Skip to main content

تاريخ القمر: كيف نعرف متى وقعت أبرز الأحداث؟

على الرغم من أن متوسط عمر سطح الأرض يقدَّر بنحو ٥٠٠ مليون سنة فقط، فإن أقدم الصخور التي عثر عليها الجيولوجيون على سطح الأرض قد تكوَّنت منذ ٣٫٨ مليارات سنة. لقد كان للأرض قشرة صخرية قبل ٧٠٠ مليون سنة من ذلك الوقت، لكنها اختفت منذ أمد بعيد. لقد محت التعرية والصفائح التكتونية كل التضاريس الأرضية التي تعود إلى الفترات الأولى من تاريخ الأرض. ومع ذلك، يمكنك رؤية عالم آخر من باحتك الخلفية؛ حيث يمكنك التعرف على ظواهر تُؤرِّخ للأرض منذ نشأتها وحتى وقتنا الراهن.

تكوَّن القمر في نهاية المطاف — كما هي الحال بالنسبة للأرض والشمس وكل الأجرام الأخرى الموجودة في المجموعة الشمسية — من المواد التي تكثفت من السديم الشمسي قبل نحو ٤٫٥ مليارات سنة، وتشكَّل سطحه من خلال كلٍّ من الطاقة الخارجية (الفوهات الصدمية) والطاقة الداخلية (الأنشطة البركانية والتصدع). وكلتا العمليتين كانت أكثر نشاطًا إلى حد كبير في بداية تاريخ القمر مقارنةً بما عليه حالهما في وقتنا الراهن. واقتباسًا لعبارة كانت تُستخدم لوصف الأرض في أوائل تاريخها يمكن القول بأن القمر كانت تهيمن عليه «ألواح تكتونية نشطة»؛ فقد كانت الاصطدامات والثورات البركانية والتصدعات في كل مكان فيه!

إن الطاقة الهائلة المكتسبة من الاصطدامات التي لا حصر لها، والتي جمَّعت المواد الداخلة في تكوين القمر، جعلته ينصهر تمامًا مكوِّنًا محيطَ صهارة قمريًّا؛ فطفت العناصر المنخفضة الكثافة مثل الألومنيوم على السطح مثل الغثاء الزبدي، أما المواد الأكثر كثافة مثل الحديد فغاصت في أعماق الجرم المنصهر في عملية تُعرف باسم «التمايز الكوكبي».

تخلص القمر في المرحلة الأولى من نشأته من الحرارة سريعًا، وبدأ في التحول للحالة الصلبة، مع أنه ظل يتعرض للوخز بصورة متكررة بفعل وابل من المقذوفات التي كانت عبارة عن البقايا المتخلفة عن عملية تكوُّن المجموعة الشمسية. وعلى مدار أول ٦٠٠ إلى ٧٠٠ مليون سنة من عمر القمر ارتطمت به أجسام ضخمة مُكوِّنة فوهات عملاقة يتراوح قطرها ما بين مئات الأميال إلى ما يقرب من ألف ميل.

ومع مرور الوقت تسببت الحرارة الناجمة عن التحلل الإشعاعي لليورانيوم والثوريوم في صهر أجزاء من دثار القمر، وصعدت هذه الصهارة الجديدة من خلال الشقوق الموجودة أسفل الفوهات الحديثة العهد، وتسببت في دفع كميات هائلة من الحمم إلى السطح. وقد كوَّنت عشرات الآلاف من الثورات البركانية تلك التدفقات الداكنة السميكة الموجودة في قيعان الفوهات التي نراها اليوم في «بحر الأمطار»، و«بحر السكون»، و«بحر الشدائد». وتحدِّد الأخاديدُ المنحنية مثل «أخدود هادلي» المواقعَ التي قطعت فيها الحممُ البركانية السريعةُ التدفقِ القنواتِ المتعرجةَ. وتسبَّب تدفق الصهارة من الدثار إلى سطح القمر في غرق الفوهات؛ مما أدى إلى تكوُّن شقوق حول حوافها (مثل الأخاديد المتحدة المركز المحيطة ببحر السكون)، وتصدعات بداخلها؛ حيث اضطُرت الحمم عندما بردت إلى ضغط نفسها للاستقرار في أماكن أصغر.

ومنذ نحو ٣٫٨ مليارات سنة انخفض معدل تكون الفوهات الصدمية بسرعة فيما يتعلق بمرات تكونها وحجمها. في الواقع، عندما تُعقد مقارنة بين عدد الفوهات الصدمية على الأراضي المرتفعة للقمر وعمر البحار القمرية، يتضح أنه بحلول الوقت الذي اندلعت فيه الصهارة لتشكل معظم بحار القمر (منذ فترة تتراوح ما بين ٢٫٥ و٣٫٨ مليارات سنة) كان تكوين الفوهات الصدمية قد قل بمعدل آلاف المرات عما كان عليه في الحقبة السابقة لتلك الحقبة.

تُظهر المقارنة بين الأراضي المرتفعة الكثيرة الفوهات (بالأسفل) وبحر الرطوبةِ الانخفاضَ السريع في الاصطدامات قبل نحو ٣٫٥ مليارات سنة (جوسلين سيروت).

تُظهر المقارنة بين الأراضي المرتفعة الكثيرة الفوهات (بالأسفل) وبحر الرطوبةِ الانخفاضَ السريع في الاصطدامات قبل نحو ٣٫٥ مليارات سنة (جوسلين سيروت).

استنتج علماء القمر هذا التسلسل في الأحداث استنادًا إلى العلاقات بين طبقات الأرض في المناطق المختلفة؛ إذ إن التضاريس التي تعلو تضاريس أخرى تكون أحدث عمرًا من الطبقات التحتية. ولربط هذا التسلسل بإطار زمني محدد استخدم العلماء التأريخ الإشعاعي لقياس الأعمار الحقيقية للعينات التي أتى بها رواد المركبة الفضائية أبوللو منذ أربعة عقود. ولسوء الحظ فإن هذه العينات جُمعت من المواقع الستة الوحيدة التي هبطت عليها المركبة الفضائية أبوللو، كما أن العينات الثلاث الأخرى التي أتت بها المركبة الفضائية السوفييتية «لونا» من مهمات جمْع العينات لا تجعل المجموعة كبيرة بالقدر الكافي.

يقارن هذا الشكل بين معدل الاصطدامات التي تعرض لها القمر (موضح باللون الأزرق) ومعدل حدوث الثورات البركانية في القمر (موضح باللون الأحمر). (المصدر: إتش هيسينجر وآخرون/صحيفة جورنال أوف جيوفيزيكال ريسيرش ٢٠١٢.)

يقارن هذا الشكل بين معدل الاصطدامات التي تعرض لها القمر (موضح باللون الأزرق) ومعدل حدوث الثورات البركانية في القمر (موضح باللون الأحمر). (المصدر: إتش هيسينجر وآخرون/صحيفة جورنال أوف جيوفيزيكال ريسيرش ٢٠١٢.)

يتخلل معرفتَنا بتاريخ القمر فجواتٌ عديدة تملؤها تقديرات عن أعمار سطحه، وتعتمد تلك التقديرات إلى حد كبير على حساب عدد الفوهات. وبصفة عامة نعلم أن معدل تكوين الفوهات في أول نصف مليار سنة من عمر القمر كان مرتفعًا للغاية، وأن ذلك المعدل انخفض سريعًا بعد ذلك مع حدوث زيادات أو ارتفاعات في المعدل على مدار الفترة الأخيرة التي تتراوح ما بين ٣ إلى ٤ مليارات سنة. إن الشكل الدقيق لمنحنى تكوُّن الفوهات لَهُو محل خلاف؛ ولذلك يطلق على الأعمار المقدرة بناءً على حساب عدد الفوهات اسم «الأعمار النسبية». وتستند تلك الأعمار إلى الأدلة المستقاة في مجموعها من مواقع هبوط المركبة أبوللو، ومعدلات الاصطدام على سطح الأرض، ومتابعة العديد من الكويكبات المختلفة الأحجام.

اعتمدت إحصاءات الفوهات المعدلة مؤخرًا على صور عالية الوضوح مأخوذة من «مستكشف القمر المداري» التابع لوكالة ناسا. وفي حقيقة الأمر، يمكنك إثراء معرفتنا عن القمر بالانضمام إلى التصنيف الجماعي الجماهيري لصور مستكشف القمر المداري عبر هذا الموقع www.moonzoo.org. والنتيجة المرجوة من هذا العمل المتواصل هي تشكيل قائمة أشمل تضم الأعمار النسبية لتدفقات الحمم والفوهات، وللفوهات الصدمية الكبرى التي تعد أصعبها تحديدًا.

وفي حقيقة الأمر، يعتمد هذا السيناريو كليةً على الاحتمالات، لكنها احتمالات مدروسة جيدًا، وهذا أفضل ما يمكننا تقديمه إلى أن نأتي بعينات كثيرة إضافية من أجزاء مختلفة من القمر وندرسها في مختبراتنا على سطح الأرض. هذا هو ثاني أكبر أهداف علوم القمر، لكننا يجب أن نعود إلى القمر كي نحقق هذا الهدف.

14 Dec, 2015 11:00:10 AM
0

لمشاركة الخبر