Pasar al contenido principal
مغربية وتونسي يتقاسمان جائزة بلند الحيدري للشعراء الشباب العرب

جرت مساء الاثنين في أصيلة احتفالية تسليم جائزة بلند الحيدري إلى الشعراء الشباب العرب، التي فاز بها مناصفة الشاعرة المغربية نسيمة الراوي والشاعر التونسي محمد العربي، وذلك ضمن فعاليات موسمها الثقافي الـ40.

قال رئيس لجنة التحكيم، الشاعر البحريني علي عبد الله الخليفة، إن مشاركته في هذه اللجنة شكلت "فرصة نادرة لأن ألتقي بنخبة من الشعراء والنقاد العرب الذين شاركوني جس نبض حركة الشعر العربي الجديد في الوطن العربي، وهي فرصة ثمينة جدًا بالنسبة إليّ كشاعر وبالنسبة إليّ كمتابع للأنشطة الثقافية".

 

وبعدما تحدث الخليفة عن الأجواء التي جرت فيها أشغال اللجنة، خلص إلى استمرار جائزة بلند الحيدري للشعراء العرب الشباب وتطويرها، ورفع سقف حاجز السن المحدد حاليًا بـ 35 سنة لإفساح المجال أمام شريحة أوسع من الشعراء، وحصر الجائزة على الشعر المكتوب بالعربية الفصحى، إضافة إلى اشتراط أن يكون المرشح قد أصدر ديوانًا شعريًا مطبوعًا وموزعًا، وأن يتوافر على مخطوط ديوان قابل للنشر.

كما شدد الخليفة على أهمية الأداء لمقياس للجودة، مشيرًا إلى أن العديد من القصائد الجيدة قتلت بصوت صاحبها الذي لم يحسن إلقائها. كما دعا الخليفة إلى العودة إلى تنظيم الأمسيات الشعرية في أصيلة، في الساحات والأماكن العامة وإتاحتها لأكبر جمهور.

 

من جانبه، نوّه منسق الجائزة، الناقد الأدبي والباحث المغربي شرف الدين ماجدولين، بجائزة بلند الحيدري للشعراء العرب الشباب، مشيرًا إلى أنها "جائزة لها اسم، وتنهض بدور، وتسعى إلى تكريس امتداد، كما تسعى إلى أن تجسد أفقًا إبداعيًا مختلفًا". وأضاف أن الجائزة جاءت لتجاوز وضعية التهميش التي يعرفها فن الشعر، "الذي بات ذلك الجنس المعزول عن التداول، النادر في الاحتضان، النادر في الوجود كمعنى حقيقي". ليخلص إلى أن الجائزة جاءت لتجاوز هذا الأمر، لتشق أفقًا نعيد من خلاله احتضان هذا الفن، ونعيد من خلاله التصالح مع أصواته".

عرفت الاحتفالية تنظيم ندوة شارك فيها نقاد وشعراء لاستحضار روح الشاعر الراحل بلند الحيدري، أحد أصدقاء موسم أصيلة، والذي خصته مدينة الفنون والثقافة المغربية بإطلاق اسمه على إحدى حدائقها، وجائزة تحمل اسمه تمنح مرة كل 3 سنوات ضمن فعاليات موسهما الثقافي الدولي.

شكلت الندوة فرصة لتقديم قراءات نقدية لأعمال الحيدري الشعرية، وتشريح العوامل التي ساهمت في تشكل خصوصيته الشعرية وعناصر مدرسته الفريدة ضمن جيل من الشعراء الفطاحل الذين أسسوا للحداثة في الشعر العربي المعاصر، خاصة بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي ونازك الملائكة.

أضاف بن عيسى أنه أعلن عن الجائزة عندما تلقى خبر وفاة بلند في لندن، وذلك في اليوم الأول من موسم عام 1996، وكان ينتظر التحاق بلند بأصيلة في اليوم الموالي. وقال إنه تألم لوفاته، وأيضًا لأن الجائزة التي تحمل اسمه لم تعلن في حياته. ومنحت الجائزة للمرة الأولى في سنة 2000، ومند ذلك الحين أصبحت تشكل فرصة لاستحضار هذا الشاعر الكبير في أصيلة مرة كل ثلاث سنوات.وأشار بن عيسى إلى أنه كانت تربطه صداقة وطيدة مع بلند، وأن هذا الأخير كان يقيم في بيته مع زوجته. وأضاف أن الحيدري هو من وشوش له بإقامة جائزة للشعراء العرب الشباب، غير أن ظروف المهرجان لم تكن تسمح بالدخول في مثل هذه المغامرة حينذاك.

استعاد بن عيسى بعض ذكريات الشاعر الحيدري في أصيلة، وتحدث على الخصوص عن تلك الأمسية الشعرية وسط إحدى ساحات المدينة، والتي خرج لها سكان أصيلة بالشموع، وحضرها الرئيس السنغالي ليوبولد سيدار سنغور وزوجته، وألقى فيها بلند قصيدة يحكي فيها عن أيام السجن، ويصف فيها مشية الحارس في ممرات السجن: طق طق طق...

كما تحدث بن عيسى عن العلاقة الفنية والإنسانية التي ربطت الحيدري بالشاعر الكونغولي فيليكس تشيكايا أوتامسي في أصيلة، وكيف أن المدينة أطلقت اسم تشيكايا على حديقة صغيرة على الجانب الأيسر من باب القصبة عند مدخل المدينة العتيقة لأصيلة، واسم بلند الحيدري على الحديقة المقابلة.

وقال بن عيسى "كنت أشعر في أعماقي أنه لم يعط حقه". مشيرًا إلى أن بلند عانى من الإهمال واللامبالاة في بلده العراق، لأنه لم يكن من المتزلفين المدّاحين. وكان مع أصدقائه الشعراء يحجون إلى أصيلة، حيث تجمعهم الغربة ويجمعهم الأدب والشعر.

شارك في الندوة الشاعر اللبناني شوقي بزيع، الذي قال بن عيسى إن فكرة دعوته إلى المشاركة فيها جاءت على أثر قراءته لمقال نشره قبل أسابيع في جريدة "الشرق الأوسط" تحت عنوان "بلند الحيدري... ريادة لم ينصفها النقاد".

حاول بزيع في حديثه تشريح "المركبات التي صنعت عالم بلند الشعري، والتي حددت حساسيته وموقفه من العالم واللغة". وقال "أول ما استوقفني في تجربة بلند أنه لم يكن من الجيل الذي درس في كلية التربية، ومعهد المعلمين العالي، رغم أنه ولد في سنة 1926، وهي السنة نفسها التي ولد فيها السياب والبياتي". وأشار إلى أن حرمانه من الدراسة بمعناها الطبيعي شكل بالنسبة إليه جرحًا داخليًا، رغم أنه درس نفسه لاحقًا، وحصل على ثقافة متنوعة جدًا. ويضيف بزيع أن الجرح الآخر الذي عانى منه بلند ناتج من وضعه العائلي، فرغم أنه يتحدر من عائلة كردية أرستقراطية، إلا أنه عانى من انفصال والده وأمه، ثم وفاتهما تباعًا بفارق زمني قصير، ليتشرد وهو في سن 16 عامًا. وأضاف أن هذه الجراح ولدت لديه حسًا دائمًا بالتمرد والاحتجاج والرفض.

وأشار بزيع إلى أن أهمية تجربة الحيدري تكمن في أن الحداثة لديه لم تبنَ على أساس الملحمية والقصائد الطويلة والغنائية الإنشائية والرومانسية، سوى في بعض قصائد الديوان الأول، مضيفًا إنه ربما واجه في مرحلة التأسيس مشكلة مع المرأة، لأن قصائده عن المرأة تتميز بلغة نارية وعالم بركاني.

لفت أيضًا إلى أن شعر الحيدري يتميّز بالتقشف اللغوي، إذ يستخدم اللغة على قدر المعنى، مضيفًا "أحيانا كانت اللغة سهلة إلى حد تقارب النثرية".

من جانبه، تحدث الشاعر المغربي المهدي أخريف، عن مكانة الحيدري كأحد رواد القصيدة العربية الحديثة في العراق والعالم العربي، إلى جانب السياب والملائكة والبياتي وأدونيس وخليل حاوي وغيرهم.

وقال أخريف إن الحيدري اختط لنفسه منذ البداية طريقة شعرية خاصة به ظل ينمّيها بعناية منذ ديوانه الأول "خفقة الطين" حتى ديوانه الأهم من جهة الصنعة الشعرية "حوار عبر الأبعاد الثلاثة"، مرورًا بـ"أغاني المدينة الميتة" و"جئت مع الفجر" و"خطوات في الغربة" و"رحلة الخطوط الصف". وأشار إلى أن الحيدري توقف عن النشر بعد ذلك لسنوات عدة، قبل أن يصدر ثلاثة أعمال جديدة هي "إلى بيروت مع تحياتي" و"أبواب إلى البيت الضيق"، وأخيرًا "دروب في المنفى"، وهو آخر أعماله.

وأوضح أخريف "لقد خط بتوقفه ذاك خطًا فاصلًا بين طورين من الشعر متمايزين فنيًا وبنائيًا وفكريًا ووجدانيًا، مع الإشارة إلى ما ميّز عمله الأول وحتى الثاني من نزوع رومانسي كان سائدًا خلال الأربعينيات وبداية الخمسينات من القرن الماضي". كما أشار أخريف إلى كتاب "اغتراب الورد"، الذي أصدره موسم أصيلة الثقافي لسنة 1997 حول بلند الحيدري، بمبادرة من محمد بن عيسى، والذي يعتبر من أهم المراجع حول الشاعر العراقي، وتضمن دراسات وقراءات وشهادات قيمة.

18 Jul, 2018 10:41:55 AM
0