منها الشركة؛ فثقافة النظرة الداخلية وسمعة التقليد التي تلاحِق صناعة التكنولوجيا الصينية أعاقَتْ قدرة الشركة على المنافسة مع جوجل وغيرها من الشركات الأمريكية الرائدة في مجال التكنولوجيا التي تجتذب العاملين بها من مختلف أنحاء العالم. وقد تعثَّرت المحاولات السابقة التي سعَتْ إلى تغيير تلك الثقافة. وعن هذا يقول يونج ليو، الذي ترك بايدو في يناير بعد فترة قصيرة قضاها في منصب مدير الابتكار المفتوح والشَّرَاكات في وادي السيليكون، إنه كان مندهشًا عندما أدرك مدى تركيز الشركة على الصينيين. التحَقَ ليو بمختبر صغير في وادي السيليكون افتتحته بايدو في عام ٢٠١٣، ووجد أن كبار المهندسين وكبار علماء الأبحاث البالغ عددهم ٣٠ شخصًا تقريبًا كانوا جميعهم من الصينيين. ويقول ليو معلِّقًا: «الغرض من مختبر البحث والتطوير في وادي السيليكون هو جذب أفضل المواهب، وليس فقط أفضل المواهب ضمن مجموعة عرقية تمثِّل أقليةً.» ويقرُّ قادة بايدو بهذه الحقيقة، حيث يعلِّق كايزر كووه مدير الاتصالات الدولية قائلًا: «نبذل جهودًا لتضمَّ الشركةُ قَدْرًا أكبر من الأجناس المختلفة.» ومن خلال إعادة تشغيل المختبر الذي انضَمَّ إليه ليو، وتوظيف إينج وكوتس، وزيادة حجم المختبر ونطاقه، يأملون في جعل المجموعات البحثية في بايدو — وبقية الشركة في نهاية المطاف — أكثر تنوُّعًا. وعلى الرغم من أن المسئولين في الشركة يغضبون عند مقارنة بايدو بشركة جوجل، فإنهم يحاولون باستمرار التصرُّف إلى حدٍّ كبيرٍ مثل شركة جوجل؛ أيقونة وادي السيليكون على الصعيد العالمي.

تغيير الثقافة

وبالعودة إلى مختبر وادي السيليكون، سنجد أن أندرو إينج يحاول جاهدًا تبنِّي دوره المزدوج كمحفز لتغيير الثقافة وكواضع تصورات تقنية مستقبلية. لقد كان في السابق لا يستطيع تحمُّل الأشخاص الذين يتحدَّثون عمَّا كان يعتبره من «الأمور التافهة» في ثقافة المؤسسة، أما الآن فهو لا يمل من هذا الموضوع، وكتابه المفضَّل في الفترة الأخيرة — وهذا الأمر يُشعِره بالحرج بعض الشيء — هو «الشركة الناشئة المقتصدة» للمؤلف إيريك ريس، وهو دليلٌ لأصحاب الأعمال في مجال الإدارة. كما استعان أيضًا برائد الأعمال المتعدِّدة وخبير الشركات الناشئة جيري كابلان، الذي يقول إن إينج سأله الكثير من الأسئلة طلبًا للنصائح حول توظيف المهندسين وحشدهم لدعم المهمة، وعقد اجتماعات مع الموظفين لمناقشة أمور التوظيف وثقافة المختبر. وعن هذا يقول إينج: «بعد أن نضج تفكيري أصبحتُ أقدِّر حقًّا الثقافةَ وأهمية أن يكون المرء مراعيًا لها.»

يقول سباستيان ثرَن أستاذ الأبحاث في جامعة ستانفورد وأحد زملاء جوجل (زمالة جوجل لقبٌ شرفيٌّ يقتصر على مهندسي جوجل من أصحاب الإنجازات الرفيعة) الذين بدءوا مشروعَ سيارة جوجل الذاتية القيادة؛ إن المناخ العالمي الذي ساهَمَ في تشكيل فكر إينج يجعل منه نواةً جيدةً لمجموعة بحثية أكثر تنوُّعًا، وإينج صريح بشأن حقيقة أنه مغناطيس مواهب ضروري لشركة بايدو. ويبدو أنه بدأ يجتذب بالفعل شخصياتٍ من نوعيات مختلفة للغاية؛ فمن بين الموظفين الجدد براين كاتانزارو، مهندس رقاقات الجرافيكس وعالم أبحاث سابق في إنفيديا — وهو من نوعية علماء التكنولوجيا المألوفين في وادي السيليكون الذين تلقَّوا تعليمهم في بيركلي، وكان من الممكن أن ينضمَّ إلى شركة جوجل أو فيسبوك أو أية شركة ناشئة رائجة. ويقول إينج إنه يهدف أيضًا إلى أن يصبح مختبرُ أبحاث بايدو «مساميًّا قليلًا»، فتحدث مشاركةٌ للأفكار مع الباحثين الآخَرين ومع مجتمعِ مطوِّري البرمجيات، وتصبح بايدو راسخةً في مجتمع وادي السيليكون تمامًا مثل الشركات الأمريكية المنافسة لها. ويستطرد إينج قائلًا: «ثمة فرصة لخلق ثقافة رائعة للبحث ولتغيير العالم.»

إذا نجحت خطط إينج فسوف يتغيَّر العالم بالفعل في عدة نواحٍ؛ ستكون بايدو قد أثبتت أن شركات الإنترنت الصينية يمكنها تقديم ما هو أكثر من مجرد السير على خطى شركات الإنترنت الأمريكية، كما أن أجهزة الكمبيوتر الإدراكية ستكون قد تولَّتْ مسئوليةَ إنجاز كثيرٍ من المهام اللازم على البشر الاضطلاع بها بأنفسهم في الوقت الحاضر؛ مما يخلق فرصًا لتتفرَّغَ عقولُنا للقيام بأنشطة أكثر إبداعيةً. ويعلِّق إينج قائلًا: «مثلما حرَّرتِ الثورة الصناعية كثيرًا من البشر من العمل البدني الشاق، أعتقد أن الذكاء الاصطناعي يمتلك القدرةَ على تحرير الإنسانية من كثيرٍ من المهام الذهنية الشاقة.» إنه هدف يستحق أن يحظى باهتمام جوجل، إلا أن النجاح في تحقيقه يحتِّم على بايدو أن ترسم طريقًا خاصًّا بها لا ينازعها فيه أحد.

 

30 Nov, 2015 10:02:51 AM
0

لمشاركة الخبر