Pasar al contenido principal

نظرية الكيوبايزم: هل يكمن عدم اليقين الكمي بأكمله في العقل؟

إن العالم المِجْهري الذي وصفتْه نظريةُ الكمِّ يبدو مكانًا غريبًا ومُرْبِكًا، لكن بعض الفيزيائيين يدفعون بأن عدم اليقين موطنه العقل البشري وحسب.

انتَزِعْ لعبة من أصغر طفل رضيع، ومن المحتمل أن يكون ردُّ الفعل مُحبِطًا بالنسبة إليك. يبدو أن معظم الأطفال يستنتجون ببساطة أنَّ ذلك الجسم لم يَعُدْ موجودًا، لكنَّ هذا الأمر سرعان ما يتغير. وفي خلال العام الأول أو ما شابه تُصبِح ممارسة لعبة الغُمِّيضة مع الأطفال أمرًا ممتعًا. حينما نكون أطفالًا سرعان ما ندرك أنَّ الأشياء تظل على حالتها دون تغيير حتى وإن لم نكن ننظر إليها.

نظرية الكمِّ ليست هي ما يتسم بعدم اليقين.

نظرية الكمِّ ليست هي ما يتسم بعدم اليقين.

بالتأكيد إننا في ذلك العُمْر لا نعرف شيئًا عن نظرية الكمِّ. إن نظرية الكم — وهي إحدى النظريات الفيزيائية التي خضعت للاختبار جيدًا، ومصدر أجهزة الكمبيوتر والليزر والهواتف المحمولة التي يَجِد البالغون منَّا مُتعتهم فيها — تخبرنا بأن الوحدات البنائية الأساسية للواقع تتَّخذ شكلًا مختلفًا وغامضًا للغاية حالَ عدم النظر إليها. فالإلكترونات أو الكواركات أو الذرات الكاملة من الممكن أن تتواجد بسهولة في مكانينِ مختلفينِ في الوقت ذاته، أو أن يكون لها العديد من الخصائص في آنٍ واحد. لا يمكننا التنبُّؤ يقينًا أيًّا من الاحتمالات العديدة سنراه؛ فذلك الأمر يعود بأكمله إلى الجانب العشوائي من الاحتمالات.

ليست تلك هي الطريقة التي يبدو أنَّ عالمنا الكلاسيكي الناضج يعمل وَفْقًا لها، واستغرق الفيزيائيون قرابة القرن من الزمان في السعي إلى تفسير ذلك التبايُن المُحيِّر، ولكن ذلك لم يُجْدِ نفعًا؛ فقد انتهى بنا الأمر لا نعلم شيئًا مثل الأطفال بعدما واجهنا الواقع بصورته الأكثر جوهرية.

يعتقد ديفيد مرمين أنَّ لديه شيئًا معقولًا ليقوله. بوصفه عالم الفيزياء الذرية في جامعة كورنيل في إيثاكا بنيويورك، قضى ديفيد معظم حياته المهنية التي استمرت طوال نصف قرن رافضًا التأملات الفلسفية حول طبيعة نظرية الكمِّ. الآن، توصَّل ديفيد إلى اكتشافٍ مُلهم. إن السبيل لحلِّ ألغاز الكمِّ هو التخلي عن الفكرة المتأصلة القائلة بأننا يمكننا أن نَصِل إلى رؤيةٍ موضوعيةٍ عن الواقع. ووَفْقًا لهذه الفكرة المثيرة، فليس العالم هو ما يتسم بعدم اليقين؛ بل نحن من نتسم بعدم اليقين.

إن الفكرة القائلة بأنه يمكن تحقيق نظرةٍ موضوعية وصحيحة عمومًا عن العالم من خلال وضع قياساتٍ تخضع للمراقبة السليمة؛ ربما تكون الافتراض الأكثر جوهرية للعلوم الحديثة. تصح هذه الفكرة تمامًا في العالم العِيانيِّ الكلاسيكي. فإذا ما قمت بركل كرة قدم، ستخبرك قوانين نيوتن للحركة بمكان تَوَاجُد الكرة لاحقًا، بغضِّ النظر عمَّن يشاهدها وكيف يشاهدها.

مع ذلك، حرِّك جُسَيْمًا كمِّيًّا مثل إلكترون أو كوارك وستجد أنَّ اليقين يتلاشى. في أحسن الأحوال، تُتِيح نظرية الكمِّ لك حساب احتمالية حدوث نتيجة واحدة من بين عدة نتائج مُكوَّدة في دالَّةٍ موجيَّةٍ متعددةِ الأوجه تصف حالة الجُسَيم. ومن الممكن لمراقبٍ آخَرَ يجري قياسًا متطابقًا على جسيم متطابق أن يُقدِّم قياسًا مختلفًا للغاية. ومن ثَمَّ، ليس أمامك طريقة للتحدث يقينًا عمَّا سيحدث.

إذن، ما هي الحالة التي يكون عليها شيءٌ كميٌّ في حال عدم النظر إليه؟ إنَّ الإجابة المقبولة على أوسع نطاق هي تفسير كوبنهاجن، وسُمِّي بذلك على اسم المكان الذي جرى فيه العديد من التأملات الفلسفية المبكرة. إنَّ التجربة المشهورة لقِطَّة شرودنجر توضح النتيجة التي توصَّل إليها. ضَعْ في صندوقٍ زجاجةً تحتوي على غازٍ مُمِيت قد ينبعث أو قد لا ينبعث نتيجة لوقوع حادثٍ كَمِّي عشوائي مثل تحلُّل ذرة مشعة، وسيصبح وضع القطة البائسة لايقينيًّا؛ أي في حالةٍ مركبةٍ من الحياة والموت. لكن، فقط عند فتح الصندوق، فإن الدالة الموجية للقطة «تنهار» من حالاتها العديدة المحتملة لتصبح حالة واحدة واقعية.

إن هذا الأمر يؤدي إلى نشأة مشكلات فيزيائية وفلسفية عديدة. تساءل أينشتاين مصيبًا عما إذا كانت مراقبة فأرٍ كافيةً لانهيار دالة موجية. وإذا لم تكن كافيةً، فما هو الشيء المميز للغاية في الوعي البشري؟ كما تساءل عما إذا كانت قياساتنا تؤثر فعلًا في الواقع، وتؤدي أيضًا إلى نشأة تأثيرات مثل «التأثير الشبحي عن بُعْد»؛ وهي عبارة تنمُّ عن الرفض، أطلقها أينشتاين لوصف كيف يمكن أن تتسبب مراقبة دالة موجية في انهيار دالة موجية أخرى ظاهريًّا في الوقت ذاته على الجانب الآخر من الكون.

من ثَمَّ، فإن هناك غموضًا حول كيفية اتخاذ الذرات والجسيمات أشكالًا منفصلة عن بعضها، لكن الأجسام التي تُرى بالعين المجردة مثل القطط لا يمكنها ذلك، على الرغم من أنها تتكوَّن من ذرات وجسيمات. إن هدف شرودنجر من تقديم تجربة القطة هو توضيح هذا الحدِّ الفاصل الذي يتعذَّر تفسيره بين العالم الكُمومي والعالم الكلاسيكي. إنَّ هذا الحدَّ الفاصل لا يتواجد هناك فحسب، بل هو أيضًا «مراوغ»، كما وصفه جون بيل، عالم الفيزياء الكَمِّية: يعمد الفيزيائيون إلى وضع أجسام أكبر على الدوام في حالات كَمِّية مبهمة؛ حتى لا يكون لدينا طريقة مُحددة لتحديد موضع وجود الحدِّ.

إن تفسير كوبنهاجن يتجاهل تمامًا هذه الأُحْجِيات الخاصة بالكمِّ؛ ممَّا جعل الفيزيائي مرمين يُطلق عليه — وهي التسمية التي اشتُهرت — نهج «اصْمُت واحْسِب» في مقالة كتبها عام ١٩٨٩. اعتبر مرمين نفسه من مؤيدي هذا النهج. على الرغم من وجود البدائل بالفعل — مثل العديد من التفسيرات للعالم التي تشير إلى أن الكون ينقسم إلى مسارات مختلفة في كلِّ مرَّة يُلاحظ فيها أي شيء — إلَّا أنَّ أيًّا منها لا يبدو تمامًا أنه يقضي على الغموض الرئيسي.

خطأ متكرر

الآن، يعتقد مرمين أنَّ أحد هذه البدائل بوسعه القضاء على هذا الغموض. إن هذه الفكرة ليست فكرة مرمين؛ ففي الواقع، قضى مرمين أكثر من عَقْد من الزمان في الاحتجاج على هذه الفكرة واختلف مع مبتكريها؛ وهم: كارلتون كيفز من جامعة نيومكسيكو في مدينة ألباكركي، وكريستوفر فوكس من معهد بيريميتر للفيزياء النظرية في مدينة واترلو بكندا، وروديجر شاك من كلية رويال هولواي، جامعة لندن.

تُعرف هذه الفكرة باسم نظرية الكيوبايزم، وأفكارها تنبع من إعادة تقييم مغزى احتمالات الدالة الموجية التي يبدو أنها تحكم العالم الكُمومي (انظر الشكل). من المألوف أنَّ هذه الاحتمالات يُنظَر لها باعتبارها احتمالات «تَكرارية»؛ فبالطريقة ذاتها التي قد تتَّبعها في عدِّ مرَّات قذْفٍ لعملة على وجه الصورة أو وجه الكتابة من أجل استنتاج تساوي الاحتمالات مناصفة، يخبرك العديدُ من قياسات نظام كمومي ما التكرارَ النسبي لحالاته المتعددة التي تظهر فجأة بين الحين والآخر.

عدم اليقين اللايقيني: وَفْقًا لنظرية الكيوبايزم، فإن الغموض الكمِّي يعكس فقط افتقارنا للمعرفة بالعالم.

عدم اليقين اللايقيني: وَفْقًا لنظرية الكيوبايزم، فإن الغموض الكمِّي يعكس فقط افتقارنا للمعرفة بالعالم.

على الرغم من جوانب القصور بالاحتمالية التَّكرارية، ولا سيما عند التعامل مع أحداث مُفردة ومنعزلة، فإنَّه يَشِيع استخدامها في العلوم؛ وذلك نظرًا لطريقتها في تحويل المراقب إلى آلة عدٍّ موضوعيَّة تمامًا. ولكن ثَمَّة منهج بديل وأقدم، ابتكره قَسٌّ إنجليزيٌّ يُدعى توماس بايز في القرن الثامن عشر. وهذا هو نوع الاحتمالية التي تظهر فجأة في عبارة مثل: «هناك احتمال بنسبة ٤٠٪ لسقوط الأمطار اليوم.» إنَّ قيمة هذه الاحتمالية ليست موضوعية أو ثابتة، بل تقييم متغير يتوقف على العديد من العوامل المتغيرة؛ مثل ضغط الهواء الحالي، ومدى تشابه تطور منظومات الطقس في الماضي. فإذا حصلت على معلومة جديدة مثل مشاهدة مجموعة من السُّحب المُنذِرة بسقوط الأمطار عند إزاحة الستائر في الصباح، يتغير تنبُّؤك باحتمالية سقوط المطر ليصل إلى ٩٠٪ أو ١٠٠٪. ومن ثَمَّ، فإنَّ الاحتمالية الفعلية لسقوط المطر لم تتغير، ولكن معرفتك بهذه الاحتمالية هي التي تغيرت.

إنَّ الحُجَّة الرئيسية لنظرية الكيوبايزم هي أنه من خلال تطبيق هذا النوع من الاحتمالية الأكثر ذاتية على العالم الكُمومي، فإن آفاقًا جديدة تمامًا ستتضح وتظهر. فإذا ما قمت، على سبيل المثال، بقياس اللف المغزلي لإلكترونٍ خفيٍّ فإنك ستحصل على معرفة جديدة وستُحَدِّث تقييمك للاحتمالات بناءً على ذلك، من عدم اليقين إلى اليقين. لم يحتَجْ أيُّ شيء إلى التغيُّر على المستوى الكُمومي. إنَّ الحالات الكَمِّية والدالات الموجية وكافة أدوات المنظومة الاحتمالية الأخرى لميكانيكا الكمِّ لا تمثِّل حقائق موضوعية عن الأشياء في العالم الواقعي، بل هي أدوات ذاتيَّة نستخدمها لتنظيم عدم يقيننا تجاه قياسٍ ما قبل إجرائه — بمعنًى آخر — يكْمُن الغموض الكمِّي في العقل كُليًّا. يقول مرمين: «إنَّ الأمر هكذا بكلِّ بساطة.»

ما تجدر ملاحظته أنَّ المناقشاتِ المُكثَّفة استغرقت من فوكس وشاك ستة أسابيع في جنوب أفريقيا العام الماضي من أجل إقناع مرمين في نهاية الأمر أنه كان أحد المؤيِّدين لنظرية الكيوبايزم طوال الوقت. وقد نشر كلٌّ من فوكس وشاك الاستنتاجات التي توصَّلا إليها معًا في شهر نوفمبر الماضي.

إنَّ روعة هذه الفكرة — بالنسبة إلى مرمين — تكْمُن في أنَّ المفارقاتِ التي ابتُليت بها أُسُس ميكانيكا الكمِّ تلاشت بكلِّ بساطة. إن القياسات لا «تتسبَّب» في حدوث الأشياء في العالم الفعلي، مهما كانت، بل إنها تتسبَّب في حدوث الأشياء في عقولنا. إن التأثير الشبحي عن بعدٍ يُعَدُّ وهْمًا أيضًا؛ حيث إن ظهور تغيُّرٍ عفويٍّ هو مجرد نتيجة لوجود طرفين يؤدِّي كلٌّ منهما قياساتٍ على نحوٍ مستقلٍّ تعمل على تحديث حالة معرفتهما.

بالنسبة إلى ذلك الحد الفاصل المراوغ، فإن العالم «الكلاسيكي» هو المكان الذي تتواصل فيه أعمال القياس؛ وذلك لأننا نرى الأشياء بأعيننا. في الوقت ذاته، فإن العالم المجهري «الكمومي» هو المكان الذي نحتاج فيه إلى إجراء قياسٍ واضحٍ باستخدام أداة ملائمة من أجل الحصول على المعلومات. من ثم، فنحن بحاجة إلى وجود نظرية يمكنها أن تأخذ في الاعتبار جميع الأشياء التي قد تحدث حال عدم رؤيتنا لها؛ وذلك من أجل التنبؤ بالنتائج في هذه الحالة. إن الحدَّ الفاصل بين ما هو كمي وما هو كلاسيكي — من منظور مؤيدي الكيوبايزم — هو الحد الفاصل بين ما يحدث في العالم الفعلي وتجربتك الذاتية عن العالم.

غاية ما توصل إليه المراقبون

يعتقد ويليام ووترز، أحد المنظِّرين المتعمِّقين في نظرية الكمِّ، ويعمل أستاذًا لدى كلية ويليامز في مدينة ويليامز تاون في ولاية ماساتشوستس؛ أنَّ هذا التفسير هو أكثر التفسيرات التي ظهرت في السنوات الأخيرة لنظرية الكمِّ روعةً، ويشير إلى السوابق التاريخية. يقول ووترز: «إنَّ هذا التفسير يتناول اهتمام شرودنجر بشأن استبعاد تجربتنا الذاتية بوضوح من العلوم الفيزيائية، فضلًا عن أنه يتطلب ويوفِّر، على حدٍّ سواء، مكانًا للشخص القائم على التجربة.»

هناك فيزيائيون آخرون أقلُّ تحمُّسًا. اقترح كارلو روفيلي من جامعة إكس مارسي في فرنسا، فكرةً مشابهةً أقلَّ تطرُّفًا، وتعتمد على رؤية المراقب، تُعرَف باسم ميكانيكا الكمِّ العلائقية في عام ١٩٩٦. شعُر روفيلي بالقلق من أن نظرية الكيوبايزم تعتمد كثيرًا على فلسفةٍ كان الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط يناصرها في القرن الثامن عشر، والتي تنصُّ على أنه ليس هناك تجربة مباشرة للأشياء سوى التجربة التي نبنيها في عقولنا من المُدخلات الحسِّية. يقول روفيلي: «أفضِّلُ تفسيرًا لنظرية الكم منطقيًّا ومفهومًا، حتى وإن لم يكن هناك بشر يشاهدون أيَّ شيء.»

يعتقد أنطوني فالانتيني أيضًا من جامعة كليمسون في ساوث كارولاينا، أنَّ نظرية الكيوبايزم تحرِّك الأشياء في الاتجاه الخطأ. يرسم فالانتيني صورة لشخص يضع مُعدَّة لقياس طاقة جُسَيمٍ ما، ثم ينصرف لتناول كوب من الشاي. أثناء تناول الشاي في فترة الاستراحة، هل كان للمؤشر المتواجد على القرص المدرج المستدير للمُعدَّة اتجاهٌ مُحدَّد؟ من وجهة نظر مؤيد الكيوبايزم أن المؤشر قد لا يكون له اتجاه، فلا تستطيع أن تقرِّر ذلك، على الرغم من أن الخبرة تُخبرنا أن أي جسم يُرى بالعين المجردة، مثل المؤشر، دائمًا ما يكون له اتجاه مُحدد. يقول فالانتيني إن تلك الرؤية لا يمكن أن تُؤخَذ بمحمل الجدِّ، ويضيف: «أي نظرية فيزيائية يجب أن تحاول وصفَ العالم المادي لا أن تكون محض كلام نظري وحسب.»

يردُّ شاك قائلًا إنَّ هناك عالَمًا واحدًا فقط، وعلينا إيجاد سبيل لتوحيد تفسيراتنا الكلاسيكية والكَمِّية لهذا العالم، حتى وإن كان ذلك يعني قبول فكرةِ أننا ليس لدينا ارتباطٌ موضوعي بالواقع في أيٍّ من المجالين. يقول شاك: «إن نظرية الكيوبايزم تتجاهل فكرة أن الطبيعة يمكن وصفها على نحوٍ ملائم من منظور مراقب مستقلٍّ.»

بالنسبة إلى شاك، فإن العلامة الأقوى على أن نظرية الكيوبايزم تسير على الطريق الصحيح هي تجربة ذهنية تُعرف باسم صديق فيجنر. تخيَّل أنك تقف خارج غرفة مغلقة حيث يوشك صديق على فتح الصندوق الذي يحتوي على قطة شرودنجر. يشاهد صديقك نتيجةً واضحة؛ وهي أن القطة إما حيَّة أو ميِّتة. لكن، عليك وضع مجموعة من الاحتمالات تستند إلى تراكب جميع الحالات الممكنة للقطة والتقارير التي قد يوردها صديقك عن حالة القطة. فمن يكون على حقٍّ؟ من منظور مؤيدي الكيوبايزم، فإن كليهما صحيح؛ ليس هناك أيُّ تناقُض إذا كانت نتيجة قياسٍ ما ذاتيةً دائمًا بالنسبة إلى الشخص الذي مرَّ بالتجربة.

سعى مرمين مؤخرًا، بكل حماسٍ بعد أن تغيَّر موقفه؛ لإقناع مَن ينتقصون مِنْ قَدْر نظرية الكيوبايزم بتطبيق منطقٍ كيوبايزيٍّ على المشكلات الخاصة بكيانٍ لا علاقة له بنظرية الكمِّ ولا الاحتمالية، ألا وهو: الزمكان (انظر الجزئية تحت عنوان «الكيوبايزم والزمكان»).

لكن كاسلاف بروكنر من جامعة فيينا في النمسا يتساءل: إلى أيِّ مدًى يمكن أن تأخذنا هذه المناهج؟ يقول كاسلاف: «لا أرى في نظرية الكيوبايزم القدرة على تفسير سبب امتلاك نظرية الكمِّ للبنية الرياضية والمفاهيمية التي لديها.» هناك نظريات أخرى عن العالم في صورته الأكثر جوهرية قد يكون لها أسس بايزية مماثلة، فلماذا إذن تتوصل نظرية الكم تحديدًا إلى الإجابات الصحيحة؟ يفضل بروكنر، مثله كمثل العديد من الفيزيائيين الذين فحصوا دعائم ميكانيكا الكمِّ، إعادةَ بناء ميكانيكا الكمِّ باستخدام مجموعة رئيسيَّة من المبادئ أو البديهيات.

قد تتساءل: أكان هذا الأمر بأكمله ذا أهمية؟ علمًا بأن نظرية الكمِّ تصف العالم على نحوٍ طيِّبٍ وتمدنا بالابتكار التكنولوجي. يقول روفيلي إن ذلك الأمر صحيح إلى حدٍّ ما، لكن افتقارنا إلى الفهم البديهي يُعيق بحثَنا عن نظريةٍ أكبرَ يمكنها أن تشمل جميع الأمور الفيزيائية من أصغر المقاييس إلى أكبرها. يقول روفيلي: «في حال رغْبتِنا في فهمٍ أفضل للعالم، على سبيل المثال؛ فهم الجاذبية الكُموميَّة أو علم الكونيات، فإنَّ هذا الأمر يصبح ذا أهمية حقًّا.»

في ظلِّ احتمالية التَّخلي عن الموضوعية العلمية، فإن النزعة إلى الالتزام بنهج «اصْمُت واحْسِب» قد تصبح أقوى من ذي قبل. لكن، من المحتمل أن نظرية الكيوبايزم تمهِّد سبيلًا لتحقيق كلتا النظرتين؛ فنقْلُ غموضِ نظرية الكمِّ إلى عقولنا لا يقلِّل من قدرتنا على الحساب باستخدامها، ولكنه قد يجعلنا فقط نلتزم الصمت بشأن مدى غرابة الأمر برُمَّته.

الكيوبايزم والزمكان

من المنظور البشري يواجه علم الفيزياء مشكلةً مع الوقت. نحن لا نواجه أيَّ صعوبة في تحديد اللحظة الخاصة التي تُعرَف باسم «الآن» والتي تختلف عن الماضي والمستقبل، لكن نظرياتنا لا يمكنها التقاط جوهر اللحظة. إن قوانين الطبيعة تتعامل فقط مع ما يحدث بين فترات زمنية محددة.

يزعم ديفيد مرمين من جامعة كورنيل أنه قدَّم حلًّا لهذه المشكلة باستخدام مبدأ مشابه للمبدأ الذي طبَّقه هو وآخرون على نظرية الكمِّ (انظر الموضوع الرئيسي). علينا التخلي ببساطة عن فكرة وجود زمكان يمكن تحديده على نحوٍ موضوعيٍّ.

إن فكرة الزمكان عند مرمين هي شبكة من الخيوط المتقاطعة التي ترتبط بتجارب أشخاص مختلفين، بدلًا من كونها سلسلة من شرائح أو طبقات تتوافق مع لحظة «آنية» أو «مستقبلية» من بعض وجهات النظر. يتساءل مرمين قائلًا: «لماذا نطوِّر الزمكان من رسمٍ رباعي الأبعاد — والذي يُعَدُّ أداة مفاهيمية مفيدة — إلى جوهر حقيقي؟» يضيف مرمين قائلًا: «من خلال مطابقة النظام المجرد الخاص بي بالواقع الموضوعي، فإنني أخدع نفسي باعتبار هذا النظام هو المكان الذي أعيش فيه.»

ورغم كلِّ شيء، فإن أشياء مثل الفترة الزمنية أو أبعاد الفضاء ليست مطبوعة في الطبيعة تنتظر أن نميزها؛ فالطفل المولود حديثًا ليس لديه أيُّ إدراك أو تصوُّر لها. إن هذه الأشياء ليست إلا أفكارًا مجردة مفيدة نطورها من أجل تفسير عمل الساعة أو المِسْطرة. يقول مرمين إن بعض هذه الأفكار المجردة عالية المستوى نبنيها لأنفسنا مع تقدُّمنا في العمر، وبعضها الآخر أفرزته عقول عبقرية وانتقلت إلينا من خلال المدرسة أو الكتب. ويضيف مرمين: «وبعض هذه الأفكار المجردة مثل الحالات الكَمِّية، لا يتعلمها معظمنا على الإطلاق.»

21 Dic, 2015 02:05:21 PM
0