Pasar al contenido principal

القيادة لدى الثدييات ذوات الجلد السميك وسيطرة الإناث

وراء نجاح كلِّ عائلة من الفيلة، هناك أمٌّ حاكمة كبيرة في السن تتمتع بالحكمة. فما الذي يتطلبه الأمر لقيادة القطيع؟

كانت إلينور تبلغ من العمر ٥٠ عامًا تقريبًا عندما خارَتْ قواها ووافَتْها المنيَّة. وبينما قد تصل أعمار الفِيَلَة الأفريقية إلى ٧٠ سنة، فإن متوسط العمر المتوقَّع لأنثى الفيل في جماعتها التي تعيش في مدينة سامبورو في كينيا هو ٢٢ عامًا فقط. كانت إلينور الأكبر سنًّا في عائلتها، وهي الأم الحاكمة، مما جعل وفاتَها حدثًا ذا أهمية كبيرة على وجه التحديد. وطوال أسبوع تقريبًا بعد وفاتها، لم يكن أفراد عائلتها المقرَّبين فحسب هم مَن يأتون لرؤية جيفتها، بل جاءتْ لرؤيتها أيضًا مجموعةٌ متتالية من الأفيال من أربع عائلات لا تربطها بهم صلةُ قرابة. تهتمُّ الفِيَلَة بالموت على نحوٍ مُبهَم وغريب، وهو رد الفعل الذي يزداد على الأرجح مع وفاة أحد القادة في أسرتها.

تعيش الفيلة — على غرار البشر — في مجتمع معقَّد يقوم على مبدأ الانقسام والاندماج.

تعيش الفيلة — على غرار البشر — في مجتمع معقَّد يقوم على مبدأ الانقسام والاندماج.

لطالما كان من المعروف أن مجموعات الفِيَلَة تعتمد على الأنثى الحاكمة الأكبر سنًّا في جماعتها، ولكن مدى أهمية هؤلاء الإناث بدأ يتكشَّف لتوِّه تدريجيًّا. إن الأم الحاكمة هي المحور الرئيسي للشبكة الاجتماعية المعقَّدَة المتعددة الطبقات لدى الأفيال، وقد بدأتْ تتكشَّف لنا الآن لمحاتٌ من طبيعة العلاقات التي تربط هذه الجماعات المتماسكة، والدَّوْرُ الرئيسي الذي يؤدِّيه القادةُ الحكماء الأكبر سنًّا في تعزيز بقاء أفراد جماعاتهم على قيد الحياة. إن الأمهات الحاكمة يحملن معهن كنزًا دفينًا من المعلومات المهمة؛ فلهُنَّ تأثيرٌ فريد على اتخاذ القرارات المتعلقة بالجماعة، فضلًا عن أن الأمهات الأكثر نجاحًا قد يمتلكْنَ سمات شخصية بعينها مثل القادة عند البشر.

إن الكثير من المعلومات التي نعرفها عن الحياة الاجتماعية للفِيَلَة مُكتسَب من البحث الذي أُجرِي في حديقة أمبوسيلي الوطنية في كينيا، حيث تعيش الفِيَلَة في ظروف أقرب للوضع الطبيعي الذي لا يشوبه أيُّ اضطراب. لكن ليس هذا الوضع هو المعتاد؛ ففي جميع أنحاء أفريقيا، تتضاءل أعداد الفِيَلَة مع الازدياد المفاجِئ في الطلب على العاج خلال السنوات الأخيرة. فبيع زوج من الأنياب في السوق السوداء، قد يدرُّ على صاحبه دخلًا يعادِل راتبَ عاملٍ غير ماهر لمدة ١٥ عامًا؛ لذا فالحافز مغرٍ للصيادين المخالفين. وبعد قتل ذكور الفِيَلَة الأكبر حجمًا يستهدف الصيادون المخالفون قتلَ الأمهات الحاكِمة الناضجة؛ وما يحدث لجماعة الفِيَلَة التي تفقد الأمَّ الحاكمة غيرُ واضح، ولكنَّ هناك أمرًا مؤكَّدًا، وهو أننا إذا كنَّا نرغب في حماية الفِيَلَة، فنحن بحاجة إلى فهم بنية القيادة ووظيفتها داخل مجتمع الفِيَلَة.

يبلغ عدد الفِيَلَة في حديقة أمبوسيلي حوالي ١٤٠٠ فيل، تتجول في مساحة تبلغ نحو ٨٠٠٠ كم٢ داخل الحديقة وخارجها وعبر الحدود الدولية. إن هذه المنطقة التي يطل عليها جبل كليمنجارو من الأفق البعيد، أصبحتْ تشهَد تغيُّرًا مستمرًّا، وهو ما أحدث آثارًا هائلةً على قاطني هذه المنطقة؛ فبالنسبة للفِيَلَة التي تحتاج لشرب المياه يوميًّا، أصبح الوصولُ إلى المياه أكبرَ مشكلاتها؛ إذ إنه على الرغم من إمكانية التنبُّؤ بمواسم سقوط الأمطار والجفاف، أحيانًا ما يجفُّ المطر، فضلًا عن أن الاهتزازات الناتجة عن الزلازل تُغيِّر من تدفُّق وملوحة الأنهار الجوفية التي تغذِّي الينابيع والمستنقعات التي تعتمد الفِيَلَة عليها كمصدر للمياه.

تُعَدُّ تلك الدراسة التي أُجرِيَتْ على الفِيَلَة في هذه المنطقة تحديدًا أطولَ دراسةٍ على مستوى العالَم؛ حيث يُعرَف كلُّ فردٍ منها تحديدًا، وتمَّ تصنيفه على نحوٍ مرئيٍّ وفقًا لثلمة الأذن المميزة له. وليس هناك مَن يعرف عنها أفضل من سينثيا موس التي ترأَّسَتِ المشروعَ البحثي عن الفِيَلَة في حديقة أمبوسيلي منذ أن أسَّسَتْه في عام ١٩٧٢. وتمكَّنَتْ سينثيا من جمع كمٍّ هائل من المعلومات عن الفِيَلَة بعد مرور أربعة عقود على مراقبتها شبه المستمرة عن كثب وهي تجول في حياتها اليومية. وقد اكتشفتْ موس وزملاؤها على وجه التحديد الكثيرَ عن عائلات الفِيَلَة والتفاعلات الاجتماعية بينها. تقول موس: «تُظهِر الدراسات التي أجريناها مدى أهمية الدور الذي تقوم به الأم الحاكمة لتحقيق رفاهية ورخاء العائلة ونجاحها.»

تُعَدُّ عائلة الفِيَلَة في حديقة أمبوسيلي — كوحدة تتكون من أم وصغارها، وفي بعض الأحيان تشمل الأخوات والخالات والجَدَّات — جوهرَ مجتمع الفِيَلَة. وتتولَّى الأنثى الأكبر سنًّا والأكثر خبرةً القيادةَ داخلَ المجموعات الأسرية التي يتراوح حجمها بين فردين وأكثرَ مِن ٢٠ فردًا، إلا أن حجم المجموعة يتغيَّر باستمرار بناءً على المواسم وتوافر الطعام والمياه، وكذلك التهديدات التي تمثِّلها الحيوانات المفترسة. في فترة الصباح، تبدأ أنثى الفيل البالغةُ يومَها بإرضاع الصِّغَار في مجموعةٍ تتكون من ١٢ إلى ١٥ فردًا، ثم تصير جزءًا من مجموعة عددها ٢٥ فردًا مع منتصف الصباح، ثم يصل العدد إلى ١٠٠ فرد في منتصف اليوم، ومع حلول ما بعدَ الظهيرة، يعود عدد الأفراد ١٢ فردًا مرة أخرى، وأخيرًا تجلس أنثى الفيل في الليل مع صغارها فقط التي لا تزال تعتمد عليها. ومِن ثَمَّ، فهو مجتمع معقَّد دائم الحركة، كَوْنَه مجتمعًا يقوم على الانقسام والاندماج، نادرَ الوجود نسبيًّا في مملكة الحيوانات، ولكنه شائع عند الرئيسيات، ومن بينها الإنسان.

الأصدقاء والعلاقات

من المفترض منذ زمن طويل أن بِنْيَة الشبكة الاجتماعية الأوسع تنشأ من الأنماط الطبيعية التي تتمثَّل في علاقات الأم وصغارها، حيث تظلُّ الإناث داخل مجموعاتها طيلةَ عمرها، بينما ينفصل الأبناء من الذكور عن جماعاتها وتعتمد على أنفسها في فترة المراهقة. قرَّرَ فريق بقيادة بيث أرتشي من جامعة ديوك في دورهام في ولاية نورث كارولاينا، اختبار هذه الفكرة، ومن خلال التحليل الوراثي لعينات من البراز والأنسجة المأخوذة من ٢٣٦ فيلًا في حديقة أمبوسيلي، تمكَّنَ الفريق من تحديد مدى الارتباط الوثيق بين الفِيَلَة، ثم أضافوا الروابط الأسرية على أنماط الارتباط المرصودة. توصَّلَ الفريق إلى وجود توافُقٍ ملحوظٍ يشير إلى أن آلية الانقسام والاندماج تعكس درجة القرابة؛ أي إنه كلما كانت العلاقة بين الأفراد أقرب، زاد الوقت الذي تميل بعضها لقضائه مع بعض (دورية بروسيدنجز أوف ذا رويال سوسايتي، بي، المجلد ٢٧٣، صفحة ٥١٣).

ومن ثَمَّ، فإن الأم الحاكمة — في حديقة أمبوسيلي على الأقل — هي التي تقود مجموعةً من أقاربها المقرَّبة، وتمتد الشبكة الاجتماعية لتشمل ما هو أكثر من هذه الوحدة الأسرية الرئيسية. تُعرَف العائلات المتعددة التي تشارك في الروابط الودية المعتادة مثل التَّلَامُسِ وإلقاء التحية على نحو احتفائي بالمجموعات المترابطة، وقد يصل عدد هذه التجمعات من العائلات المتعددة من ٧٠ إلى ١٠٠ تجمُّعٍ، ولكن ما تمَّ تسجيله على مدًى طويلٍ يشير إلى أن متوسط هذه التجمعات في حديقة أمبوسيلي حوالي ٣٠. ويمكن أن تتسع شبكات الفِيَلَة وتصل إلى ما هو أكثر من ذلك، لتشمل الصداقات بين الأفراد من غير الأقرباء وكذلك التجمعات الأسرية الأقل ظهورًا والتي تُعرَف باسم العشائر، وقد يصل عددها عند اجتماعها إلى المئات.

من أجل بحث ديناميكيات الشبكات الاجتماعية المتعددة الطبقات للفِيَلَة، بدءًا من مستوى العائلة ووصولًا إلى مستوى المجموعات القاطنة، قامَتْ موس بالتعاوُنِ مع فيكي فيشلوك — عالِمة مقيمة ومشاركة في المشروع البحثي عن الفِيَلَة في حديقة أمبوسيلي — وفيليس لي، من جامعة ستيرلنج في المملكة المتحدة، باستخدام نموذج يعمل على الكمبيوتر لإنشاء «رسم بياني يوضِّح العلاقات الاجتماعية بين أعضاء مجموعات الأفيال» يشبه شبكة العنكبوت ويشير إلى مدى الترابطات وقوتها. بتحليل مشاهدات ٣١ عائلة من الفِيَلَة جرى رؤيتها لأكثر من ٥٠٠ مرة خلال أربعة عقود، توصَّلَتْ كلٌّ من موس وفيشلوك وفيليس إلى اكتشاف أمرٍ غريبٍ؛ وهو أنه في حين أن متوسط حجم العائلة ازداد بشكل ملحوظ من ٧ أفراد في سبعينيات القرن العشرين إلى ٢٢ فردًا في عام ٢٠١١، أصبحَتِ العائلاتُ أقلَّ تماسكًا، إلى جانب قضاء وقتٍ أقلَّ في التواصُل مع العائلات الأخرى.

الأم تَعْلم أكثر

إن حديقة أمبوسيلي تتميَّز بكونها مكانَ تجمُّعٍ تنعَم فيه الفِيَلَة بالهدوء؛ لذلك فإن تجزئة الموطن أو الصيد غير المشروع أو النفوق الجماعي لم يكن السبب وراء هذا التغيُّر. وعلى الرغم من أن هذا الأمر قد يعود جزئيًّا إلى بطء استعادة التكيُّف الاجتماعي مع البيئة الآمِنة بعد توفير الحماية من الصيد المشروع والصيد غير المشروع في أواخر سبعينيات القرن العشرين، إلا أن فيشلوك تعتقد أن السبب الرئيسي يتعلَّق بالأمهات الحاكمة. في الوقت الذي شهدت فيه الفِيَلَة هناك النموَّ والازدهارَ، كانت الأمهات الحاكمة قد أصبحَتْ أكبر سنًّا وازدادت العائلات عددًا في ظل قيادتها. نتيجة لذلك، تراجعَتِ النزعة الطبيعية لدى أيِّ عائلة لقضاء الوقت مع العائلات الأخرى داخل الشبكة؛ ومن خلال التحليل الذي أجرتْه فيشلوك للشبكات الاجتماعية للأفيال في حديقة أمبوسيلي، يبدو أن الأمهات الحاكمة تقلُّ لديها النزعة إلى العِشْرة والاختلاط الاجتماعي، وتصبح أكثر تحفُّظًا مع تقدُّمها في السن.

ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالبقاء على قيد الحياة، فإن وجود أم حاكمة كبيرة في السن تتمتع بالحكمة لا يقل أهميةً عن وجود أفيال أخرى للتعلُّم منها داخل الشبكة الاجتماعية الواسعة، وكلاهما من عوامل التأثير التي تتشابك فيما بينها؛ لأن الأم الحاكمة هي التي تُحدِّد مَن مِن الأفراد المتواجدين داخلَ الشبكة تتعلَّمُ منهم الفِيَلَةُ. تقول فيشلوك: «إن القرارات الصائبة للأم الحاكمة تحقِّق التوازنَ لاحتياجات الجماعة مما يجنِّبها الانتقال غير الضروري، حيث تتذكر الأم الحاكمة توقيتَ ومكانَ توافر الموارد الجيدة.» وقد كشفت الدراسات التي أُجرِيت في حديقة أمبوسيلي أن العائلات التي تقودها الأمهات الحاكمة الأكبر سنًّا والأكبر حجمًا، تجول في مساحات أكبر أثناء فترات الجفاف، ويبدو أن السبب في ذلك هو أن هذه الإناث تتذكَّر مكان توافر الموارد الغذائية والمائية النادرة على نحوٍ أفضل. تقول فيشلوك: «تمتلك الأم الحاكمة تأثيرًا قويًّا للغاية على ما يفعله كل فرد من الجماعة.» على الرغم من أن الطريقة التي تتبعها في التعبير عن رغبتها للجماعة لا تزال غامضة.

تدعم الدراسة التي أُجرِيت على الفِيَلَة في حديقة تارانجير الوطنية في تنزانيا الفكرةَ القائلةَ بأن المجموعات التي تقودها الأمهات الحاكمة الأكبر سنًّا قد تتمتع بميزة البقاء على قيد الحياة؛ ففي عام ١٩٩٣، ارتفع معدل وَفَيَات صِغَار الفِيَلَة من مجرد ٢٪ إلى ٢٠٪ تقريبًا خلال فترة تسعة أشهر من الجفاف. عندما أصاب الجفافُ المأوى الذي تلجأ إليه الفِيَلَة في موسم الجفاف، قرَّرَتْ بعضُ العائلات البقاءَ في الحديقة، بينما رحلتْ أُخرى إلى أماكن غير معروفة. كانت احتمالية بقاء الأمهات الحديثة السن وما تبعه من فقدان للصغار أعلى بكثير من الأمهات الأكبر سنًّا، وكانت نسبة الوفيات بين العائلات التي هاجَرَتْ أقلَّ من مثيلتها بين العائلات التي قرَّرَتِ البقاء. يوضِّح تشارلز فولي — الذي يعمل لدى جمعية المحافظة على الحياة البرية، والذي شارَكَ في نشر النتائج في عام ٢٠٠٨ — ذلك قائلًا: إنه بحكم تولِّي الأمهات الحاكمة قيادةَ تحرُّكات المجموعة لمسافاتٍ طويلة، فهذا يعني أن الإناث الأكبر سنًّا — بما لديها من معرفة واسعة بمكان توافر الموارد الغذائية والمائية الكافية — توفِّر ميزة البقاء على قيد الحياة لعائلتها الممتدة بأجيالها المختلفة (دورية بيولوجي ليترز، المجلد ٤، صفحة ٥٤١).

قدَّمَتْ كارين ماكومب من جامعة ساسكس في المملكة المتحدة أدلةً أحدث وأكثر وضوحًا حول الفوائد التي تقدِّمها الأمهات الحاكمة الكبيرة في السن والحكيمة. استعانت كارين بتسجيلات لصوت زئير أُسُود لاختبار ردودِ أفعال الأمهات الحاكمة من مختلف الأعمار في حديقة أمبوسيلي في السياق الاجتماعي لعائلتها، وعلى الرغم من أن الفِيَلَة نادرًا ما تواجِه تهديدات من الأسود، إلا أنها أحد الحيوانات المفترسة القليلة التي تشكِّل تهديدًا حقيقيًّا على حياة الفِيَلَة، ولا سيما الصغار منها، ويزداد هذا التهديد من ذَكَر الأسد لأنه — على خلاف أُنْثَاه — لديه القدرة على التغلُّب على الفيل الصغير، حتى عندما يصطاد بمفرده. وجدت ماكومب أن الفِيَلَة الأكبر سنًّا ممَّا تتراوح أعمارها بين ٦٠ عامًا وما فوقُ، قادرةٌ على سماع صوت زئير ذَكَر الأسد على بُعْدِ مسافة أطول من صوت زئير الأنثى، وأن مجموعاتها تحتشد على نحوٍ أكثر تكرارًا وقُربًا مما تفعله مجموعة تقودها الأمهات الحاكمة الأصغر سنًّا. تقول ماكومب: إن هذا الأمر يشير إلى أن الفِيَلَة تُذعِن لكبار السن من الفِيَلَة في مجموعاتها لما تملكه من معرفةٍ، وأن الأمهات الحاكمة تتحمل المسئولية عندما يتعلَّق الأمر بتحديد الاستراتيجية التي ستتبنَّاها لمواجهة الحيوان المفترس.

بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن الأمهات الحاكمة الأكبر سنًّا لديها قدرة أفضل لتقدير «خطر الغرباء» من الفِيَلَة الأخرى. تواجِه كلُّ عائلة من الأفيال في حديقة أمبوسيلي حوالي ٢٥ عائلة أخرى على مدار العام، وهو ما يمثِّل نحو ١٧٥ أنثى بالغة. وقد يحدث أن تكون المواجهات مع المجموعات الغريبة مواجهات عدائية، وإذا توقَّعَتْ عائلة حدوثَ مضايقة محتملة، فإنها تتبنَّى أسلوبًا للدفاع يُعرَف باسم الحشد. قامتْ ماكومب باختبار هل كان عمر الأم الحاكمة له تأثير على قدرتها على التمييز بين الأصوات التي تصدر أثناء التواصل؛ ففي تجربة أُعِيد فيها تشغيل أصوات مسجَّلَة للفِيَلَة، توصَّلَ فريقها إلى أن العائلات التي تقودها الأمهات الحاكمات الأكبر سنًّا كانت أقل استجابةً بصورة عامة، ولكنها كانت أكثر حشدًا في استجابتها للأصوات الغريبة الصادرة من أفراد العائلات الأخرى من العائلات التي تقودها صغار الإناث. يعتقد الفريق أن السبب في ذلك يرجع إلى أن الأمهات الحاكمات الأكبر سنًّا لديها ذاكرة أكبر لأصوات الفِيَلَة مما يتيح لها التمييز على نحوٍ أدق بين الأصوات المألوفة وغير المألوفة وإظهار رد الفعل الملائم.

على الرغم من ذلك، قد تتطلب القيادة الحكيمة أكثر من مجرد توافر الحكمة المقترنة بالعمر؛ حيث يبدو أن الفِيَلَة لديها سمات شخصية، الأمر الذي جعل كلًّا من لي وموس تتساءلان هل كانت هناك سمات شخصية معيَّنَة مرتبطة بالقيادة المؤثِّرة، وتوصَّلَتَا إلى تحديد ٢٦ سمة تمتلكها الفِيَلَة، مثل الثقة والشعور بالخوف والانتهازية والعدوانية، والتي تجتمع تحت أربعة أبعاد رئيسية لشخصية الفِيَلَة، وهي المَرَح والدماثة والإخلاص والقيادة. وخضعتْ — إلى الآن — ١١ أنثى بالغة فقط في حديقة أمبوسيلي إلى الدراسة، وبَدَا أن الأم الحاكمة تحوز قصب السبق فيما يتعلق بالقيادة، وهو ما يمكن توقُّعه، ولكن يأمل الباحثون في تحديد السمات المشتركة بين الأمهات الحاكمة الأكثر نجاحًا والأقل نجاحًا من خلال تقييم المزيد من عائلات الفِيَلَة، الأمر الذي سيساعد على تحديد العائلات الأكثر قدرةً على التأقلُم مع الوضع عندما يصبح صعبًا.

وإذا كانت القيادة المؤثِّرة مهمة في حديقة أمبوسيلي، فإنها أكثر أهميةً في أجزاء من أفريقيا تكون فيها التهديدات أكبر؛ حيث أدَّى الصيد غير المشروع في ثمانينيات القرن العشرين إلى انخفاض تعداد الفِيَلَة في أفريقيا إلى النصف، غير أن الوضع تحسَّنَ بعد أن نبَّهَ النشطاءُ والباحثون ومن بينهم إيان دوجلاس هاملتون — مؤسِّس منظمة حماية الفِيَلَة — العالَمَ، وساعدوا في حظر تجارة العاج الدولية عام ١٩٨٩. بدأت الإغاثة في كينيا قبل هذا التاريخ بفرض حظر على جميع أعمال الصيد التذكاري، دون أن تقتصر على الفِيَلَة فقط في عام ١٩٧٨. ومع ذلك، عاوَدَتْ أعمال الصيد غير المشروع ازديادَها، حيث تُذكِي الثروة المتزايدة في الشرق الأقصى من الطلب على العاج الذي يتم الحصول عليه بطرق غير مشروعة. وتعتبر الحيوانات الأكبر سنًّا ذات الأنياب الأكبر حجمًا هي الهدف الرئيسي للصيَّادين (انظر الشكل).

قتل الفِيَلَة بغرض الحصول على الأنياب: ارتفاع تجارة العاج غير المشروعة

يستهدف الصيَّادون المخالفون إناث الفيل البالغة والذكور أيضًا؛ نظرًا للطلب المتزايد في الشرق الأقصى على العاج.

الالتزام بمكافحة تجارة العاج غير المشروعة.

الالتزام بمكافحة تجارة العاج غير المشروعة.

عدد الفِيَلَة الأفريقية في عام ٢٠١٢.

عدد الفِيَلَة الأفريقية في عام ٢٠١٢.

الفِيَلَة الأفريقية التي قُتِلَتْ بطريقة غير مشروعة.

الفِيَلَة الأفريقية التي قُتِلَتْ بطريقة غير مشروعة.

جاءت الإشارات الأولى إلى العواقب الوخيمة التي قد تترتب على قتل الأمهات الحاكمة من حديقة ميكومي الوطنية في تنزانيا؛ حيث كان يجري اصطياد الفِيَلَة بأعداد كبيرة قبل عام ١٩٨٩، ولا يزال من الممكن حتى الآن تبيُّن حجم التبعات التي ترتبتْ على ذلك، حيث أفاد فريق في عام ٢٠٠٨ بقيادة كاثلين جوبوش — التي تعمل حاليًّا في منظمة حماية الفِيَلَة — أن مجموعات الفِيَلَة التي تأثَّرَتْ بشدة بعمليات الصيد غير المشروع لديها أمهات حاكمة صغيرة في السن، وتعاني من روابط اجتماعية أضعف وشعورٍ أقل بالترابط. وأظهَرَ تحليل عيِّنَات البراز المأخوذة منها وجودَ مستويات مرتفعة من الجلوكوكورتيكويدات (القشراني السكري) مما يدل على وجود توتُّر مزمن. وعند مقارنة هذه المجموعات بمجموعات أخرى من الفِيَلَة لديها هياكل اجتماعية سليمة لم تُمَسَّ، وُجِدَ أن نصف الإناث فقط لديها صغار تحت سن عامين، أي إن ما أحدثه التمزُّق الأسري من ضغط أدَّى إلى انخفاض القدرة الإنجابية بوضوح عند الفِيَلَة (دورية كونزرفيشن بيولوجي، المجلد ٢٢، صفحة ١٥٩٠).

فقدان القائد

في محمية سامبورو الوطنية ومحمية بافَلو سبرنجز الوطنية في شمال كينيا، حيث كانت تعيش أنثى الفيل إلينور، هناك الكثير من العلامات التي تدل على أن الصيد غير المشروع يعمل على تمزيق الحياة الأسرية للفِيَلَة. قام فريق بقيادة جورج ويتيماير في جامعة ولاية كولورادو في مدينة فورت كولنز بإضافة العلاقات الجينية للفِيَلَة التي تعيش في هذا المكان على العلاقات الاجتماعية التي أخضعوها للملاحظة على مدار خمسة أعوام. وجد الفريق أنه في هذا المجتمع الذي يعاني من التمزُّق، تشكَّلَتْ مجموعات اجتماعية مترابطة ومتماسكة حتى بين الأفراد غير المنتمية للمجموعة ذاتها. ويركز أحد طلبة الدراسات العليا لدى ويتيماير حاليًّا على دراسة الفِيَلَة التي فقدتْ أحدَ والدَيْها جرَّاء الصيد غير المشروع، وفحص التوتر النفسي والتغيُّرات السلوكية الناتجة عن فقدان عائلاتها، وما تفعله هذه الحيوانات لإعادة بناء حياتها ومجتمعاتها.

ما زلنا لا نعلم حتى الآن مدى ما يُحدِثه قتلُ الأمهات الحاكمة الكبيرة السن والحكيمة من أضرار. وبما أن الأمهاتِ الحاكمةَ عظيمةُ الفائدة والأهمية في حلِّ المشكلات اليومية المتعلقة بالحصول على الطعام والشراب والشعور بالأمن والتناسُل، فإن الشبكة الاجتماعية بأكملها ستشعر بفداحة الخسارة. لكن، الأبحاث التي أجراها كلٌّ من ويتيماير ودوجلاس هاميلتون على مجموعات الفِيَلَة التي تضرَّرَتْ بشدة من الصيد غير المشروع، تشير إلى أنه بالرغم مما أحدثه الصيد من تمزُّق للبنية الاجتماعية، إلَّا أن الأفيال وشبكتها الاجتماعية قادرةٌ — على المدى الطويل — على التعافي واستعادة سابق عهدها قبل المعاناة؛ حيث تستطيع الفِيَلَة التعافي في حال إيقاف الصيد غير المشروع، إلا أنه ثمة شكوك كثيرة حول إمكانية هذا الافتراض.

قد تكون الأمهاتُ الحاكمة التي تعتبرها الفِيَلَةُ الأخرى صاحبةَ القيادة بارعةً في حلِّ المشكلات التي تواجهها الفِيَلَة، ولكن البشر في الوقت الحالي هم المشكلة الكُبْرى التي تواجِهها الفِيَلَة، وهي المشكلة التي لا تستطيع الفِيَلَة إيجادَ حلٍّ لها.

16 Dic, 2015 01:06:38 PM
0