احتل مكانا في الأدب العربي والعالمي.. كيف كان الخبز مصدر إلهام للشعراء والأدباء؟
يعتبر الخبز هو المكوّن الأساسي لأي وجبة مصرية، سواء كنت ستتناوله كساندويتش، أو ستضعه كمكون ضمن إحدى الوجبات، أو ستستخدمه كغموس، فبالرغم من أنك ربما لا تدرك ذلك، لكنك لا تستطيع أن تبقي منزلك بدون خبز لمدة يوم واحد.
ولأن رغيف الخبز يلازمنا طوال الوقت، فقد كان مصدرا للإلهام للعديد من الأدباء على مر التاريخ، وفيما يلي نعرض بعض الأعمال الشعرية والأدبية، التي قامت بتحويل هذا الرغيف الصغير إلى رمز للإنسانية والعطاء والوطن.
ألّف القاصّ اللبناني توفيق يوسف عوّاد، رواية "الرغيف"، التي تدور أحداثها خلال الحرب العالمية الأولى، حين أطبقتِ المجاعة على سكان لبنان، وقد اختار عوّاد الرغيف عنوانا لروايته، لوجود حديث مطوَّل داخل أحداث الرواية عن السعي وراء الرغيف، والكدِّ للحصول عليه خبزاً أو طحيناً.
كتب عوّاد في إهداء الرواية: "إليك يا أبي أقدّم هذا الرغيف، فقد قدّمْت أنت إليّ في أيام الحرب الكبرى، وإلى إخوتي وأخواتي، أرغفةً سكبْتَ لها عَرَق جبينك ودمَ قلبك".
أما الشاعر رياض معلوف، فيتحدّث عن الرغيف في معانٍ رائعة، ثم ينتقل إلى مناجاته ويدعوه لأن يكون إنسانا أكثر من الإنسان؛ كي يتكرَّم على الذين حَرَمهم الدَهر من اللقمة الطيَّبة، قائلا: "رَغِيفُنا المُسْتَدِيرُ والقمريُّ الوجهِ، كوجهِ المحبوبِ، وهو الذي يَقْتَتِلُ الملايينُ في سبيل الحصول عليهِ يومياً، ومنهم من يطاله سهولة، إذا حالفه الحظّ، ومنهم من يسعى ويركض وراءه، والرغيف راكضٌ أمامه هارباً منه. فرغيفنا الأسمر البلديُّ الشّهيُّ، رائحتُه تُشبعُ النّفس، وهو مُطلٌّ من الفُرنِ، أو الصّاجِ، أو التنّور، وهو معجونٌ بعرقِ الجبين، ودم القلب، وهكذا ترى في احمرار خدِّه، دماً هدر في سبيله، وماء وجهٍ بذلَ من أجْله، واللّقمة منهُ دونها أهوالٌ ومصاعب، يا رغيفنا، يا أب الّلقمة الطّيّبة، لولاك ما طابت المائدة، يا خبزنا اليوميّ الكريم، كُن إنساناً أكثر من الإنسان، وتكرّم على من حرمهم الدّهرُ من لُقمتك، وعلى من اشتاقوا كثيراً إلى طلعتِك وإطلالتِك".
تم استخدام الخبز في الأدب كرمز للوطن والأم والأرض والحياة والظلم والعدالة والألم، فمحمد الماغوط يقول في أحد قصائده: "دعني أخبئ الخبز في لحمي كالدبابيس وأفتله كالشوارب فوق شفتي"، كما استخدمته غادة السمان عنوانا لأحد كتبها وهو "الرغيف ينبض كالقلب".
بينما يعتبر جبران خليل جبران أن تقاسم الخبز يعني الإنسانية ويقول في ذلك: "نصف الرغيف الذي لا تأكله يخص الشخص الآخر"، كما استخدمه الشاعر محمود درويش، ليكون رمزا للمحبة والحنين لوالدته عندما قال: "أحن إلى خبز أمي، وقهوة أمي، ولمسةِ أمي".
وفي ملحمة جلجامش العراقية نقرأ: "الخبز يا أنكيدو بهجة الحياة"، هذا ما قاله كلكامش لصديقه، وكما ورد في اللوح الثاني عشر من الملحمة: "في الأيام الأولى، عندما جرى خلق كل ما يلزم، في الأيام الأولى، عندما جاءت المشيئة الإلهية بكل ما يلزم، عندما جرى خبز الخبز في المقامات المقدسة، عندما جرى أكل الخبز في بيوت البلاد".
وتدور ملحمة جلجامش حول تعلم أنكيدو كيف يأكل مثل سائر بني البشر بدلاً من ارتضاع الحليب من حيوانات البر، فكان أول شيء تعلمه هو أكل الخبز كما قيل في الملحمة: "كل الخبز، يا أنكيدو، بهجة الحياة".
وفي الأدب العالمي، كان الخبز عنوانا لكثير من الأعمال منها "خبز العائلة" للفرنسي جون كلود رونار، و"الخبز القاسي" للفرنسي بول كلوديل، بينما اختار مكسيم غوركي عنوانا لسيرته الذاتية بهذا المعنى "كاسبا لقمة عيشي"، وتبقى رواية كزافييه دومونتبان "بائعة الخبز" من أبرز الأعمال العالمية رمزية في هذا المجال.
المصدر: الشروق