Skip to main content

هل أصبت بالأنفلونزا؟

في عام ١٩١٨، ركبت امرأة مترو الأنفاق بنيويورك في رحلة تستغرق ٤٥ دقيقة. لا بد أنها كانت تشعر بأن حالتها الصحية جيدة بما يكفي للقيام بهذه الرحلة، وإن كانت تشعر ربما ببعض الألم والرعشة. ومع ذلك، وبعد دقائق قليلة من بدء الرحلة، بدأت تشعر بصعوبة في التنفس. وتدهورت حالتها بسرعة مع امتلاء رئتيها بالسوائل. وبحلول الوقت الذي وصل فيه المترو إلى وجهته، كانت المرأة قد تُوفيت.

كيفية إعداد اللقاح المضاد لأنفلونزا الطيور

ثمة تقنية تسمى ﺑ «الوراثة العكسية» تتيح للعلماء الجمع بين جينات مأخوذة من فيروسات مختلفة. ولا بد أن هذا يتيح لهم تخليق فيروس أنفلونزا غير ضار يحفز المناعة ضد سلالة فيروسية وبائية.

هذا مثال على ضراوة وباء الأنفلونزا الذي انتشر عام ١٩١٨. فقد قتل حوالي ٤٠ مليون شخص حول أرجاء العالم. وكان معظم المتوفين بالمرض بالغين أصحاء؛ ليسوا من صغار السن أو العجائز أو المرضى الذين عادةً ما يقتلهم فيروس الأنفلونزا. ويتجسد أسوأ السيناريوهات التي يتصورها خبراء المرض الآن في تحور فيروس أنفلونزا الطيور الذي يجتاح قارة آسيا إلى سلالة مميتة مشابهة بإمكانها الانتشار في جميع أرجاء الكرة الأرضية في أسابيع.

فإذا ما تحقق هذا السيناريو، فما الخيارات المتاحة أمامنا؟ الجانب الجيد هو أن لدينا التكنولوجيا التي بإمكانها هزيمة هذا المرض القاتل؛ إذ يُعَد حاليًّا في معامل بريطانية وأمريكية القالب الذي سَيُستخدم لإنتاج اللقاح المضاد للمرض بكميات كبيرة، وهو شيء كان مستحيلًا من الناحية التكنولوجية قبل عام واحد فقط.

لكن سيظل هناك سباق مع الوقت لإنتاج كمية كافية من اللقاح لتطعيم الملايين ضد المرض، وثمة قرارات صعبة لا بد من اتخاذها في هذا الشأن. فهل يمكننا تحمل تكلفة اختصار اختبارات السلامة المعتادة؟ وهل ستقف مصالح الشركات عائقًا في سبيل الصحة العامة؟ وإذا ما انتشر الفيروس بسرعة كبيرة إلى حد لا تكفي معه كمية اللقاح أو العقاقير المتوفرة المضادة للفيروس، فمن الذي سيحصل على تلك اللقاحات أو العقاقير؟

كل عام، يصاب ما بين ١٠ إلى ٢٠ بالمائة من سكان العالم بالأنفلونزا. ونظرًا إلى أن البروتينين السطحيين لفيروس الأنفلونزا يمران بطفرات وراثية بسيطة باستمرار، فإن تناول اللقاح أو الإصابة بالأنفلونزا في عام لا يقيك بالضرورة من الإصابة بالمرض في العام التالي. ومع ذلك، فإن الأنفلونزا مرض خفيف عادةً — بالرغم من أشكاله المتغيرة — لأن أجهزتنا المناعية مستعدة إلى حد ما للتعرف على فيروسات الأنفلونزا البشرية الأساسية. كان الوباء الذي تفشى في عام ١٩١٨ — والوباءان الآخران الأقل فتكًا في عامي ١٩٥٧ و١٩٦٨ — ناتجًا عن تغيرات وراثية كبيرة في فيروس الأنفلونزا؛ حيث احتوى الفيروس على جينات بروتين سطحي من سلالة تصيب عادةً الحيوانات؛ ومن ثم لم يتعرف عليه الجهاز المناعي البشري.

لطالما حذر خبراء مرض الأنفلونزا من تكرار هذا الأمر (مجلة نيو ساينتيست، ١٤ أكتوبر ٢٠٠٠، صفحة ٢٩)، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى أن مزارع الدواجن المزدحمة الضخمة التي انتشرت فجأة عبر أرجاء القارة الآسيوية في العقد الماضي تمثل أرضًا خصبةً قويةً لوباء ربما يكون جائحًا.

يعيش فيروس أنفلونزا الطيور عادةً على نحو مسالم في البط — الذي يربيه المزارعون الآسيويون في حقول الأرز ليأكل الآفات. لكن إذا ما انتقل فيروس الأنفلونزا إلى الدواجن القريبة، ولم يُقض عليه فورًا، فمن الممكن أن يتحور بسرعة إلى فيروس مميت معدٍ إلى حد بعيد يمكنه أن ينتشر في الدواجن كالنار في الهشيم.

هذا ما حدث في شرق آسيا، حيث تكافح على الأقل ثمانية بلدان — بما فيها الصين — سلالة مميتة على وجه التحديد من فيروس الأنفلونزا إتش٥إن١ (يشير الاسم إلى البروتينين السطحيين الخاصين بالفيروس، الهيماجلوتنين والنيورامينيديز). كان يُعتَقد فيما سبق أن هذه السلالة تصيب الطيور فقط. لكن في عام ١٩٩٧، تُوفي ستة أشخاص في هونج كونج حين انتقل هذا الفيروس بطريقة ما إلى البشر (مجلة نيو ساينتيست، ١٤ ديسمبر ٢٠٠٢، صفحة ٣٦). وحتى الآن ينتقل الفيروس إلى البشر بصعوبة بالغة، في موجة التفشي الحالية، بالرغم من ملايين الطيور المصابة، لا يوجد سوى بضع عشرات من الحالات المؤكد إصابتها بالفيروس في البشر. وبالرغم من عدم استبعاد انتقال العدوي من إنسان إلى آخر، فإنه في حال حدوثه، لا تنتشر العدوى فيما يبدو على نطاق أوسع من ذلك.

ومع ذلك، يكمن الخوف في أن سلالة إتش٥إن١ يمكن أن تتغير. فالمادة الوراثية لفيروس الأنفلونزا هي الحمض الريبي النووي (الرنا)، وفيروسات الرنا معروفة بحدوث طفرات فيها بشكل متكرر. هكذا إذا ما طرأ مجرد تغير بسيط يحسن قدرة هذه السلالة على الارتباط بالخلايا البشرية، فيمكن أن يجعلها أكثر فتكًا.

قد يحدث تهجين بين فيروس إتش٥إن١ كذلك مع فيروس الأنفلونزا البشرية. يتشكل جينوم فيروس الأنفلونزا من ثمانية شرائط رنا، يحمل كل منها جينًا أو جينين. حين يصيب الفيروس خلية عائلة، تُنتَج نسخ كثيرة من هذه الشرائط الثمانية، وتتشكل فيروسات جديدة ذاتيًّا بالحصول على نسخة واحدة من كل شريط من الشرائط الثمانية. وإذا أصابت سلالتان مختلفتان من الفيروس نفس الخلية في نفس الوقت، يتشكل النسل الناتج من شرائط الرنا المأخوذة عشوائيًّا من أي من النوعين الأصليين؛ مما يعني إمكانية ظهور سلالات هجينة.

ويتمثل أسوأ السيناريوهات في ظهور سلالة هجينة تضم جينات من الأنفلونزا البشرية التي تتيح لها التناسخ والانتقال بسهولة بين البشر، لكن مع وجود جين بروتين أنفلونزا الطيور السطحي، الهيماجلوتنين، الذي يختلف كثيرًا عن البروتينات السطحية في الأنفلونزا البشرية الحالية. ولن يكون هناك جهاز مناعي بشري مستعد للتعامل مع ذلك.

في الوقت الحالي، الظروف في الدول الآسيوية مهيأة لظهور مثل هذه السلالة الهجينة. فثمة آلاف من العمال يعدمون ملايين الطيور المريضة في ذروة موسم الإصابة بأنفلونزا الطيور في تلك المنطقة. وقليل من هؤلاء العمال هم من يرتدون الملابس أو الأقنعة الواقية. فإذا ما أُصيب عامل واحد بأنفلونزا الطيور وهو في فترة حضانة الأنفلونزا البشرية، فمن الممكن أن يصبح أرضًا حاضنة لوباء كبير.

ومن الممكن أن يكون هذا الوباء متوحشًا. يقول إيرل براون — عالم فيروسات متخصص في الأنفلونزا بجامعة أوتاوا بكندا: «لكي يكون هذا الفيروس جائحًا، فإنه في حاجة إلى بروتينات سطحية جديدة، لكنه كذلك يحتاج إلى سلوك عدواني.» مثل العديد من الفيروسات الأخرى التي انتقلت مؤخرًا من الحيوانات إلى البشر، يسلك فيروس إتش٥إن١ سلوكًا عدوانيًّا إلى حد مفرط. فقد قتل ثلاثة أرباع حالات الإصابة البشرية في موجة التفشي هذه. يعتقد الأطباء أن سلالة إتش٥إن١ تتسبب في إصدار الجهاز المناعي البشري لردة فعل شديدة بنحو مفرط (مجلة نيو ساينتيست، ٦ سبتمبر ٢٠٠٣، صفحة ٣٦). ربما تحتفظ السلالة الهجينة بهذه المهارة أو لا تحتفظ بها، لكن الأمر المنذر بالسوء هو أن سلالة عام ١٩١٨ كانت فيما يبدو تقتل بالطريقة نفسها.

إذن ماذا يمكننا أن نفعل؟ تحاول منظمة الصحة العالمية توفير معدات وقاية ولقاحات وعقاقير مضادة للفيروس لحماية الأشخاص الذين يعدمون الطيور المصابة في آسيا من الأنفلونزا العادية، للحيلولة دون إصابتهم بفيروسي الأنفلونزا البشرية وأنفلونزا الطيور في نفس الوقت. فإذا ما انطلق الوباء، فقد تقلل العقاقير المضادة للفيروس من آثار المرض وانتشاره إلى الحد الأدنى — هذا إذا ما تمكن المصنعون من إنتاج كمية كافية في الوقت المناسب (انظر الجزء بعنوان «الخطة البديلة: مضادات الفيروسات»).

لكن على مدار التاريخ، كانت الطريقة المثلى لوقف انتشار الأمراض المعدية هي التطعيم الجماعي. يعد المصنعون لقاح الأنفلونزا العادية من خلال حقن سلالة غير ضارة من فيروس الأنفلونزا في أجنة الدواجن داخل البيض بالإضافة إلى السلالة المسببة للمرض التي يريدون الوقاية منها. تخلط السلالتان جيناتهما، ويحصل بعض من النسل الناتج على البروتينين السطحيين من السلالة المسببة للمرض، بينما يحصل على باقي الجينات من السلالة غير الضارة. هذه السلالة تُنتقى وتتكاثر في ملايين أخرى من بيض الدواجن، ثم تُنقى وتُقتَل وتباع في صورة لقاح.

لكن هذه الطريقة لن تكون فعالةً مع سلالة أنفلونزا الطيور هذه؛ فهذه الأنفلونزا تفتك بالدجاج ومن ثم فإن حقن الفيروس في البيض سوف يقتل الأجنة ببساطة.

لو أن وباء أنفلونزا إتش٥إن١ قد ظهر في عام ١٩٩٧، لما كان لدينا خيارات كثيرة في هذا الوقت. لكن ذلك الإحساس بالنجاة بأعجوبة من تفشي الفيروس في عام ١٩٩٧ حفز علماء الفيروسات على إيجاد طريقة أخرى لإنتاج اللقاح.

الفيروسات المصنَّعة

منذ أقل من عام مضى، وجد العلماء هذه الطريقة. فقد نجحت فرق البحث في مستشفى سانت جود لأبحاث الأطفال في ممفيس بولاية تينيسي، والمعهد الوطني للمعايير والرقابة البيولوجية بالمملكة المتحدة في تخليق فيروسات أنفلونزا مصنَّعة دون استخدام أجنة الدجاج. وقد استخدموا تكنولوجيا «الوراثة العكسية»؛ حيث أدخلوا جينات مأخوذة من فيروسات أنفلونزا الطيور والأنفلونزا البشرية إلى بلازميدات، وهي عبارة عن حلقات صغيرة من الحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين (الدنا) التي يمكن دمجها في خلايا إنسان أو خلايا قرد مزروعة. بعدئذ، تنتج الخلايا أعدادًا كبيرة من الفيروسات التي تحتوي على الجينات المختارة. الشيء المحوري هو أن الطفرة الوراثية في جين البروتين السطحي التي تجعل فيروس أنفلونزا الطيور فتاكًا بالدواجن قد تمت إزالتها؛ ومن ثم يمكن مُضاعفة أعداد هذه «الفيروسات البذرية» في البيض كالمعتاد.

ينمو الفيروس المُصنَّع في البيض على نحو جيد؛ وفي الاختبارات المبدئية ولَّد استجابة مناعية قوية في حيوانات ابن مِقرَض والدجاج. ثمة لقاح مشابه مصنوع من سلالة أخرى من أنفلونزا الطيور — إتش٩ — أنتج استجابة جيدة لدى البشر.

الآن تصنع هذه المعامل بالإضافة إلى مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في أتلانتا، بجورجيا، فيروسًا لقاحيًّا مشابهًا يحمل جينات إتش٥ وإن١ من سلالة أنفلونزا الطيور في فيتنام. حسبما يقول كلاوس شتوهر — مدير برنامج الأنفلونزا التابع لمنظمة الصحة العالمية — ستسلم المختبرات الفيروس البذري إلى منظمة الصحة العالمية في الشهر الجاري لإجراء مزيد من اختبارات السلامة على حيوانات ابن مِقرَض والدجاج. وفي أبريل أو مايو، سيختبر مصنعو اللقاح وهيئات البحث الوطنية سلامة استخدام الفيروس المقتول على البشر، وستتأكد أنه يحفز إنتاج الأجسام المضادة.

وبحلول يوليو، قد يكون المصنِّعون مستعدين للبدء في إنتاج اللقاح بكميات كبيرة، باستخدام بيض الدجاج. في ذلك الوقت، ستكون مصانعهم مشغولة بالفعل في إعداد لقاح لفيروس الأنفلونزا البشري العادي لأجل شتاء ٢٠٠٤ / ٢٠٠٥ في النصف الشمالي من الكرة الأرضية. يقول شتوهر: «لكن إذا ما رأينا انتشارًا سريعًا لفيروس إتش٥إن١ بين البشر، فسأطلب منهم التحول لصنع اللقاح المضاد للفيروس الوبائي.» ستتلخص المسألة في حقن كل دفعة جديدة من البيض التي تنتج كل أسبوع أو أسبوعين بالفيروس المضاد للوباء بدلًا من اللقاح العادي.

ما مدى السرعة التي يمكنهم إنجاز هذه المهمة بها؟ هذه الشركات ليست معدة إلا لإنتاج اللقاح بالكمية الكافية للطلب الحالي. تبلغ القدرة الإنتاجية العالمية حوالي ١٢٥ مليون جرعة شهريًّا من اللقاح المضاد لفيروس واحد. ولا يمكن زيادة الإنتاج بسرعة، حتى إذا صادر المنتجون المزيد من البيض من قطاع الغذاء؛ حيث إنه لا يمكن زيادة قدرة المعالجة بسهولة. يقول برام بالتشا من شركة سولفاي البلجيكية، وهي منتِج رئيسي للقاح: «لا يمكنك أن تضع مزيدًا من البيض أمام الباب الأمامي لتحصل ببساطة على مزيد من اللقاح من الباب الخلفي.»

يخطط أكبر أربعة مصنعين للقاح منذ فترة طويلة للانتقال إلى إعداد لقاح الأنفلونزا في الخلايا المزروعة بدلًا من البيض، وهو نظام يمكن أن يستجيب على نحو أفضل للزيادات الطارئة في الطلب. لكنهم جميعًا ليسوا مستعدين بعد. فمصنع سولفاي الجديد يحتاج إلى سنة أخرى من الاختبارات. أما أكبر مُصنع على الإطلاق — أفنتيس — فقد وقَّع لتوِّه صفقة لبدء تصنيع لقاح للأنفلونزا البشرية بالاعتماد على الخلايا. وبالنسبة لمصنع باكستر الجديد في جمهورية التشيك، فمن المقرر أن يبدأ الإنتاج في العام المقبل، لكن من الممكن دفعه إلى العمل هذا العام في حالة حدوث أية طوارئ، وذلك حسبما ذكر أوتفريد كيستنر، رئيس قسم الفيروسات بالشركة. كذلك مصنع شركة كايرون الجديد في ألمانيا أصبح جاهزًا تقريبًا، لكنه لا يزال في حاجة إلى ترخيص تنظيمي. يقول رينو رابولي من شركة كايرون: «في حالة حدوث طوارئ، كما في حالة حدوث وباء، قد يكون بإمكاننا إنتاج لقاح مصنع عن طريق الوراثة العكسية في المصنع.» فإذا ما ساءت الأمور، فقد يكون على الحكومات أن تختصر الإجراءات المطلوبة لترخيص المصانع لتشغيلها بسرعة.

ثمة عقبات أخرى محتملة؛ إذ يمتلك عديدٌ من الشركات براءات اختراع لبعض من التقنيات المتضمنة. تقول الشركة صاحبة براءة الاختراع الشاملة للوراثة العكسية — وهي شركة تكنولوجيا حيوية تسمى ميدايميون ويقع مقرها في جيثرزبرج، بولاية ميريلاند — إنها لن تفرض سوى رسوم بسيطة لقاء استخدام تكنولوجيا الوراثة العكسية لصنع اللقاح المضاد للوباء، طالما أنه ما من شركات أخرى ستربح من وراء ذلك. ليس من الواضح بعدُ ما إذا كان أصحاب براءات اختراع آخرون سيسهمون بالمثل في هذا الجهد.

أما شركة كايرون، فلا تستطيع حتى العمل على الفيروس البذري في أوروبا؛ لعدم وجود معمل مرخص له بالتعامل مع الكائنات المعدلة وراثيًّا بموجب القانون الأوروبي. وهي تحاول بناء معمل، وبسرعة. لكن إذا ما بدأ حدوث حالات وفاة بين البشر، فسيتعين تأجيل القلق بشأن حقوق براءات الاختراع والكائنات المعدلة وراثيًّا.

على الجانب المشرق، تشير الأبحاث الحديثة إلى أن اللقاح المضاد للوباء قد يتطلب في الجرعة الواحدة كمية أقل من الفيروس المقتول من تلك التي تحتاجها اللقاحات المضادة للأنفلونزا العادية. فلقاح الأنفلونزا الوبائية يحتوي على سلالة واحدة من الأنفلونزا، في حين يحتوي لقاح الأنفلونزا العادية على ثلاث سلالات؛ ومن ثم فإنه لا يحتاج إلا إلى ثلث كمية الفيروس، مما يضاعف القدرة الإنتاجية ثلاث مرات بفاعلية. لكن الأبحاث الحديثة ترجح أنه إذا ما أضيفت المواد الكيميائية المحفزة للمناعة، التي تعرف كذلك بالمواد المساعدة، فإن كمية الفيروس اللازمة لكل جرعة قد تُقلص إلى النصف، أو إلى سدس الكمية التي يحتاجها لقاح الأنفلونزا العادية — وذلك حسبما يذكر توني كولجيت من شركة كايرون — بالرغم من أن الناس قد يحتاجون إلى جرعتين يفصل بينهما ثلاثة أسابيع للوقاية من المرض.

يقول كولجيت — الذي يترأس مجموعة عمل صناعة اللقاحات المعنية بلقاح الأنفلونزا الوبائية: «سيكون القرار لمنظمة الصحة العالمية فيما يتعلق بكيفية توزيع اللقاح. نأمل أن يكون التوزيع عادلًا.» إذا كانت حالات الإصابة البشرية قاصرةً في البداية على مناطق محدودة، فقد يكون من الممكن احتواء الفيروس عن طريق نوع من التطعيم المحلي. لكن كل كمية اللقاح تقريبًا مُصنَّعة في أوروبا وأمريكا الشمالية. فهل ستوافق تلك البلدان على إرسال كميتها المحدودة من اللقاح إلى آسيا؟ يقول كولجيت: «نأمل أن قد يكون هناك نوع من التسجيل الدولي لهذا اللقاح. ونحن بصفتنا منتجين نخشى بشدة احتمالية تأميم حكوماتنا للقاح.»

لن تكون هذه المرة الأولى؛ ففي عام ١٩٧٦، كان من المتوقع أن تتحول أنفلونزا الخنازير إلى وباء جائح، مع أن ذلك في النهاية لم يحدث على الإطلاق. وكان رد فعل الحكومة الأمريكية أن حظرت تصدير اللقاح المصنع في الولايات المتحدة حتى تكفي احتياجات الولايات المتحدة؛ مما أثار الفزع في الدول المستوردة مثل كندا.

إننا لم نبلغ بعد هذه المرحلة اليائسة. يقول مايك رايان — رئيس إدارة الإنذار والاستجابة للأوبئة التابعة لمنظمة الصحة العالمية — في القمة التي عُقدت في روما في وقت سابق من هذا الشهر حول أنفلونزا الطيور: «من المهم أن نظل هادئين إزاء أسوأ السيناريوهات.» لكن هذا لا يعني أن الكابوس يمكن أن يُستبعَد. يقول دي إيه هندرسون — من جامعة جونز هوبكينز في بالتيمور، الذي قاد الجهود الموحدة للقضاء على مرض الجدري: «قد يكون هذا هو أشد خطر للأنفلونزا منذ عام ١٩١٨.»

ثمة بعض الخيارات الصعبة المستقبلية. ماذا إذا بدأنا في تطعيم الأشخاص، ثم وجدنا أن الوباء قد تلاشى، تاركين الشركات تواجه دعاوى قانونية بسبب تجاهل الأحكام التنظيمية في خضم العجلة؟ هل يتعين أن تطوع السلطات القوانين لإطلاق اللقاح في الأسواق بشكل أسرع، بالرغم من أنه لن توجد كمية من اللقاح تكفي الجميع أبدًا؟ هل يتعين أن يبدأ أحدهم في تصنيع كميات كبيرة من العقاقير المضادة للفيروس، غير عابئ ببراءات الاختراع؟

يقوم المسئولون مثل رايان وشتوهر بأقصى ما بوسعهم لطمأنة الناس بأن الوباء لم يقع بعد، وأن ثمة أشياء يمكننا القيام بها. فإذا ما نجونا من هذا الوباء أيضًا بأعجوبة، فإننا سنكون على الأقل أكثر استعدادًا عند هجمة وباء فيروس الأنفلونزا الوبائية التالية. لكن في الاجتماعات والنقاشات مع العلماء، يكون الخوف في أعينهم وأصواتهم ملحوظًا؛ فمن المحتمل أن يكون هذا الوباء هو الأكبر.

الخطة البديلة: مضادات الفيروسات

ليست اللقاحات هي الخيار الوحيد؛ فثمة عقاقير مضادة للفيروسات تقلل من حدة الأنفلونزا وتمنع إصابة الناس بها. إلا أنها لن تكون جميعًا ذات تأثير. فسلالة إتش٥إن١ التي تجتاح شرق آسيا لها طفرة وراثية تثبط مفعول العقَّارين المضادين للفيروس منخفضي الثمن وغير المسجلين ببراءة اختراع.

ثمة عقَّاران آخران من المؤكد أنهما سيؤديان المهمة. يثبط كل من زاناميفير وأوسيلتاميفير إنزيمًا فيروسيًّا رئيسيًّا — النيورامينيديز —ويقللان فترة أعراض الأنفلونزا العادية بيوم أو يومين، إذا ما بدأ تناولهما خلال ٤٨ ساعة من بداية الأعراض. ومن المعروف أن أوسيلتاميفير يقتل فيروس الأنفلونزا إتش٥إن١ في آسيا. لكن ليس من المعروف إذا ما كان هذان العقَّاران سينقذان الناس من الموت حال اجتياح الوباء.

كذلك بإمكان العقَّارين منع إصابة الناس بالأنفلونزا من الأساس. لكن الكميات المطلوبة لتقديم الوقاية الصحية للجميع ليست متوفرة.

ولأسباب تجارية لن تفصح شركة جلاكسوسميثكلاين — التي تصنع عقَّار زاناميفير — أو شركة روش التي تصنع أوسيلتاميفير — عن الكميات التي ينتجانها. لكن الكميات منخفضة نسبيًّا؛ إذ لم يكن هناك سوى سوق محدودة للعقَّارين، فقط هولندا تنصح بعقَّار أوسيلتاميفير للمعالجة الروتينية للأنفلونزا لدى العجائز، ولم تبدأ في ذلك سوى هذا العام. في فيتنام، تستخدم منظمة الصحة العالمية أوسيلتاميفير لعلاج الأشخاص العاملين في مجال الدواجن الذين يصابون بالأنفلونزا، لكنها لا تعطيهم العقَّار بانتظام — للوقاية من المرض — مثلما فعلت أثناء تفشي أنفلونزا الطيور في العام الماضي في هولندا. مثل هذه الملاحظات ترجح أن مخزون هذا الدواء محدود.

ذكر أحد المتحدثين الرسميين باسم جلاكسوسميثكلاين أن الشركة ستحتاج إلى فترة تسعة أشهر لزيادة إنتاجها من عقَّار زاناميفير، وحتى بعد انقضاء تلك الفترة قد لا يكون بإمكانها سوى مضاعفة الإنتاج. يقول ألكسندر كلاوزر من شركة روش إن الشركة كانت تخاطب السلطات الأوروبية واليابانية على مدار عامين حول التخزين الاحتياطي لعقَّار أوسيلتاميفير. لكنها «حتى الآن لم توقع عقودًا فيما يتعلق بتوفير العقَّار بكميات كبيرة في حالة الوباء»، وحين تفعل ذلك، «سوف تستغرق عملية الإنتاج شهورًا عديدة.»

16 Dec, 2015 12:47:34 PM
0

لمشاركة الخبر