Skip to main content

نوبة قلبية على طبق من فضة: حقيقة الدهون المشبعة

بعد عقود من التحذيرات الصحية، بدأ يتلاشى الاعتقاد بأن شرائح اللحم البقري والجبن والدهن لها أثر سيِّئ على القلب. إن الحقيقة أكثر تعقيدًا، ولذيذة المذاق.

 ثمة مشهد شهير في فيلم «النائم» لوودي آلن يناقش فيه عالمان يعيشان في سنة ٢١٧٣ النصائح الغذائية الخاصة بالقرن العشرين المنصرم.

أخفُ الضررين

بعض الأشياء التي ربما تعتقد أنها تحتوي على نسبة منخفضة من الدهون المشبَّعة ليست كذلك والعكس صحيح.

تحتوي ثمرة الأفوكادو على نسبة من الدهون المشبَّعة تساوي تلك التي تحتوي عليها خمسة أكياس من البطاطس المقرمشة (٣ جرامات تقريبًا).

تحتوي ثمرة الأفوكادو على نسبة من الدهون المشبَّعة تساوي تلك التي تحتوي عليها خمسة أكياس من البطاطس المقرمشة (٣ جرامات تقريبًا).

يحتوي كوب كبير من القهوة بالحليب (١٦ أوقية سائلة (٤٧٣ ملِّيلترًا)، حليبًا كامل الدسم) على نسبة من الدهون المشبَّعة تفوق تلك التي تحتوي عليها قطعة من الكعك المحلَّى بالكريمة  (٦٫٦ مقابل ٦٫٢ جرامات).

يحتوي كوب كبير من القهوة بالحليب (١٦ أوقية سائلة (٤٧٣ ملِّيلترًا)، حليبًا كامل الدسم) على نسبة من الدهون المشبَّعة تفوق تلك التي تحتوي عليها قطعة من الكعك المحلَّى بالكريمة (٦٫٦ مقابل ٦٫٢ جرامات).

المكسرات أغنى من شريحة اللحم البقري في نسبة الدهون المشبَّعة (٩٪ مقابل ٣٫٥٪).

المكسرات أغنى من شريحة اللحم البقري في نسبة الدهون المشبَّعة (٩٪ مقابل ٣٫٥٪).

سأل أحدهما في ارتياب قائلًا: «هل تعني أنه لم تكن تستخدم دهون غزيرة في قَلْي الطعام ولم تكن توجد شرائح لحم بقري، أو فطائر محلَّاة بالكريمة، أو حلوى فُدج ساخنة؟» فأجاب الآخر: «هذه الأشياء كان يُعتَقَد أنها غير صحية، وهو النقيض تمامًا لما نوقن بصحته الآن.»

نحن لم نصل بعدُ إلى مرحلة المعرفة اليقينية هذه التي أشار إليها وودي آلن، لكنَّ شرائح اللحم البقري وفطائر الكريمة بدَأَتا تبدوان أقلَّ ضررًا على الصحة مما كانتا عليه يومًا ما. وبعد ٣٥ عامًا ظلت خلالها فكرة كَوْن الدهون المشبَّعة مضِرَّة بالقلب حقيقة غذائية، يبدو الآن أنها تتلاشى ذائبة كقطعة زبد في وعاء ساخن.

إذن؛ هل هذا يعني أنه لا بأس من تناول المزيد من اللحوم الحمراء والجبن؟ هل ستَبطُل النصائح الحالية بالحدِّ من تناول الدهون المشبَّعة؟ وإن كان الأمر كذلك، فكيف أسَأْنا فهْمَ الأمر كل ذلك الوقت؟

إن الإجابات على هذه الأسئلة مهمة. وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، تمثِّل أمراض القلب والأوعية الدموية السبب الرئيسي للوفاة على مستوى العالَم؛ إذ تقتل أكثر من ١٧ مليون شخص سنويًّا، أي نحو ثلث إجمالي عدد الوَفَيَات. وتتوقع المنظمة أنه بحلول عام ٢٠٣٠، سيتوفَّى ٢٣ مليون شخص سنويًّا. وفي الولايات المتحدة، تقدَّر أعداد مَن يعيشون بأمراض قلب وأوعية دموية بحوالي ٨١ مليون شخص. وتكلفة الرعاية الصحية باهظة.

منذ سبعينيات القرن العشرين والاعتقاد بأن تناول الدهون المشبَّعة — التي توجد بنِسَب عالية في المنتجات الحيوانية مثل اللحوم والألبان — يزيد من خطر الإصابة بالأزمات القلبية يُشكِّل الدعامة الأساسية لعلم التغذية. وبدلًا من ذلك، يتم تحفيزنا على تفضيل الدهون «الصحية» الموجودة في الزيوت النباتية وأطعمة مثل الأسماك والمكسرات والحبوب.

في الولايات المتحدة، التوجيه الرسمي للبالغين هو أنه ينبغي عليهم عدم الحصول من الدهون إلَّا على ٣٠٪ فقط من جملة السعرات الحرارية، وألَّا تتعدى السعرات الحرارية التي يحصلون عليها من الدهون المشبَّعة ١٠٪ (انظر الشكل التالي). وهي النصائح نفسها تقريبًا التي يتم توجيهها في المملكة المتحدة. وهذا ليس بأيِّ حالٍ هدفًا لا يمكن تحقيقه، فالشخص العادي يمكنه أن يأكل بيتزا الببروني بحجم ١٢ بوصة، وتظل لديه مساحة لتناول الآيس كريم قبل أن يصل إلى الحدود المنصوح بها. ومع ذلك، يتفنن البالغون في المملكة المتحدة والولايات المتحدة في التهام دهون مشبَّعة أكثر من النسبة التي يُنصح بها.

لقد اعتدنا تناول نِسَب أعلى من ذلك. منذ خمسينيات القرن العشرين وحتى أواخر عَقْد السبعينيات من القرن نفسه، كانت الدهون تمثِّل أكثر من ٤٠ بالمائة من السعرات الحرارية الموجودة في الغذاء في المملكة المتحدة، وكان الأمر نفسه ينطبق على الولايات المتحدة، لكن مع بدء انتشار التحذيرات، قلَّل الناس من أطعمة كالزبد واللحم، واستجابتْ صناعة الأغذية للأمْر، فامتلأتِ الرفوف بمنتجات منخفضة الدسم من البسكويت والكعك وأنواع الأطعمة التي تفرد على الخبز والمقرمشات.

وهكذا وصلت الرسالة، على الأقلِّ جزئيًّا. انخفض معدَّل الوَفَيَات إثر الإصابة بأمراض القلب في الغرب؛ ففي المملكة المتحدة، كان نصف أعداد الوَفَيَات ناتجًا عن مرض القلب التاجي في عام ١٩٦١، وفي ٢٠٠٩ انخفضت هذه النسبة إلى أقلَّ من الثلث. لكن العلاج الطبي ووسائل الوقاية قد تحسَّنا بدرجة مثيرة حتى إنه من المستحيل أن نحدد الدور الذي لعبتْه التغييرات في النظام الغذائي، إن كانتْ قد لعبتْ أيَّ دور من الأساس. ورغم الانخفاض في استهلاك الدهون، فإن السمنة والأمراض المرتبطة بها لم تتراجع.

ولتقدير الكيفية التي تؤثر بها الدهون المشبَّعة التي يحتوي عليها الطعام على صحتنا، علينا أن نفهم كيفية تعامل الجسم معها، وكيف أنها تختلف عن أنواع أخرى من الدهون.

حين تتناول الدهون، فإنها تنتقل إلى الأمعاء الدقيقة حيث تتحلَّل إلى عناصرها الأساسية — الأحماض الدهنية والجليسرول — وتُمتص في الخلايا التي تبطن الأمعاء. وهناك تُحزَّم مع الكوليسترول والبروتينات وتُضخُّ في مجرى الدم. هذه الحُزَم الكروية الصغيرة تسمَّى البروتينات الدهنية، وهي تتيح للدهون والكوليسترول غير القابلين للذوبان في الماء (وهما يعرفان معًا بالليبيدات) الوصول إلى حيث ينبغي عليهما.

كلما زادت نسبة الدهون التي تتناولها، ارتفعتْ مستويات البروتينات الدهنية في الدم. ومن هنا — وفقًا للاعتقاد السائد — تبدأ المشكلات الصحية.

الكوليسترول المفيد والكوليسترول المضر

تنقسم البروتينات الدهنية إلى نوعين أساسين؛ نوع عالي الكثافة والآخر منخفض الكثافة. غالبًا ما يُطلق على البروتينات الدهنية المنخفضة الكثافة اسم «الكوليسترول المضر» رغم أنها دائمًا ما تحتوي على عناصر أخرى غير الكوليسترول. والبروتينات المنخفضة الكثافة مضرة لأنها تستطيع الالتصاق بجدران الشريان من الداخل، مما ينتج عنه رواسب تسمَّى اللويحات التي تُضيِّق الأوعية وتُصلِّبها؛ مما يزيد من خطر احتمالية تسبُّب تجلُّط الدم في حدوث انسداد. من بين كافة أنواع الدهون الموجودة في النظام الغذائي، ثبت أن الدهون المشبَّعة ترفع مستويات الكوليسترول المضر إلى أعلى درجة ممكنة. (العجيب أن استهلاك الكوليسترول ليس له سوى تأثير طفيف، وسبب سمعته السيئة هو أنه غالبًا ما يوجد في الأطعمة الحيوانية التي كثيرًا ما تحتوي على مستويات عالية من الدهون المشبعة.)

من جهة أخرى، تساعد البروتينات الدهنية العالية الكثافة — أو «الكوليسترول المفيد» — على الوقاية من اللويحات الشريانية. والاعتقاد السائد هو أن نسبة البروتينات الدهنية العالية الكثافة تزداد بتناول الأطعمة الغنية بالدهون غير المشبَّعة أو الألياف القابلة للذوبان؛ مثل جميع أنواع الحبوب والفاكهة والخَضْرَاوات. وهذه باختصار هي فرضية الليبيدات، التي ربما تكون أكثر الأفكار تأثيرًا في تاريخ التغذية البشرية.

تعود أصول هذه الفرضية إلى أربعينيات القرن العشرين حين كان ارتفاع معدلات الإصابة بالأزمات القلبية بين الرجال في مرحلة منتصف العمر ينشر حالة من الذعر في الولايات المتحدة. وفي ذلك الوقت، كان الأمر يفسَّر بأنه ناتج عن التقدم في العمر، لكن أنسيل كيز — اختصاصي علم وظائف الأعضاء في جامعة مينيسوتا — كانت لديه أفكار أخرى.

لاحظ كيز أن الأزمات القلبية كانت نادرة في بعض بلدان البحر المتوسط وفي اليابان؛ حيث كان الناس يعيشون على نظام غذائي أقلَّ دسمًا. ونظرًا لاقتناعه بأنَّ ثمة ارتباطًا سببيًّا، بدأ دراسة رائدة أُجرِيتْ على سبعة بلدان في عام ١٩٥٨. أخضع كيز ١٢٧٦٣ رجلًا تتراوح أعمارهم بَيْن ٤٠ و٥٩ في الولايات المتحدة وفنلندا وهولندا وإيطاليا ويوغوسلافيا واليونان واليابان للدراسة. وقد فُحص النظام الغذائي للمشاركين وصحتهم القلبية بعد خمس سنوات ثم بعد عشر سنوات من تاريخ التسجيل.

خلص كيز إلى أنه كان ثمة ارتباط بين الدهون المشبَّعة في الطعام ومستويات الليبيدات المرتفعة في الدم وخطر الإصابة بالأزمات القلبية والسكتات الدماغية. وهنا وُلدت فرضية الليبيدات.

وقد أيدتْ أبحاثٌ أخرى النتيجةَ التي توصلتْ لها هذه الدراسة، وعلى وجه الخصوص دراسة فرامنجهام للقلب، والتي تتبعت النظام الغذائي والصحة القلبية لسكان إحدى بلدات ماساتشوستس. وفي ضوء هذا البحث، وارتفاع أعداد الوَفَيَات — فبحلول ثمانينيات القرن العشرين بلغت أعداد الوَفَيَات بين الأمريكيين على أثر الإصابة بالأزمات القلبية نحو المليون سنويًّا — قررت الهيئات الصحية الدفع باتجاه تقليل الدهون، لا سيما الدهون المشبَّعة، وظهرتِ التوجيهات الرسمية لأول مرة عام ١٩٨٠ في الولايات المتحدة، وعام ١٩٩١ في المملكة المتحدة، وظلت ثابتة منذ ذلك الوقت.

ومع ذلك، تتعالَى أصوات الشك منذ فترة. في عام ٢٠١٠، جمَعَ العلماء نتائج ٢١ دراسة تابعتْ ٣٤٨ ألف شخص على مدار عدة سنوات. ولم يَجِد تحليل النتائج هذا «دليلًا مهمًّا» يدعم فكرة أن الدهون المشبَّعة تزيد خطورة الإصابة بالأزمة القلبية (دورية ذي أمريكان جورنال أوف كلينيكال نيتريشن، المجلد ٩١، صفحة ٥٣٥).

وقد تلقَّى المتشككون مزيدًا من الدعم من تحليل نتائج آخر نُشِر في مارس (دورية أنالز أوف إنترنال ميديسن، المجلد ١٦٠، صفحة ٣٩٨). وقد أعادتْ هذه الدراسة النظر في نتائج ٧٢ دراسة شملت ٦٤٠ ألف شخص في ١٨ بلدًا.

ومما يثير دهشة الكثيرين أن هذه الدراسة لم تَجِد أيَّ دليل يدعم النصائح الغذائية القائمة؛ فقد خلصت الدراسة إلى أن «الأدلة الحالية لا تدعم بوضوح الإرشادات التي تشجع على الاستهلاك المرتفع للأحماض الدهنية متعددة اللاتشبع، والاستهلاك المنخفض للدهون المشبَّعة كافة؛ ربما تتطلب التوجيهات إعادة تقييم.»

جوهريًّا، وجدت الدراسة أن احتمالات الإصابة بأمراض القلب تتساوَى لدى الأفراد الواقعين على طرفَيِ النطاق؛ أي هؤلاء الذين يتناولون أعلى نسبة دهون مشبَّعة وهؤلاء الذين يتناولون أقل نسبة منها، ولم يَبْدُ أن ارتفاع معدل استهلاك الدهون غير المشبعة يقدِّم أيَّة حماية.

وقد قوبل التحليل بنقْد لاذع كَوْنَه احتوى على أخطاء منهجية وتجاهل دراسات كان ينبغي أن يتضمنها، لكنَّ القائمين على التحليل يتشبثون بالاستنتاجات العامة التي توصلوا إليها ويقولون إن البحث قد حقق الأثر المقصود بتجاوز الخط الأحمر المحيط بالدهون المشبعة.

ضوء أخضر

خارج النطاق الأكاديمي، قوبلت استنتاجات هذا البحث بحماس؛ فقد فسرها كثير من المعلقين على أنها ضوء أخضر لاستئناف تناول الدهون المشبعة. ولكن، هل هي كذلك؟ هل أخطأ كيز الفهم؟ أم أن هناك تفسيرًا آخر للتناقض بين عمله وكثير من الدراسات التي دعمته، وتحليلَيِ النتائج الحديثين؟

وحتى في الوقت الذي بدأ يظهر فيه تأثير بحث كيز في الإرشادات الصحية، كان النقاد يشيرون إلى جوانب قصور فيه، وكانت الشكوى الشائعة هي أنه قد انتقى بيانات بعينها لدعم فرضيته، متجاهلًا بلدانًا مثل فرنسا التي يتسم النظام الغذائي لشعبها بأنه عالي الدسم على الرغم من انخفاض معدلات الإصابة بأمراض القلب. وكان أقوى الأدلة لصالح نظامه الغذائي قليل الدسم من جزيرة كريت اليونانية، لكن اتضح أن كيز قد سجل بعض بيانات الأغذية المتناولة هناك خلال الصوم الكبير — الوقت الذي يتجنب فيه اليونانيون عادةً تناول اللحوم والجبن — ومِن ثَمَّ فربما يكون قد أخطأ في حساب مقدار الدهون التي يتناولونها في الأحوال الطبيعية.

أيضًا هناك من ينتقدون بحث فرامنجهام؛ حيث يقولون إنه قام بمتابعة مجموعة غير معبرة مكوَّنة من رجال ونساء أغلبهم من ذوي البشرة البيضاء، ويواجهون نسبة خطورة مرتفعة للإصابة بأمراض القلب لأسباب لا تتعلق بالنظام الغذائي مثل التدخين.

مؤخرًا، أصبح واضحًا أن تأثير الدهون المشبعة أكثر تعقيدًا مما كان يُعتقد آنذاك.

منذ فترة طويلة يدرس رونالد كراوس — من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو — العلاقات التي تربط بين البروتينات الدهنية وأمراض القلب. وشارك كراوس في تحليل النتائج الذي أُجري عام ٢٠١٠ وكان مقتنعًا بأن ثمة فرصة لإعادة النظر — ولو جزئيًّا على الأقل — في فرضية الليبيدات.

ويشير كراوس إلى دراسات ترجِّح أن جميع الليبيدات المنخفضة الكثافة ليست متماثلة، وأنه من الخطأ وصفها جميعًا باعتبارها مضرة. والآن، من المتفق عليه على نطاق واسع أن الليبيدات المنخفضة الكثافة تنقسم إلى نوعين؛ أحدهما جسيمات منفوشة كبيرة، والآخر عبارة عن جسيمات أصغر حجمًا ومضغوطة. ويقول كراوس إن النوع الأخير هو الذي يرتبط ارتباطًا قويًّا بخطر الإصابة بأمراض القلب، في حين تبدو الجسيمات المنفوشة أقل خطورة إلى حدٍّ كبير. ويقول كراوس إن الأمر المهم هو أن تناول الدهون المشبعة يدعم الليبيدات المنخفضة الكثافة. علاوة على ذلك، ثمة بعض الأبحاث التي ترجح أن الليبيدات الصغيرة المنخفضة الكثافة تحصل على دعم من الأنظمة الغذائية المنخفضة الدسم العالية الكربوهيدرات، وبخاصة تلك الغنية بالسكريات.

لِمَ قد تكون جسيمات الليبيدات المنخفضة الكثافة الأصغر حجمًا أكثر خطورة؟ خلال رحلة جسيمات الليبيدات في مجرى الدم، تلتصق بالخلايا وتُسحَب خارج الدورة الدموية. يقول كراوس إن الليبيدات المنخفضة الكثافة لا تلتصق بسهولة؛ ومِن ثَمَّ فإنها تبقَى في الدم لفترة أطول، وكلما طال مقامها هناك زاد احتمال تسببها في حدوث ضرر، كما أنها تتأكسد بسهولة أكبر لتصبح أكثر ضررًا. وأخيرًا، يحتوي معدل الكوليسترول الكلي نفسه على نسبة أكبر من الليبيدات المنخفضة الكثافة. ويقول كراوس إن ارتفاع نسبة الليبيدات يعني ارتفاع احتمالية التعرض لتلف الشرايين. ويعتقد أن الأدلة قوية بالحد الكافي لتغيير النصائح الصحية.

إلا أن سوزان جيب — أستاذة النظام الغذائي وصحة السكان بجامعة أكسفورد — تقول إنه من المبكِّر جِدًّا أن نقتنع بهذا النموذج البديل لليبيدات المنخفضة الكثافة والصحة، وتضيف قائلة: «لم يُفصل بعدُ في هذا الأمر لأن عددًا قليلًا نسبيًّا من الدراسات قد قسم الليبيدات المنخفضة الكثافة إلى أقسام فرعية. يحتمل أن تكون الفكرة جديرة بالدراسة، لكنني في الوقت الحالي لستُ مقتنعة.»

يوافق على ما سبق جيريمي بيرسون — اختصاصي علم الأحياء الوعائية ومدير طبي مشارك في مؤسسة القلب البريطانية التي مولت تحليل النتائج الذي أُجري عام ٢٠١٤ تمويلًا جزئيًّا — فيقول إن الفكرة الأصلية التي تفيد بأن النظام الغذائي الذي يحتوي على نسبة عالية من الدهون المشبعة يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب تظل مقنعة، ويضيف قائلًا إن ثمة تحليلات نتائج أخرى تدعم هذا. كذلك يشير بيرسون إلى أدلة دامغة استُخلصت من دراسات أُجريت على الحيوانات؛ حيث تكون إمكانية التحكم في النظام الغذائي أكبر بكثير منها في حالة البشر. وتبيِّن هذه الدراسات مرارًا وتكرارًا أن الدهون عالية التشبع تؤدي إلى نسبة أعلى من الليبيدات المنخفضة الكثافة وتصلب الشرايين.

إذن؛ كيف يفسر بيرسون تحليلات نتائج الدراسات التي تُلقِي بظلال من الشك على المعتقد التقليدي؟ يقول بيرسون: «أعتقد أن هذا يعني أنه بالنسبة للبشر الذين يعيشون بحريتهم ثمة أشياء أخرى تتعلق باحتمال تعرضهم لأزمة قلبية من عدمه، وهذه الأشياء عادة ما تكون أكثر أهمية من التوازن بين الدهون المشبعة وغير المشبعة في نظامهم الغذائي.» إن عوامل مثل عدم ممارسة التمارين الرياضية وتناول الكحول ووزن الجسم قد تُلقِي بظلالها ببساطة على تأثير الدهون.

بالتأكيد، لا يمكن فصل الجدل السابق ذكره عن مسألة مقدار السعرات الحرارية الكلي المتناول، والذي ازداد على مدار ثلاثة عقود بدايةً من سبعينيات القرن العشرين في الولايات المتحدة وكثير من البلاد الأخرى. وكانت النتيجة هي تزايد أعداد الأشخاص المصابين بزيادة الوزن، وزيادة الوزن أو السمنة تزيد من خطورة الإصابة بأمراض القلب.

ما يتناوله الناس الآن كبديل عن الدهون المشبعة ربما يكون عاملًا آخر له أهميته. يقول والتر ويليت — من كلية هارفرد للصحة العامة: «يتوقف تأثير تقليل الدهون المشبعة على ما يحل محلها؛ فشعوريًّا أو لا شعوريًّا، نحن نستعيض عن الخفض الكبير للسعرات الحرارية بشيء آخر.»

والمشكلة، كما يرى بعضهم، هي أن هذا الشيء الآخر عادةً ما يكون كربوهيدرات تمَّ تكريرها، خاصةً السكريات المضافة إلى الأغذية لتحل محل الدهون. وقد أظهرت دراسة نقدية أُجريت عام ٢٠٠٩ أنه إذا ارتفعت نسبة الكربوهيدرات فيما قُلِّصَت نسبة الدهون المشبعة، فإن النتيجة هي خطر الإصابة بأمراض القلب. وهذا يلعب على وتر الفكرة المستجدة التي تقول بأن السكر هو المتهم الحقيقي.

ثم هناك الدهون التقابلية؛ وهذه الدهون التقابلية — التي ابتكرها علماء كيمياء الأغذية لتحل محل الدهون الحيوانية مثل شحم الخنزير — مصنوعة عن طريق تعديل الزيوت النباتية كيميائيًّا لجعلها صلبة. ونظرًا لأنها غير مشبعة، و«صحية» جِدًّا فإن صناعة الأغذية تُدخلها في منتجات مثل الكعك والمأكولات التي تفرد على الخبز والمقرمشات، لكن فيما بعدُ اتضح أن الدهون التقابلية تسبب أمراض القلب. وإجمالًا، من الوارد أن تشير تحليلات النتائج إلى أن فوائد التحول عن الدهون المشبَّعة قد تلاشت باستبدال السكر والدهون التقابلية بها.

في الوقت نفسه، تستمر العلوم في حلِّ بعض تعقيدات أيض الدهون التي يمكن كذلك أن تساعد على تفسير النتائج المحيِّرة. تتبلور إحدى المقاربات الواعدة في أن كافة أنواع الدهون المشبعة متشابهة. على سبيل المثال، توصل تحليل النتائج الذي أُجري عام ٢٠١٤ إلى مؤشرات واضحة تدل على أن كل حمض دهني مشبع في الدم يرتبط بخطر الإصابة بمرض تاجي مختلف. ثمة بعض الدهون المشبعة التي يبدو أنها تقلل الخطورة، كما أن بعض الدهون غير المشبعة تزيدها.

اللحوم مقابل الألبان

بالرغم من أننا بحاجة إلى مزيد من الدراسات الموسَّعة لتأكيد هذه النتائج، يقول راجيف شودري — قائد فريق التحليل المذكور أعلاه وعالِم الأوبئة بجامعة كامبريدج — إن هذه مقاربة ربما تكون جديرة بالاستكشاف.

ثمة أدلة أخرى على أن الدهون المشبَّعة ليست متشابهة؛ فقد وجدت دراسة تعود إلى عام ٢٠١٢ أنه في حين أن تناول كثير من الدهون المشبعة الموجودة في اللحوم كان يزيد خطورة الإصابة بمرض القلب، فإن تناول كميات مساوية لها من الألبان كان يقلل هذه الخطورة في الواقع. ووفقًا لتقديرات الباحثين، فإن خفض السعرات الحرارية من الدهون المشبعة الموجودة في اللحوم بنسبة ٢ بالمائة فقط والاستعاضة عنها بدهون مشبعة مأخوذة من الألبان؛ يقلل خطر الإصابة بالأزمة القلبية أو السكتة الدماغية بنسبة ٢٥ بالمائة.

يستشهد كراوس كذلك بدراسات تشير إلى أن تناول الجبن لا يرفع معدل الكوليسترول المضر بنفس الدرجة التي يؤدي بها تناول الزبد إلى ارتفاعه، حتى حين يحتوي الاثنان على نفس معدلات الدهون المشبعة.

إذن، هل يمكن أن تقول النصائح المستقبلية إن الدهون التي نحصل عليها من منتجات الألبان أقل خطورة من تلك التي نحصل عليها من اللحم مثلًا؟ أو هل من الوارد أن تحثنا على أن نفضل الجبن على الزبد؟ من المبكر جِدًّا أن نجزم بذلك. تدرك جيب أن الاعتقاد بأن بعض الأحماض الدهنية المشبعة قد تكون أسوأ من غيرها بدأ يكتسب مصداقية، لكنها تقول إنه لم يَئِنِ الأوان بعدُ لهذا الاعتقاد كي يوجِّه عادات تناول الطعام.

ومع ذلك؛ فثمة شعور متنامٍ بأننا بحاجة إلى إعادة تقييم فكرتنا عن الدهون.

تقول ماريون نيسل — أستاذة التغذية بجامعة نيويورك — إن الدراسات التي تُجرى على مواد غذائية منفردة تنطوي على خلل جوهري؛ «إن الأشخاص لا يأكلون الدهون المشبعة. إنهم يأكلون الأطعمة التي تحتوي على الدهون والزيوت التي تكون عبارة عن خلطات من دهون مشبعة وغير مشبعة ومتعددة اللاتشبع، وكثير من المواد الغذائية الأخرى التي تؤثر على الصحة وتختلف أيضًا في السعرات الحرارية؛ ومِن ثَمَّ فإن فصل الدهون المشبعة عن كل ذلك ليس بالأمر البسيط.»

والطريقة الوحيدة لاختبار الفرضيات المختلفة بدقة سيكون بإلزام بعض الأشخاص بنفس النظام الغذائي، وإلزام آخرين بنظام غذائي آخر لمدة عشرين عامًا أو أكثر. تقول نيسل: «هل يمكن إجراء هذا الاختبار؟ هل يمكن تمويله؟ لا أعتقد ذلك.»

إلَامَ يوصلنا ذلك إذن؟ هل حان الوقت لإلغاء ٣٥ عامًا من النصائح الخاصة بالنظام الغذائي، والتوقف عن الخوف من الأشياء التي نعتقد أنها تُلحِق ضررًا بشراييننا؟

يجيب بعض علماء التغذية عن هذه الأسئلة بنعم؛ حيث ينصح كراوس بإعادة التفكير في التوجيهات الخاصة بالدهون المشبعة عند تجميع نسخة جديدة من دليل «الإرشادات الغذائية للأمريكيين». وهو يعتقد بالطبع أن الحدَّ الأكثر صرامة لمقدار الدهون المشبعة الذي تنصح جمعية القلب الأمريكية بتناوله — والذي ينبغي ألَّا يشكِّل أكثر من ٧ بالمائة من حصة السعرات الحرارية اليومية المتناولة — ينبغي أن يُرخى قليلًا.

ومع ذلك، فثمة آخرون يحذرون، تقول نيسل إن الإجابة تتوقف على السياق، وتضيف: «إذا كانت السعرات الحرارية متوازنة والأنظمة الغذائية تحتوي على مقدار وافر من الخَضْرَاوات، فإن الأطعمة الغنية بالدهون المشبعة لن تمثل مشكلة على الأرجح، لكن معظم الناس لا يأكلون بهذه الطريقة.»

لا يرى كل من جيب وبيرسون سببًا لتغيير الإرشادات الآن، بالرغم من أن جيب تقول إن الوقت ربما يكون قد حان لقيام اللجنة الاستشارية العلمية البريطانية للتغذية بإعادة النظر في مسألة الدهون — وهو الموضوع الذي لم تنظر فيه اللجنة منذ عام ١٩٩١.

وهكذا، بينما قد يقوم التحرريون الغذائيون بتشويح شريحة كبيرة ودسمة من اللحم البقري على صينية، ويعدون فطيرة كريمة بالفدج الساخن للتحلية، تظل النصائح الغذائية لسبعينيات القرن العشرين قائمة في الوقت الحالي. بعبارة أخرى، من الممكن أن يكون اللحم البقري والزبد جزءًا من نظام غذائي صحي، وكلُّ ما عليك ألَّا تفرط في تناولهما.

حقائق حول الدهون المشبعة

ما هي الدهون؟

الدهون هي جزيئات حيوية معقدة تلعب أدوارًا متنوعة في الجسم، بما في ذلك تخزين الطاقة، وهي عناصر مكوِّنة للأغشية الخلوية. يتكون جزيء الدهن من ثلاثة أحماض دهنية مرتبطة بجزيء جليسرول. وتُعرف هذه الوحدة بثلاثي الجليسريد. ثمة عشرات الأنواع المختلفة من الحمض الأميني، كل منها له خواصه المختلفة، بما في ذلك ما إذا كانت مشبعة أو غير مشبعة.

ما المقصود بالدهون المشبَّعة وغير المشبَّعة؟

إن أغلب الحمض الأميني خيط طويل من ذرات الكربون تلتحق بها ذرات هيدروجين. في الحمض الدهني المشبع، لا تحتوي هذه السلسلة على أي روابط كربون-كربون ثنائية، مما يعني أنها تحتوي على أقصى عدد محتمل من ذرات الهيدروجين؛ أي إنها «مشبعة». أما الأحماض الدهنية غير المشبعة فتحتوي على رابطة ثنائية واحدة على الأقل.

لا تحتوي ثلاثيات الجليسريد إلَّا على أحماض دهنية مشبعة وتسمى كذلك «مشبعة»، تلك الأحماض التي تحتوي على رابطة ثنائية واحدة أو أكثر غير مشبعة. والقاعدة هي أنه كلما كان الدهن غير مشبع كان أفضل لك، بالرغم من الطعن في صحة هذا المعتقد التقليدي.

ماذا عن الدهون الحيوانية والنباتية؟

غالبًا ما تكون الدهون الحيوانية مشبعة في حين أنه عادةً ما تكون الدهون النباتية غير مشبعة، لكن هذا ليس سوى معيار تقديري؛ فاللحوم والبيض ومنتجات الألبان تحتوي على دهون غير مشبعة، في حين تحتوي الخضراوات كذلك على دهون مشبعة. تحتوي بعض الدهون النباتية — بخاصة زيت النخيل وزيت جوز الهند وزبد الكاكاو المستخدم في الشيكولاتة — على نسبة من الدهون المشبعة تفوق نسبتها في الدهون التي تقطر من اللحم عند الطهي أو شحم الخنزير. باختصار، يحتوي كلٌّ من الحيوانات والنباتات على دهون مشبعة وغير مشبعة.

هل الكوليسترول دهن؟

على وجه الدقة، هو ليس دهنًا، لكنه حلقة وصل حيوية بين الدهون الغذائية ومرض القلب. وعلى النقيض من الدهون المشبعة، يوجد الكوليسترول على نحو شبه حصري في المنتجات الحيوانية: اللحوم والأسماك والمأكولات البحرية واللبن والبيض. لا يؤثر خفض الكوليسترول في غذائك تأثيرًا مباشرًا على مستويات الكوليسترول في الدم، لكنه يستطيع المساعدة بنحو غير مباشر لأن تقليص الأطعمة الغنية بالكوليسترول عادة ما يقلل مقدار الدهون المشبعة التي تتناولها.

هل بعض الأطعمة تعمل على زيادة الوزن أكثر من غيرها؟

الإجابة: لا؛ فجرام من الدهون غير المشبعة يحتوي على ما يعادل الطاقة الموجودة في جرام من الدهون المشبعة (نحو ٩ سعرات حيوية، مقارنة ﺑ ٤ سعرات حرارية في جرام السكر). إذن، فيما يتعلق بالسعرات الحرارية، لا يوجد دهون «مفيدة» و«ضارة».

مفاجأة الدهون

الأخبار السيئة

الزيت الذي يحتوي على أعلى نسبة من الدهون المشبعة هو في الواقع زيت نباتي، وهو زيت جوز الهند، وهو يتكون في ٨٧٪ منه من الدهون المشبعة.

يحتوي ١٥٠ جرامًا من الشيكولاتة بالحليب على دهون مشبعة تفوق ما ينبغي عليك تناوله منها في اليوم الواحد (٢٨ جرامًا).

يحتوي جوز الهند على دهون مشبعة أكثر مما يحتوي عليه لحم الضأن المفروم (٣٠ ٪ مقابل ١٠٪).

يحتوي زيت الزيتون على نفس مقدار الدهون المشبعة الموجودة في السمن النباتي الصناعي (١٤٪ مقابل ١٧٪).

الأخبار الطيبة

تتكون الشحوم التي تقطر من اللحم عند الطهي في ٥٠ بالمائة منها فقط من الدهون المشبعة.

نسبة الدهون غير المشبعة في شحم الخنزير أعلى من نسبة الدهون المشبعة به (٥٦٪ مقابل ٣٩٪).

لا يحتوي البيض إلَّا على ٣٪ دهون مشبعة.

03 Dec, 2015 10:59:49 AM
0

لمشاركة الخبر